غدنا يبدأ اليوم: ندوة ثقافية حوارية عن تداعيات الأزمة السورية

.

دعت ندوة حوارية ثقافية إلى ضرورة مواجهة التطرف والتعصب وإيجاد ميثاق وطني جامع للسوريين والوقوف على أسباب الأزمة وتوصيفها ودراستها نحو إعادة بناء المجتمع والدولة. وأكدت الندوة التي جاءت بعنوان «غدنا يبدأ اليوم .. نحو مجتمع سوري متجدد» -التي أقيمت في دار البعث أمس الأول- ثقتها بالإنسان السوري القادر على البناء.

حفلت الندوة، التي بحثت ثلاثة محاور أساسية حول تشخيص وتحليل الوضع السوري الراهن ما قبل الأزمة وما بعدها والرؤية المستقبلية لسورية وبناء المجتمع والوطن والدولة، حفلت بطروحات جريئة ومسؤولة تصدى لها باحثون وأكاديميون لامست مسببات الأزمة والظروف الداخلية والخارجية التي أدت لها وانعكاساتها السلبية على المجتمع السوري وسبل وآليات الخروج منها، ولم تقتصر الندوة على جانب محدد خارجي أو داخلي، إنما شملت مختلف جوانب الأزمة من تداعيات وأسباب.

توقفت رئيسة الهيئة السورية لشؤون الأسرة الدكتورة أنصاف حمد في مداخلة لها عند نقاط قوة الدولة السورية التي جعلت من القوى الكبرى تعمل على زعزعة مكامن هذه القوةK عبر الكثير من القنوات والطرق والوسائل المختلفة وعلى الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ومن هنا فإن د. حمد ترى أن ما سمي «الربيع العربي» كان المراد منه خنق إمكانات قيام مشروع نهضوي حقيقي عبر خلق حركات متشددة ومتطرفة، وأشارت د. حمد إلى أن بنية داخلية مشجعة فعلت فعلها في الأزمة الحالية عندما تهيأت لها نقاط ضعف عديدة استغلتها هذه القوى في حربها ومن نقاط الضعف التي أشارت إليها د. حمد: محدودية المشاركة السياسية، عدم وجود قانون أحزاب، الزيادة السكانية الكبيرة غير المضبوطة، التي تمّ التعامل معها -برأي د. حمد- بمواربة وخجل وانسحاب الدولة، مقابل إفساح المجال للقطاع الخاص مع انتشار الفقر والبطالة وانسداد الأفق، مما أدى إلى ظهور ذهنيات متطرفة ومتعصبة.

وأشارت الدكتورة حمد إلى التغاضي عن التعامل مع بعض الملفات السابقة (مشكلة الأكراد، أحداث الثمانينيات)، حيث أُغلِقت الملفات فيها دون مصالحة أو مكاشفة، وانتشار الفساد وغياب الحياة السياسية وعدم وجود رقابة ومحاسبة والتعسّف في ممارسة دور الدولة في الكثير من القرارات الجائرة التي بدت وكأنها نصوص «مقدسة» مثل: الاستملاك، التحالف غير المحمود بين رموز السلطة والمال لتمرير بعض القرارات الاقتصادية، الانفتاح (الاقتصادي) على تركيا الذي أدى إلى ضرب الصناعة، السوق الاجتماعي والتوجه نحو الخصخصة تحت عنوان «التشاركية»، تراجع الاهتمام بالقطاعات الزراعية، إهمال مناطق النموّ السكاني «الشرقية والشمالية»، وكل ذلك ترافق بمجاملة التيارات الدينية، وبالتوازي معه تمت عرقلة مشروعات إصلاحية حقيقة بالتضافر مع القوى الخارجية من خلال مقاومته من بعض القوى الداخلية المستفيدة التي تمّ زرعها لتحويل نقاط القوة إلى ضعف.

رئيسة مجلس الأمناء في شبكة نوسيتا، أشارت الدكتورة أيسر ميداني في مداخلتها إلى أن ما يجري في سورية برأيها ليس أزمة، إنما هي حرب مستمرة، لتقسيم سورية طائفياً، متوقفةً عند قوة الدولة السورية. كما أكدت الدكتورة الميداني، التي أبدت أسفها لتهشم البنى التحتية وتخريب النسيج الاجتماعي، أكدت ثقتها أن الإنسان السوريّ سيعود ويعمّر ما هُدِّم، مشيرةً إلى أن الحل يكمن بضرورة إعادة بناء المواطن والمواطَنة وتفعيل لدور الإعلام والثقافة والعلم ومشاركة المرأة والحماية من التطرف وبناء مجتمع جديد عبر الإبداع والمسؤوليات، والعودة إلى النسيج الاجتماعي وإعادة بناء المواطن ووضع برامج سلوكية شاملة لمعالجة الحالات النفسية المرضية والسلوكيات الغريبة والشاذة التي أصيب بها عدد كبير من السوريين نتيجة للحرب.

فيما استعرضت عضو مجلس الشعب السوري ماريا سعادة واقع ما قبل الأزمة في عناوين عريضة على الصعد السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، مشيرةً إلى أن سورية إذ كانت على الدوام هدفاً للقوى الخارجية في شكل مؤامرة لا ينتهي، أما اقتصادياً فقد شهدت انفتاحاً غير مسبوق، مع وجود نظام اقتصادي غير واضح المعالم يعتمد الاكتفاء الذاتيّ، وعلى الصعيد الاجتماعي لاحظت سعادة غياباً لعمل المراكز الثقافية الوطنية والمحلية لمصلحة نشاط واضح للمراكز الثقافية الغربية: «استوردنا ثقافة الغرب ولم نظهر غنى سورية على صعيد الثقافة والفكر ما ساهم في مرور تيارات دينية، والوصول إلى ثقافة مجتمعية عبر مرحلة تاريخية تقوم على الفردية وثقافة المحسوبيات وعدم تقبّل الآخر وصولاً إلى الأزمة»، الأزمة التي تراها سعادة مركّبة من المستوى الدولي والإقليمي والداخلي.

وأشارت سعادة في مداخلتها إلى أننا أمام صراع على مصادر الطاقة والسيطرة على القرار الدولي وحماية أمن إسرائيل وضرب خط المقاومة، أما دولياً فتشير إلى مرحلة مخاض لنظام عالمي جديد، وهو نظام سياسي واقتصادي لا يمكن أن يتشكل دون مجتمعات جديدة. ولفتت سعادة إلى ما يحدث من إعادة هيكلة المجتمعات ليس في سورية فحسب وإنما في العالم، ما يؤكد وجود تحديات كثيرة، لعل أبرزها المفاهيم الإنسانية أو المفاهيم التي ستُطرَح في هذه المرحلة وهي ما يمكن أن يعيد تشكيل الأنظمة. أما على المستوى الإقليمي «فنحن نواجه رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط ومحاولة خلق أنظمة سياسية تقوم على أساس دينيّ».

وأكدت سعادة في مداخلتها أن أحد أهم أسباب الأزمة يكمن في فجوات بدا فيها أن العلاقة ما بين الدولة والمجتمع أصبحت علاقة ندية وليست ودية وعزت سعادة ذلك إلى احتكار السلطة والقرار السياسي وغياب التعددية السياسية، الأمر الذي أدى إلى اهتراءٍ مؤسساتيّ وانتشار الفساد الذي سمح في إيجاد هوّة بين الأجيال الثلاثة وصراعها، أما الانتقال إلى سورية جديدة فهو متعذر برأي سعادة دون تآلف الأجيال وحضورها معاً يداً بيد.

وفي حديثها عن بدايات الأمة، لفتت سعادة إلى أن الشعب أصبح أداة للحرب على سورية، عبر فرز المجتمع إلى معارضة وموالاة ومحاولة تفتيت المجتمع على أساس طائفيّ، مع ضرب الاقتصاد عن طريق العقوبات وتدمير البنى التحتيّة والإعلام المفبرك واستقطاب الكفاءات وتشجيع الانشقاقات.. كل ذلك في محاولة لتغيير هوية بصرية وسمعية والانتقال إلى زرع مفاهيم جديدة.

وأشارت سعادة إلى أن ردّ فعل الدولة في بداية الأزمة كان معالجة خجولة وإدارة الأزمة من خلال الحسم، ولأن المجتمع كان أداة أساسية في هذه الحرب نسيت الدولة أن أهمية تماسك المجتمع نقطة مهمة. لذلك رأت سعادة أنه لا بدّ من إعادة خلق شبكة أمان اجتماعيّ من شأنها أن تحمل الدولة في الوقت الحاضر والمراحل القادمة، مع إشارتها إلى أن الحسم العسكري ضروري في مناطق جغرافية معينة وهو ليس إلا جزءاً من حلّ سياسيّ، ورأت سعادة أن بداية حلّ الأزمة يتم على مستويين: مستوى إسعافيّ وآخر طويل الأمد، فالحلّ الإسعافي يتوقف عند وقف العنف بدايةً «وهذا مرتبط بالوضع الدولي» إلى جانب عودة اللاجئين والمهجرين وتأمين المتطلبات الأساسية للمواطن وإعادة التوازن للحالة الاقتصادية مع تعزيز كرامة المواطن السوريّ.

ودعت سعادة إلى إعادة الثقة إلى الدولة عبر مبادرات المجتمع المدني، ورأت سعادة أن الخلاص أو المعافاة من الأزمة يبدأ بالتوقف عند آثارها ودراستها وتوصيفها والتعويل على الحوار المناطقي للتخلص من المشكلات في المجتمع المحلي، مفرقة بين حوار «أهل الأزمة» وحوار «بناء الدولة» الذي يتعلق ببناء المؤسسات والفرد والتطوير والقوانين والتشريعات: «علينا أن نبدأ بالحوار والقبول بالآخر والاعتراف بأخطائنا وأخطاء الدولة ونشر ثقافة التسامح».

الوطن السورية