شكري شوقي

دمشق 1922 ـ 1989

يعتبر الفنان "شكري شوقي" واحداً من أعلام الموسيقيين العرب السوريين، اكتسب شهرته من وراء عزفه المبهر على آلة الكلارنيت، وهو الوحيد من بين العازفين على الكلارنيت في الوطن العربي الذي تعدت شهرته الحدود المحلية العربية.
نشأ شكري شوقي نشأة متواضعة، ومال إلى الموسيقا وأحبها منذ طفولته، اشترى له والده الآلة الموسيقية الكشفية المعروفة باسم "فريفره" ليعزف عليها مع أقرانه من الكشافة في المدرسة الابتدائية، فأتقن العزف عليها في فترة وجيزة حتى غدا العازف الأساسي في فرقته الكشفية. أحب آلة "الهارمونيكا" فاقتنى واحدة كانت تملأ أوقات فراغه، وتجمع حوله أهل الحي كلما عزف عليها. دفعته مصاعب الحياة متاعبها وهو مازال فتى للانخراط في صفوف فرقة الدرك ـ الشرطة اليوم ـ الموسيقية، وفيها تعلم العزف على آلة الكلارنيت التي برع في العزف عليها لدرجة الإعجاز، طموحه الموسيقي جعله يرفض أن يوقف عزفه على الأناشيد الحماسية والمارشات العسكرية، فاندفع يدرس معزوفات الأعلام من الكلاسيكيين الخاصة بآلة الكلارنيت والبيانو، ثم تجاوزها إلى تحويل بعض المؤلفات الشهيرة المكتوبة لآلة الكمان البيانو، إلى آلة الكلارنيت والبيانو، ورغم هذا فإنه عندما وجد أن ما حصل عليه من العلوم الموسيقية الغربية من خلال تلك المؤلفات لا يروي غليله، انصرف إلى دراسة "الهارموني ـ Harmonie التوافق" و"الفوج Fugue الترجيع" و"التقابل ـ Contre point الكونتربوان" من الكتب الموسيقية المتوفرة آنذاك لوحده. ثم ما لبث أن زاد من معارفه وأغنى علومه الموسيقية عندما احتك بالبارون الروسي "اراست بللينغ" عن طريق معهد أصدقاء الفنون الذي انتسب إليه فترة من الزمن. وقد استفاد من إرشادات البارون بللينغ وإشرافه المباشر على دراسته استفادة كبيرة جعلت البارون بللينغ يقول:
".. لم أسمع عازفاً بمثل مهارته، ولم أر عازفاً يجيد فن الارتجال مثله.. إنه عازف كبير، وكبير جداً..".
اضطرته الحاجة للعمل في الملاهي الليلية، فانتقل دفعه واحدة من عزف الأعمال الكلاسيكية إلى الموسيقا الغربية الراقصة ومن ثم إلى موسيقا "الجاز" التي برع فيها براعة مذهلة.
يقول عنه عارفوه، إنه في ارتجالاته الموسيقية على الكلارنيت صنو الفنان الكبير محمد عبد الكريم في عزفه على البزق.
في سني الأربعينيات والخمسينيات، تسابقت الفرق والمعاهد الموسيقية لضمه إلى صفوفها، ورغم الإغراءات فإنه فضل العمل في فرقة معهد أصدقاء الفنون وفي فرقة المعزوفات الحديثة تحت قيادة هشام الشمعة. وفي سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية، وهي الفترة التي عمل فيها في فرقة هشام الشمعة، وبالتحديد في العام 1947، قدم إلى دمشق ثلاثة من الموسيقيين الألمان الذين كانوا قد تعاقدوا بسبب اختصاصاتهم غير الموسيقية للعمل في مؤسسات الدولة المختلفة، وكان من بينهم عازف على البيانو يدعى "تشيشيل" وعازف على الكمان يدعى "ألبرت فيتزنر" وثالث كان قد درس فن قيادة الأوركسترا قبل الحرب ولم يتابع دراسته بسببها ويدعى "جاك دورلي". هذا الثلاثي وجد غايته في معهد أصدقاء الفنون، فانضموا إلى صفوفه ليتابعوا هوايتهم الموسيقية، وأخذوا يعملون في العزف والتدريب دون مقابل وكان إعجابهم لا حدود له بشكري شوقي، فكونوا بعد أن ضموا إلى صفوفهم عازف "الكمان الجهير" فيولونسيل عضو المعهد يحيى النحاس رباعياً رائعاً، أخذ يقيم حفلات دورية في قاعة المعهد الرئيسية لهواة الموسيقا الكلاسيكية.
أراد "جاك دورلي" أن يحقق معجزة من العازفين في فرقة المعهد، وقد استطاع بعد جهد كبير من تكوين فرقة سيمفونية صغيرة، جلب جل عازفي آلات النفخ النحاسية فيها من فرقتي الجيش والدرك، وكان أبرز هؤلاء العازفين "غالب مامللي" على الترومبون أكوليس وعازف الترومبيت "عبد الفتاح محمد" وعازف الكلارنيت "عارف ملص" وعازف الأوبوا "مطيع المصري"، وكل هؤلاء استهواهم العمل فانضموا إلى المعهد ليشاركوا بفرقته الصغيرة التي قدمت في أولى حفلاتها في فندق "أوريان بالاس ـ الشرق" مقطوعات "أجمونت" لبتهوفن و"خليفة بغداد" لبوالديو "الفالز الإمبراطوري" لشتراوس، و"دعوة إلى رقص الفالز" لفيبر.
عاشت الفرقة عدة أعوام، ولم ينفرط عقدها، إلا بعد سبع سنوات، عندما انتهت عقود أولئك الموسيقيين الألمان.
تلقى "شكري شوقي" عقوداً من مختلف الأقطار العربية للعمل في معاهدها الموسيقية، فاستقال من فرقة الدرك، وحزم متاعه وسافر في رحلة طويلة إلى السعودية لم يعد منها إلا في مستهل الثمانينيات، بعد غياب دام أكثر من عشرين عاماً.
اتصل بعد استقراره في دمشق، بالمعهد الموسيقي العربي التابع لوزارة الثقافة والإرشاد القومي الذي رحب بالتعاون معه، وهكذا انطلق من جديد في مهنته التي يحب ـ تدريس الكلارنيت ـ فاختار عدداً من التلاميذ الذين وجد فيهم وعياً فنياً وفهماً لقدرات هذه الآلة، وقد قدم أحد هؤلاء التلاميذ "جابر العظمة" في حفلة المعهد السنوية عام 1987 الذي بهر المستمعين على صغر سنه.
وبعد فان شكري شوقي الذي عانى الشيء الكثير من مرض السكري توفي بعد أن ترك وراءه عدداً لا بأس به من المؤلفات الأوركسترالية.. غير أن هذه المؤلفات لن ترى النور، لأن القطر يفتقر إلى الفرق الموسيقية التي تستطيع أداءها.



[1]يحيى النحاس من أمهر عازفي "الكمان الجهير" وهو حاليا يعمل في فرقة "أحمد فؤاد حسن" ومتزوج من المطربة "فايزة إبراهيم".

صميم الشريف

الموسيقا في سورية|