سلامة الأغواني

دمشق 1909 ـ دمشق 1982

عرفت ديار الشام ـ سورية الطبيعية ـ عدداً طيباً من الفنانين الشعبيين الذين كرسوا فن المونولوغ للأغراض السياسية، ووقفوا في جلّ ما نظموه وغنوه، ضد الاحتلالين الفرنسي والإنكليزي، وضد السياسيين والمتآمرين المتعاونين مع الاستعمارين المذكورين.
أبرز هؤلاء الفنانين: نوح إبراهيم، وداود قره نوح في فلسطين، وعمر الزعني وسامي الصيداوي ويحيى اللبابيدي في لبنان، وسلامة المصري الأغواني وعلي دياب وعبد الله المدرس وحاتم نصري وغيرهم في سورية.
تبوأ فن المونولوغ كنوع من الغناء الخفيف، الهادف اجتماعياً وسياسياً مكانة خاصة في الحياة الفنية في ديار الشام، لتعبيره المطلق عن آمال وأماني الشعب العربي في الحرية والاستقلال ووحدة الديار. وإذا كان هذا النوع من الغناء قد اقتصر في بداياته في بعض الأقطار العربية كمصر ولبنان على الفكاهة في نقد الأوضاع الاجتماعية السائدة، فانه لم يعرف في القطر العربي السوري وفلسطين هذا النوع إلا متأخراً، لأن بداياته كانت موجهة منذ غناه الفنانان الراحلان "سلامة الأغواني" في القطر السوري والشهيد "نوح إبراهيم" في القطر الفلسطيني ضد الاستعمارين الفرنسي والإنكليزي وعملائهما. ومن ثم تعددت أغراضه ومراميه التي هدفت هي الأخرى بطريقة غير مباشرة للخلاص من الاحتلال الفرنسي لأنه أصل البلاء الذي أدى إلى فساد الحكم وتردي الأخلاق وما إلى ذلك.
والمونولوغ دخل إلى سورية قبل الاحتلال الفرنسي، وعرفت أول صورة عنه إبان الحرب العالمية الأولى من خلال "مونولوغ" اشتهر آنذاك، دون أن يعرف ناظمه ومغنيه المجهول حتى الآن، ومازال المعمرون الذين عايشوا سني الحرب العالمية الأولى يذكرون هذا المونولوغ ويحفظون بعض مقاطع من أزجاله، منها الأبيات التالية:
قوم تفرج يا عزيز
بين الألمان والإنكليز
والترك راح يا خسارة
وبالجيبة ما في ولا باره
وانقر يا دف بصوت عالي
كل شيء بالبلد غالي
 
 
ضرب المدفع شو لذيذ
قوم تفرج يا عزيز
وانقر يا دف على الطاره
قوم تفرج يا عزيز
واسمع شو خاطر ببالي
حتى عليق الحمارة
 
 
قوم تفرج يا عزيز
 
ازدهر المونولوغ السياسي والاجتماعي في القطر منذ أوائل الثلاثينيات بفضل الشاعر الشعبي "سلامة الأغواني" الذي نظم وغنى في كل أغراضه، وتمكن خلال فترة قصيرة من التأثير على الجماهير التي كانت تتلقف وتحفظ كل ما يغني وينظم لأنه استطاع التعبير عن عواطف الناس ومشاعرهم وعدائهم للمستعمر:
 
البيت بيتنا
بأنو عين
حكم علينا
 
 
والأرض لأبونا
جايين تنهبونا
الفرنساوي
 
 
ربي منو تنجينا
 
كذلك غنى مونولوغه الشهير:
 
ما شفت متل بلادي
أنا بصوتي بنادي
 
 
فيها انجرح فؤادي
يلعن الفرنساوي
 
 
وليسمع مين ما كان
 
وإبان الحرب العالمية الثانية وهزيمة فرنسا واحتلال باريس من قبل الألمان، قامت السلطات الاستعمارية في القطر بفرض مزيد من الضرائب على الناس، فنظم وغنى مونولوغاً غمز فيه من قناة الفرنسيين، وانتقد بشدة ما تقوم به الحكومة من ضغط على المواطن عن طريق الضرائب التي تتفنن في إيجادها وطرحها عليه...
هذا المونولوغ الذي ذاع وانتشر في طول البلاد وعرضها، واشتهر في الأوساط الشعبية، وغنته الجماهير في كل مكان، تسبب في اعتقال "سلامة الأغواني" ويقول في "مذهبه" الأول ما يلي:
 
أنا قلبي دايب
أعشار وضرايب
شايفين ساكتين
إن عشنا وياما نشوف
في اسم سبع حروف
بالزور باليور
 
 
كتروا المصايب
ما في ضرب خايب
آه.. كل ضرب صايب
قاعدين بالدنيا ضيوف
نتفنا زي الصوف
آه.. والناتف منتوف
 
عمل سلامة الأغواني في بداية حياته سائقاً على خط دمشق ـ بيروت ودمشق ـ الزبداني قبل أن يغدو موظفاً خبيراً لدى وزارة الأشغال العامة، وقد نظم وغنى خلال عمله كسائق، أغنية شاعت طوال الثلاثينيات والأربعينيات، وغناها كل الناس لظرفها ولما تحمله من نقد منها هذه الأبيات:
 
نحن الشوفيرية
منركب بالماكينة       
ركبنا ناس كتير
ومين بيسوق حمير
 
 
نحن يا جدعان
أشكال وألوان
وعرفنا مين الأمير
ومين قاضي نسوان
 
وكنموذج عن نظمه للمونولوغ الاجتماعي الانتقادي اخترنا له مونولوغ "بلا حسبك" ومونولوغ " روق يا أخي روق" وهما من تلحين الفنان الراحل "صبحي سعيد".
 
بلا حسبك بلا نسبك
إن عجبك وإلا ما عجبك
بلا علمك بلا أدبك
غير الليرات ما بتحكي
 
 
لو كان عمرك فوق الستين
خشخش ليراتك وكون أمين
 
 
وجسمك فنيان يا ربي تعين
بتموت عليك بنت العشرين
 
 
غير الليرات ما بتحكي
 
 
خليك تكون ملك الملوك
اللي يحبوك بطلوا يحبوك
 
 
وجيبك فاضي ماله مدكوك
بيستغنوا عنك وبيتركوك
 
غير الليرات ما بتحكي
 
 
إن كان جيبك ما في عمله
خليك تكون راس الدولة
 
 
شغله صعبه ما لها سهله
ما بتسوى ولا قشرة بصلة
 
 
غير الليرات ما بتحكي
 
 
خليك تكون داير سكران
لكن في عندك أصفر رنان
 
 
وماشي بالسوق حافي عريان
أنت الوزير، أنت السلطان
 
 
غير الليرات ما بتحكي
 
 
شو الفايدة إن كنا أمراء
ما دمنا عدمانين فقراء
 
 
ولاّ نواب ولاّ وزراء
إيد من قدام وإيد من وراء
 
 
غير الليرات ما بتحكي
 
 
"روق يا أخي روق"
كلمات: سلامة الأغواني
تلحين: صبحي سعيد
 
روق، روق، يا أخي روق
بكره بتحس بكره بتدوق
 
يا حبيبي روق يا عيوني روق
روق          ،         روق
 
 
الشب اليوم صفا الحاير
قوم على شغلك مالي قادر
 
 
تارك شغله ودايما داير
تلعب بوكر يا الله حاضر
 
 
وبعدك نعسان روق
 
 
عايشين عيشة تعب وتدفيش
شي اشترونا وشي باعونا
 
 
لو كان في موت ما كنا نعيش
وشي لعبوا فينا متل الفيش
 
 
وبعدك نعسان روق
 
 
ما بتعرف شو صاير حواليك
والمي ماشيه من تحت رجليك
 
 
قلبك معمي مفتح عينيك
خربوا بيتك وضحكوا عليك
 
 
وبعدك نعسان روق
 
 
يا عيشة الذل ما أصعبها
عمره الشريف ما جربها
 
 
غير الواطي ما يطلبها
والحرية ما أطيبها
 
 
وبعدك نعسان روق
 
 
وسلامة الأغواني الذي لم يهادن الاستعمار الفرنسي يوماً واحداً غنى مونولوغه الشهير "يا جراد" ثم مونولوغ "الجلاء" في أفراح وأعياد الجلاء، وهو بعد جلاء المستعمر لم يتوقف عن العطاء، بل تابع رسالته الفنية من خلال مونولوغاته الانتقادية والسياسية للعهد الوطني بعفوية نادرة فغنى مونولوغ "شو سبب غلا هالأسعار" الذي انتقد فيه الوضع الاقتصادي ومونولوغ "كيف ما مشيت" ومونولوغ "المال" و"كذابين" التي انتقد فيها رجال السياسة وأصحاب الأموال، وغنى للعمال في عيد الأول من أيار مونولوغ "ذكرى أيار" وللجيش العربي السوري مونولوغ "أخي الجندي" وللجيش الشعبي مونولوغ "الجيش الشعبي" ومونولوغ آخر حيا فيه العمال وأمهات الجنود بعنوان "للعمال وأم الجندي" وعندما قامت الوحدة بين سورية ومصر غنى ابتهاجاً بالحدث الكبير مونولوغه الجميل "عيد الوحدة" ثم "ذكرى الوحدة" كذلك هزته ثورة العراق عام 1958 التي حادت عن طريق الوحدة، عندما استأثر "عبد الكريم قاسم" بالحكم، فهجاه بمونولوغه الشهير "مخطيء يا عبد الكريم" وتوجه للشعب بالعديد من مونولوغاته التي حثهم فيها على اتباع النظام فغنى مونولوغ "اللي بتحب النظام". وعندما اندلعت ثورة آذار، غدا سلامة الأغواني صوتاً من أصوات الثورة فغنى عدداً كبيراً من مونولوغاته تأييداً للثورة منها: "نحن اليوم بعهد جديد" "يا ثورتنا الثورة" "الثورة خلقت حرية" "أحرار" وغيرها كثير، وقد خص الفلاحين بعد القرارات الاشتراكية التي نصت على توزيع الأراضي على الفلاحين بمونولوغ "نداء للفلاحين" الجميل، وعندما تطاول المذيع "أحمد سعيد" على ثورة الثامن من آذار هجاه بمونولوغه الشهير "اسمع يا أحمد سعيد" كذلك لم ينج "الحبيب بورقيبه" من عقر لسانه عندما طالب العرب بالصلح والانفتاح على العصابات الصهيونية فهجاه بمونولوغ "يركب أبو رقيبه جني"، وعندما زار وفد كبير من المغتربين العرب وطنهم الأم، غنى لهم ابتهاجاً مونولوغ "مين قال عنكم مغتربين" والقائمة تكاد لا تنتهي، وهو في صراع دائم مع الأحداث في الوطن العربي، فكلما بزغ أمل هنا أو هناك انبرى الأغواني إلى نظم مونولوغاته التي كانت تجد طريقها سريعاً إلى الجماهير، فغنى ضد الرجعية العربية مونولوغ "كذابين" ومونولوغ "ما في شي مستحيل" وعن الثورة في مسقط مونولوغ "يا عمان" وللبنان مونولوغ "يا لبنان نحنا أخوان" وغيرها كثير.
وأمام هذا الدفق من مونولوغاته الانتقادية والسياسية اللاهبة والتقدمية، كرمته الثورة عندما اختارته ليمثل الفنانين في مجلس الشعب، فكان هذا التكريم تكريماً للفنانين والشعب الذي ردد مونولوغاته على مدى أكثر من ثلاثين عاماً.
اعتزل سلامة الأغواني الفن وأخذ يلازم الاستديو الإذاعي الصغير الذي أسسه منذ العام 1970، وكان ينصرف فيه إلى تنقية أعماله الفنية الأولى التي سجلها بصوته على اسطوانات شركتي بيضا فون وسودوا الوطنية، بتسجيلها ثانية على أشرطة إذاعية. ويحتفظ ابنه "روحي الأغواني" بمعظم إنتاجه، كما تحتفظ ابنته هي الأخرى بنسخ أصلية لبعض أغانيه.
توفى سلامة الأغواني في السادس من آب عام 1982 عن عمر يناهز الواحدة والسبعين، دون أن يترك لورثته ثروة ما، إلا أنه ترك لهم ما هو خير وأبقى... ترك تلك الأمجاد التي خلدها بمونولوغاته الشعبية التي تنضح بالوطنية والنقد الاجتماعي، والتي يزيد عددها على المئتي مونولوغ.



[1]يقصد بالحروف السبعة كلمة (فرنساوي).


صميم الشريف

الموسيقا في سورية|

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق

lole almhde:

يعطيكم العافية يارب لو سمحت انا ابحث عن اغاني سلامة الأغواني ولم اجدها وأنا بحاجة لها لاهداءها لخالي شكرا لكم دائما (F):))

دمشق

:

مشكورين نبحث عن تسجيلات للشاعر نوح ابراهيم بصوته شخصيا