المخرج مأمون الخطيب: للمسرح القدرة على استرداد زمام المبادرة

ينتمي الفنان مأمون الخطيب إلى جيل مسرحي وجد نفسه وجهاً لوجه في شبه قطيعة مع جيل الستينيات؛ سواءً من الجمهور الذي انصرف تدريجياً عن خشبات العرض أو حتى من الرواد المؤسسين للمسرح القومي؛ فالفترة التي عاد فيها الخطيب إلى وطنه من جامعة الثقافة البيلاروسية عام 1994 بعد حصوله على دبلوم في الإخراج المسرحي من هناك، شهدت صعود الدراما التلفزيونية في سورية، تزامناً مع فورة الفضائيات العربية -لاسيما النفطية منها- ما ترك آثاره جلية على المحترف المسرحي السوري، وجعل من مهمة إعادة الجمهور إلى صالات العرض مهمة شاقة؛ لينجز هذا الفنان ثمانية عروض لمصلحة المسرح القومي في وزارة الثقافة كان أبرزها عام 1999 في مسرحية «بئر القديسين» عن نص جون ميلنغتون سينغ؛ «الأقوى» في 2001 للسويدي أوغست سترندبرغ؛ «خواطر» عام 2002، «تلاميذ الخوف» عام 2008 عن نص لإيفون وولف، «ليلة القتلة» عن نص خوسيه تربيانا؛ «زنوبيا» عام 2005 عن نص الإسباني كالديرون دي لا باركا.

قدم الخطيب جهداً استثنائياً في مجال التدريس أيضاً؛ موظفاً خبراته الأكاديمية في قسم التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، ليترأس قسم التمثيل ما بين عامي 2011 و2012 جنباً إلى جنب مع إدارته العديد من المهرجانات الدولية والعربية، ويجيب صاحب «عنزة عنوزية»: «أعتقد أن المسرح خُلق بالأساس ليعبر عن ضمير ووعي المجتمع وتالياً الوطن؛ المسرح هو من أكثر الفنون قدرةً على عكس قضايا المجتمع- الوطن -كما المرآة- بل إن المسرح هو مرآة المجتمع في أغلب المجتمعات المتحضرة؛ المسرح يستطيع أن يعبّر عن ضمير الوطن بحمل قضاياه وهمومه الآنية والمستقبلية عن طريق استقراء الواقع واستشراف المستقبل، ولكن بطريقة لا تهمل التاريخ؛ فالمسرح يبحث في الأسباب: كيف؟ ودائماً ما يجيب عن السؤال الأزلي: لماذا؟».

إذاً كيف يستطيع المسرحيون السوريون أن يصوغوا مشروعهم الفني في وجه التهديدات الأميركية؟ يوضح الخطيب: «المسرحيون السوريون يجب أن يصوغوا مشروعهم في وجه كل من يتهدد مدنية وثقافة المجتمع؛ ولاسيما إذا كان التهديد خارجياً. إذا كنتَ تقصد التهديدات الأميركية الأخيرة، فمن البديهي أن نقف ضدها، كونها تهدد حياة الإنسان السوري بكل مكوناته الحضارية والثقافية والاجتماعية؛ فالمسرحي السوري يستطيع أن يصوغ مشروعه بقراءة العقلية الأميركية التي لم تتغير منذ نشوء أميركا؛ والإضاءة على آلية التفكير الأميركي كدولة) ليس فقط القراءة، بل وفهم هذا المنطق الاستكباري (الكوبوي) والعمل على تحليله وكشفه».

وعن شبه الغياب للمسرحيين السوريين عن الساحة الثقافية؛ والدور والمسؤولية الملقاة على عاتق هؤلاء؛ يقول الخطيب: «شبه الغياب للمسرحيين السوريين عن الساحة الثقافية هو بحكم القسري، شروط العمل اليومية في المسرح السوري كانت صعبة جداً في أيام الأمان؛ فما بالك في وقت الأزمة؟ برأيي أن العمل المسرحي يتطلب بعض التفكير الآن بسبب هول الأحداث؛ المسرح لا يستطيع أن يواكب الحدث اليومي كالإذاعة والتلفزيون . بسبب طبيعة العمل والوقت الطويل للازم لإنجاز العمل من دون أن تحوّل عروضنا إلى نشرات أخبار. في المقابل يستطيع المسرح الإضاءة على الأفكار الخالدة كالوطنية وبشاعة الحرب والتطرف والكوارث الانسانية التي تنتج عن الحرب والتطرف لكنني أرى أنه من البديهي أن يتراجع الفن في أوقات الأزمات والحروب بشكل ما؛ فالفن المسرحي يلزمه الأمان كونه فناً جماعياً يتطلب الجهود الكثيرة الإنسانية والتقنية وساعات العمل الطويلة. ومن الصعب هذه الأيام لمّ شمل عدد كبير من الفنانين والفنيين.؛ بشكل شخصي: لا أنفي أيضاً تقاعس البعض وتنصل البعض من المسؤولية».

وعن انحدار بعض من النخبة المثقفة؛ ومطالبة البعض منها بتدخل وعدوان أميركي على سورية؟ يقول صاحب «زنوبيا»: «لا أستطيع التعميم بالنسبة لانحدار النخبة المثقفة؛ ففي سورية الكثير من المثقفين الواعين لكل ما يحدث والذين قرؤوا الأحداث بشكل منطقي؛ وهم يبذلون جهدهم في كل المنابر التي يستطيعون العمل من خلالها؛ من طالب بعدوان أميركي على بلده فهو بكل ببساطة برأيي خائن ومجرم؛ ربما لن يحدث العدوان ولكن الذي حدث هو خيانة هؤلاء. أي إن العدوان وقع علينا من أقرب الناس لنا وهذه مشكلتنا معهم.. عندما يكون الرأي سلمياً ومدنياً ويدعو إلى العدل والمساواة والمدنية والتعددية والديمقراطية..فهذا من أبسط الحقوق. أما طلب العدوان فهو جريمة بحق الوطن ولا رهان على الوطن».

وفيما اذا كان للمسرح القدرة على استرداد زمام المبادرة من طغيان التلفزيون وقدرة هذا الأخير على استقطاب الجمهور؟ يعلق المخرج المسرحي: «هل أصبحت مشكلة المسرح مع التلفزيون مشكلة وجود؟ علينا أن نعترف بأن كلاً منهما فن مختلف عن الآخر؛ ولهذا علينا أن نخلق جمهوراً مسرحياً، تختلف ذائقته عن الجمهور التلفزيوني عن طريق طرح عروض تلامس ما يريده هذا الجمهور؛ إضافة إلى إعادة إنتاج قوانين خاصة بالعمل المسرحي؛ و هذا يتطلب قراراً سياسياً جريئاً وقراراً مؤسساتياً. علينا أن نعيد العاملين في المسرح إلى المسرح أولاً وإغرائهم واستقطابهم؛ أو عن طريق قوانين تشجيعية واضحة وصريحة تكفل لهم العيش بكرامة في حال الوصول إلى فكرة احتراف العمل المسرحي».

يضيف مأمون: «المسرح ينتعش في حالة واحدة عندما يكون هناك قرار بمشاركة القطاع الخاص بدعم العروض المسرحية؛ لقاء إعفاء الشركات من جزء من الضرائب المفروضة عليها؛ كما هو الحال في تونس البلد الذي شهد محترفات مسرحية لفاضل الجعايبي وعز الدين قنون وتوفيق الجبالي ورجاء بن عمار..هذا لم يكن لولا أن هناك من كانت لديه الشجاعة لتحفيز عمل هؤلاء؛ صحيح أن الدولة تقدم الكثير لكن في المقابل على القطاع الخاص أن يسهم في دعم فن الخشبة لرفع أجور فناني المسرح؛ كما هو الحال في الدراما التلفزيونية التي تلقت دعماً غير محدود في هذا المجال؛ كما إن اللعب هو الحقيقة الوحيدة الساحرة للخروج من واقع لا يحتمل، اللعب على الخشبة يعادل تلك المخيلة الطفولية للفن؛ بارئاً من أدران الأيديولوجية، وسطوتها».

من هنا حقق الخطيب مسرحيته «كلهم أبنائي» عن نص الأميركي آرثر ميللر ومن إعداد الدكتور رياض عصمت، ربما كتتمة لمشروع يراه هذا الفنان تشريحاً هادئاً لحتمية التراجيديا المسرحية، التراجيديا التي تدافع عن حقها المعنوي في نقد العالم وتطهيره من خطاياه، فالوطن على حق كما يقول الخطيب في كلمته على بروشور (كلهم أبنائي) جملة ستباغت الكثيرين إذا ما قرأها الجمهور في عرض «تلاميذ الخوف» حين الجميع يعتقد أنه على حق، يصبح الجمهور أمام صراع بين حقٍ وحقٍ آخر.

سامر محمد إسماعيل

جريدة تشرين