«قوس قزح»، عنوان المعرض الشخصي السابع للفنان الضوئي ناصر عبيد والذي انتهى مؤخّراً في صالة الشعب بدمشق، هذا العنوان الذي يعيدنا سريعاً للعلاقة المباشرة بين لوحات المعرض وعلاقة الضوء بألوان الطيف السبعة، والتي تتحول باجتهاد الفنان إلى حالة من الانتقاء لكمّ هائلٍ من الاحتمالات البصرية تَنْظـُمُها مجموعة آليات وتقنيات أهمها ضبط إيقاع كل من الزمان والمكان في مربع من الظلمة، يحدد فيه الضوء أطلال أشياءٍ أفَلَتْ منذ قليل تاركاً بعض توهجه على شكل مساحات محدّدة من الألوان في مكان غالباً ما نجهل معالمه، ليساهم تألّق ذلك الضوء على خلفية سوداء، وفي تلك اللحظة بالذات دون غيرها من بهجة الألوان واحتفائها بتجريد الصورة وما تضم من قيم جمالية وتعبيرية، بتألق كل من الرؤية والرؤيا.
إذن ما بين دهشة البصر وشرود البصيرة هناك مسافة من الزمن، هي نفسها لحظات التأمّل في المشهد والتي يتناوب فيها الحلم بما يمتلك من خيال، والواقع من محاكمة وعقلانية، يبقى موضوع الصورة متأرجحاً بإفصاحه في منتصف المسافة بين أساس الشكل وما بقي منه بعد المعالجة في الصورة أو اللوحة على اختلاف حجمها، والتي عرض الفنان ناصر عبيد بحدود الخمسين كادراً منها برؤى جمالية وتقنية متباينة تصبّ جميعها في مصلحة تَميُّز ما تضمّ تلك المساحة من عناصر قوة جذبْ بصرية، وهذا بفضل دقة وسلامة اختيار الفنان المصوّر لفتحة عدسة الكاميرا وسرعة إطباقها، وما يريد من خلالهما الاحتفاظ به من الشكل لصالح التشكيل، بمساهمة كل من الضوء واللون لكثير من التماهي في الموضوع الذي بدا تجريداً خالصاً ينحاز إلى فضاءات اللوحة التشكيلية أكثر منه إلى الفوتوغراف.
في أعمال الفنان الضوئي ناصر عبيد غالباً ما نلاحظ اقتراب المسافة كثيراً ما بين شكلي التعبير في كل من الفوتوغراف والتشكيل على نفس السطح الحامل لها، بحيث لم نعد قادرين على التمييز بينهما، لينحاز المضمون أو الشكل الفني لعمل التصوير لصالح اللوحة كنتيجة بصرية، اللوحة المرسومة بالضوء والتي تجتمع فيها كل المقومات الإيجابية للتشكيل والفوتوغراف، ودون ترجيح لكفة أي من الجنسين الفنيين على الآخر، وهذا برأيي ما حقـّقه الفنان ناصر عبيد في معظم أعمال معرضه الشخصي السابع هذا (قوس قزح) في صالة الشعب بدمشق 2012.
لقد اعتمد الفنان في تأليف مربعاته على موضوع «البورتريه» كتعبير، كما سجّل بعض اللقطات لحارات المدن القديمة في الليل، والتي تتجلّى في بعض لوحاته وكأنها تحتفي بالضوء لتبدو أجمل بل أكثر تميزاً مما هي عليه في الواقع، كما استمد بعض موضوعاته من عناصر الطبيعة المختلفة كملهم رئيسي، يختار بعضاً منها مستخدماً تقنيات الماء والضوء المُسلَّط من أكثر من مصدر، إضافة إلى الألوان المستمدة من الفاكهة أو من بعض الأشياء الموجودة في المكان ليغني من خلالها كوادره متحرّراً من أية شروط مسبقة خدمة للتكوين الأكثر رشاقة وحيوية من أجل تحقيق رغبته في الوصول إلى نتيجة مختلفة من المتعة، وإدهاش المتلقي بصرياً واستفزاز خياله لتجميع عناصر المشهد من جديد.
في هذا المعرض الذي ضمّ بشكل أساسي نتائج بحثه التقني في استنباط أشكال جديدة من التعبير بالضوء للوحات أقرب في صياغاتها إلى التجريد، هو نفسه الضوء الذي يعكس من خلاله في مربعات تالية منظومة رائعة بل فريدة من الألوان تدلّل عن حاضرة معمارية خالدة نعرفها جيداً، بينما تبدو في لوحاته مختلفة وكأننا نشاهدها لأول مرّة والسبب برأيي تلك الشروط الخاصة من الإضاءة والتصوير التي اختارها الفنان لها، وهذا ما يبرّر عرضها في كل مرة بشكل جديد ومختلف من الرؤية والحضور، وهذا عامل هام يُسَجّل لصالح نجاح المعرض الذي كان مميّزاً في هذه الفترة من السنة بدمشق.
في النهاية وقبل أن نختم هذه السطور التي تبقى محاولة لتسجيل انطباع سريع حول مشاهدة معرض هام بعنوان «قوس قزح» من توقيع الفنان الضوئي ناصر عبيد وهو الشخصي السابع له بعد تخرجه من قسم التصميم الداخلي (الديكور) بجامعة دمشق في العام 1985.
يشار إلى أن الفنان ناصر عبيد من مواليد 1963، عضو اتحاد الفنانين التشكيليين ونادي التصوير الضوئي، وكان قد أقام العديد من المعارض الفردية والجماعية داخل وخارج سورية.
غازي عانا - دمشق
اكتشف سورية