المدرسة الجقمقية

أولى المدارس الحديثة بدمشق ودرة عقد زخرفة المقرنصات

يقول غوستاف لوبون: لقد انفرد العرب بالمقرنصات ولم توجد هذه الزخرفة عند أمة من الأمم قبلهم.

وتعرف المقرنصات في المغرب الاسلامي بالمقربص الإسلامي أو الدلايات في مصر وهو في المعجم الوسيط مقرنس وقرنس السقف والبيت زينه بخوارج منه ذات تدريج متناسب فهو مقرنس وهي كلمة مفردة تعني الجمع وفحواها التدريج ويعتقد أنها كلمة اقتبست وعربت بإضافة الميم العربية لها بغرض تفعيل اللفظة اليونانية كارنيس ومعناها الطنف أو النتوء الخارج من البناء والذي مازال له نفس المعنى في اللغات الأوروبية كورنيش.

أما الدارسون لعمارة المسلمين من الأجانب والمستشرقين فقد أطلقوا عليه اسم ستالكتيت أو الهابطات بما خال لهم في محاكاته لتلك الأصابع الجصية الهابطة من سقوف الكهوف.

والمقرنص عنصر بنائي ذو مصادر وأصول إنشائية وهيأة المقرنص تتكون من مجموعة من الحنايا المقببة التي يتدلى أو يستقر بعضها فوق بعض بطبقات أو صفوف طنفية وعادة ما تكون متدرجة بشكل متناوب وتدعى تلك الصفوف حطات وابسطها يبدأ بواحدة ثم بثلاث حنايا.

ويوءكد الدكتور غزوان مصطفى ياغي الباحث والاثاري في العمارة الاسلامية ان من اجمل العمائر التي زينت بالمقرنصات الخانقاه الجقمقية بدمشق وخانقاه الفرافرة في حلب .

تقع الخانقاه الجقمقية أو المدرسة كما هو شائع تسميتها قريباً من الباب الشمالي للجامع الأموي بمدينة دمشق القديمة ويمكن اعتبارها من أهم وأكمل الأمثلة الباقية لهذا النوع من العمائر الدينية في سورية.

والخانقاه عمارة دينية خصصت لانقطاع الطلاب للدراسة وطلب العلم والعبادة وتوقف لها الاوقاف للصرف عليها وعلى من فيها.

والخانقاه ظهرت في العهد العثماني وهي منشأه معمارية خصصت لتلقين اصول الطرق الصوفية وممارسة شعائرها كالجيلانية والرفاعية والقادرية والشاذية.

ويضيف ياغي ان هذه المنشأة تعتبر من أجمل مباني العصر المملوكي أقامها الأمير سيف الدين جقمق نائب السلطة في دمشق وكان نائباًً للديار الشامية لتكون خانقاه وتربة له ولوالدته كما هو وارد بنص تأسيسها المنقوش على طول واجهتها الرئيسية ومن الموءكد أن الأمير جقمق لم يكن يهدف لبناء مدرسة فأكد على ذلك بنصه التأسيسي رغم أن هذا الاسم أي المدرسة غلب عليها فعرفت وشهرت كمدرسة في أغلب المصادر والمراجع التي كتبت عنها وخاصة بعد أن أسس فيها الشيخ عيد السفرجلاني عام 1317 هجري 1899 م أول مدرسة على الطريقة الحديثة سُميت بالمدرسة الجقمقية العلمية وكان فيها قسم إبتدائي وقسم رشدي أي ثانوي وكان لهذه المدرسة الفضل في تعليم عدد من رجال السياسة مثل الرئيس شكري القوتلي.

وقد أكمل الأمير جقمق بناءها عام 824 هجري 1421م كما هو مكتوب على بابها وأوقف عليها أوقافاً كبيرة وظلت الخانقاه أو المدرسة مكاناً للصلاة والتدريس حتى هدم قسماً كبيراً منها عام 1941 فرممت وجعلت متحفاً للخط العربي افتتح عام 1974.

وهي خانقاه لطيفة صغيرة الحجم مخططها شبه مربع 18 ضرب 16م مبنية بطراز الصحن والأواوين المتعامدة وفيها مميزات معمارية وزخرفية غاية في التميز ولها اليوم أربع واجهات خارجية مكشوفة أهمها الواجهتان الشرقية والشمالية الرئيسية المبنيتان بمداميك من الحجر الأبلق أسود وأبيض وتقع كتلة المدخل الوحيد للخانقاه بالطرف الغربي للواجهة الشمالية وهو عبارة عن دخلة رأسية تنتهي من الأعلى بعقد مدائني ملئت ريشتاه بصفوف من المقرنصات تنتهي من الأعلى بشكل صدفة إشعاعية ويفتح باب الدخول أسفل الدخلة ويوجد على جانبيه مصطبتان صغيرتان مكسلتان.

ويلف كلا الواجهتين الشمالية والشرقية إفريز كتابي بعرض مدماكين يبدأ من كتلة المدخل بمستوى أسفل العقد الثلاثي ويسير قاسماً كل من الواجهتين المستويين والكتابة بارزة منقوشة بخط الثلث المملوكي يبدأ بآية قرآنية يليها نص التأسيس كالتالي: أنشأ هذه الخانقاه والتربة المباركة المقر الأشرف العالي المولوي الكبيري العالمي المهدي العابدي الهاشمي الناسكي الزعيمي المقدمي الذخري الظهيري السيفي عز الإسلام والمسلمين سيد الأمراء في العالمين سيف أمير الممنين جقمق الدودار المؤيدي كافل الممالك الشامية المحروسة ضاعف الله له الثواب وغفر له ولوالديه ولأحبابه يوم الحساب بمباشرة الجناب السيفي تغري بردي ورمش في شهور أربع وعشرين وثمانماية.

ويشغل المستوى السفلي للواجهتين شبابيك كبيرة مستطيلة مشغولة بمصبعات حديدية بينما شغل المستوى العلوي فتحات شبابيك دائرية وأخرى مستطيلة معقودة وفي كلا الواجهتان دخلة جدارية تنتهي من الأعلى بصدر مقرنص ويوجد بالوجهة الشمالية جامة كبيرة يتوسطها رنك الأمير جقمق المؤلف من ثلاثة أجزاء العلوي وبه شكل دواة الحبر وهي تشير لشغل جقمق لمنصب الدودار كاتب السلطان والجزء الأوسط شكل كأس كبير بداخله كأسان صغيران ويتضمن الجزء الأسفل كأس آخر صغير حيث يشير رمز الكأس عادة لمنصب الساقي.

وتنتهي كلا الواجهتين من الأعلى بطنف بارز مزخرف بأشكال محاريب يعلو صف من الشرافات وعولجت زاوية إلتقاء الواجهتين بعمل شطف ينتهي من الأعلى بصفوف من المقرنصات للمساعدة بحمل ثقل باقي الزاوية للأعلى.

وهذا ويدخل من الباب الرئيسي إلى فسحة دركاه مربعة مسقوفة بقبو متقاطع يستند في زواياه على كوابيل حجرية ويفتح بالدركاه شباكان واحد يفتح للخارج بالواجهة الغربية وآخر على الإيوان الغربي في الداخل ويتوصل من الدركاه لدهليز منكسر يفضي إلى صحن مربع مسقوف تحيط به أربعة أروقة وتحتل التربية الزاوية الشمالية الشرقية للخانقاه.

والصحن صغير شبه مربع 13 ضرب 14 تتوسطه بركة مثمنة مبلط بالأحجار والرخام المزخرف بأشكال هندسية وغطي الصحن بسقف مستوٍ من الخشب المحمول على عروق خشبية يرتفع فوق أسقف الايونات الأربعة مما سمع يفتح نوافذ لإنارة وتهوية المبنى.

أما الأواوين فثلاثة منها متصلة ببعضها تحتل النصف الجنوبي للمدرسة والإيوان الجنوبي كبير والآخران الشرقي والغربي صغيران ومتماثلان.

وجميعها تفتح على الصحن بعقود مدببة من الحجر الأبلق محمولة من جهة الجنوبي على عمودين لكل منها تاج مقرنص ويعلو كل من عقدي الإيوانين الجانبين عقدين صغيرين محمولين على عمود صغير ذو تاج مقرنص وترتفع أرضية الأواوين عن الصحن مقدار 075م.

أما الإيوان الشمالي فيفتح على الصحن بعقد نصف دائري قليل الارتفاع يعلوه مستويان من النوافذ وتحتل التربة الزاوية الشمالية الشرقية من البناء وللتربة باب يفتح على الصحن وثلاثة شبابيك وغطيت التربة بقبة عالية غطيت مناطق انتقالها بصفوف من المقرنصات وتحوي القبة على تركيبتين لقبرين تم تجديدهما حديثاً يذكر أنهما للأمير جقمق ووالدته.

وغطت الجدران الداخلية للخانقاه والتربة بوزرة من الرخام المتنوع والمتعددة الألوان ويتوسط هذه الوزرات المحراب المميز الواقع في الإيوان الجنوبي والكتبيات والشبابيك ويذكرنا محراب هذه الخانقاه بمحراب المدرسة الفردوسية بحلب من حيث أشكال زخارفه الهندسية وألوانه وقد غطيت الأواوين الأربعة بسقف خشبي مستوٍ محمول على عروق خشبية ممتدة مغطاة بالزخارف النباتية الملونة والمذهبة.

سانا