أعاد المعرض السنوي للفنانين التشكيليين الذي أقيم مؤخراً تحت عنوان "معرض خريف 2007" الجدل من جديد إلى واجهة اهتمامات وسائل الإعلام وأحاديث الفنانين السوريين بشكل عام، وذلك تبعاً لإشكالية العلاقة بين مديرية الفنون الجميلة من جهة، واتحاد الفنانين التشكيليين من جهة ثانية، إضافة إلى الجهة الراعية وهي وزارة الثقافة هنا. فعلى ما يبدو أن تداعيات المعارض السنوية التي درجت على إقامتها هذه المؤسسات لن تتوقف بالسرعة المرجوة، خصوصاً في ظل عدم التنسيق الجيد بين تلك الجهات، أو عدم إيلاء آراء الفنانين ومتطلباتهم الاهتمام الكافي على أقل تقدير.
أكثر من مئتي فنان شاركوا في المعرض هذا العام، وهم من الفئة "الخريفية" إذا صح التعبير، فاللجنة المنظمة ارتأت تقسيم الفنانين إلى مجموعتين تبعاً لعمر الفنان، الأولى تندرج تحت تسمية "الربيع"، وتضم الشباب التي تقل أعمارهم عن سن الأربعين، والثانية تتبع لمعرض "الخريف" وتضم من تجاوزت أعمارهم سن الأربعين.
ورغم أن المعرض المقام الآن يختص بالخريفيين تحديداً، إلا أن تلك التسمية كانت كافية لإثارة الانتقادات الكبيرة من قبل الفنانين وأجهزة الإعلام على حد سواء، فقد استغرب الجميع هذا النهج الذي دفع المنظمين إلى تقسيم الأعمال الإبداعية بحسب الفئة العمرية، مع أن العادة جرت أن يتم التعامل مع اللوحة تبعاً لقيمتها الفنية وسويتها الإبداعية بغض النظر عن عمر الفنان الذي رسمها. ومما زاد الطين بلّة في هذا الموضوع أن المعرض أقيم في متحف دمشق التاريخي، الأمر الذي علّق عليه الفنانون بسخرية قائلين: هل يريدون إدخالنا إلى المتحف أم إحالتنا إلى التقاعد؟.
الأمر اللافت في معرض هذا العام، هو الاختلاف الحاد في السويات الفنية والتقنيات في الأعمال المشاركة، لدرجة أن بعض النقاد وصفوه بالهابط عن السوية المطلوبة، بل أن بعض الفنانين المعروفين استهجنوا كثيراً مشاركة بعض اللوحات ووصفوها بالمعيبة.
غابت أسماء عديدة من معرض التشكيل السوري هذا العام، كنذير نبعة وأحمد معلا وأسعد عرابي وإبراهيم الحميد وأسعد فرزات.. وأحياناً وصل الأمر إلى القول بوجود ما يشبه المقاطعة التي تختلف أسبابها بين فنان وآخر، وربما أهمها مسألة مراعاة الحد الأدنى من السوية الفنية كشرط لا يمكن التنازل عنه من أجل المشاركة، مهما تعددت الاعتبارات. في جميع الأحوال، فإن نظرة شاملة على لوحات المعرض، تظهر بشكل كبير ذلك التباين الواضح في سوية الأعمال، إذ إن بعضها يتطلب وقتاً طويلاً من المشاهدة والتدقيق، والآخر يكفيه مجرد العبور. فبين التصوير الزيتي والنحت والحفر والخزف، أو بين الواقعية والتجريد وأيضاً رسم الطبيعة في حالاتها المختلفة، توزعت لوحات المعرض كي ترسم مجتمعة ما يشبه الفسيفساء الشاملة للمشهد التشكيلي السوري ولاهتماماته وتقنياته والأفكار التي يشتغل عليها الفنانون. فمن تكوينات إسماعيل نصرة الشهيرة بمربعاتها المتلاصقة والمنفصلة في آن معاً، إلى خطوط أكسم طلاع وطلال العبد الله، مروراً بمشهد التراث عند جليدان الجاسم، والتاريخ لدى علي سليمان، إلى منحوتات هيثم القحف ومعروف شقير على البازلت، وماهر علاء الدين على الخشب. بانوراما متعددة تقدم كشفاً واسعاً للتشكيل السوري الحديث الذي تمكن في السنوات السابقة من التقدم مراحل كبيرة جداً على الصعيد العربي والعالمي أيضا، فبعد أن كانت مصر والعراق من أوائل الدول العربية في هذا المجال، استطاعت سورية أن تتخطى ذلك بنقلات نوعية يشهد لها النقاد في العالم وتلك حقيقة يقر بها الجميع.
ارتجال وعدم تنسيق
يعتقد اتحاد الفنانين التشكيليين أن هناك من يحاول تهميشه في هذه التظاهرة الفنية كل عام، فرغم وجود اسم الاتحاد على بروشور المعرض إلا أنه كان على الحياد تماماً سواء في طريقة اختيار لجنة التحكيم أو تحديد مكان العرض أو البتّ بسوية اللوحات، ذلك أن الجهة القابضة تماماً على التفاصيل هنا هي مديرية الفنون الجميلة، على اعتبار أنها إحدى مديريات وزارة الثقافة، الراعية الأم وصاحبة الميزانية في شراء اللوحات ومن ثم ترحيلها إلى المستودع الزاخر بالملاحظات والتساؤلات التي لا مجال لذكرها الآن.
مشاركة لجنة التحكيم
من المفارقات الغريبة في المعرض، أن العديد من أعضاء لجنة التحكيم قد شاركوا بلوحات خاصة بهم في المعرض المذكور، وهذه تبدو مفارقة مضحكة فعلا، ذلك أن مهمة اللجنة الحساسة في انتقاء الأعمال المشاركة منذ البداية، وأيضاً تحديد اللوحات التي سيتم شراؤها واقتناؤها من قبل الوزارة، كل ذلك يفترض عدم مشاركة اللجان في جميع معارض العالم. لكنهم هنا اختاروا العمل على قاعدة "فيك الخصام وأنت الخصم والحكم"، فقد تم قبول لوحات أعضاء اللجنة المشاركين، بغض النظر عن سويتها وقدمها، إذ إن حداثة اللوحة تعد شرطاً ضرورياً يفترض أن يلتزم به الجميع، إلى أن نصل في نهاية المطاف إلى دفع المبالغ المالية وشراء اللوحات أو تحديد أسعارها والتي هي من مهام اللجنة بكل تأكيد! فكيف يمكن لهؤلاء الأعضاء أن يقبلوا مشاركة لوحاتهم ويقرروا أيضاً شراءها في نهاية المعرض كما يتوقع الكثيرون؟
مكان العرض
اغتاظ الفنانون كثيراً مما سموه سوء اختيار مكان العرض في متحف دمشق التاريخي، خصوصاً عندما ربطوه بتسمية "الخريف" التي ابتكرتها اللجنة المنظمة. وتمنى الكثير من المشاركين تغيير المكان في السنوات اللاحقة تبعاً لأهمية التشكيل السوري وتميزه الكبير، فالمكان عبارة عن صالتين وخيمة تمّ استحداثها كي تستطيع استقبال العدد الكبير من اللوحات، حتى عندما قاموا بتوزيع الأعمال على الجدران لم تكن هناك حسابات للإضاءة التي أتت عشوائية، أو للتباين في حجوم اللوحات وتراتبها بحيث يجب ألا يبدو التنافر كبيراً بين اللوحات الضخمة أو المتوسطة، الأمر الذي أثر كثيراً على المشهد البصري للمعرض بشكل عام.
في النهاية
اعتاد الوسط التشكيلي السوري الانشغال بتداعيات المعرض السنوي كل عام، وفي حين تبدو بعض القضايا مزمنة من ناحية تكرارها في المواسم المختلفة لهذا المعرض التظاهرة كما يفترض أن نسميه، يبقى السؤال ملحاً عن غياب التنسيق بين الأطراف المعنية بهذا الموضوع، بحيث لا يشعر أي من الأطراف بالتغييب على حساب طرف آخر، وذلك من أجل الوصول إلى معرض يتجاوز ما يمكن من الملاحظات المتراكمة على امتداد عمره المديد.
زيد قطريب
اكتشف سورية