مصطفى هلال

دمشق "1911ـ1967"

ربما كان الفنان الراحل "مصطفى هلال" من أكبر فناني الوطن العربي، وربما لم يعرف القطر العربي السوري مكانته الفنية وأهميته كباحث تراثي إلا من خلال الثروة التي خلفها لنا من أغاني التراث الشعبية العربية. ولكن هذه المعرفة جاءت متأخرة، لأنها لم تحفل حتى بتكريمه بعد وفاته.
ولد الفنان مصطفى هلال في دمشق عام 1911، والده "أحمد راجي هلال" من الضباط الذين خدموا في الجيش العثماني إبان الاستعمار التركي للمنطقة العربية. وبعد إحالته على التقاعد انصرف إلى العناية بأسرته الصغيرة. أما والدته التي قبس عنها كما يقال المهارة في العزف على العود، فكانت سيدة من سيدات المجتمع المرموقات، وكانت تجمع إلى جانب الجمال الذي ورثه منها ميل فطري للموسيقا، جعلها تتعلم العزف على العود وتبرع فيه براعة تحسد عليها.
وصفه محرر جريدة الجزيرة التي تصدر عن دمشق بقوله: شعره أسود، ووجهه مشرب بحمرة خفيفة، عيناه سوداوان، عصبي المزاج، سريع الهدوء لا يحمل حقداً، محب للمسالمة، مرح، يحب الرياضة، ويفضل من أنواعها العدو. يميل إلى التمثيل والموسيقا بصورة متساوية، هدفه الوحيد في الحياة، أن ينتسب إلى معهد تمثيلي أو موسيقي، ويجمع كل العناصر التي تتوق نفسه إليها، وتشبع مطامحه، والوصول إلى أسمى الدرجات في هذين الفنين. وله أمل آخر لن يتحقق إلا إذا رأى فرقة تمثيلية سورية تضم خيرة الشباب والفتيات، وفرقة موسيقية تجمع أفضل الموسيقيين تعملان سوية على إخراج روايات (تراجي أوبريت) وهو يعتقد أن ليس هناك روايات تنجح كما ينجح هذا النوع.
ابتدأ دراسته في معهد الفرير الفرنسي، ثم انتقل إلى تجهيز دمشق الأولى التي ظل فيها حتى الصف العاشر.
أولع بالتمثيل سنة 1927 أثر مشاركته في تمثيل رواية السموأل، وكان يقوم إذ ذاك بدور صغير فيها، فأصاب قسطاً حسناً من النجاح رغم قصر دوره، فكان ذلك سبباً في تعلقه بهذا الفن،ودافعاً كبيراً لنيلة دور البطولة في الرواية الثانية "لولا المحامي" ثم تبعتها الروايات الآتية: فران البندقية، حمدان الأندلسي، صلاح الدين الأيوبي، هملت بطل غاليا، الطبيب والمحامي، الأخوان، سقطة فتاة، الضحايا، البرج الهائل وفرانسوا الأول.
هذا ما كتبته عنه جريدة "الجزيرة" في منتصف ثلاثينيات هذا القرن، وهذا يعني أن هواية التمثيل تملكته كما تملكته الموسيقا، ففي طفولته تعلم العزف على "الهارمونيكا"، ثم انتقل منها إلى آلة العود حتى إذا أتقنها وألم بها، استطاع أن يشتري مما كان يوفره من مصروفه اليومي آلة "قانون" وتمكن من تهريبها سراً إلى البيت خوفاً من أبيه الذي لم يكن راضياً عن ميول ابنه الفنية، ويريد له مستقبلاً غير الموسيقا والمسرح. ومع ذلك، ورغم التشديد عليه استطاع أن يخضع القانون لموهبته الموسيقية.
وفي العام 1928 وعلى الرغم من تفوقه في الدراسة، هجر المدرسة إلى إحدى الوظائف الحكومية، وانتسب في الوقت نفسه إلى نادي الكشاف الذي تأسس في العام 1927 لإشباع هواية التمثيل. ولكن هذا النادي الذي خص التمثيل بعنايته لم يعش وأغلق أبوابه في العام 1929، ليقوم على أنقاضه في العام 1930 نادي الفنون الجميلة، غير أنه خلال الفترة القصيرة التي أمضاها في نادي الكشاف شارك في العديد من الروايات التمثيلية. وأخذ في الوقت نفسه يلحن لنفسه ولغيره. وأبرز الروايات التي قام بالتمثيل فيها إلى جانب الفنان الكبير توفيق العطري الذي أعد الرواية للتمثيل، هي رواية "بولين" أو "سقطة فتاة" مع عدد وفير من الفنانين الشباب آنذاك نذكر منهم: وصفي المالح، أديب محيش، إبراهيم السيوفي، رفيق جبري، والممثلة عفيفة أمين. وقد غنى مصطفى هلال ضمن فضول الرواية عدداً من القصائد التي قام بتلحينها بنفسه.
وبالرجوع إلى الصحف الصادرة في الثلاثينيات نلمس النشاط المتعدد الجوانب الذي شارك فيه تمثيلاً وغناءً، فقد نشرت جريدة "فتى العرب" تحت عنوان "البرج الهائل" ما يلي:
أقامت فرقة التمثيل لنادي الفنون الجميلة حفلة رائعة مثلت فيها الرواية التاريخية الخالدة "البرج الهائل" تأليف اسكندر دوماس الكبير، فكانت حفلة زاهية بعلية القوم، وقد تبرع بعض أعضاء النادي الموسيقي بعزف قطع موسيقية وكانوا موضع الشكر،وقام بتمثيل دور "كوتيه" الأستاذ "عبد الوهاب أبو السعود" وبدور "بوريدان" "توفيق العطري" ودور الملكة الرشيقة الآنسة "عفيفة أمين"، و"وصفي المالح" بدور الوزير "سوازي" ودور "أورسيني" المخيف السيد "مصطفى هلال". فكان صوته وهيبته تبعث الرعب في القلوب، مما جعل لتمثيله رونقاً ساعده على التبريز في هذا المضمار. ونشرت مجلة الأسبوع المصور تعليقاً مسهباً حول الحفلة التي أقامها نادي الفنون الجميلة على مسرح الهبرا في العاشر من كانون الأول عام 1932 نجتزئ منه ما يلي:
قام بتمثيل دور "أنجلو" حاكم مدينة "بادو" السيد مصطفى هلال، وكانت نغمات صوته الرنانة تشف عن نبرات عذبة، وأجاد في دوره تمثيلاً وغناءً إلى درجة بعيدة. كذلك علقت جريدة "الشعب" على حفلة أخرى حضرها رجالات الدولة بما يلي:
أقام نادي الفنون الجميلة مساء الاثنين في مقره الخاص حفلة تكريمية على شرف الوطني الكبير الوجيه "خليل بك معتوق" دعي إليها فريق من نواب الأمة، ونخبة من الوجهاء والأفاضل ورجال الصحافة والأدب. وعند الساعة التاسعة أقبل صاحب الفخامة "صبحي بك بركات" وصاحب المعالي جميل بك مردم بك، وحضرة المحتفى به خليل بك معتوق، فقوبلوا بعاصفة شديدة من التصفيق، وفي الساعة التاسعة وخمس دقائق، عزفت فرقة النادي الموسيقية "نشيد النادي" وأعقبها خطيب النادي السيد "فؤاد رجائي" بخطاب ترحيبي بين فيه الغاية من هذه الحفلة وشكر الجميع على تلبية الدعوة لتكريم حضرة الخليل المحبوب، وبعد أن عزفت الفرقة الموسيقية عدة مقطوعات كانت غاية في الفن والإتقان صدح بلبل النادي مصطفى أفندي هلال بأنشودة "تحية دمشق" وأعقبها بقصيدتين لمحمد عبد الوهاب، وعند الساعة العاشرة قدم "وصفي المالح" قطعة تمثيلية عصرية هي "مدير المسرح في عالم المكوث" نالت الاستحسان وأعقبه الأستاذ "توفيق العطري" بتمثيل القطعة التاريخية "أوديب الملك"، فشاهد القوم بأم العين النهضة الفنية التمثيلية التي تفخر بها دمشق.
أما مجلة الصباح المصرية فنشرت في أحد أعدادها التي تعود إلى شهر آذار عام 1932 نبأ لمراسلها في دمشق يقول فيه:
سافر الأديب مصطفى أفندي هلال لبيروت لتعبئة أربع اسطوانات جديدة لشركة بيضافون من تلحينه الخاص.
هذا النبأ يعني أن لمصطفى هلال حتى ذلك التاريخ ألحاناً أخرى عبأها على اسطوانات لحساب الشركة المذكورة.
وأفردت مجلة "الضياء" صفحة كاملة بقلم "مصطفى أفندي هلال" تحدث فيها عن الحركة التمثيلية والأندية الفنية والسينما جاء فيها تحت عنوان "الموسيقا" ما يلي:
تألفت في دمشق نواد كثيرة، منها ما كان مختصاً بهذا الفن دون سواه، كالنادي الموسيقي والرابطة الموسيقية، والمعهد الموسيقي، ومنها ما كان للموسيقا فرعاً فيها، كنادي الفنون الجميلة، ودار الألحان وإلى يومنا هذا لم يبق في دمشق والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه إلا نادي الفنون الجميلة، والمعهد الموسيقي. أما النادي الموسيقي والرابطة الموسيقية ونادي دار الألحان فقد أغلقت أبوابها منذ أمد ورحم الله تلك الأيام.
وإذا تابعنا ما نشرته الصحافة عن نشاط مصطفى هلال المسرحي والموسيقي لوجدنا جريدة "فتى العرب" تنشر في العام 1936 ما يلي:
أقام معهد "الآداب والفنون" حفلة موسيقية رائعة في معرض دمشق حازت إعجاب الجمهور، وقد أنشدت مقطوعة "الحادي" من وضع الأديب "شفيق شبيب" وغنى "تحية المعرض" الأديب الفنان "مصطفى هلال" والأغنية من تأليف الأستاذ "سليم الزركلي"، وألقيت قطع موسيقية سواها، كانت روعة في الفن، فنهنئ "الآداب والفنون" بما أصاب من نجاح.
وفي مستهل العام 1937 أقام معهد الآداب والفنون على مسرح قصر "الأمبير" رواية "لحن الخلود"، ويشير الإعلان الذي وزع بالمناسبة المذكورة إلى أن رواية "لحن الخلود" هي أوبريت موسيقية غنائية من ثلاثة فصول من تأليف وتلحين رئيس فرع التمثيل "فريد صبري". وإن البرنامج الموسيقي يتضمن مقطوعتين لفريد صبري: الأولى بعنوان "شكوى" من مقام الجهاركاه. والثانية بعنوان "لقاء" من مقام الفرحفرا، ثم "نشيد الأمل" فمقطوعة موسيقية بعنوان "نجوى" من مقام فرحفرا، فأغنية "لحن الخلود". وكلها من تأليف وتلحين مصطفى هلال. وقد عرضت مرتين الأولى بعد ظهر يوم الأربعاء الثالث عشر من كانون الثاني عام 1937 خصيصاً للسيدات، والثانية في مساء اليوم نفسه للعموم، وجاء في الإعلان الذي وزعه معهد الآداب والفنون، بأن المعهد يقيم هذه الحفلة تحت رعاية اللجنة العليا للشباب الوطني بمناسبة تدشين عهد الحرية والاستقلال وأن ريعها يرصد لفريق القمصان الحديدية، فوج فيصل الأول لجادة الصالحية.
وفي يوم الخميس أعيد عرض الرواية على مسرح قصر "الأمبير" وقد كتبت جريدة الأيام ما يلي:
قدم معهد الآداب والفنون حفلة رائعة جداً، حضرها وزير العدل والمعارف، والنائبان السيد فخري البارودي والدكتور منير العجلاني والسيد نزهة المملوك، والدكتور أحمد السمان، وفريق من الشباب الوطني، وقد غنى في الحفلة الفنان "مصطفى هلال" وأجاد الممثلون في الرواية التي عرضوها بعنوان لحن الخلود أحسن الإجادة.
 



[1]راجع جريدة "الحوت" الدمشقية العدد 158.
[2]راجع جريدة "فتى العرب" تاريخ 16 تشرين أول 1931.
[3]راجع مجلة "الأسبوع المصور" تاريخ 19 كانون ثاني 1932.
[4]راجع جريدة "الشعب" تاريخ 25 نيسان عام 1934.
[5]راجع مجلة الضياء ـ تشرين أول 1934.
[6]تأسس نادي دار الألحان في العام 1929 وأغلق أبوابه في نهاية 1933.
[7]راجع جريدة "فتى العرب" ـ تاريخ 23 حزيران 1936.
[8]أقيم معرض دمشق الأول في العام 1936، في المبنى الذي تشغله اليوم ثانوية جودة الهاشمي.
[9]"فريد صبري" عازف كمان بارع وقدير جداً، عمل كمدير للقسم الموسيقي في محطة الشرق الأدنى ـ لندن اليوم ـ ثم في إذاعة دمشق.
[10]راجع جريدة الأيام تاريخ 15 كانون الثاني عام 1937.


صميم الشريف

الموسيقا في سورية|

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق