مظفر سلمان يعرض أعماله في معهد غوته

05 نيسان 2010

يتهامسون، يثرثرون، يفكرون، أو يطرحون تساؤلاً، هم منتبهون لعدسةٍ تلاحقهم، أو غير منتبهين، لتتقاطع كل الصور في النهاية عند مشهد «الإنسان».

ربما يمكن القول أن «هذا ليس إنساناً»، إنما مشاهد لأحاسيسه، وشعوره، وعوالمه الداخلية، وكيفية ارتباطه بالمكان، تبرز هذه التفاصيل من خلال 40 صورة/لوحة علقها الفنان مظفر سلمان في صالة معهد غوته بدمشق تحت عنوان «بونكتيوم».

الصور جاءت دون عناوين، ربما لأن غناها بالتفاصيل كفيلٌ بالحديث عنها، هكذا يلوح ثلاثة أطفالٍ بأيديهم من خلف زجاج الحافلة التي تقلهم إلى بغداد، وهي أول الحافلات التي أعادت اللاجئين العراقيين إلى بلدهم، المعلومات السابقة ليست مكتوبة، إنما تنطق بها تفاصيل العيون الموحية بالسلام، والخوف المترقب من قادم الأيام، وعدم الرغبة بالرحيل، من خلال كف انطبعت بشدة على الزجاج، وكأنها تريد التشبث بآخر أمل. في صورةٍ أخرى تلتفت امرأةٌ خمسينية إلى الخلف والنور يسقط على نصف وجهها الظاهر، بينما تنضح من عينيها تساؤلات، وهنا يروي سلمان قصتها التي يحفظها كما يحفظ قصة كل صورةٍ في معرضه: «هي امرأة عزباء، تعيش مع أختها في ريف حمص، إحداهما تلعب دور المرأة والثانية تأخذ دور الرجل، ويحتفظان على جدران منزلهما بصورٍ لكل من تزوج في القرية». تخرج بعض الصور من صرامة القواعد الأكاديمية كتوازن الكتلة، أو ملء الفراغ، فتعوض تفاصيلها أو طرافتها أحياناً هذا الخروج، كتلك التي يغفو فيها رجل على مقعدٍ في الحديقة، بينما يظهر في أسفل اليسار من الصورة عصفوران وكأنهما يتهامسان، لتنتقل العدسة إلى امرأةٍ ترضع ابنها على قارعة الطريق: «ما شدني في هذه الصورة غناها بالتفاصيل، رغم الفقر الواضح إلا أنها تحتفظ بلعبةٍ لطفلها بجانبها، وعلبةً تجمع فيها النقود»، ويؤكد سلمان أنه التقطها لغناها التعبيري لا لأنها تظهر فقر بعض الناس: «لأني لا أحب استغلال المشاهد الفقيرة، أشعر أني أهين هؤلاء الناس عندما أستغلهم».


من معرض الفنان مظفر سلمان

لقطات/تعليق:
لقطة 1: طاولة تتحلق حولها أجسادٌ من زمنٍ قديم، وأيادٍ أتعبها الزمن بريشته، تمسك بين أصابعها أوراق اللعب في أحد المقاهي. «تستهويني الحالة، هؤلاء الرجال الكبار في السن أرغب بالتفكير كيف يقضون يومهم».

لقطة 2: رجلٌ عجوز، يدير ظهره للناظر، ويقف متأملاً لوحتين يظهر فيهما وجهان أنثويان. «رجل ذكر، بين لوحتين لوجه أنثى، دعوةٌ للتفكير بالعلاقة بين الرجل والمرأة».

لقطة 3: شيخان متشابهان بالشكل، يرتديان زياً واحداً، يلتفت أحدهما إلى الآخر ليهمس له بكلمةٍ ما. «لم يشدني فقط المشهد الشكلي المتشابه، إنما حالة الهمس المتبادل، ما الذي يقوله؟ وما الحوار الدائر بينهما؟ وهذه الصورة هي لشيخين من قرى الجولان السوري المحتل في زيارة قد تكون الأخيرة لهما إلى سورية».

كل اللقطات منحازة للإنسان بكل ما فيها، وهمها الأساسي هو الإنسان، ويؤكد مظفر انحيازه، وعدم حياديته: «أنا أملك رأيي ولست حيادياً، وأملك أفكاراً مسبقة مبنية على خلفية فكرية وثقافية تدافع عن الإنسان».

هكذا تختلف الشخوص بين لوحة وأخرى، لكن رابطاً ما يجمعها، فهي إما لأطفال أو لشيوخٍ وعجائز كبارٍ في السن، بينما لا يجد الناظر إطاراً واحداً تملؤه صور الشباب أو متوسطي العمر: «ربما طبيعة الحياة اليومية أفقدت الشباب المسافة الروحية التي يمتلكها الأطفال أو كبار السن، وهو ما أبحث عنه».

غواية اللونين:
مناظر أخرى تلتقطها العدسة، منها كبشٌ ذكرٌ أمام حائط منزل ريفي، قطةٌ نائمةٌ بدلال، عصفوران على حبل كأنهما عاشقان، مجموعةٌ أخرى من العصافير تقف متعاكسة ويظهر خلفها البياض، لكنها ليست صوراً لحيوانات بهدف إعطاء درسٍ في العلوم الطبيعية أو التشريح، إنما هناك جهدٌ واضح في السعي إلى إظهار حالةٍ أكثر إنسانية في حركة بعضها، وعدم التركيز على تفاصيل أجسادها فقط، إنما ما خلف هذه الأجساد المتحركة، والتي تبرز في سياق حسٍ غرافيكي قوي: «بالفعل لا يستهويني الحيوان لأنه يحمل تفاصيل جسمانية معينة، إنما هناك علاقات خفية بينهم وبين المكان أو بين أفراد جنسهم ترشح بتعابير شبيهة بما لدينا نحن البشر».

من معرض الفنان مظفر سلمان

صورةٌ واحدةٌ من بين صور سلمان في المعرض يشغلها جسد أنثى عارية، يتدخل في صياغةِ ظلالها، وكأنها حاضرةٌ في غياب معالمها: «لا أريد أن أقدم الجسد على الطريقة الغربية التي تتعاطى معه من وجهةِ نظرٍ مادية فقط، إنما أريد أن أقدم صورة الشعور المكنون في الجسد».

لا تحتفي صور المعرض بالألوان، إنما يجهد سلمان في تقديم رؤيته الفنية بالأبيض والأسود، ويعتبر «الصور الملونة لها قيمة إخبارية أكثر منها فنية، فهدفي إيصال مشهد وليس جماليات لونية لأن العين تراها في الحقيقة أفضل مما تقدمها الكاميرا».

يستوحي مظفر سلمان اسم معرضه (بونكتيوم) من كتاب «العلبة النيرة» للوران بارت والذي حدد فيه مفهومين للنقد الفوتوغرافي: «الأول ستوديوم أي الانجذاب السريع للصورة الذي يتلاشى سريعاً نظراً للصفة التوثيقية التي تحملها، أما الثاني فهو بونكتيوم أي علاقة التواصل مع الصورة التي تؤثر في المتلقي ما يؤدي لنشوء علاقة عاطفية معها، وهذا الأثر يدوم أطول، وهو ما وجدته ينطبق على عملي».

ويتفق سلمان مع صاحب كتاب «العلبة النيرة»، بضرورةِِ التمييز بين الصورة واللوحة، وهو يرى أن الاختلاف قائم وصريح بينهما، رغم ما يسعى إليه بعض المجربين من المزج، وهو ما يفقد الصورة خصوصيتها: «التمييز يستند إلى أسس بسيطة وواضحة، لكل من يعمل في هذا الحقل، فاللوحة تمتلك ثلاثة أبعاد، طول وعرض وعمق، بينما تمتلك الصورة إضافةً للأبعاد المذكورة بعدين إضافيين هما المكان أو البيئة، والزمان وما فيه من حركة، وهذا ما يميز الصورة الفوتوغرافية ويجب الحفاظ عليه».


عمر الأسعد

اكتشف سورية

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق