حوار خاص مع الناقد والكاتب غسان زكريا حول مسلسله الجديد «بعد السقوط»

29 أيار 2010

انتهى الناقد وكاتب السيناريو غسان زكريا من كتابة المسلسل الاجتماعي المعاصر «بعد السقوط»، ضمن ورشة كتابة السيناريو التي يشرف عليها، والتي شارك فيها كلّ من الكتاب عروة المقداد، وبلال شحادات، والدكتورة مية الرحبي، وشادي دويعر، وطلال مارديني، وعدنان الزراعي.

للتعرف أكثر على هذه التجربة، التقى موقعُ «اكتشف سورية» السيد غسان زكريا، فكان الحوار التالي حول المسلسل والعديد من القضايا المتعلقة بالدراما السورية:

‬انتهيتَ مُنذ فترة قريبة من كتابة مسلسل «بعد السقوط» ضمن ورشة كتابة السيناريو التي تشرف عليها. ماذا يُمكن أن تخبرنا عن فكرة العمل والممثلين المشاركين والمخرج؟‪
يرصد العمل سقوط بناء في إحدى مناطق العشوائيات، ومن هنا يأتي اسم العمل «بعد السقوط»، حيث ينتقل في الزمان والمكان بين ما فوق الأنقاض ومحاولات الإنقاذ المستمرة لمن هم تحت الأنقاض، وبين الذين تحت الأنقاض يحاولون النجاة من الموت، إلى أن يتمكن من في الخارج إنقاذهم. كما يروي المسلسل بتقنية «الفلاشباك» حكايا الشخصيات قبل أن تصل إلى هذا البناء. والممثلون الرئيسيون هم أمل عرفة، عبد المنعم عمايري، آندريه سكاف، صفاء سلطان، وائل شرف، مازن عباس، قاسم ملحو، شادي مقرش وجهاد سعد. أما المخرج فهو الصديق سامر البرقاوي.

‬إن المسلسل يتناول قصة مجموعة من الشخصيات التي ينهار فوقها مبنى مؤلف من ست طوابق، في أحد الأحياء العشوائية المحيطة بدمشق، ومن ثم تتوغل إلى عوالم أبطالها، الذين تتنوع أزماتهم ومشاكلهم. فهل المسلسل محاولة لفضح إحدى أزمات المجتمع؟ لقد ورد في «صحيفة الأخبار» اللبنانية في عددها الصادر يوم الثلاثاء 27 نيسان 2010 في مقال للصحفي وسام كنعان أنّ سقوط بعض الأبنية في عشوائيات مدينة دمشق قد «فتح شهيتك للكتابة» حول هذه المشكلة؟‪
أعتقد أنّ وسام قد استخدم تعبيراً صحفياً أنيقاً لإيصال معلومة أنّي كاتب المسلسل، والحقيقة أنّني بدأتُ بالعمل على المسلسل مع ورشة الكتابة قبل أن يسقط البناء الذي سقط منذ أشهر، وسمعنا الخبر أثناء عملنا على المسلسل. الواقع أنّ الذي فتح شهيتي على كتابة هذا المسلسل هو أكثر من سبب، لعل أولها هو ملاحظتي الدائمة بأنّ الناس يسكنون في ظروف شديدة الخطورة وفي أبنية وبيوت ارتُجِلت كيفما اتفق. كلما مررتُ بأبنية من ذلك النوع، لا أقوى على انتزاع صورة البناء وهو يسقط من رأسي، لأنك تكاد ترى الأبنية على وشك السقوط فعلاً في كثير من المناطق العشوائية في دمشق ومحيطها. أما بما يخصّ رصد إحدى أزمات المجتمع، فسيلاحظ المشاهد أنّنا تعاملنا مع السقوط على أنّه عرَضٌ ونتيجة، وليس سبباً. إنِّ الأزمة التي يتعرض لها المسلسل يصعب تلخيصها في إجابة على سؤال، حيث أنّها متشابكة بفعل عدد من الظروف التي تشكل معاً أحد وجوه مجتمع لا يزال عليه بذل الكثير من الجهد للتخلص من الفقر والتخلف والفساد.

‬ماذا يمكن أن تخبرنا عن التقنية التي استخدمتها في كتابة المسلسل؟‪
يتنقل المسلسل بين ثلاث كُتل درامية: فوق الأنقاض، وتحت الأنقاض، والفلاشباك. في كلّ حلقة نتنقل بين هذه الكتل الثلاث، ونقدم في كلّ حلقة جزءاً من حكاية إحدى الشخصيات المتواجدة تحت الأنقاض. الأحداث في كتلتي تحت الأنقاض وفوق الأنقاض تجري على مدار أربع وعشرين ساعة تقريباً، أما الفلاشباك فهو يسرد حكاية كلّ شخصية بطريقة تشبه الفسيفساء حيث تتشكل أمام المشاهد حكاية الشخصية في النهاية. لقد اعتمدنا في المسلسل على ما يمكن تسميته بـ«مونتاج المشاهد»، لذا فإنّ المشاهد سيتولى جزءاً من عملية المونتاج بشكل ذهني، حيث سيجمع القطع إحداها مع الأخرى، ليصل إلى استنتاج الحكاية.

‬المسلسلات التي يصل عدد حلقاتها إلى 30 حلقة تتضمن في كثير من الأحيان هذراً درامياً وحشواً لأحداث ليس لها أيّ معنىً، وذلك فقط من أجل أن تُحكى في 30 حلقة، مما قد يؤدي إلى تشابه الأحداث، ويُشعر المشاهد في كثير من حلقات المسلسل بالملل ويفقد اهتمامه بالمتابعة حتى الحلقات الأخيرة. هل المسلسل من حيث البناء وتقنية الكتابة يطرح حلاً لهذه المشكلة في المسلسلات العربية عموماً والسورية خصوصاً؟‪
فلنَقُل أنّني أتمنى أن يكون العمل قد طرح حلاً. إن مشكلة فرض الحلقات الثلاثين مشكلة حقيقية، ويبدو أن التخلص منها بات شديد الصعوبة بسبب قانون السوق. وأنا أعتقد أنّ التهديد الأكبر في وجه بقاء الدراما السورية على مستوى جيد هو أن كل مسلسل يجب أن يكون عدد حلقاته 30 حلقة. جواباً على سؤالك، أعتقد أنّني في مسلسلاتي الثلاثة السابقة، وأستثني «رائحة المطر»، حيث كان عدد حلقاته 13 حلقة، حاولتُ كتابة المادة بحيث تصبح صالحة لثلاثين حلقة كثيفة وممتعة. كما تعلم، المسلسلات الثلاثة التي كتبتها هي مسلسلات تاريخية، والمادة التاريخية تساعد على حل مشكلة الإطالة، حيث إنّ الأحداث في المسلسل التاريخي تمتدّ على زمنٍ طويل، وغالباً ما تحتوي المرحلة التاريخية الواحدة على عدد كبير من الأحداث، التي توفر للكاتب مادةً ممتازة لكتابة 30 حلقة دون إطالة إذا استطاع ربط الخطوط واحدها بالآخر. هذا المسلسل يستخدم طريقة جديدة، وهي أن نحكي حكايا متعددة في مسلسل واحد، وهي أيضاً طريقة في التكثيف نرجو أن تنجح.

‬المسلسل كُتب كمحاكاة لتجربةٍ عالمية شهيرة. ألا تخشى أن يتهمك البعض بالتقليد؟ وما الذي يجعل مسلسل «بعد السقوط» ابن بيئته؟ وبالتالي ليس مجرد محاكاةٍ عمياء لتلك التجربة؟‪
لم يكتب المسلسل كمحاكاة لتجربة عالمية، بل هو استعار من تلك التجربة فكرة جمع الشخصيات معاً في ظرف إنساني استثنائي لرواية حكاياها بطريقة الفلاشباك، علماً أنّ تلك التجربة العالمية-المهمة جداً بالطبع-لم تخترع فكرة الفلاشباك ولم تخترع التقنية التي استخدمتُها. لم يعد هناك مجال لاختراع شيء في الدراما سواء في السينما أو المسرح أو التلفزيون، حيث إنّ كلّ شيء قد صُنِع قبلاً وبقي علينا أن نجد زوايا جديدة للمعالجة، واختيار التقنيات الأفضل لروي الحكايا التي في جعبتنا وإيصال الأفكار التي نريد إيصالها. الاختلافات بين «بعد السقوط» ومسلسل «التائهون» (Lost) كبيرة جداً ولا وقت للخوض فيها الآن. أنا واثق طبعاً أنّه سيكون هناك العديد من المنتقدين الذي سيقولون إنّ المسلسل تقليد ولم يأتِ بجديد، ولكن ذلك لا يشكل بالنسبة لي تهديداً، فأنا مقتنع بأنّ العمل الفني يجب أن يُحاكَم من داخله ودون الإتيان بشروط خارجية لفرضها عليه. أنا مطمئن تماماً إلى أنّني بمساعدة الكُتَّاب أنجزتُ مسلسلاً أصيلاً ينطلق من الالتصاق بهذا البلد وحيوات أهله. أما بالنسبة لما يجعل المسلسل ابن بيئته، فهذا يجب أن يبقى في المسلسل لأنّ إيضاحه يعني إفساد التشويق والمتعة التي نطمح إلى تحقيقها للمشاهد. أستطيع أن أقول باختصار إن ما يجعل المسلسل ابن بيئته هو شخصياته وحكاياته والظروف التي تجري ضمنها الأحداث.

‬العمل ضمن ورشة سيناريو، مؤلفة من عدة كتاب، تجربة جديدة على الدراما السورية. ما الذي يضيفه العمل مع عدة كتاب على العملية الإبداعية عموماً وعلى كتابة فيلم أو مسلسل خصوصاً؟ وكيف من الممكن ضبط هذه العملية ضمن تنوع الكتاب بما يحملونه من أفكار مختلفة، بطريقة لا تؤذي إيقاع العمل؟‪
بدايةً، يجب أن نتذكر أنّ التجربة ليست جديدة تماماً، حيث إنّ عدداً من المسلسلات كتبها عدد من الكتاب، ومنها ما كان متصلاً منفصلاً مثل «الفصول الأربعة» الذي كتبته ريم حنا ودلع الرحبي، ومنها ما كان منفصلاً تماماً مثل «مرايا» و«بقعة ضوء»، ومنها ما كان متصلاً تماماً مثل «طريق النحل» الذي كتبه على ما أظن خمسة كُتَّاب بإشراف عبد المجيد حيدر. أعتقد أنّ الجديد هو الطريقة التي اعتمدناها في الكتابة، وهي أن يتولى الكاتب كتابة حلقة كاملة من بدايتها إلى نهايتها، ويكتبها الكاتب بناءً على مُلَخَّص للحلقة وللحلقات التي سبقتها والتي ستتبعها. طريقة الضبط على ما أظن كانت وجود كاتب أساسي هو الذي رتَّب الحكايا وحدد طريقة السرد والبنية وكتب مُلخَّصات الحلقات كلها. فلقد كتبتُ الشخصيات ووصفتها، وكتبتُ الحكايا التي ستروى عبر المسلسل ثم ملخصات للحلقات واحدة واحدة، كما كتبتُ الحلقات الأولى والثانية والسادسة والأخيرة. وقد كانت الحلقتان الأولى والثانية بمثابة دليل لبقية الكتاب بيَّنت لهم بنية كل حلقة وطريقة الكتابة. من ناحية أخرى، كنتُ أراجع الحلقات التي يكتبها الكتاب بحيث يبقى المسلسل ضمن روح موحدة، والأهم هو أن تبقى الشخصيات تشبه نفسها حتى لا نسمع شخصية تقول جملة يُفترض بشخصية أخرى أن تقولها مثلاً.

لقد قامت الفكرة على التعامل مع الحلقة كوحدة مستقلة صغرى ضمن الوحدة الكبرى وهي المسلسل. أما الإضافة التي تقدمها هذه الطريقة في الكتابة فهي وجود أكثر من رأي وعقل وطريقة تفكير تصب كلها في بوتقة النص بحيث يصبح أعمق وأكثف وأقل خطأ، فوجود أكثر من عين مراقبة يؤدي دائماً إلى نتائج أدق. تفيد تلك الطريقة أيضاً في تسريع الإنجاز دون التنازل في المستوى. على أية حال، التجربة وليدة ولا تزال في بدايتها، وقد تعلمنا -أنا وزملائي الكُتَّاب- الكثير أثناء التجربة مما سيفيد دون شك إذا كررناها. على أية حال، أتمنى أن نكون قد وُفِّقنا إلى كتابة مسلسل متميز وجيد.

‬الآن وقد انتهت هذه التجربة بما فيها من المشاكل والمصاعب، هل أنت مستعد لتكرارها؟‪
أنا مستعد تماماً لتكرارها، فهناك العديد من الأفكار التي قد لا تصلح لأن يكتبها كاتب واحد.

‬كيف تم التعامل مع هذه التجربة؟ ابتداءً من شركة الإنتاج إلى المخرج والممثلين؟‪
الاستقبال كان جيداً جداً من قِبل الجميع، فلقد كان الرد الذي سمعتُه كثيراً ممن قرأوا المسلسل أن المسلسل مترابط وكأن كاتباً واحداً قد كتبه، وهذا طمأنني كثيراً لا سيما أن الآراء جاءت من متخصصين وذوي خبرة وذائقة عاليتين.

‬هل ترى أنّ المناخ أصبح مواتياً للعمل بهذا الأسلوب؟ أم أنّه ثمّة الكثير من المشكلات يجب حلها قبل التوغل في هذه الطريقة بالكتابة؟‪
المناخ لن يأتي وحده، ولا بد من خلقه والبحث عنه بشكل دائم. وأرجو أن تكون الطريقة التي اتبعناها في كتابة المسلسل هي خطوة في اتجاه المناخ الصحيح والمناسب للعمل التلفزيوني. إلا أن الطريق طويلة والخطوات كثيرة، وأعتقد أن أكبر جوانب المشكلة هو أننا نُقصي الجمهور من عملية الإنتاج الدرامي ولا نستمع إلى ما يريد ولا نعرف بدقة ما الذي يشاهده. نعم، نسمع أن هذا العمل نجح و«كسر الأرض» ولكن هل من إحصاء دقيق لعدد المشاهدين؟ هل من استطلاعات عميقة وحقيقية لآرائهم؟ هل من سؤال عما يريدون أن يشاهدوا في المستقبل؟ من ناحية أخرى، نحن نفرض شكلَ تلقٍّ سيئاً جداً على الجمهور، فالعرض اليومي للمسلسلات الثقيلة والزاخرة بالأحداث والمشاعر القوية يجب أن يتحول إلى عرض أسبوعي مريح، بحيث لا ندفع المشاهد إلى فقدان حلقة من الحلقات.

‬هل تتوقع للمسلسل نجاحاً جماهيرياً؟ وما رأيك بتصنيف نجاح المسلسلات على أساس النجاح الجماهيري؟‪
سأكون صادقاً معك وأقول إنني لم أعد قادراً على توقع أي شيء، فالساحة مليئة بالمفاجآت. لطالما توقعنا النجاح لأعمال فشلت وتوقعنا الفشل لأعمال نجحت. لكن تبقى مسألة النجاح والفشل نسبية بناءً على ما ذكرته في الإجابة على السؤال السابق، فمن الذي يعرف حقاً وبدقة مدى نجاح هذا العمل أو ذاك دون معلومات دقيقة؟ مع العلم أن تلك المعلومات أصبح توفرها سهلاً بوجود التكنولوجيا الحديثة. بما يتعلق بتصنيف المسلسلات، أعتقد أنك تقصد التمييز بين النجاح الجماهيري والنجاح الفني أو النقد. أظن أنه يتوجب على الأعمال أن تستمر بنوعيها. ويجب ألا ننسى أن النجاح الجماهيري هو أساس استمرار الصناعة، ليس صناعة الدراما وحدها بل كل الصناعات. إنّ أية صناعة دون سوق و«زبائن» لا يمكن أن تستمر.

‬هل ترى أنّنا نفتقد إلى النقد الأكاديمي في ما يخص صناعة الدراما في سورية؟‪
نعم، يندر وجود نقد أكاديمي، ولكن في الحقيقة، يندر أن تجد صناعة تلفزيونية صدىً نقدياً أكاديمياً. غالباً ما يركز النقد على السينما والمسرح والرواية، حيث إن الدراما التلفزيونية -في العالم كله- ما زالت تحاول انتزاع الاعتراف بأنّها إحدى أنواع الفنون وأنها نتاج ثقافي لا إعلامي. على أية حال، النقد تراجع منذ عدة سنوات في العالم كله، وذلك أمر يطول تحليله.

‬لقد طرح العديد من كتاب الدراما السوريّة في مسلسلاتهم مواضيع مثل الفساد والرشوة، الإيدز والإدمان، وقضايا الشرف. ألا ترى أنّ هذه القضايا قد عولجت بطريقة فجة، ومباشرة؟ ولماذا تغرق هذه الدراما في تناول هذه القضايا على الرغم من وجود العديد من المواضيع الجديرة بالتناول؟‪
ستسمع الكثير من الأجوبة على هذا الموضوع، وستجدها متنوعة وبعضها مقنع. لكن باعتقادي، فإن السبب الرئيسي لإغراق الدراما في تناول هذه المواضيع هو السوق، فالسوق -وأقصد القنوات التلفزيونية وليس بالضرورة الجمهور- يطلب هذا النوع من الأعمال بشكل مستمر. أما بالنسبة للمعالجة، فهي متفاوتة من عمل إلى عمل، فبعضها عالج هذه القضايا بشكل جميل ومؤثر، وبعضها الآخر عالجها بشكل فج ومستفز. للإيضاح، أنا لستُ ضد تناول هذه القضايا عدداً كبيراً من المرات، ولكن يجب أن نعالجها بشكل مميز ومبتكر. وعلى أية حال، فإن العمل الجيد والمعالجة المتميزة يبقيان في أذهان الناس. فمن كل الأعمال التي طرحت الرشوة، ماذا يتذكر الناس؟ أنا لا أتذكر إلا «يوميات مدير عام».

‬في الآونة الأخيرة برزت المسلسلات التي تتناول البيئة الشعبية وشكلت نجاحاً عربياً باهراً. ألا ترى أنّ نجاح هذه المسلسلات، بغض النظر عن سويتها الفنية، هو رد على السوداوية التي وسمت بها الدراما السورية؟ فأصبحت هذه المسلسلات هي المتنفس لهذا المشاهد، وبالتالي هذا ما أدى إلى نجاحها الباهر؟‪
هذا السؤال يصعب الرد عليه بشكل حاسم ونهائي، وقد قلتُ ذات مرة إنّ المشاهدين يقبلون على المسلسلات الشامية لأنّها تقدم مادة بسيطة، رداً في اللاوعي على ما قامت الدراما السورية به من فذلكة وتحذلق وتعالٍ على المشاهد في كثير من الأعمال، ولا سيما في السنوات الأخيرة. على أن هذه تبقى نظرية غير محسومة، وقد يجدها البعض سخيفة ولا أصل لها.

‬طرح العديد من الكتاب مؤخراً فكرة المسلسلات التنويرية، وتحديداً الكاتب نجيب نصير. فما رأيك في تصنيف الدراما على أنّها تنويرية أو غير تنويرية؟ وهل هذا من مهمة الدراما والصناعة البصرية عموماً؟ وهل تعتبر مسلسل «بعد السقوط» بهذا المعنى تنويرياً أو غيرَ تنويري؟‪
لا أعلم إذا كان المسلسل تنويرياً أم لا، لأنّني حتى الآن ما زلتُ أحاول أن أفهم المقصود بذلك الوصف. وأعتقد أنه ليس من حق أحد أن يفترض تصنيفاً لما هو تنويري وما هو غير تنويري. الساحة واسعة وتتسع لجميع الآراء وطرائق العمل.

‬ثمّة الكثير من المصطلحات التي تطفو على الساحة النقدية السورية فيما يتعلق بهذه الصناعة، ومنها الكاتب الإشكالي. مسلسلاتك: «الظاهر بيبرس»، و«أبناء الرشيد»، و«رائحة المطر»؛ والآن «بعد السقوط». هل يسعى غسان زكريا لتكريس نفسه ككاتب إشكالي عن طريق اختيار مواضيع ذات صفة إشكالية؟ وما رأيك بهذا المصطلح، الذي كثيراً ما سمعناه عن كتاب أثاروا مواضيع معينة، فأصبحوا كتاب إشكاليين وبالتالي تتهافت عليهم شركات الإنتاج؟‪
انتشرت عني هذه السمعة بشكل غير رسمي بأنّني إشكالي وأسبب «وجع الراس»، ولكن ذلك لم يكن بسبب المواضيع فقط، بل بسبب عنادي في خياراتي والدفاع عنها. قد لا تصدق أنت أو القراء حقيقة أنني لم أفكِّر يوماً في تكريس نفسي بأية طريقة، بل إنّني لم أرغب حتى في تكريس نفسي كاتباً في الأصل. أنا أُفسِّر الحياة والتاريخ بطريقة معينة، وأكتب بناءً على طريقتي تلك في الفهم، وهي قابلة للتغير والتعديل بالطبع مثل كلّ شيء في هذه الحياة. صحيح أنّني اخترتُ مواضيع ذات طبيعة إشكالية، ولكن ذلك كان بسبب قناعتي أنّ المواضيع الساكنة لا تستحق أن يُكتَب عنها.

‪لقد ‬انطلقتَ من الأعمال التاريخية، ولكنك تتجه مؤخراً نحو الأعمال الاجتماعية المعاصرة. فهل من سبب وراء ذلك؟ وهل سنشهد لك عودة إلى المسلسلات التاريخية؟‪
أنا لا أؤمن بالاختصاص في الكتابة الدرامية. الدراما هي الدراما منذ نشأت قبل قرابة ثلاثة آلاف عام. فالحبكة والحكاية والصراع والشخصية، كلها عناصر موجودة في الدراما بغض النظر على زمن أحداثها وطريقة طرحها، لذلك لا أفرق بين مسلسل تاريخي وآخر معاصر حين أكتب عملاً، سوى أن واحداً يُكتَب حواره بالعربية الفُصحى والآخر يُكتب حواره بالعامية. بالنسبة للعودة إلى المسلسلات التاريخية، هناك في ذهني مشروع مسلسل تاريخي، ولكنني لا أعرف متى سيكون جاهزاً وإن كان سيلاقي قبولاً عند جهات الإنتاج.

‬ما هي المشاريع المستقبلية التي تحضر لها؟‪
حالياً أعمل على كتابة مسلسل «جريمة في البناء 13»، وهو مسلسل بوليسي من إنتاج «ريل فلمز» وإخراج إيناس حقي. لا أعلم بالضبط العمل التالي، لأنني ما زلتُ أفكِّر في الخيارات التي لدي.

‬غسان زكريا في سطور:‪
خريج المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق (قسم الدراسات المسرحية).
كتب العديد من المسلسلات التاريخية والمعاصرة، منها: «الظاهر بيبرس»، و«أبناء الرشيد»، و«عنترة»، و«رائحة المطر».
قام بإخراج الفيلمين الوثائقيين «جدار هش» و«يطيرُ الحمام».


عروة المقداد

اكتشف سورية

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق