علماء دمشق في العصر المملوكي سبقوا الغرب بقرون عدة

11 05

دمشق كانت عاصمة للثقافة العربية والعالمية منذ أقدم العصور

شكلت دمشق الشام حاضرة للتفاعلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية، ورغم انتقال مركز السلطة منها تاريخياً إلى مدن إسلامية أخرى فإن ذلك لم يفقدها دورها بصفتها قلباً وقلعة للأمة، وبقيت مركزية في إسهامها الفكري والحضاري.
تاريخياً ورغم أن إنهاء الوجود الصليبي في المنطقة يعود شرفه للمماليك، إلا أن هناك مجموعة من الآراء التي تناولت العصر المملوكي وحملت في طياتها اتهامات إلى هذا العصر بأنه عصر انحطاط وتأخر وظلمة، فما هي المعطيات التي استندوا إليها في هذه الآراء أو الاتهامات التي وجّهوها لهذا العصر؟ وما موقف السلاطين المماليك من علماء العصر والتراث الإسلامي؟
كانت تلك بضعة من مجموعة تساؤلات أراد الإجابة عليها الدكتور أحمد حميد في المحاضرة التي ألقاها في المركز الثقافي العدوي بعنوان «دمشق وأثرها العلمي في العصر المملوكي» في الحادي عشر من أيار 2008.
البداية كانت من مناسبة دمشق عاصمة للثقافة العربية، إذ يقول «دمشق تعيش عاصمة الثقافة العربية وذلك ليس بغريب عنها، فهي قبل أن تُتوج كانت عاصمة للثقافة العربية والعالمية منذ أقدم العصور بدليل أن الكثير من أبنائها تجاوزوا حدودها إلى خارج الوطن وأثروا في المنجزات العلمية العالمية، فحريّ بنا أن نلقي بعض الأضواء على هذه المدينة وبعض نتاجها العلمي في عصر من عصور الحضارة العربية، واخترت من العصور المملوكي لكونه تعرض للكثير من اتهامات الجمود والانحطاط، ومن جهة ثانية لكون أطروحتي للدكتوراة تناولت هذا العصر وكان عنوانها "الحياة الفكرية في العصر المملوكي الثاني" فأثبتُّ من خلال العودة إلى أكثر من خمسين مخطوطاً وقرابة ألف كتاب بين مرجع ومصدر أن هذا العصر اتسم بالازدهار والتقدم، ويكفينا أنه قام بإعادة أحياء تراث الأمة الذي أُبيد على يد المغول من جهة، ومن جهة ثانية كان هذا العهد شاهداً على مجموعة من الاختراعات التي لم تكن موجودة في العصور السابقة.
«أذكر على سبيل المثال طريقة بريل للمكفوفين، هذه الطريقة التي نُسبت فيما بعد إلى لويس بريل الفرنسي المتوفى في 1850م، مع العلم أن العصر المملوكي أنتج هذه الطريقة قبل لويس بريل بخمسة قرون على يد زين الدين علي الآمادي المتوفى في 1314م الذي كان كفيف البصر، وأما الاختراع التاريخي الثاني فهو المدفعية وبالعودة إلى الكتب التي تناولت تاريخ السلاح بالمقارنة مع المصادر العربية التي وجدت في هذا العصر، تبينتُ أن المماليك في مصر والشام أوجدوا هذا السلاح قبل أوروبا بما لا يقل عن نصف قرن وخاصة قبل بريطانيا التي عملت فيما بعد على تطوير هذا السلاح، أيضاً يمكنني القول إن هذا العصر أوجد عالِماً قام بوضع الرموز الرياضية التي نستخدمها في يومنا هذا (س، ع، ط) لأول مرة في العصر المملوكي، أيضاً من العلماء الذين يشار إليهم ابنُ خلدون الذي هو أول من أوجد الجغرافية الاقتصادية وعلم الاجتماع وعلم السكان ويمكنني الجزم هنا أنني من خلال بحثي لم أجد عالماً في ذاك الزمن عمل على هذا العلم قبل ابن خلدون».
يتابع حميد: «ما يميز المماليك اهتمامهم ببناء المساجد والجوامع وإيلائها رعايتهم فأنفقوا عليها الكثير من الأموال، وأرادوا أن يتجاوز دورها الخطبة والصلاة إلى الإسهام العلمي وإنجاب الكثير من الأجيال العلمية التي برزت في ميادين مختلفة من العلوم وأهمها الطب على الإطلاق.
«أجد هنا أنه من الأهمية بمكان الإشارة إلى بعض أسماء العلماء من مختلف العلوم الذين اشتهروا في دمشق والسمة المميزة لهم أنهم اشتغلوا في العلوم النظرية كافة من فقه وحديث وعقيدة وأدب وتاريخ ومنهم موسوعي دمشقي هو ابن فضل الله العمري المتوفى 1348م، مؤلف "مسالك الأبصار في محالك الأمصار"، وفي الكتاب بحث عن جغرافية الأرض إلا أن بحثه اقتصر على الجغرافية السياسية في بلاد الإسلام، وعبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن حسن المتوفى سنة 1262 الذي درس علوم الشريعة والعربية وتولى الخطابة في الجامع الأموي، والمؤرخ عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي المعروف بأبي شامة ومن مؤلفاته كتاب الروضتين في أخبار الدولتين وكتاب الذيل على الروضتين والمقاصد أو المناحة السنية في شرح القصائد النبوية وكتاب المرشد الوجيز إلى علوم الكتاب العزيز، ومن أدباء العصر نذكر اللغوي شمس الدين محمد بن الحسن الصائغ الحنفي المتوفى 1325م، وكاتب الوداعة علي بن المظفر بن إبراهيم بن عمر بن يزيد الكندي الوداعي المتوفى سنة 1326م، ومن مؤلفاته كتاب موسوعي جامع بعنوان التذكرة الكندية الذي كتبه بخط يده في المدرسة السيمساطية في دمشق، أيضاً محمد بن يوسف بن عبد الله بن شمس الدين الخياط الحنفي الشاذلي الذي أصبح شاعر بلاط الملك الناصر في القاهرة سنة 709 هجري، له دواوين أكثرها في الشعر الديني وله قصيدة في واحد وستين بيتاً تتناول حريق دمشق سنة 1340م، ومن العلماء في العلوم العقلية ابن النفيس وهو علاء الدين بن أبي الحزم النفيس ومن مؤلفاته كتاب شامل في الطب يقع في ثلاثمائة جزء وقد بيض منها ثمانون جزءاً وله كتاب الشامل في الصناعة الطبية، أما الطبيب الثاني فهو أحمد بن أبي إصبعية موفق الدين أبو العباس، طبيب مؤرخ للطب والأطباء وشاعر وكان والده من أمهر أطباء العيون بالكحل "كحّال دمشق"، ومن علماء الفلك الدمشقيين في العصر المملوكي المزي وابن الشاطر، ووضع المزي مجموعة جداول للزوايا الساعية وجداول أخرى للصلاة خاصة بدمشق وله مؤلفات مختلفة تتعلق بالآلات، أما ابن الشاطر فقد وضع جداول للصلاة تتعلق بمكانٍ لم تتم الإشارة إليه، على أن المزي وابن الشاطر اهتما بعلم الفلك والنماذج السيارة وابتكرا مزولة عرفت في العصر الإسلامي الوسيط، ومن علماء علم الميكانيك والفيزياء بديع الزمان الجزري وقيصر بن أبي القاسم بن عبد الغني بن مسافر.
بناء عليه وبعد كل ما تقدم، يؤكد الدكتور حميد أن «الكتاب والباحثين العرب نقلوا الكثير من الآراء التي تناولت العصر المملوكي من دون أن يمحّصوا فيما كتبه المستشرقون والمفكرون الغربيون مما يخص تاريخنا، فقد أصابتهم حمى الإعجاب بالحضارة الغربية من دون أن يقفوا وقفة تأمل فيما ينقلون عنهم، وذلك يدعونا بالتالي إلى أن يكون النقل عن الكتاب الأوروبيين ومن يتفق معهم من الكتاب العرب محط دراسة وتمحيص دقيق لما كتبوه عن حضارتنا ونتاجنا الفكري قبل الأخذ به».
يذكر أن الدكتور نقولا زيادة في كتابه «دمشق في العصر المملوكي» قد وضع إحصائية تضمنت أسماء مائة وخمسة وثلاثين عالماً قضَوا حياتهم أو أجزاء منها في سورية وكان غالبهم يعيش في دمشق وصُنفوا على الشكل التالي: الفقهاء ستة وعشرون، المفسرون والمحدثون ثلاثة وعشرون، المتصوفون وأهل النحو والأدب والشعراء اثنان وثلاثون، المؤرخون والجغرافيون ثمانية وعشرون، الأطباء والعلماء والفلكيون الموسوعيون أربعة، مؤلفون متفرقون ثلاثة.


رياض أحمد

اكتشف سورية

Share/Bookmark

صور الخبر

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق

jalal:

شكرا على هذه الاضافات التاريخية الرائعة ومن الجميل ان نرى ازدهار العلم في العصر المملوكي للقائد التاريخي ركن الدين بيبرس وقلوون شكرا لكم

syria