قلعة الحصن

-

موقعها المميز على إحدى قمم الجبال في قلب وادي النضارة وغطلالتها المميزة على القرى المحيطة بها تجعلها تبدو كالحارس الأمين بجدرانها العالية وأسوارها المنيعة وأبراجها الشاهقة إنها قلعة الحصن التي تعتبر من أهم القلاع في العالم من حيث المساحة والمحافظة على الشكل.

ويستطيع زائر قلعة الحصن رؤية البحر منها كما يرى جبال عكار وبرج صافيتا وأطراف حمص وبحيرة قطينة هذه المزايا الطبيعية جعلتها مقصداً للسياح من كافة أنحاء العالم يضعونها على سلم أولوياتهم السياحية.

وتشكل القلعة اليوم هدفاً جميلاً لمستكشفي الطبيعة والمخيمات الكشفية التي تقام في قرية الحواش وبعض القرى الأخرى خلال فصل الصيف حيث ينظمون رحلات سيراً على الأقدام في الجبال في الطرق الفرعية للوصول إليها مستعينين بالتسلية والغناء لتخفيف العناء عنهم حتى إذا ما وصلوا اليها وصعدوا إلى أحد أبراجها العالية زال عنهم تعب الرحلة واخذتهم جمال المناظر الطبيعية على اتساع النظر.


قلعة الحصن

وتبلغ مساحة القلعة ثلاثة هكتارات وبدأ بناؤها عام 1031 وهي تقع على تل يرتفع نحو 750 م فوق سطح البحر على بعد حوالي 60 كم غرب مدينة حمص وتتوسط المسافة بين حمص وطرابلس اللبنانية عند نهاية سلسلة جبال الساحل وتحديداً عند فتحة حمص طرابلس ما يكسبها موقعاً استراتيجياً يسمح لها التحكم بالطريق الرابط بين الساحل والداخل السوري.

وتمثل القلعة بالنسبة لأهالي القرى المحيطة بها والقرية التي توجد فيها والتي تسمى على اسم القلعة كما يقول الباحث التاريخي ميشيل معماري من سكان إحدى القرى المجاورة.. تاريخاً بحد ذاته تحكيه حجارتها الكلسية وأسوارها وأبراجها العالية وهم يفخرون بجيرتهم لها وصورها تختزن في ذاكرتهم منذ طفولتهم حتى الشيخوخة فهم عندما يدلون أحدا على قريتهم يقولون بأنها قرب قلعة الحصن.


قلعة الحصن

ويضيف معماري أن حجارة القلعة كانت تنقل من مسافات كبيرة من بلدة مجاورة تدعى عمار الحصن وكانت تكلف العمال حياتهم لوعورة الطريق وثقل الحجارة لكن نهاية تلك الجهود أسفرت عن قلعة تتميز بعمارتها التي تعتبر من أجمل فنون العمارة في القرون الوسطى والتي أدهشت زائريها وحيرتهم في طريقة البناء ونقل الحجارة إليها.

ومرت القلعة بكثير من العصور والحضارات حتى أخذت شكلها الحالي وبحسب المصادر التاريخية فإن أول من بدأ ببنائها هو أمير حمص شبل الدولة نصر بن مرداس وأسكن فيها حامية كردية لذلك أطلق عليه تسمية حصن الأكراد وذلك لحماية القوافل المتجهة من الساحل السوري إلى الداخل ومن ثم احتلها الصليبيون حيث كانت تقع على الطريق الذي كان يسمى طريق الحج إلى القدس وعملوا على توسيع القلعة وبناء عدد من الأبراج فيها.

وتعرضت القلعة خلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر ميلادي لعدة هزات أرضية استدعى ذلك إعادة تدعيم القلعة حيث تم بناء السور الخارجي ودعمت الجدران ببناء طبقات جدارية جديدة بشكل مائل لحماية الجدران الداخلية والأبراج من الهزات الأرضية وخلال هذه الفترة تم بناء الأقسام الرئيسية في القلعة و ذلك في عهد فرسان المشفى أو فرسان مالطا الذين تسلموا قيادة القلعة ونسبة إليهم سميت قلعة الفرسان حيث كان هناك نوعان من الفرسان هم فرسان المشفى أو ما كانوا يسمون بفرسان القديس يوحنا إضافةً إلى فرسان المعبد وكانوا في القدس.

كما تعرضت القلعة لعدة محاولات لفتحها من قبل صلاح الدين الأيوبي بعد تحريره مدينة القدس والقلاع والحصون الساحلية وقد حاصرها لأكثر من شهر لكنه لم يستطع دخولها لمناعة حصونها وأسوارها الضخمة والمئونة التي كانت تكفي 5 أعوام.

إلا أن الظاهر بيبرس استطاع دخولها بعد حصار دام أكثر من خمسة وأربعين يوما بعد فتح عدة ثغرات في الجهة الجنوبية وهي الجهة التي يمكن اعتبارها الأضعف كون القلعة قائمة في اتجاهاتها الثلاث الأخرى على منحدرات شديدة تجعل اقتحامها من هذه الجهات عملية شبه مستحيلة.

وقام الظاهر بيبرس بإعادة ترميم ما تصدع وتهدم من السور الخارجي لكن القلعة أهملت خلال العهد العثماني وسكنها الأهالي وبقيت مسكونة حتى العام 1927 وابتدأت أعمال الترميم وإخراج الناس من القلعة في العام 1934 م واستمر الترميم حتى العام 1936م.


قلعة الحصن

ويضيف معماري أن القلعة اليوم اخذت مكانة مختلفة وخاصة مع الاستمرار في عمليات الترميم والاهتمام وشق الطرق الواسعة الحديثة التي سهلت الوصول إليها وإنارة الطريق المؤدي إليها والقلعة ليلاً ما حسن المنطقة بشكل عام وهي تتميز بجبالها الخضراء ووديانها التي يوجد فيه كروم العنب وأشجار التين والزعتر الأخضر والنباتات التي تؤكل أو الطبية والتي تشرب من مطر السماء.

ولا بد من القول إن إقامة المهرجانات الغنائية على مسرح القلعة استقطب جمهوراً كبيراً من كافة المحافظات السورية ومن لبنان ومن أهل المنطقة المغتربين والذين لم يعرفوها من قبل إلى معانقة الحاضر مع الماضي والمزج بين سحر التاريخ وأصالته والموسيقى معاً.

ويضيف معماري أن تصوير المسلسلات التاريخية في رحاب القلعة ساهم أيضاً في الترويج لها بشكل كبير وهو كأحد أبناء المنطقة يسأل من قبل الزائرين عن مكانها لهذا الغرض حيث يساهم فضول الناس في التعرف على تفاصيل الأعمال الدرامية في زيارة القلعة والتجول في كل مكان سلطت عليه أضواء الكاميرات.


قلعة الحصن

الجدير بالذكر أن القلعة تضم عدة خطوط دفاعية هي خندق الماء الخارجي والسور الخارجي الذي يضم ثلاثة عشر برجاً دفاعياً فيه فتحات لرمي السهام ومرامٍ لسكب الزيت واصطبلات الخيول إضافة إلى الحامية العسكرية.

ويعتبر السور الداخلي قلعة قائمة بحد ذاتها يفصلها عن السور الخارجي خندق مائي محفور في الصخر حولت إليه أقنية تنقل مياه الأمطار وهي تتكون من طابقين يضمان إسطبلات الخيول ومهاجع الجنود والأقبية والعنابر وقاعات الطعام وغرف المؤونة ويضم كذلك قاعة الفرسان إضافة للمحراب.

كما تضم القلعة حامية عسكرية تستوعب من ثلاثة إلى أربعة ألاف جندي ويوجد فيها إحدى وعشرين بئرا لتجميع مياه الأمطار حيث تم تصميم الأسطح وقنوات التصريف بشكل شبه مائل بحيث تتجه المياه إلى الآبار.

مي عثمان

الوكالة السورية للأنباء - سانا