فولكفانغ للرقص المعاصر تتحدى خيال الجمهور

أمست خشبة المسرح أشبه بعالم الأحلام

مساء الإثنين الثامن والعشرين من نيسان كانت دار الأوبرا على موعد مع فرقة رقص عالمية هي فولكفانغ دانس ستوديو وللمرة الأولى يجيد الألمان السحر بالرقص أو الرقص الساحر عبر موسيقا وحركات فيها من العالمية أكثر مما فيها من الخصوصية.

أنت في العرض «آرتي شوك» بعد «أفتاوشر» و«سولو» تجد نفسك أمام تساؤل حقيقي عن انطلاقة الرقص كلغة تعبيرية خاصةً في الوصول إلى الارتقاء بالإنسان من دونيته إلى مجتمعيته وإن كان لنا ألف ملاحظة على هذا الانتقال رغم أن الحضارة التي أرساها الإنسان موضع إعجاب وتقدير، لكن ما رافق سلوك الإنسان ويرافقه من عدوانية تعجز عنها أكثر الحيوانات المفترسة يجعلنا نميل إلى التحسر وشيء من الندم، إلا أن هذه الأناقة الرفيعة في الفن الإنساني هي ما يدفعنا إلى القول إن البشرية من أقصاها إلى أقصاها باتت تئن من هذه الوحشية المدمرة لذلك مالت وتميل إلى الفن باعتباره وسيلة راقية وحضارية للنهوض بالنفس الإنسانية كي تترفع عن دناءاتها.‏

ربما احتاج الإنسان عندما نهض للرقص إلى محاكاة الطبيعة بأصواتها فكانت الموسيقا، وعلى وقع تلك النغمات ترادفت الحركات وانطلق الجسد ليعبر عن فرح الروح بما أخذت تتعرف إليه في هذا الوجود لا سيما الجميل منه أو ذاك الذي يبعث على التفكر ويراود الخيال بحلم الخلود.

لقد أخذَنا عرض «آرتي شوك» في رحلة ساحرة عبر موسيقا وحركات تناغمت بأداء متميز فيه من الهدوء ما يبعث على التأمل وإعمال الفكر مع ما يؤججه الصخب والنغم الشرقي من رغبة جامحة بالقفز ومحاكاة الفرقة في رقصها، وهو عرض متحرر من التوتر قدمته هنريتا هورن حتى الآن.‏

هنريتا هورن (1968) واحدة من أكثر الراقصات موهبة في مسرح ألمانيا الراقص إضافة إلى كونها مصممة للرقص درست في الأكاديمية الألمانية للرياضة في كولون ثم تابعت دراستها في أكاديمية فولكفانغ وتخرجت باختصاص الرقص المحترف.‏

حقاً تشبه خشبة المسرح عالم الأحلام الذي يذكّر بليالي ألف ليلة وليلة، نصفها شرقي والنصف الآخر مستمد من بحر قصص هارون الرشيد، وأضافت هورن في هذا العرض مستويات أكثر قتامة قد تحوي مخلوقات غريبة وربما خطرة لا يصادفها المرء في الواقع مما قد يهدد تصميم الرقص بجعله ضبابياً وضائعاً في الغموض.‏

حافظت هورن بهذه الطريقة على حلمها في توازن فرِح خفيف ولكنه ليس مبتذلاً على الإطلاق مع لمسة من الغموض ليستمر العرض خمساً وستين دقيقة.‏

لقد أسهمت الإضاءة وتدرُّج كشفها للشخصيات مع هذه الموسيقية الأحادية أو لحظات الصمت في إضفاء جو خاص بعث الراحة في النفوس وجعل العرض متميزاً.‏

هذا العرض هو الثالث للفرقة ضمن احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية وحضرته الدكتورة حنان قصاب حسن الأمين العام للاحتفالية وجمهور نوعي محب ومتابع لهذه النشاطات.‏

العرض الأول كان «سولو»: حوار مع الخشبة وطاولة وكرسي يأسر هذا العرض الإفرادي الجمهور منذ اللحظة الأولى، فالمشهد يحمل توتراً هائلاً ليبدو التفاتاً نحو الماضي وذاكرة رقص لحب لا يُنسى وهو نوع من الرقص عبر الذاكرة، أما عرض «أفتاوشر» فهو خشبة فارغة وعشر كراس وعشرة راقصين، بالإضافة إلى عشرين خشخيشة في عرض يتحدى قوى خيال الجمهور لخلق جو يجذب المتفرجين بقوة إليه ويتحرك الراقصون على الخشبة ضمن مشاهد وتخيلات تعطي المتفرج حرية كاملة لإعمال خياله وتأويلاته الخاصة، ويستمد العرض الحياة من التشويق الكثيف والخفيف بين الراقصين والموجه أيضاً إلى الجمهور.‏

الرقص باختصار لغة خرجت من صلب اللغة بالتعبير عن الوجود عبر الحركة، أما الموسيقا فهي اللغة التي تصل من دون حروف إلى الأمم، وقد يكون في هذا الحصر لمعنى الرقص أو مدلول الموسيقا شيءٌ من التعسف.



تشرين


ضيف اكتشف سورية
ضيف اكتشف سورية
دمشق القديمة
غاليري اكتشف سورية
غاليري اكتشف سورية
 



هذا الموقع برعاية
MTN Syria

بعض الحقوق محفوظة © اكتشف سورية 2008
Google وGoogle Maps وشعار Google هي علامات مسجلة لشركةGoogle
info@discover-syria.com

إعداد وتنفيذ الأوس للنشر
الأوس للنشر