نشأة فنّ الأوبرا وانتقاله إلى العالم

أبو خليل القباني أول من قدم فناً عربياً شبيهاً بأوبرا الغرب

تُعتبر الأوبرا من أكثر الفنون المسرحية الموسيقية الغنائية صعوبةً، وإمتاعاً، وفخامةً، لما تتطلبه من قدراتٍ عالية في الغناء، والموسيقى، والرقص التعبيري، إضافةً إلى عناصر الحركة، وتشكيل المجموعات، والديكورات الخاصة. وبالتوازي تحتاج إلى جمهورٍ نوعي، يملك ثقافةً خاصة تُمكنه من فهم ما يجري على خشبة المسرح، ما جعلها من أكثر الفنون نخبويةً.
وحول نشأة فنِّ الأوبرا وتاريخ انتقاله من ايطاليا إلى باقي دول العالم، وانطباعات الجمهور عنه، أقام المنتدى الاجتماعي بالتعاون مع جمعية صدى الموسيقية الجلسة السادسة ضمن سلسلة «التذوق الموسيقى عبر المعرفة» في 5 تموز 2008 في مقر المنتدى. وقد حاضر فيها الدكتور نبيل الأسود -أستاذ المعهد العالي للفنون المسرحية-، كما قدَّم طالب المعهد العربي للموسيقى يزن اللجمي إجاباتٍ عن الأسباب التي أدت إلى تشويه سمعة هذا الفن.
يزن اللجمي في محاضرة عن فن الاوبراحيث قال يزن: «يملك الناس فكرةً خاطئة ومشوهة عن الأوبرا، على أنها ضجيجٌ وصريخ غامض مبهم غير مفهومٍ. ما جعلها وقفاً على شريحة معينة من الناس. ومردّ هذا لأسباب عدَّة، أهمها ما يتعلق ببدايات ظهور الأوبرات وظهور أنواع من الجمهور ارتاد الأوبرا دون أدنى ثقافة عنها، وبالتالي تحولت حفلة الأوبرا إلى مكانٍ جيد ومناسب للقاء الأحبة، وتبادل الأحاديث، والترفيه، والتسلية، دون إعطاء أية أهمية لما يجري على خشبة المسرح. هذه الأنواع من الجماهير ساهمت بالحطّ من شأن وقدر الأوبرا وتشويه سمعتها. الأمر الذي ما زالت رجعُ أثاره قائمة حتى يومنا هذا. وأما السبب غير المباشر هو ظهور فانكر الأوركسترالي في القرن التاسع عشر، والذي سخَّر الاوركسترا في إنتاج أوبرا. ومع أن هذه الأوبرا لم تكن متوازنة إلا أنها غيّرت من مسار الأوبرا. واليوم وبعد ثلاثين سنة من وفاته هناك مؤلفون يحاولون تقليده ما أدى إلى ظهوراتجاهات جديدة تبنّت البعض من أسلوبه. ويمكننا الإضافة إلى هذه العوامل موضوع اللغة، حيث كُتبت معظم الأوبرات بالألماني، والإيطالي، والفرنسي، ومن بعدها لغات ثانية كالإنكليزي، والروسي، والتشيكي، واللاتيني؛ الأمر الذي خلق صعوبة تواصلٍ ما بين الجمهور والأوبرا».
محاضرة عن الاوبرا ضمن سلسلة «التذوق الموسيقى عبر المعرفة»على أن الدكتور نبيل وفي موضوع اللغة تحديداً يقول: «أن النَصَّ غير مهمٍ في الأوبرا، لاعتبارها فنٌ بخبوي له معايير معينة، ويحتاج ثقافةً خاصة سواء في أوروبا أو في بلداننا المحلية. بمعنى آخر، يمكننا القول بأنه من أكثر الفنون غير شعبية».
وعن تاريخ نشأة الأوبرا وكيفية وصولها إلينا، يقول الدكتور نبيل: «الأوبرا أول جنسٍ موسيقي لديه شهادة ميلاد، حيث نعلم متى عُرضت أول أوبرا عالمية رسمية وذلك بتاريخ 6 تشرين الأول 1600م، وسُبقت بعملٍ وحيد شعبي قُدَّم أمام الجمهور لدافني. إذاً كانت البداية في القرن السادس عشر، حين تشكلت في فلورنسا جماعةٌ من المؤلفين والشعراء، وكان همهم إحياء المسرحية اليونانية القديمة ومعرفة كيفية استخدام الإغريق للموسيقى بمصاحبة التمثيل، وفي عام 1600م شهد المسرح عرض مسرحية "يوريدتشي" التي كتبها الموسيقار الإيطالي بيري، وقُدّمت في احتفالات زواج ملك فرنسا هنري السابع من الأميرة الإيطالية ماريا دي ميدتشي. وفي عام 1607م قام كلوديو منتفردي بإخراج عمله الأوبرالي الأول "آريانا" ثم أتبعه في العام التالي بتأليف أوبرا "أورفيوس"، واستخدم فيها لأول مرة أوركسترا تتألف من آلاتٍ عديدة معلناً بذلك مولد الأوركسترا الحديث».‏
محاضرة عن الاوبرا ضمن سلسلة «التذوق الموسيقى عبر المعرفة»و أضاف الدكتور نبيل «انتقل فنُّ الدراما الموسيقية الغنائية من إيطاليا إلى إنكلترا، وقد لقى إقبالاً جماهيرياً شجَّع على تأليف أوبريتاتٍ عديدة. إلا انه ثمة فرقٌ بين الأوبريت الإيطالية التي تقوم على الغناء، وبين الأوبريت الإنكليزية التي كانت بمثابة مسرحيات استعراضية مع أغنيات كثيرة، وحوارات، وموسيقى أوركسترالية. ومع بداية القرن الثامن عشر بدأت ترجمة بعض الأوبرات الإيطالية إلى الإنكليزية، إلى أن جاء الموسيقار الألماني جورج فريديدريك هيندل عام1710م إلى هانوفر مديراً لفرقتها الموسيقية، وكان قد درس الأوبرا الإيطالية في إيطاليا وأخرج في البندقية أوبرا "أجريبيينا". وقدَّم عام 1711م أوبراه "رينالدوا"، وكان لنجاحه وتعصبه للأوبرا الإيطالية الدور في إضعاف الأوبريت الإنكليزية، إلى أن جاء الكاتب الإنكليزي جون جي ليكتب أوبرا "الصعلوك"، التي قُدِّمت لأول مرة عام 1728م ونجحت نجاحاً مذهلاً. لأنها تعرضت لقضايا شرائح اجتماعية من الطبقة الدنيا، وتصوير الفساد السياسي، والاجتماعي، والحالة المزرية للسجون الإنكليزية».
ويتابع الدكتور نبيل «فيما بعد تنوعت موضوعات الأوبرا ومدارسها، وظهرت روائع خالدة في هذا المجال، منها الكلاسيكي مثل "دون جوان والناي المسحور" لموزار، والرومانسي مثل "تويستان وايزولده وبارسيفال" لفاغنز، والواقعي مثل "بوريس غودونوف" لموسور غسكي، و "كارمن" لجورج بيزيه، والرمزي مثل "بيلياس وميليزاندا" لديبوسي، وكان منها الحديث مثل "فوزيك" لألبان بيرغ».محاضرة عن الاوبرا ضمن سلسلة «التذوق الموسيقى عبر المعرفة»

وأما فيما يتعلق بدخول هذا الفنّ إلى عالمنا العربي، يقول الدكتور نبيل: «لقد شهد القرن التاسع عشر مولد المسرح الغنائي العربي بشكله البسيط على يد أبي خليل القباني، ولقد استهوت الأوبريت المسرحي العربي والجمهور معاً أكثر من الأوبرا، وبالرغم من أن ما أتى به القباني هو فنٌ لا تتوفر فيه شروط الأوبريت تماماً بمفهومها الغربي، إلا أنه قدَّم مطبخاً عربياً مشرقياً للأوبريت، فيه الإنشاد، والموشحات، ورقص السماح».
وفيما يتعلق بأنواعها يقول الدكتور نبيل: «قام الباحثون بتقسيمها إلى نوعين رئيسيين، أولهما الأوبرا الفخمة وتقوم بشكلٍ رئيسي على الغناء، وفيها يتحقق العمل الفني المتكامل والشمولي لاستخدامها الموسيقى والشعر على المسرح. والثانية هي الأوبرا الهزلية وفيها يمتزج الغناء بالحوار المسرحي، ومنها انبثقت الأوبريت التي تجمع ما بين الغناء والكوميديا».

يُذكر أن الدكتور نبيل الأسود حامل اجازة في الأدب الفرنسي من جامعة دمشق، وحامل لقب الدكتوراه في الدراسات المسرحية من باريس. أستاذ المعهد العالي للعلوم المسرحية ومسؤول عن برمجة الفعاليات الموسيقية الكلاسيكية ضمن احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية. إضافةً إلى منصبه كمدير للأمانة السورية للتنمية، وتطوير، وتشجيع، مغني الأوبرا في سورية.

رياض أحمد

اكتشف سورية