دمشق في النصف الأول من القرن العشرين

صور وبطاقات بريدية نادرة تشكل ذاكرة بصرية لمدينة دمشق

بهدف تسليط الضوء على مرحلةٍ زمنية من تاريخ مدينة دمشق، ألا وهي النصف الأول من القرن العشرين، ولاعتبار انه مازال هناك جيلٌ شاهد على هذا العصر. قامت الأمانة العامة لاحتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية 2008 بتقديم معرض «دمشق في النصف الأول من القرن العشرين»، في صالة الشعب يوم الاثنين المصادف 23 حزيران 2008، ويستمر لغاية 3 تموز 2008.
يعتبر المعرض الأول من نوعه ضمن أنشطة الاحتفالية، والثاني ضمن نشاط الحركة الثقافية السورية، بعد أن سبقه بثماني سنوات معرضاً مُشابه تناول حقبة القرن التاسع عشر.
معرض «دمشق في النصف الأول من القرن العشرين»انطوى المعرض على صور استعادية وبطاقات بريدية من مجموعة بدر الحاج وطلال عقيلي البالغة 4000 ألاف وثيقة، تؤرِّخ لمدينة دمشق وبلاد الشام الطبيعية، جُمعت على مدى 22 عاماً من بلدان أوروبية مختلفة أهمها فرنسا وبريطانية، وهي الدول التي انتُدبت على هذه المنطقة، وقام مصوريها بالتقاط الصور وإرسالها لذوويهم في الدول المذكورة. على أن عدد القطع المعروضة في صالة الشعب من هذه المجموعة الضخمة لا يتجاوز الـ 200 وثيقة ما بين صورة وبطاقة.
تأتي قيمة وثائق المعرض من كونها نادرة في معظمها، ومن جهة أُخرى توثق لحياة مدينة طرأ عليها تغييرٌ كبير على مختلف الصُعد، وأهمها تغيير أوصافها العمرانية. وبناءً على ذلك، جاء المعرض بهدف إعادة إحياء الذاكرة البصرية المُعاشة في دمشق، من خلال عُرض ساحاتها، وشوارعها، وأبنيتها، ومواقع عمرانية مختلفة تعتبر تاريخياً جزء من مدينة دمشق، ولا يمكن طلال عقيلي في معرض «دمشق في النصف الأول من القرن العشرين»تجاهلها وتجاوزها. وفي ذلك يقول طلال عقيلي: «هدفنا من المعرض إدخال المشاهد في مقارنة ما بين الأمس واليوم، لنصل به إلى استنتاج بأن الأمس كان مضيئاً، ونستطيع حتى اليوم أن نعيد النظر فيه ونتابع إلى مستقبل أفضل».
ويتابع عقيلي «للأسف نحن اليوم في مرحلة إعادة تكوين دمشق، على ضوء مجموعةٍ من الاستثمارات يحكمها الربح والخسارة، وقد تُعرِّض هويّة دمشق العمرانية إلى الضياع والتغيير. وبالتالي نأمل أن يُحقق المعرض استفزازاً لدى المُشاهد المعنيّ وغير المعني، وقناعةٌ بضرورة الحفاظ على هوية دمشق المعمارية والعمرانية، وضرورة التحديث دون تدمير هذه الهوية. وأداتنا في ذلك كانت مجموعة الوثائق التي انقسمت إلى بطاقات بريدية، وصور فوتوغرافية».بدر الحاج في معرض «دمشق في النصف الأول من القرن العشرين»
أما بدر الحاج فيقول: «لقد استغرق جمع الصور والبطاقات البريدية 22 سنة من عمري، وهو العرض الثاني لي في سورية، إذ سبقه منذ ثماني سنوات معرضٌ عن دمشق في القرن التاسع عشر، والفرق بين المعرضين؛ أن الأول كان بدائياً، في حين الأخير أتت صوره وبطاقاته غنيةً بالأحداث السياسية والاجتماعية. ففي عام 1880 كان عدد سكان دمشق لا يزيد عن 80ألف، وفي أواخر عهد الانتداب وصل الرقم إلى 220 ألف، والمباني والتنظيم العمراني تطور كثيرا،ً بعد أن تمَّ تدمير قسم كبير من مباني النصف الأول من القرن العشرين قبيل الحرب العالمية الأولى بسنتين، حيث قام جمال باشا بالهدم والتوسيع حول الجامع الأموي، وجاءت عهود الانتداب لتشيد مباني لم تكن موجودة في القرن التاسع عشر»
وحول اهتمامه بجمع هذه الأشياء على مدى عقدين من الزمن يقول الحاج: «أنا مهتم بجمع كل ما يتعلق ببلاد الشام وخاصة دمشق، التي جرى تدميرٌ منهجي لمدينتها القديمة، كما أنني كنت على يقينٍ بأن مجموعتي البالغة 4000 وثيقة، والموجودة اليوم في لندن، سيكون لها في يوم من الأيام شأنٌ كبير من كونها أكبر توثيق معماري لمدينة دمشق والجمهورية العربية السورية بشكل عام». ويضيف الحاج «حالياً وبالتعاون مع طلال عقيلي نعكِف على إنجاز كتاب يوثق المدينة نصاً وصورةً، ومن المقرَّر أيضاً أن يكون هناك معرضٌ عن مدينة حلب، لتوفر مجموعة كبيرة خاصة بها أيضاً».
الدكتور حيدر يازجي في معرض «دمشق في النصف الأول من القرن العشرين»أما الدكتور حيدر يازجي -نقيب الفنانين التشكيلين- فيقول: «دون شك هذا ليس معرضاً بقدر ما هو توثيق لذاكرة سورية، التي تعرضت معظم مدنها لموجات الهدم، وتغيير المعالم، وتشييد الجديد، ولم يبقى لدينا إلا الفوتوغراف الذي يشكّل الآن ذاكرةً بصريةً تُعيدنا إلى خصوصية دمشق قبل عشرات الأعوام».
يُذكر أن بدر الحاج لبناني الأصل، مقيمٌ في لندن. مهتمٌ بالتعامل مع الكتب والمطبوعات الورقية القديمة من نتاجات القرن الرابع والخامس والسادس عشر وصولاً إلى القرن العشرين.
في رصيده كتاب ثوثيقي عن سورية، يغطي حتى غاية 1914 ، وآخر يوثق من عام 1892 وحتى نهاية عهد الانتداب، وهو حالياً بصدد طبع كتابٍ خاصٍ بهذا المعرض بالتعاون مع الدكتور طلال عقيلي.

رياض أحمد

اكتشف سورية