«حدث ذلك غداً» عرض تجريبي يبحث عن فضاء جديد يحتفي بإمكانيات المسرح

28 تشرين الأول 2010

هل حدث ذلك غداً؟! أم أنّه يحدث اليوم بالفعل مع كلِّ امرأةٍ تخطو باتجاه الاستقلالية في مجتمعٍ استهلاكيٍّ شديد القسوة؟ هذا المجتمع الذي كان يُوسم بالتمييز ضد المرأة، وانتقل ضمن حركة التغيير الاجتماعي -بما لها وما عليها- إلى أكثر أشكال المساواة فجاجةً بينها وبين الرجل، في الواجبات قبل الحقوق.

«حدث ذلك غداً»؛ إطلالة مسرحية على واقع المرأة العاملة في مجتمعاتنا العربية 2010، قد تبدو قاسيةً بعض الشيء، إلا أنّها قريبة جداً مما نقرأ ونسمع ونشاهد، ومن الصورة التي تنقلها الدراما السورية عن حال المرأة اليوم، في عرضٍ مسرحي تجريبي، يقدمه «مختبر دمشق المسرحي»، و« تجمع تنوين للرقص المسرحي»، دراماتوجيا وإخراج الدكتور أسامة غنم، وأداء: أمل عمران، ونوار يوسف، ومحمد آل رشي، ويخرج فيه أسامة غنم مجدداً عن الإطار المكاني التقليدي لتقديم العروض المسرحية، إلى محمصةٍ قديمة أعيد ترميمها في قلب دمشق القديمة؛ محمصة الشطا.


مشهد من حدث ذلك غداً

وتقوم هذه التجربة: على لقاء ثلاثةٍ أنماطٍ كتابية لثلاثة كتابٍ مسرحيين شديدي الاختلاف عن بعضهم البعض؛ الألماني فرانز كزافيه كروتز ومسرحيته الصامتة «ما يطلبه الجمهور» (1974)، والإيطاليان درايو فو ورفيقته فرانكا راميه في مونولوجين من مونولجاتهما النسائية من نهاية السبعينيات، والإنكليزي مارك رافنهيل في مشهدٍ من إحدى أشد مسرحياته التصاقاً بواقع منتصف التسعينيات. وكأنّ تلك النصوص التي تناولت حياة المرأة في أوربا من منتصف السبعينيات إلى أواسط تسعينيات القرن الماضي، تلامس على نحوٍ ما حساسية وضع المرأة العربية اليوم، ليلتقطها القائمون على هذا العرض المسرحي ويعيدون تركيبها ضمن شرط بصري يتيح التسلسل إلى عوالم أربعةٍ نساء، ويرصدون عبره خيباتهن اليومية وسخطهن على حالة الاستغلال التي يعانون منها في رحلة البحث عن لقمة العيش.

«نوار يوسف»؛ الممثلة التي تضطر تحت ضغط الحاجة للبحث عن دورٍ إعلاني، تتعرض بسببه لابتزازٍ مهين من جانب الشخص الذي يدير الوكالة الإعلانية «محمد آل رشي»، وفي مشهدٍ آخر تتحول من عاملةٍ في مصنع إلى فتاة ليل، وتصل إلى حافة الجنون، بسبب المقارنة اليومية بين ما يمكن أن تدره عليها إمكانياتها الجسدية كأنثى وكامرأة عاملة، وفي كلتا الحالتين تتعرض للاستغلال أمام سيلان لعاب الرجال على جسدها، أما المشهد الثالث فتؤدي فيه دور ممثلة تتدرب على بروفة عرضٍ مسرحي، تطل من خلاله على عوالم امرأة أخرى تتعرض لأقصى أنواع التعذيب بسبب انتمائها السياسي، وفي مشاهدها الثلاث أعطت «نوار» مؤشراتٍ قوية لولادة نجمةٍ مسرحية سورية واعدة، وهي خريجة المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق منذ عام تقريباً.

أما الممثلة «أمل عمران» بما لها من تاريخٍ مسرحي عريق، فقالت بـِصـَمتـِها كلّ ما يمكن أن يقال، وسحرت المتفرجين بأدائها الآسر، لمشاهد مستوحاة من مسرحية «ما يطلبه الجمهور». واستعرضت كلّ أفعالها الأنثوية «ابتسمت، غضبت، بكت، رقصت، رتبت منزلها، أعدت غذائها اليومي، تجملت، نامت، وانتحرت» على مرأى من الجمهور، الذين أتاح لهم العرض الدخول إلى عوالمها في مكعبٍ صناعي أشبه بقبوٍ بائس قليل النوافذ، يستعير شرط الفرجة من برامج تلفزيون الواقع.

وفي ختام العرض المسرحي التقى موقع «اكتشف سورية» بالدكتور أسامة غنم، الذي تحدث لنا عن سر اختيار المكان «محمصة الشطا» لتقديم المسرحية، قائلاً: وجدنا في هذا المكان الاستثنائي مكعباً صناعياً فارغاَ، يمكن أن يلبي احتياجاتنا السينوغرافية، باعتبار أنّ العمود الفقري للعرض هو المسرحية الصامته «ما يطلبه الجمهور» للكاتب الألماني فرانز كزافيه كروتز، وتتحدث عن امرأة أربعينية عاملة، تعيش وحيدةً، وحينما قررنا تقديم نسخة سورية من هذه المسرحية، تخيلنا أنها يمكن أن تكون مستأجرة في أحد الأحياء العشوائية، أو في حي شعبي قد يشبه هذا الحي (مأذنة الشحم)، والطريق الذي تسلكه البطلة يومياً إلى منزلها، يشبه الطريق المؤدي لمكان العرض، وبالتالي الديكور الذي تم توزيعه على هذا المربع –مكان المحمصة- هو تماماً بيتها، كما أنّ المكان أفسح لنا هامشاً من الحرية من الصعب تحقيقه في المسرح التقليدي، لاسيما إمكانية تدخين الممثلين.

وحول وجهة النظر التجريبية في العرض قال: التجريب في هذه المسرحية ينصب بصورةٍ أساسية حول تقنية المزج بين ثلاثة نصوص مختلفة عن بعضها البعض، وقدمنا من خلاله اقتراح مفتوح قابل للتطوير، حول كيفية المزاوجة بين أنماط مختلفة من الكتابة المسرحية، في فضاءٍ مسرحي فارغ، وقابل للتشكيل بالطريقة التي نريدها.

وأشار الدكتور أسامة غنم إلى مشروعه مع الممثل «محمد آل رشي»، باعتبار أن مسرحية «حدث ذلك غداً»، هي التعاون المسرحي الثالث الذي يجمعهما بعد «الشريط الأخير»، و«المهاجران»، والذي يمثل نواة لتشكيل مجموعة مسرحية سورية جديدة: كسبنا خلالها هذه المرة السيدة أمل عمران بما لها من خبرة عظيمة في الأداء المسرحي، والممثلة نوار يوسف التي وقع على عاتقها تقديم قسم كبير ومهم من هذا العرض، ونحن بصدد توسيع دائرة التعاون لتقديم أعمال مسرحية كبيرة، بما يتيحه لنا الشرط الإنتاجي في المرات المقبلة.

«حدث ذلك غداً»: دراماتوجيا وإخراج الدكتور أسامة غنم، مساعد مخرج ديمة أباظة، سينوغرافيا حكمت شطا، تعاون فني الكوريوغراف مي سعيفان يتم تقديم العرض في محمصة الشطا- 5 زقاق المليحي- حي مأذنة الشحم- دمشق القديمة، ابتداءً من 24-10- 2010، الساعة التاسعة مساءً.


محمد الأزن - دمشق

اكتشف سورية

Share/Bookmark

صور الخبر

من مسرحية حدث ذلك غداً

الفنانة أمل عمران في مشهد من المسرحية

الفنانة أمل عمران والفنانة نوار يوسف في مشهد من المسرحية

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق

فادي زغبور:

بداية كل الشكر لمجموعة العرض على أتعابها ... لكن أتصور أن الفنانة أمل عمران هي التي حملت العرض على كاهلها ولولاها لكان أسوأ بكثير ... نتحدث عن ثلاثة قصص لكن على مستوى العرض لايوجد أي رابط درامي فيها على الإطلاق فنياً .. لامبرر على الإطلاق لمكان العرض ولا لطريقة وضع الجمهور ... المسرحية ــ وليسامحني مخرجها ــ عبارة عن تقليد غير موفق على الإطلاق للعرض البديع " المهاجران " للمخرج سامر عمران على مستوى المكان وطريقة الأداء والتعامل مع الجمهور .. فكانت الحلول متشابهة جداً لكن غير منطقية هنا وغبر مقنعة ... أنا مؤمن بالتخصص وآمل أن يعي مخرج العرض أن الناقد ينتقد الفن ولكن لا يصنعه .. أبداً
مع كل الإحترام لكم جميعاً

سوريا