فؤاد دحدوح: يضيف بالألوان أبعاد جديدة إلى عمله النحتي

شكّل معرضه الأحدث بصالة كامل للفنون إضافة مميّزة إلى تجربته الغنية

في النحت كما في التصوير استطاع التشكيلي فؤاد دحدوح بحضوره المميّز أن يثبت امتلاكه أدوات تعبير كل منهما على حدا، فمثلما عرفناه مصوّراً متمكـّناً حجز لتجربته بين الكبار مكاناً لائقاً، هو أيضاً نحات متمكن وممتلك لأسرار المعرفة الفنية والتقنية، منوّع في مواده التي يشتغل عليها باجتهاد فيما يقدّمه في كل مرة يعرض فيها عملاً في التصوير أو في النحت بخاصة، والمفاجئ والأكثر دهشة كان معرضه الأحدث «جداريات» في غاليري كامل بدمشق بداية العام 2011، عندما قرّر أن يقدم تجربته الجديدة في كل من النحت والتصوير على نفس السطح الذي فاض بالتعبير من تأثير الأدوات الخاصة بكل منهما، وكان أول عمل قدمه في هذا النوع التقنية مشاركته المميّزة بالمعرض السنوي «خريف 2010»، حيث كانت البداية من هناك في هذا الفضاء من الاشتغال المتداخل في التقنية والصياغات، والتي تركت تلك المشاركة انطباعاً طيباً ومؤثـّراً لدى عدد من المهتمين والحضور ومتابعي تجربته الفنية التي تميّزت دائماً بالجدّية والفرادة، وهذا ربما ما شجّع التشكيلي أن يقدم بحثه في هذا النوع من الاشتغال مكتملاً من خلال هذا المعرض.


من أجواء معرض التشكيلي فؤاد دحدوح جداريات في غاليري كامل بدمشق

يقول التشكيلي: «اعتمدت في هذه التجربة على عنصر المفاجأة وذلك باجتماع كل من فنيّ التصوير والنحت في عمل واحد، وهذا شيء صعب للغاية، فلكل عنصر عالمه الخاص الذي يحتاج للكثير من الدراسة المتأنية في عمل الفنان».

فؤاد دحدوح التشكيلي المعروف بقلة إنتاجه لعدم تفرّغه الفني، وهو الموزّع بين التدريس في كلية الفنون، والارتباط بتصميم ديكور المسلسلات التلفزيونية والتي تأخذ جلّ وقته واهتمامه، وبين عمله في اللوحة التي حضرت كنحت نافر «الرولييف» الملوّن، أو التصوير النافر الذي أصبح يحضر بأبعاده الثلاثة بالإضافة إلى البعد الروحي، والذي عكسه التعبير في وجوه شخوصه كما ظهر ذلك بتفاوت على مختلف مناطق الجسد والمبالغ في إيحاءاته أحياناً، والتي ساهمت الألوان في إظهار تلك الأبعاد مجتمعة على السطح نفسه وبشهادة الضوء الذي أكـّد تباين الظلّ والنور على تلك الأشكال والأشخاص وظهوراتها في مستويات مختلفة ضمن الكادر مع ما تبقـّى من عناصر قوة وحضور ممكنة.


من أعمال التشكيلي فؤاد دحدوح

لقد سعى الفنان الذي تفرّغ في الفترة الأخيرة لإنجاز هذا المعرض برغبة المكتشف والباحث عن الجديد، لابدّ برأيي أن تشكّل مجموعة هذه الأعمال إضافة مميّزة إلى تجربته الغنية بالأصل والتي عكست عبر ثلاثة عقود من اليوم خصوصية واضحة المعالم وأثراً بالغ الأهمية تنمّ عن شخصية فنان موهوب ومزاجي بامتياز، كان واضحاً ذلك منذ بداية الثمانينات من القرن الماضي بعد تخرّجه من قسم النحت في كلية الفنون الجميلة بدمشق، عندما حسم قراره بأن يكون الفن همّه وهدفه في هذه الحياة، حيث تابع بعد ذلك دراسته بفن الميدالية في بولونيا التي تخرّج منها في العام 1987.

«الإنسان هو الأساس في العمل الفني وهو المحور الذي أعمل عليه، لذا قدمته بالشكل الذي يمسني وبشكل شخصي، فهذه الشخوص تختزن الكثير من الحالات البريئة والهشة من الداخل، هي شخوص ضعيفة أمام هزات الواقع المعاش، فتراني أتعامل معها برأفة وحذر شديدين وخاصة عند تشكيلها، إضافة لاستخدام اللون كتعبير عن الحالة الإنسانية التي أريدها »، والكلام هنا كان للتشكيلي من إحدى لقاءاته الصحفية.

إذن لا بدّ هنا من ملاحظة اهتمام التشكيلي على نقل تلك الحالات الإنسانية بكثير من الصدق والتي تبدو أحياناً عفوية من طريقة حضورها على تلك الشاكلة من اللامبالاة بعريها إلاً من الحقيقة التي تفيض من كافة أجزاء الجسد المنهك باتجاهنا، وكأن التشكيلي أراد من خلال تلك الألوان أن يضيف إلى التعبير بعض الدلالة من رمزيتها إلى الحالة التي أراد تجسيدها في هذا النوع من الاشتغال الصعب والممتع للفنان بالتقاطه الصدفة وتوظيفها ضمن تقنية خاصة خدمة لغنائية العمل، وهو ممتع بالنسبة إلى المتلقي من حيث الحضور بعد استقرار تلك العناصر وتناغمها مع بعضها في نسيج العمل الواحد الذي نهض حيوياً ومتكاملاً يفيض بالنشوة من شدّة التعبير.


من أعمال التشكيلي فؤاد دحدوح

إن ميزة مثل هكذا أعمال تتقاطع مع تقنية فن الغرافيك من حيث القيمة الفنية لحساسية الخطوط التي تحدّد شخوصه وتعبيرها عن الحالة التي أرادها الفنان خدمة للموضوع، وهي أيضاَ تلامس تجارب الغرافيك من خلال إمكانية تقديم أكثر من نسخة لنفس العمل وفي كل مرة بتدفـّق مختلف من التعبير بحسب منظومة الألوان التي اختارها للنسخة الجديدة من العمل، وهكذا تبقى هذه التجربة في حالة من الاختبار التقني بالنسبة للفنان وما يمكن أن تضيفه إلى فضاءه الإبداعي الموزّع على كل من الرسم والنحت، وهو يمنح كل منهما اهتماماً خاصاً، بينما في هذا المعرض فقد توجه بالاهتمام إلى الإثنين معاً في الوقت نفسه، وكم يمكن لكل منهما أن يساعد أو يقدم للآخر من قيم تعبيرية وجمالية لتتوحّد في عمل فني واحد، يمكن أن نطلق عليه بالنحت البارز الملوّن، أو بلوحة التصوير البارزة.

«كانت لي تجارب منفصلة ما بين النحت والتصوير ولكن في هذه التجربة أحببت أن أجمع بين هذين العالمين، وخاصة في إدخال اللون على العمل الجداري، والذي يتميز أصلاً بتأثير الظل والنور، لذا عملت في هذه التجربة على تثبيت الظل والنور مستخدماً الألوان الطبيعية وما لها من تأثير واضح على تكوين العمل ككل. هي تجربة حاولت من خلالها تقديم اللون بطريقة صريحة وواضحة وكأنه تصوير نافر، وحسب الآراء التي سمعتها أتصور أنني نجحت في ذلك».


من أعمال التشكيلي فؤاد دحدوح

إن التعبيرية التي تمتاز بها تجربة التشكيلي فؤاد دحدوح تنحاز باتجاه الواقعية وفي نفس الوقت تستند إلى التجريدية كإسناد، إن بالشكل دلالياً أو باللون رمزياً، وهذا ما يمنح أعماله بعداً إضافياً أقرب إلى الروحي وأحياناً إلى الأسطورة والحكاية الشعبية المتوارثة، فهو من خلال تلك الدلالات والإشارات يُفصح عن مكنونات نفسه وما يريد أن يقوله في تلك الشخصيات وما تعانيه في الحقيقة من مشكلات وأزمات تحاول الهروب منها في أكثر الأحيان لإخفاء عريّها والخطيئة التي لازمتها دائماً، وهي تحاول الخلاص بالحب الحالة التي عايشها الفنان مع تلك الشخصيات والتي يشعر أنها لا تشكّل أي حرج بإعلانه عنها بهذه الشكل من الصراحة ولا هي تخجل بها، لتتحول اللوحة تلك في بعض الحالات إلى ما يشبه محطات من الذاكرة تنقل اللحظات الأكثر حميمية من صخب التشكيلي وبعض من جوانب حياته الخاصة، والمتداخلة بالأصل مع حيوية ذاته الفنية في أكثر من مرحلة، تساهم باللاوعي في تأكيد مصداقية وخصوصية تجربته الفنية التي يميّزها مزاج التشكيلي وطلاوة روحه وحضوره المُرحّب به في أي جلسة باختلاف موضوعها.

يبقى التشكيلي فؤاد دحدوح ذلك الحاضر الغائب في إي حديث عن النحت السوري المعاصر وفن الميدالية بشكل خاص، كما لا يستطيع أحد إغفال تجربته في التصوير وحداثة المحترف التعبيري السوري، فهو هنا حاضر بتميّز وجرأة ما قدم في هذا الجانب، مثلما يكون حضوره لافتاً هناك في مناسبة تتحدّث عن جدية ما هو موجود في حركة النحت السوي المعاصر اليوم، ومن هنا لا بدّ من الإشارة إلى أهمية الخصوصية التي حقّقها هذا الفنان المتعدّدة مواهبه في الفن كما في الحياة.

فؤاد دحدوح:
- 1956 ولد في دمشق، سورية.
- 1981 تخرج من كلية الفنون الجميلة بدمشق /قسم النحت.
- 1984 دبلوم المدرسة الوطنية العليا - ليون - فرنسا.
- 1987 ماجستير المدرسة الوطنية العليا ـ فروتسوات ـ بولونيا.
- 1993 دكتوراه في مجال الميدالية قسم العلوم الإنسانية فروتسوات ـ بولونيا.
مدرس في كلية الفنون الجميلة بدمشق ـ قسم النحت.
أعماله مقتناة من قبل وزارة الثقافة السورية «المتحف الوطني بدمشق، «متحف دمر ضمن مجموعات خاصة.

غازي عانا

اكتشف سورية