عزيز غنام

1920ـ1978

يمكن القول دون مغالاة أن الفنان "عزيز غنام" كان واحداً من أبرز العازفين على العود في الوطن العربي، فهو كالفنان محمد عبد الكريم، نأى بفنه عن البهلوانيات في العزف، وتفرد بأسلوب خاص به، حوَّل معه آلة العود الضعيفة الشأن، إلى آلة ذات إمكانات وخصائص يصح معها القول إنها خصائص "غنامية" نسبة لعزيز غنام بالذات، وإذا نحن حاولنا تقري أسلوبه المتفرد في العزف لوجدناه، لا يلجأ إلى الطريقة المعروفة بالتقاسيم في الارتجال. وإنما يترك خياله المجنح، يجنح به إلى نوع من العزف الارتجالي تصح تسميته بالاصطلاح الغربي "صولو ـ solo"، فيبتعد به كثيراً عن "التقاسيم" المتعارف عليها رغم استخدامه للمقامات الشرقية، ومقترباً غاية القرب من الأسلوب الغربي "صولو" دون أن يجمع الأسلوبين، في أسلوب واحد، بل يظل وسطاً، وكأنه يكرس العلم الذي يعرف، لابتكار أسلوب جديد في العزف يدعو من خلاله عازفي العود الكبير، والعود الصغير (نشأة كار) على حد سواء للاقتداء به، وذلك لأن اللغة التي تحدث بها من وراء عزفه كانت لغة عربية أصيلة.
تعلم عزيز غنام على يد أستاذه الكبير "أحمد الأوبري" الذي أولاه اهتماماً خاصاً مذ كان طالباً عنده في ثانوية الحمداني في حلب، فعلمه العزف على العود والطنبور، ثم لقنه أصول الموشحات حتى غدا وهو مازال طالباً، أستاذاً بارعاً في فنه، وقد امتد تأثير "الأوبري" على "عزيز غنام" في أسلوب العزف الذي امتاز به وجعله صنو رياض السنباطي ومحمد القصبجي وجورج ميشيل في العزف الكلاسيكي التقليدي ـ التقاسيم ـ ثم انفرد بعد ذلك بأسلوبه الإبداعي الذي حاكى به الفنانين العراقيين "جميل ومنير بشير".
"التقاسيم" عند عزيز غنام، ليست مجرد تجول في المقامات الموسيقية للتدليل على فهمه واستيعابه لها، وإنما في إبداع أجواء ساحرة، يعتمد عليها على الأفكار الموسيقية التي يرتجلها وكأنها مؤلفات كتبت مسبقاً. والمستمع لعزفه يظن للوهلة الأولى أنه يعزف على آلة الغيتار، وأن الريشة التي يستخدمها، هي الأنامل التي تجري على أوتار الغيتار، وقد يتساءل المرء: أين موضع "عزيز غنام" من "فريد الأطرش" وعزفه مثلاً؟ الجواب نجده عند "عزيز غنام" لأن عزفه الخلاق، لم يكن في يوم من الأيام عزفاً يهدف إلى الاستجداء الجماهيري، بل نغمات متماسكة تطرح أفكاراً آنية طرحها في تسجيلاته العديدة على آلتي العود والنشأة كار المحفوظة في مكتبة الإذاعة السورية في دمشق.
و"عزيز غنام" بعد هذا، لم يحصر اهتماماته الفنية في العزف على الآلات الوترية كافة، لأنه أولى التراث الغنائي أهمية كبيرة، وعالج فنون الغناء الحديث الدارج بما يستقيم واللغة العربية التي يعشق، وفي هذا يقول الأستاذ "ممدوح الجابري" في مقال قديم نشره عن الفنان الراحل ما يلي:
".. لقد تعمق عزيز غنام في علم العروض حتى أصبح في بحوره بحراً، وفي علم الإيقاع حتى أصبح فيه حجة، وخاصة الإيقاعات العرجاء، التي تتسم بها الموشحات العربية، ولطالما كان يهابه الضاربون بالإيقاع لما يبتكره من أوزان جديدة في الموسيقا العربية، لم تطرق أسماعهم من قبل...".
في الواقع، إن أعماله في هذا المجال لا يمكن حصرها، وتعتبر جميع الأعمال التراثية التي قام بتحقيقها وتدوينها، وخاصة فيما يتعلق بالقدود والموشحات الحلبية، من أهم الأعمال التي قام بها، كما أن أعماله المماثلة في إخضاع القصائد التي نظمها الخالدون من الشعراء "كأبي النواس"، لقالب تلحين الموشحة، كما في قصيدة "حامل الهوى تعب" تعتبر من أدق الأعمال التي أعطاها، والتي لم يسمح له الموت بمتابعتها.
وإلى جانب اهتمامه بأعمال التراث الغنائية، اهتم بأعمال التراث الموسيقية، وقد سجل عدداً كبيراً من البشارف والسماعيات واللونغا، وعمر بعضها الزمني كلونغا "سبوخ أفندي" يزيد على المائة عام، وهو يقول عن اهتمامه بهذا التراث بحماس الرجل العالم:
ـ نحن ورثة التركة العثمانية الموسيقية، لأنها تراثنا وجزء من حياتنا وتاريخنا.
عالج "عزيز غنام" فيما عالجه من ضروب الغناء: الموشحة والقصيدة، والأغنية الشعبية ذات المنشأ الفولكلوري، كذلك اهتم بالغناء الحديث فأولى عنايته للمونولوغ والديالوغ، والأغنية الراقصة. وفي كل هذه الأنواع لم يلحن سوى الشعر بنوعيه التقليدي الذي لم ينظم أصلاً بهدف الغناء، والشعر الغنائي، وقلة لا تذكر من الزجليات، ومن أهم الألحان التي أعطاها في فن الحوارية ـ ديالوغ ـ حوارية "غادرة" من نظم الشاعر مصطفى البدوي ومن غناء المطربة الراحلة "مها الجابري" والمطرب "جلال سالم".
وجد "عزيز غنام" من خلال ثقافته الموسيقية بأن تقديم الفولكلور دون تطوير يساير الزمن يساهم في تأخير وتطوير الأغنية عموماً، وبخاصة أن التدوين الموسيقي للفولكلور محفوظ ومصان ومن هنا لجأ إلى معالجة الأغنية الشعبية التي لا يعرف لها مؤلف وملحن، وعمل على تطويرها لتواكب لغة العصر، ومن هذه الأغاني التي راجت كثيراً ولبست حلة جديدة بفضله أغنية "يا ماريا".
إن أعمال "عزيز غنام" التراثية وغير التراثية، جديرة بالدراسة، لأنها مدرسة قائمة بذاتها، كما أن عزفه على العود، يجب أن يدرس هو الآخر، لتوضع على أسسه مناهج العزف الحديث المطلوب، بعيداً عن العزف التقليدي الذي لابد له ذات يوم أن يغدو سجين المتاحف لرتابته.


صميم الشريف

الموسيقا في سورية|

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق