اللباس الشعبي في الساحل السوري

مزيج من أزياء الحضارات المختلفة

يعتبر الإنسان السوري اول من عرف الملابس والأزياء وتفنن بصنعها. وتدلنا النقوش والزخارف على مدى الخيال الخصب لهذا الإنسان في إيجاد النماذج والتنوع لقطع الملابس التي يرتديها فكان هناك لكل مناسبة زي خاص يستعمله لتلك المناسبة فمنها للعمل اليومي أو للاعياد أو للاحتفال بالانتصارات أو للزواج وهي تحمل في شكلها ومضمونها وانواعها روح الشرق وجماله وغنى موارده وعمق معانية ورفع ذوقه الفني ومحافظته على الأصالة والملامح الشعبية العريقة.

ويشكل اللباس الشعبي في الساحل السوري مزيجا من أزياء الحضارات المختلفة التي تعاقبت على منطقة الساحل وعلى امتداد تاريخه الطويل من الفينيقيين إلى الكنعانيين والآراميين إلى وقتنا الحالي وعادة ماكان اللباس يصنع من المواد المتوافرة في البيئة المحلية كالقطن والحرير والصوف باستخدام الأنوال اليدوية التي كانت تنتشر في القرى وتسد حاجة أهلها.

واختار اهل الريف الساحلي في حياتهم التقليدية البسة تتلاءم وطبيعة المناخ والطقس الى جانب العمل الزراعي الذي يتطلب لباسا يساعد الفلاح على العمل في الارض لساعات طويلة دون أن يخلو من الذوق الجمالي الذي يفصح عنه التنوع الكبير في هذه الألبسة وثراء مفرداتها في كل من زي الرجل والمرأة والطفل. ‏

وذكرت الباحثة التراثية فريال سليمة الشويكي أن لباس الرجل كان يتكون بشكل اساسي من القمباز وهو رداء خارجي طويل لونه ابيض يلبس بدلا من البنطلون وله عدة أشكال حيث يتسع في منطقة السرج يصل إلى الكاحلين مع فتحتين جانبيتين لتسهيل حركة المشي وله أكمام تتسع قليلا عند النهايتين وتزين رقبته وصدره وأطراف اكمامه بنوع من البريم الحريري وكانت أشهر أنواعه مايسمى بالأغباني كروزا وهو عبارة عن قماش أصفر مطرز بالكامل.

وأضافت.. درجت العادة ان يرتدي القمباز الحريري الرجال ميسورو الحال وذلك بسبب غلاء ثمنه أما الرجال من الطبقة الوسطى من الناحية المادية فكانوا في الغالب يرتدون القمباز المصنوع من القطن الممزوج بالحرير ذي الخطوط المقلمة الناعمة وغالبا مايلبس فوق القمباز الدامر أو القطيشة وهي عبارة عن عباءة قصيرة مقلمة بخطوط عريضة تصنع من شعر الماعز والصوف البني أو الابيض أو الاسود ويصل إلى الركبتين فقط كي لايعيق الحركة لدى العمل الزراعي وكان اشهر انواعه يسمى بالديرمامية نسبة الى دير ماما في مصياف حيث كانت تصنع هناك افضل انواع الدامر وكان البعض من اهل الساحل من يستعيض عن القطيشة برداء اخر يسمى الساكو وفي فصل الشتاء يلاحظ ارتداء الدامر من قبل الرجال والنساء ويستخدم للدفء.

ويتميز الدامر الذي ترتديه النساء باحتوائه على التطريز والزركشات من الداخل والخارج كما ان البطانة مصنوعة من الجوخ ايضا ويلبس على الوجهين وتستخدم فيه اغلب الالون من الغامقة الى الفاتحة اما الدامر الرجالي فلا توضع له زركشات وزخرفات بل يتم تخريجه من الاطراف فقط ويكون فيه الكم مفتوحا ولونه حصرا أسود أو كحلي أو بني.

وأضافت أن قميصا قطنيا طويلا كان يلبس عادة تحت القمباز ويسمى السروال وهو لباس ابيض يصل الى الكاحل عادة مايكون فضفاضا من الاعلى ويقل عرضه من الركبة نزولا الى القدم وكانت هذه الالبسة الداخلية المريحة والمصنوعة من القطن الخام غير المصبوغ تستخدم للنوم ايضا او الجلوس في المنزل.

وبينت أن بعض أهل الريف كانوا يستعيضون عن ارتداء القمباز بلباس اخر يسمى السروال الطرابلسي وهو عبارة عن رداء كثير الثنيات عند الخصر ويلتف بضيق حول القدمين كذلك كان يحاط الخصر بزنار عريض من قماش ملون ذي خطوط زاهية الألوان أو آخر من الصوف خلال فصل الشتاء ومنهم من كان يستخدم نطاقا او زنارا قماشيا او جلديا عريضا له عدة جيوب لوضع حاجياته الخاصة فيه مثل المفاتيح او النقود وغيرها وفوق السروال الطرابلسي يلبس مايسمى بالصديري القصير الذي يصل طوله الى الزنار ويحاذيه وهو رداء بدون اكمام وله جيب صغير على الصدر لوضع النقود أو الساعة ويلبس تحته قميص من دون ياقة تزين فتحته ورقبته بنوع من البريم المطرز.

بدوره ذكر أبو هلال 95 عاما من قرية بستان الباشا أن لباس اهل الساحل مثل كل البيئات الاخرى كان يتناسب مع المكانة الاجتماعية والحالة المادية للفرد فكان الشيخ في الريف الساحلي يرتدي العمامة والشخص العادي يلبس العقال والكوفية البيضاء أو السوداء التي تعلو طاقية من القطن الأبيض المخرم حيث اعتادت النسوة على تثقيبها بواسطة ريشة القنفذ لتحاك بعدها بواسطة الابرة أو تشغل بواسطة الصنارة بأشكال جميلة.

وأضاف أنه عادة ماكان يلبس فوق الطاقية أو الكوفية أو الحطة العقال الاسود ويسمى البريم حيث يختلف في سماكته وثخانته بين منطقة وأخرى كما تختلف نوعية العقال الذي يرتديه اهل القرية كل حسب مقدراته اذ اعتاد الميسورون على لباس الحطة الكسروانية المقصبة والمصنوعة من الحرير الأسود وتنتهي بشراشيب حريرية مفضفضة وبعضهم كان يرتدي فوق الحطة البيضاء العقال المقصّب والمزين بخيوط ذهبية وأشهر أنواعه يسمى المرعز المصنوع من شعر الماعز الناعم‏.

وأضاف ان الطربوش اصبح في منتصف القرن العشرين واحدا من مفردات الزي الشعبي في الساحل السوري في أعقاب الاحتلال العثماني للمنطقة وصار كل شخص يضع عليه لفات مختلفة حسب مكانته الاجتماعية فبعض رجال الدين كانوا يلبسون الطربوش بعد لفه بقماش أغباني أصفر مطرز وكان الرجال المسنون يرتدون الطربوش المصري القصير وآخرون فضلوا طربوشا قصيرا كطربوش المغاربة وحوله لفة سوداء مقصبة.

وعن الزي الشعبي للمرأة الساحلية تشير أم جميلة 80 عاما إلى أن أهم ماكانت ترتديه المرأة هو المسلوبة وهو منديل حريري يغطي الرأس وتنتهي اطرافه بزخرفات وزركشات جميلة مبينة انه روعي في لباس المرأة قديما الحشمة واتساع الملابس لسهولة الحركة وعدم إعاقة عملها داخل المنزل وخارجه ويعد الثوب أو الفستان اللباس الأساسي للمرأة وهو رداء طويل حتى الكاحلين له أكمام طويلة وياقة عالية تطوق الرقبة وقصة تعلو الخصر تتسم بكثرة زمزماتها ما يجعل الثوب يتسع أكثر وينساب منتهيا بـ كشكش يزينه الزكزاك أو البريم أو الزخارف ويتمتع هذا الثوب عادة بألوان زاهية تشبه إلى حد بعيد ألوان الطبيعة الساحلية.

وأضافت انه عادة ما كانت النسوة يلبسن تحته قميصا قطنيا بأكمام طويلة تزين صدره وأكمامه رسوم أو زخارف زاهية تضعها المرأة بنفسها في أوقات الفراغ ومع القميص سروال طويل فضفاض مزموم عند الكاحلين وكان لونه في منطقة الساحل أحمر يصنع من الحرير الأطلس للعرائس وميسورات الحال ومن القطن للنسوة الفقيرات ومتوسطات الحال.

وأشارت إلى أن لباس المرأة قد تضمن ما يسمى بالمنتيان وهو جاكيت قصير ينتهي أعلى الخصر ويكون ضيقا يلتقي طرفاه في الأمام بواسطة أزرار صغيرة متقاربة لا تصل إلى الأعلى ويصنع باستخدام الحرير أو المخمل المرصع الذي يسمى دق الليرة أما العادي منه فيصنع من قماش قطني بسيط تقوم المرأة بزخرفته بخيوط حريرية ذهبية وملونة.

وهناك الزنار الذي يصنع غالبا من الحرير الخالص وهو زاهي الألوان عريض ومتطاول ينتهي بشراشيب مبرومة رقيقة تترك متدلية بعد لفه على الخصر ومنه ما يصنع من الحرير الممزوج بالقطن تقليلا لتكلفته المادية وكليهما يستخدم لضم ثياب المرأة الفضفاضة ومنحها الدفء شتاء والمزيد من جمالية اللباس كما أنه يستخدم على نطاق واسع من قبل النسوة لوضع بعض الحاجيات الشخصية فيه‏ .

وعن غطاء الرأس للمرأة اضافت انه كان يسمى في الريف الساحلي طريبوشه تصغيرا لكلمة طربوش أو السربوس في الأصل الفارسي للكلمة وهي عبارة عن قبعة صغيرة حمراء مصنوعة من الجوخ السميك ويوضع أعلى الطربوش الكفية وهى عبارة عن قطعة مربعة الشكل من الحرير الأسود المقصب بخيوط الفضة أو الذهب حسب المستوى الاجتماعي وعادة ما تطوى هذه الكفية عدة طيات وتلف على الطريبوشه لتثبيتها على الرأس وتلبس المرأة في الأفراح الكفية المقصبة والملونة والموشاة بالخيوط الذهبية في حين تلبس الحزانى الكفيات السود فقط‏ .

وأضافت أن فستان العروس قديما كان لونه يميل الى الدفلي وهو مأخوذ من لوت التراب وذلك كرمز للارتباط بالارض والبيئة وهو مؤكد من خلال الاغنيات الشعبية في بداية الأربعينيات والآن أصبح اللون الابيض هو السائد وومع استعمال الشرائط التي تلف على الشعر وتشكل الضفيرة وفي نهاية الخمسينيات اضيف غطاء الوجه الابيض الشفاف.

الوكالة السورية للأنباء - سانا