دمشق روح هذا العالم

26 كانون الأول 2010

فانوسٌ صغيرٌ يضيء كلّ هذه العتمة. دمشق تستيقظ من شرفتي وترفو المسافة الطويلة بين ولادتين. أنا طفلٌ يكبر من جديد على إيقاع جرس بعيد وصهيل تلك العربة. ذكريات بيضاء تندف في الذاكرة. أعلق على قمتها المستديرة جزرة. وأركض نحو بابا نويل مليئاً بالصخب، جائعاً للشوكولا، ونهماً للهدايا، وأضج بالبكاء الماكر.

على الطرف الآخر من المدينة يهاتفني صديقي؛ نستسلم لخدر الذكريات. نتفق أن نهدم هذا الجدار الطويل من الخلافات الصحفية النزقة. ننسى صخب المكاتب، ووقع الأخبار الثقيلة، ووجهات النظر، وجحيم الأنا والأنت. تذوبنا الضحكات وتصهرنا في هذا العيد. نتفق أن نتلاقى بباب شرقي. تحملنا العيون الباسمة الممتدة على طول الطرقات. لا بداية ولا نهاية لهذا الفرح الدافئ، حيث تسقط كلّ الأيديولوجيات والقوميات. نجلس على حجر لا نعرف له تاريخ: أمويٌّ ربما، أو بيزنطي، لعلّه آرامي أو فينيقي. يسألني: «كم هي الأكف التي صنعت تاريخ هذه المدينة؟ من هم؟ من كانوا؟» أقول له: تساووا جميعاً في العرق النازف من الجباه، وفي أعيادهم وأحزانهم. ثم يسألني بشهوة المجهول: «من أنا ومن أنت؟» أشير نحو قباب الجوامع والكنائس التي تلتمع تحت الأضواء مثل نجمٍ بعيد، مثل وترٍ أو ناي، تسيل أجراسها ومآذنها لغة الله على الأرض. يقول لي: «هذا شعر!». أراه أنا فسيفساء نادر الوجود، أو تشكيلاً لألوان تضجُّ بالحياة.

من الحجر الذي نجلس عليه، ترقص دمشق على إيقاع جرس بابا نويل. ونرقص معها فرحين جذلين حالمين بالهدايا. ويرسم العناق الحار والأكف الدافئة إنسانيتنا من جديد وتمسح كلّ أشكال الاختلاف فينا. نقف خمسة أصدقاء جئنا من شتى أنحاء المدينة في شرفة صديق لنا في باب توما. نغيب في صمتٍ باسم حيث تضحك المدينة مٍلء أشداقها. يغمرنا الحنين، وترجّنا الدهشة الطفولية. نشرب بعيوننا نخب هذا التكامل الغريب. يرتفع صوت صديقي الأجش، يبدو للوهلة الأولى أنه همس أزلي: دمشق روح هذا العالم. توافق البسمات الريانة، وتلفنا دمشق بفرحها مثل هدية في العيد.


عروة المقداد - دمشق

اكتشف سورية

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق

eyad:

i love syria

syria

عدنان دمشقي:

الاخ العزيز موضوع جميل

سورية