محاضرة الجمالية الفنية والبنائية في شعر عمر أبو ريشة في ثقافي أبو رمانة

أقيمت في المركز الثقافي العربي أبو رمانة، محاضرة ضمن سلسلة أعلام خالدون بعنوان، «الجمالية الفنية والبنائية في شعر عمر أبو ريشة»، وذلك يوم الثلاثاء 9 أيلول 2011، قدمها الباحث يوسف مصطفى، وقد حضرها عدد من المفكرين والأدباء والصحفيين ورواد المركز.

ويحدثنا الباحث يوسف مصطفى عن نشأة والمكونات الثقافية والشعرية للشاعر عمر أبو ريشة قائلاً: «إن بيئة الشاعر أبو ريشة هي حلب المدينة والريف، حلب سيف الدولة والإمارة التي حمت الثغور، ودافعت عن الأوطان ضد الروم، حلب أبي فراس الحمداني وهنانو وسعد الله الجابري، لقد كان شعره أنموذجاً حلبياً لقيم الأصالة وعمقها الحضاري، كان مسكوناً بالعروبة ماضيها وحاضرها، نشىء في أسرة عربية عريقة، حفظ القرآن الكريم، وقرأ الشعر القديم، وكان لأشعاره وتجواله وعمله الدبلوماسي دوراً في أغناء شاعريه وإثرائها».

وكان عمر أبو ريشة فناناً يتقن صياغة اللغة وتركيب الصورة، وقد جمع في شعره بين كلاسيكية القصيدة ورومانسيتها، ورمزيتها والأكثر تجديدها الصوري، واستحضر في شعره رمز البطولة في التاريخ القديم كأمثال سيف الدولة، وعلي، ومن الشخصيات الفكرية المتنبي، والمعري، وبعض الشخصيات العالمية كجان دارك، وبالإضافة للشخصيات الوطنية إبراهيم هنانو، والجابري، ومن السمات الكبيرة والرئيسية الذي تمتع بها الشاعر الكبرياء والاعتزاز بعروبته القومية وتاريخها، وكان للمرأة دور كبير في شعره لأنه يحترم كرامتها، فشعره عنها كان أنثوي عذري شفاف.

ومن القصائد الجميلة قصيدة النسر، التي نظمها في عام 1938، التي كنت تحمل أبعاد فكرية وفلسفية، وهي حافلة بالصور المبتكرة، وفيها الارتفاع والسمو ولها بناؤها الفني المتميز وهي:

أصبح السفح ملعباً للنسور
فاغضبي يا ذرى الجبال وثوري

وقد أعجب كثيرون في شعر أبو ريشة، حيث فتنتهم الصورة وأخذتهم روعتها، كان حساس حاراً بالمعاني، ومتأثراً بشعراء الرمزية الأوربية لدى أعلامها الكبار، أمثال ادرجار الن بو و شارل بودلير.

وفي قراءة تطبيقية لبعض الأمثلة الشعرية لعمر أبو ريشة، يحدثنا الباحث يوسف مصطفى في قصيدة الطائرة قائلاً:

وثبت تستقرب النجم مجالاً
وتهادت تسحب الذيل اختيالا

وحيالي غادة تلعب في
شعرها المائج غنجاً ودلالا

وهنا نجد أن النص أطل بلفظ وثبت، ولغة الوثب تحمل الرشاقة والخفة، وهي مصدر طاقة وقدرة على الحركة، وتحمل إيقاعا ناعماً موسيقياً للحرف، فهنا نجد صدق المشاعر، والنبض الداخلي لديه والواقعية والبعد عن الخيال، وقد ساق جوابها شعرا فقال:

فرنت شامخة أحسبها
فوق أنساب البرايا تتعالى

وأجابت أنا من أندلس
جنة الدنيا عبيراً وظلالا

والجواب أطل بلفظ زنت، والرنو من لغة العيون والنظر والتملي، وكان رنوها شامخاً واثقاً معتزاً بهويته وانتمائه، وأنها من بلاد الاندلس جنة الدنيا وهي الحديقة الغناء.

وفي اللوحة الثانية التي تناولها في شعره، وصفه للفجر والظهيرة وللغروب وانه الزمن في نشأة يومه وزواله، وذلك في قصيدة شاعر وشاعر فيقول:

نهض الفجر مثقلاً يتلوى
فوق صدر الطبيعة الخرساء

يتخطى الربى وئيدا ويهمي
بشتيت الاظلال والانداء

فهنا يصف الفجر بالنهوض، ويقارب بينه وبين النائم المستيقظ، وهذه الصورة الشعرية البطيئة التي تصف كل صباح بفجرها الجميل البطيئ في ظهوره. وأما الظهيرة فيقول:

هبط السهل والهجيرة تنقض
وتطوي مطارف الافياء

وتصب الخمول والسأم الصاخب
والصمت في فم الغبراء

فبعد نزول الفجر الى السهول، تنتصف الشمس في كبد السماء، وفي شروقها تلامس ذري الجبال، فوصف الظهيرة بالسرعة التي تنقض بهجيرها على السهل، فتذهب بالافياء.

وكان من الروعة الكبيرة وصفه لحركة الشمس عبر محطاتها الثلاثة، من بداية الفجر إلى الظهيرة وحلول المساء والغروب فيقول:

بلغ المنحنى فجاز مدى الطرف
بحسن مفجع الانباء

ماتم الشمس ضاج في كبد الافق
وأهوى بطعنة نجلاء

وهنا تحدث عن بلوغ الفجر المنحنى في رحلته النهارية، واقتراب الغروب وتجاوز الفجر مدى ما تدركه العين، أنه أنباء الغروب وفجيعة رحيل الفجر، وقد شبه غروب الفجر بالمأتم، وأصبحت لون السماء والقمم بلون الدماء، وذلك من خلال الطعنة التي قتلت الشمس في الظهيرة، وجاء الغروب بلونه القاتم الدامي.

ويختتم قائلا: «إن هذه اللوحات وامتدادها تخرج من مقالع الروح لدى شعر عمر أبو ريشة، ومن الدفء الداخلي لديه جعلت قصة الكون في ولادته وزواله بنائية عالية، ومساحات في الإيحاء والدلالة وغنائية في موسيقا الحرف.

ومن الدراسات الهامة التي تناولت شعر عمر أبو ريشة، الاتجاه القومي في الشعر العربي الحديث للدكتور عمر دقاق، والأدب المعاصر في سورية للدكتور سامي الكيالي، والصورة الفنية في شعر عمر أبو ريشة للأستاذ محمد حمامي وغيرها من الدراسات الكثيرة.

عبد القادر شبيب - دمشق

اكتشف سورية