التنظيم العمراني في دمشق عبر العصور

18 05

جميل أن نتغنى بماضي دمشق، وببقايا ماضيها، بالياسمين والنارنج والشمشير، بالبيت الدمشقي وزخرفة الجدران والأسقف في غرفة، بأرض الدار والبحرة وخرير الماء فيها، بالفسقية والمشربية، ولكن الأجمل أن نفكر جميعاً على نحو علمي، ونقدم حلولاً لا طوباوية فيها، لنجعل من الماضي وبقاياه حاضراً جميلاً، ومستقبلاً أكثر جمالاً.
وهذه الندوة التي تنظمها مكتبة الأسد ومجلة «صباح الخير» مشكورتين لابد وأن تكوّن لبنة تضاف إلى الجهود التي بذلتها وتبذلها جهات وأفراد لحماية دمشق القديمة، داخل السور وخارجه، والانطلاق في التخطيط العمراني لدمشق الحديثة وفي تصميم مبانيها من الطابع المعماري والنسيج العمراني اللذين تتميز بهما دمشق القديمة.
لقد استعرض الباحثون تاريخ دمشق العمراني مستندين إلى النصوص المتناثرة هنا وهناك في مختلف الوثائق والمؤلفات. ويبدأ هذا التاريخ من عهود العرب الآراميين، من الألف الثاني قبل الميلاد، وتبرز في هذه المرحلة من تاريخ دمشق المملكة التي أسسها رزون بن أليدع الذي انفصل عن مملكة حدد عزر في بداية الألف الأول قبل الميلاد. ولكن المعلومات عن التنظيم العمراني لمملكة دمشق الآرامية ما زالت قليلة بسبب عدم القيام بالتنقيب في موقع تل السماكة المرتفع عن سوية الأرض المجاورة نحو 10-15م.
ومن المعروف أن دمشق قد احتلها الفرس الأخمينيون في عام 538 قبل الميلاد. وفي عام 333 قبل الميلاد طردهم منها المكدونيون، وبنوا فيها حياً جديداً يتضمن ساحة عامة (أغورا) يعتقد أن موقعها كان مكان ساحة الدوامنة حالياً. واتخذها الملك أنطيوخوس التاسع (112-96ق.م) عاصمة له بعد مغادرته عاصمته أنطاكية.
وعندما جاء العرب الأنباط إلى دمشق إبان حكم السلوقيين اتخذها الملك الحارث في عام 85ق.م عاصمة له. وبنوا فيها حياً جديداً عرف باسمهم (داخل منطقة باب توما حالياً).
وفي عام 64ق.م. قضى بومبي على حكم السلوقيين في سورية. وبدأ بذلك العصر الروماني لمدينة دمشق.
وفي هذا العصر بني السور الحجري الكبير المحيط بمدينة دمشق، وتوضحت معالم مخطط تنظيمي يتميز بالشوارع المستقيمة والجزر السكنية، وإلى هذا العصر يعود الشارع المستقيم (La Via Recta) بطول 1500م (شارع مدحت باشا حالياً)، والساحة العامة والمسرح، وتحويل معبد حدد الآرامي إلى معبد جوبيتر، وتشييد القنوات التي تنقل المياه من بردى، والمقبرة في الشمال الشرقي من المدينة (خارج السور)، والباب الشرقي.
وفي عام 395م انقسمت الإمبراطورية الرومانية إلى إمبراطوريتين إحداهما الإمبراطورية الرومانية الشرقية، وعاصمتها بيزنطة. وكانت دمشق وبلاد الشاممن هذه الإمبراطورية. وفي هذا العصر ونتيجة الاعتراف بالديانة المسيحية تم تحويل المعابد الوثنية إلى كنائس، فحوّل معبد جوبيتر إلى كنيسة القديس يوحنا المعمدان، وشيدت أديرة خارج السور وقصر هرقل الذي عرف فيما بعد في العصر السلجوقي باسم قصر شمس الملوك، وكنيسة حنانيا، وعدد من الكنائس.
وبعد الفتح الإسلامي، وعندما أصبحت دمشق عاصمة الدولة الأموية، شهدت نهضة عمرانية ومعمارية جديدة. وخلال هذا العصر شيد قصر الخضراء (دار الإمارة)، وقناة يزيد وقصور كثيرة داخل السور وخارجه. وإلى هذا العصر يعود قصر الحجاج بن عبد الملك وقصر عاتكة، وأصبحت المنطقتان المحيطتان بهما حيَّيْن يحملان اسم القصرين. كما تعود إلى هذا العصر مباني الحمامات والفنادق والقيساريات والمستشفيات، وملاعب سباق الخيل.
ولا يفوتنا هنا أن نشير إلى بناء الجامع الأموي الكبير في عهد الوليد بن عبد الملك (705-715م) والذي يعد إحدى الروائع المعمارية في العالم.
ويشير بعض الباحثين إلى أن معالم مخطط دمشق الشطرنجي بدأت بالزوال في هذا العصر.
وفي العصرين العباسي (750-968م) والفاطمي (968-1075م) أفل نجم دمشق مؤقتاً بانتقال عاصمة الخلافة إلى بغداد. وكان لعنف الجيوش العباسية، وإهمال العباسيين للمدينة، واندلاع الثورات أيام الإخشيديين والفاطميين آثار سيئة، أهمها تقلص عدد سكان المدينة من نصف مليون إلى ثلاثة آلاف عام 1075، بعد أن أفناهم الفقر والغلاء والهجرة ويكفي للدلالة على ذلك، وباللغة الأقرب إلى الفهم اليوم، ما رواه ابن الجوزي، أن الدار التي تقدر بثلاثة آلاف دينار أصبحت تباع بعشرة دنانير، وقد لا يشتريها أحد.
وفي هذا العصر ازداد تعرج الشوارع والأزقة نتيجة لانتشار عدم الطمأنينة وانقسام المدينة إلى أحياء ذات مظهر انعزالي.
وعندما وصل نور الدين زنكي إلى دمشق عام 1154م، خلال عهود السلاجقة والأتابكة الممتدة ما بين عام 1075 و1174، عادت الحركة المعمارية إلى الانتعاش. وإلى هذا العصر يعود بناء قلعة دمشق، والكثير من المدارس ودور العلم، وأعيد بناء السور ورممت الأبواب، وبني البيمارستان النوري دار العدل وحمام البزورية.
وفي هذا العصر نشأت بلدة الصالحية إثر هجرة اللاجئين المقدسيين، وعلى رأسهم أحمد بن محمد بن قدامة إلى دمشق. وفي هذا العصر أيضاً نشأ حي العقيبة المعروف.
ويصعب تعداد ما قدمته النهضة العمرانية والمعمارية في عهد الأيوبيين (1174-1259م)، وبخاصة أيام صلاح الدين الأيوبي، فقد اتسعت الصالحية، وظهرت أحياء الميدان والقبيبات والسويقة، ومحلة البتروزي.
وفي عصر المماليك (1259-1516م) شهدت دمشق تزايداً جديداً في عدد سكانها، ونشأت أحياء جديدة منها حي سوق ساروجة وغيره من الأحياء التي يدل على توسعها خارج السور تشييد العديد من الجوامع في باب توما وباب السلام والعقيبة والسنجقدار وباب السريجة والميدان.
وفي العصر العثماني (1516-1918م) أيضاً يصعب تعداد ما بني من تكيات وجوامعٍ وخانات وقيساريات ومدارس. وظهرت في هذا العصر أحياء وأسواق جديدة أدخلت تطوراً كبيراً على مخطط المدينة، ومنها أحياء القنوات، وركن الدين والمهاجرين والمغاربة على طريق الميدان، والشهداء، والحلبوني والقصاع، وأسواق الحرير والحميدية ومدحت باشاوالخجا.
وأهم ما يميز فترة الانتداب وضع أول مخطط تنظيمي عام لمدينة دمشق، وذلك في إطار سياسية جديدة لتخطيط المدن السورية. كما وضعت خلال هذه الفترة مخططات تنظيمية عامة لـبيروت وحلب وإسكندرون وأنطاكية وطرابلس والزبداني.
وخلال هذه الفترة ظهر حي الشعلان، وشق شارع بغداد، ووضعت مخططات عقارية لمدينة دمشق (مخططات كاداسترو)، ما تزال تستعمل حتى يومنا هذا.
مخطط دانجيه عام 1936
تعاقد عدد من بلديات المدن لإعداد مخططات تنظيمية. وقد تعاقدت بلدية مدينة دمشق مع السادة دانجيه الذين أنجزوا المخطط بالتعاون مع السيد إيكوشار.
كان عدد سكان دمشق آنئذ يزيد عن 230 ألف نسمة. وأظهرت الدراسات التحضيرية للمخطط العام أن عدد السكان سيزداد 52 ألف نسمة خلال عشر سنوات (حتى عام 1944).
وقد هدف المخطط التنظيمي إلى تنظيم مجرى نهر بردى والاهتمام بتركيز وتوزيع السيارات الداخلة إلى المدينة والخارجة منها، والمحافظة على المساحات المزروعة في الغوطة وزيادتها إن أمكن بسبب ازدياد عدد السكان، ووضع الاختراعات الحديثة في العلوم والصحة تحت تصرف الإنسان بهدف تحسين شروط معيشته الصحية، وتقليل الوفيات، وتنمية الإمكانات الجسمية والعقلية للإنسان.
وانطلاقاً من هذه الأهداف حدد المخطط التنظيمي نموّ المدينة، وخصص مساحات كبيرة للاستثمار الزراعي. وتابع المخطط اتجاهات التوسع السكني آنذاك: المهاجرين والصالحية والأكراد والميدان.
واقترح المخطط أربعة طرق باتجاه فلسطين وبيروت وحوران وحمص.
وقسم المخطط المناطق السكنية إلى قصور ومناطق سكن أولى وثانية وثالثة.
واستمر تنظيم المدينة بعد الجلاء في اتجاهين: الأول تنفيذ المخطط التنظيمي بالنسبة لاتجاهات التوسع التي لحظها المخطط، والثاني تنظيم مناطق سكنية جديدة دون نظرة شمولية. وبذلك ظهرت أحياء المزرعة والتجارة والقصور وأبي رمانة.
ولعل أبرز ما يميز الأحياء السكنية الجديدة التي ظهرت خلال هذه الفترة:
1 ـ تخطيط المناطق السكنية على أساس صفين من المقاسم المتساوية تقريباً في المساحة على طرفي كل شارع.
2 ـ توحيد ارتفاعات أبنية هذه المقاسم ووجائب حدائقها. ونظراً لأن مساحات معظم المقاسم كانت متساوية فقد نتجت عنها كتل متساوية، ولم يترك نظام البناء الصارم مترياً، مجالاً يتحرك ضمنه المهندس المعماري ليبدع بما يحقق تنوعاً جمالياً ما. ولم تنجُ من هذه الحالة العامة إلا أبنية المقاسم التي وقعت على زاوية أو ساحة.
3 ـ السماح باستعمال الأقبية للسكن، وما نتج عن ذلك من مشاكل صحية واجتماعية.
4 ـ نقص الخدمات التجارية نقصاً مريعاً، مما دفع إلى تحويل المرائب إلى محلات تجارية.
5 ـ نقص مواقف السيارات مما كان له أثر يمتد إلى يومنا هذا ويتفاقم، فقد تحولت الأرصفة إلى مواقف للسيارات.
6 ـ نشوء تجارة البناء، بالمعنى السلبي للتجارة التي تسعى للربح على حساب كل شيء آخر.
7 ـ انتشار استعمال الرشة التيرولية لواجهات الأبنية، والتي لم تتفتق عبقرية مبتكري مواد الإكساء عما هو أكثر بشاعة منها.
8 ـ بدء استفحال ظاهرة المخالفات في تنفيذ الأبنية.
ولست أدعي العصمة عن الخطأ إذا أرجعت ما في ذلك من أخطاء إلى الأسباب التالية:
1 ـ النقص المزري في الاختصاصيين في تنظيم المدن. وإذا لم تخنّي ذاكرتي فلم يكن يوجد في تلك الفترة منظم مدن واحد. وكان يمكن، ولا يزال ممكناً، أن يتصدى لتنظيم منطقة سكنية كل مهندس إنشائي أو معماري. ولا بأس من التذكير بأن علم تنظيم المدن علم موسوعي قائم بذاته. ولا أبالغ إذا قلت إنّ مساعدين فنيين قد نظموا بعض المناطق السكنية!!.
2 ـ تخلف أنظمة البناء، كما أشرت قبل قليل، واعتمادها على معطيات وتعليمات مترية تربّط أيدي المهندسين المعماريين، ولا تفسح المجال للإبداع، إن وجد.
3 ـ التزايد السكاني الكبير بالولادات والهجرة الداخلية، وما نتج عنه من حاجة ملحة للتلبية السريعة للطلب المتزايد على المساكن.
4 ـ الموقف السلبي من الحكومة المتأصل عبر التاريخ القمعي، وبخاصة خلال سنّي السيطرة العثمانية والانتداب الفرنسي. وقد أدى هذا الموقف إلى إدراج ارتكاب المخالفة في باب استعادة الحق السليب من الحكومة.
مخطط إيكوشار وبانشويا
بعد مضي نحو ثلاثين عاماً تم التعاقد مع ميشيل إيكوشار (فرنسي) لإعداد مخطط تنظيمي جديد لمدينة دمشق بالتعاون مع السيد بانشويا (ياباني).
واستمر العمل في جمع المعطيات اللازمة للمخطط التنظيمي العام وتحليلها، وفي إعداد المخطط نفسه ما يقرب من أربع سنوات (1964-1968). وتجدر الإشارة هنا إلى أن مهمة جمع المعطيات في بلدنا من أصعب المهمات بسبب عدم توفرها بالقدر الكافي لدراسة عمرانية علمية جدية. كما تجدر الإشارة أيضاً إلى أن المخططات التنظيمية العامة توضع عادة لفترة تتراوح ما بين 15 و20 عاماً، وتخضع خلال هذه الفترة إلى تعديلات وتصحيحات يقتضيها التطور المستمر. وها قد مضى على تصديق المخطط في 5-5-1968 ثلاثة وعشرون عاماً، ولم نبدأ حتى الآن بجمع المعطيات لوضع مخطط عام !!.
ومن أهم ما فعله المخطط التنظيمي العام:
1 ـ إحداث شريانات طرقية هامة: المحلق الجنوبي، شارع الثورة وامتداده، المحلق حول السور، أوتوستراد 6 تشرين، شارع الاتحاد، شارع يصل بين شارع خالد بن الوليد وباب الجابية، شارع الحمراء، وشارع يصل ما بين خورشيد ومشفى ابن النفيس، وتحويل طريق الصالحية إلى ممر للمشاة مع إحداث مواقف سيارات واسعة لتخديم المنطقة. وإحداث عقد طرقية على مستويين أو أكثر في أماكن متفرقة من المدينة.
2 ـ تعديل التسميات الطبقية السكنية من قصور، أولى، ثانية، ثالثة... إلخ إلى أحياء قديمة، توسع البلدة القديمة، سكن حديث، مناطق تنظيم جديدة. ولم يتغير المحتوى طبعاً بتغيير التسمية.
3 ـ إحداث مناطق سكنية جديدة في المالكي، وكفر سوسة، وخارج الباب الشرقي، وركن الدين، والعدوي وغيرها، وتنظيمها تنظيماً أقرب إلى التنظيم الحرّ منه إلى التنظيم الشطرنجي.
4 ـ توسيع مفهوم مركز المدينة التجاري (ل) من آخر المهاجرين مروراً بالمركز الفعلي المحيط بساحة المرجة، وحتى سوق الميدان، وبناء أبنية لمكاتب تجارية يزيد عددها عن حاجة مدينتي نيويورك وهونغ كونغ.
5 ـ إحداث مناطق صناعية على أطراف المدينة، وتحديد الصناعات المسموح بها في كل منطقة.
6 ـ اقتراح حل تخطيطي للمدينة القديمة ضمن السور يقسمها إلى مناطق انطلاقاً من وضعها الراهن، وإحداث شبكة طرقية فيها. والجدير بالذكر أن المخطط التنظيمي الذي يتضمن الحل قد أوقف العمل به.
7 ـ إعطاء منطقة منتزه وادي بردى، من الربوة إلى دمر تسمية خاصة (N)، مع اقتراح استخدامات خاصة سياحية وترفيهية لها.
8 ـ اعتماد مبدأ التداخل الشعاعي بين المناطق الخضراء والمناطق المبنية.
لقد كانت هذه الفترة الممتدة من عام 1968 وحتى الآن، وقد تمتد سنوات إذا لم يوضع مخطط تنظيمي عام جديد لدمشق، إحدى أغنى الفترات في تاريخ دمشق العمراني بالإيجابيات والسلبيات. فقد توسعت رقعة المدينة بصورة لم يسبق لها مثيل، توسعاً منظماً وعشوائياً، على حساب غوطة دمشق بالدرجة الأولى. وازداد عدد سكانها من 550 ألفاً عام 1961 إلى رقم يتجاوز ثلاثة، وربما أربعة ملايين، ولم تعد هناك جهة قادرة على إعطاء رقم مقبول لعدد سكان دمشق، فمؤسسة أبنية التعليم تحسب هذا العدد انطلاقاً من عدد التلاميذ في المرحلة الابتدائية، ووزارة التموين تحسبه من كمية الخبز التي تنتج وتباع في دمشق، والمكتب المركزي للإحصاء يعطي أرقاماً مرت على الرقابة. وأصبحت تجارة البناء خلال هذه الفترة فعالية اقتصادية أساسية. وانتشرت الجمعيات التعاونية السكنية على نطاق واسع، فكان لها الفضل في تأمين المساكن لأعداد كبيرة من ذوي الدخل المحدود، كما كان لها الفضل في إثراء كثير من الضمائر الاستهلاكية على حساب المستفيدين، سواء استفادوا أم لم يستفيدوا بمسكن. واتسع نشاط القطاع العام السكني، المدني والعسكري، فوزعت وزارات الدولة المدنية المساكن على ذوي الحُظوة من موظفيها، وانتشرت ظاهرة السكن العشوائي في مناطق واسعة، فنشأت ضواح سكنية تفتقر إلى الخدمات والمرافق والفراغات العمرانية. وعمّت المخالفات الإفرادية في الأبنية المرخصة داخل الشقق وعلى واجهاتها، وفي وجائب الحدائق حولها، وفي البروزات والملاحق، وتحت الأدراج، وفي الملاجئ.
هل سيوضع مخطط عام جديد قبل دخول القرن الحادي والعشرين؟
أمام هذا الوضع الذي آلت إليه مدينة دمشق على مشارف القرن الحادي والعشرين، وبعد مضي أكثر من 23 عاماً على مخطط إيكوشار، هل نعترف بأننا تأخرنا أكثر من عشر سنين في إعداد المخطط العام الجديد؟ وأننا أمام مدينة مريضة تحتاج إلى معالجة سريعة لا متسرعة؟
والحديث عن المخطط العام الجديد يجرنا إلى الحديث عن تصورات أولية وتأملات تتنقّل بين الحاضر والمستقبل. ولا تقطع الوشائج مع الماضي. وفيما يلي أقدم بعضاً من هذه التصورات والتأملات:
1 ـ إن من أهداف كل مصور عام جديد تحديد أماكن لتوسع المدينة، على الأقل من أجل استيعاب الزيادة الطبيعية في عدد السكان. فهل تُوسع دمشق باتجاه الغرب، الاتجاه الوحيد الذي لا توجد فيه عوائق طبيعية؟ أم نفكر بالقفز وراء قاسيون؟ أم ندرس عشرات القرى المحيطة بدمشق واستيعابها الحالي، والإمكانات المتوفرة لاستيعابها المستقبلي بهدف تحويلها إلى مدن توابع (ساتا لايت) شريطة أن لا تقتطع من أراضيها الزراعية شبراً واحداً، وأن نصلها بدمشق بخطوط مواصلات عصرية؟
2 ـ إن ضرورة استدراك التأخر الكبير تقتضي أن نلجأ إلى أسرع السبل لانجاز المهمة الكبرى التي يجب أن تنتهي بوضع مخطط عام جديد. وقد تكون صيغة لجنة الإنجاز المجربة أفضل صيغة.
3 ـ المدينة كائن حي كبير رابض لا يمكن له أن يعيش بدون ماء، ولا يستطيع التحرك للبحث عن الماء، لذا لابد من دراسة احتياجات المدينة الحالية، وتوسعاتها، وتأمين المصادر المائية التي تضمن استمرار الحياة لها.
4 ـ إعادة النظر بالنظام العمراني، أو ما يسمى نظام البناء في مدينة دمشق. وهذا يسري على كل مدننا، ويمكن أن يكون الحل الأفضل إلغاء جميع القيود المترية فيه والاكتفاء بمعادلة تحدَّد بموجبها المساحة الطابقية القصوى التي يسمح ببنائها على عقار معين، وتترك الحرية لإبداع المهندس المعماري دون تقييده بحجوم أو ارتفاعات أو أبعاد، باستثاء ما يؤثر على الحقوق العامة للجوار وعلى الشروط الصحية.
ختاماً، أمل أن تكون هذه التصورات والتأملات استفزازاً لحوار يضع نصب عينيه حب دمشق حباً فيه جرعة من العواطف، وفيه كثير من العلم، كما ينطلق من الحرص على تسليمها إلى أحفادنا أفضل مما كانت عليه يوم سلمها لنا أجدادنا.


أحمد الغفري

دمشق أقدم مدينة في التاريخ|ندورة آذار الفكرية في مكتبة الأسد|دمشق-سورية-1991

Share/Bookmark

صور الخبر

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق

:

انشالله يارب نشوف بلدنا افضل من كل الدول لان بصراحة في الوقت الحالي المباني في سوريا والشوارع تخجل ومناضر تفشل

سوريا

بشار انجيله :

اريد ان اعرف عن توسع مشروع دمر افيدوني

Syria

abdullah:

التقرير جميل جداً وشامل ،
هل ممكن ان تكتبو لنا تقرير عن حي القدم في دمشق
متشكرين جداً

syria