يواصل الفنان التشكيلي نبيل السمان العمل على مشروعه الذي بدأه قبل سنوات تحت عنوان عريض «في البدء كان الوطن» لما لهذا العنوان من تأكيد على التمسك بالهوية الوطنية والقومية ومواجهة محاولات تحويلنا لأمة دون ذاكرة بغية نهب الكنوز التاريخية لمنطقتنا من قبل القوى الظلامية.
المشروع انطلق في ذهن السمان عند دخول قوات الاحتلال الأمريكية إلى بغداد فاستفزه نهب آثار هذا البلد وما يمثله ذلك من تهديد للتاريخ فعكف ينبش في هذا الكنز مشدداً على ضرورة دعم الثقافة بكل أشكالها لأنها فكر تنويري يحارب الفكر الظلامي الدخيل على مجتمعنا فالثقافة من مسرح و أدب ورسم وغيرها ترتقي بالنفس البشرية إلى مكان أفضل و تكون رادعاً قوياً ضد ما يأتي من أفكار غريبة من الخارج لا تشبه سوريتنا.
وعن الكنز الحضاري والتاريخي في اللوحة السورية يقول السمان «تجربة اللوحة المشرقية لم تشبع و هي في طور البحث عن الزمن المفقود واستدراكه بمعنى الوصول إلى نتائج تشكيلياً ولونياً تقدم لوحة مشرقية فالايقونة المشرقية هي مختلفة عن الايقونة الغربية بالتالي لها خصوصية و هذه الخصوصية هي الهوية مؤكداً على أن الفنان يجب أن يعطي نكهة خاصة بمجتمعنا والا نكون صدى لمدارس الغرب».
وأضاف..«نعتبر جدد على الفن البصري الا ان هذا التاريخ لم يمر بالمراحل التي مر فيها الغرب لذلك لوحتنا بحاجة إلى إشباعها من المكون السوري»، وتابع «إن الفنون الغربية تسلسلت إلى أن وصلت إلى مراحل متطورة لذلك فان استهداف المكون السوري بات همي و هو ما دفعني إلى تقديم لوحة مشرقية ذات قيمة تحمل بوح تاريخنا».
وحض الفنان السوري المعروف على أهمية العمل على ما يسمى الفنون البنيوية التي تحطم الشكل و تبنيه من جديد مشيراً إلى أن اللوحة عند بداياتها تشبه تشكل اللغة فانت تمتلك ادواتها و لكن هناك زمن هو زمن البوح يأتي من اكتمال دورة الحياة و يحمل المعارف و الخبرات بالإضافة إلى هاجس التأليف اللذين يشكلان معاً كلاً متكاملاً عن الكشف و المكاشفة.
وأشار السمان إلى أن الفنان يعيش حالة من التأمل و الحالة الروحية تجعله يشعر بالضوء و الكون اما رحلة اللوحة تبدأ من الظلمة و تنطلق إلى النور مشبها ذلك بعمل الفنانين للأيقونة حيث كانوا يؤسسون الأيقونة باللون الأسود ثم تبدأ رحلة الألوان إلى أن تصل إلى التوهج الذهبي للقديسين لذلك هذا البوح هو تلك المكاشفة بينك و بين العمل الفني الذي يظهر نفسه بعد إزاحة الضباب عنه فتصبح حالة من القلق المستمر للعمل الفني في أن تبقى اللوحة مستمرة و لا تتحول الى لوحة متحف.
ويؤكد السمان أن لحظة الانتهاء من تشكيل اللوحة ككائن لحظة خطيرة لأنها لحظة تتوحد فيها طاقة اما أن تكون حقيقية تستمر بالزمن أو أن تكون مزيفة تبهت مع الوقت و تفقد حضورها مشيراً إلى انك تشعر عند النظر الى لوحات فنانين مثل بيكاسو و مونيه و فان كوخ ان الفنان منهم غادر المكان منذ قليل لأن عملهم الفني مثل القصيدة التي تعبر عن مشاعر الإنسان.
وعن تجربته الفنية يقول السمان إن لوحاته تخضع لعدة قراءات و كل مشاهد لهذه اللوحة يتذوق المشاهد من خلال قراءته الشخصية لها و ثقافته وهو يعطي قيمة مضافة لها لذلك فمشاهد اللوحة يراها بالطريقة التي يريد أن يراها لذلك يجب ان يكون في اللوحة لحظة غامضة تدفع المتلقي لولوج هذه العوالم برحلة عقلية وجمالية لاكتشافها.
وفيما يتعلق بتسويق اللوحات أشار السمان إلى أن الوضع كان جيداً قبل الأزمة و بدأ السوريون يتعرفون بشكل كبير على الفن التشكيلي مشيراً إلى أن اقتناء اللوحات القيمة نوع من أنواع الاستثمار لا يقل أهمية عن بقية الاستثمارات لان قيمتها فيها بالأخص اذا اقتنوا لفنانين لهم مشاريع فنية لكنه لفت الى أنه خلال الأزمة بات للسوق المحلي أولوياته الحياتية اليومية و لم يعد اقتناء اللوحات ضمن أولوياته موضحاً أن النت هو طريقة جيدة للتسويق خارج سورية.
وأكد السمان أهمية دعم المشاريع الثقافية وسن قوانين خاصة لتشجيعها مثل إعفاء جزء من ضريبة الدخل للقطاع العام و الخاص كما في الدول المتقدمة لإقامة مشاريع ثقافية مما يحصن المثقف من الارتزاق ويجعله غير مرتهن للآخرين.
يشار إلى أن الفنان السمان ولد في دمشق عام 1957 تخرج في كلية الفنون الجميلة قسم تصميم داخلي «ديكور» عام 1981 ونفذ العديد من الديكورات لمباني رسمية وخاصة في سورية كما نفذ العديد من اللوحات الجدارية في دمشق وعمان والكويت واقام عددا من المعارض الفردية في سورية وعددا في الدول العربية والأجنبية وأعماله مقتناة في معرض وزارة الثقافة ومتحف دمشق ومتحف الشارقة.
اكتشف سورية