في صالة فري هاند توليف بين التصوير والنحت

27 04

رؤى فنية أثبتتها تجارب أجيال متقاربة متنوعة

توالت على منطقتنا العربية منذ القدم العديد من الحضارات العريقة بعقائدها وأسلوب حياتها وفنونها وأفكارها، وعملت رغم بدائية أدواتها على الحفاظ على إرثها الذي دام آلاف السنين والذي كوّن لفنوننا اليوم بصمة خاصة بها ولا سيما بعد أن عاد الكثير من الفنانين إلى تلك الحضارات، وبعد محاولة المزج بين خصائص فنونهم وسماتها للخروج بأساليب مختلفة عن التي عرفناها منذ بداية الحركة التشكيلية السورية التي نقلت أيضاً للأجيال الأخرى بعضاً من ملامحها، وذلك ما ظهر في المعرض الذي أقامته صالة فري هاند للفنون التشكيلية حيث قدم مجموعة من الأعمال لفنانين عاد البعض منهم إلى التراث وفضل البعض الآخر الاتجاه إلى الحداثة ولا سيما أن الأعمال النحتية المشاركة في المعرض اعتمدت على الاختصار في الشكل وتقديم خلاصة الفكرة، فالفنان غزوان علاف قدم عملين فنيين كان أحدهما تحت عنوان «الشاعر» فاختصر بعضاً من أجزاء الوجه بعد أن قسّمه إلى ثلاثة أقسام مانحاً إياه معالم الفنان والمبدع (مثل النظرة والشعر) إضافة إلى أن علاف يعتمد على التوليف بين الخشب والنحاس كلمسات يضيفها إلى المنحوتة الفنية وفي منحوتة أخرى جعل الوجهين متقابلين مع عصفورين على رأسيهما، بينما كان رامي وقاف أكثر مباشرة في أعماله التي عرضها فمنحوتة «المسافر» أظهرت المقصد خاصة حين جعل رجلاً صغيراً يهمّ بالمغادرة وهو يحمل الحقيبة، لكنه اعتمد أيضاً البساطة في طرح الشكل من دون مبالغة فيه فقد اكتفى بأن يشير إليه ببعض من ملامح الإنسان الخارجية.
لقد بادر إلى هذه الخطوط أيضاً الفنان سمير رحمة لكنه جعلها أكثر أنوثة لا سيما في عمله الذي جعل فيه المرأة تحمل كرة بيدها لتُدحرجها على أكتافها كما تفعل فتاة الباليه فمنحها بعض المرونة في جزئها العلوي، بينما جعل الجسد يخضع للاستقامة والقياس في عمله الآخر وأما وليد البدري الذي تميز بمجموعته النحتية التي ضمت ثمانية أعمال فقد اعتمد على الرمز وطبيعة السطح والمادة الخام المستعملة، فتارة نراه يستخدم الخشب ومرة أخرى الحجر بينما قام بتطويع المعدن وفقاً لفكرته المرادة، كما تميز هذا المعرض بالأعمال النحتية الكثيرة وتنوَّع أيضاً بلوحاته المعروضة خاصة حين عرض تجارب فنية عريقة للفنان محمد الوهيبي الذي يعود إلى الحضارات القديمة ليستوحي منها رموزاً وأشكالاً وينقلها بعد المعالجة إلى لوحاته ولا سيما أنه بات في ذاكرته اليوم معالم لمدينة أخرى سكنت مخيلته العتيقة ومن هذه الرموز السمكة التي تتنوع معانيها وفقاً لثقافة المتلقي، فالسمكة مثلاً تعني المرأة والمال بينما الثور يرمز في معظم الأحيان إلى الرجولة وقد استعمل الوهيبي تقنيته الخاصة به وهي الحفر والطباعة على الورق بالأبيض والأسود مضيفاً إليهما هذه المرة بعضاً من اللون الأحمر.
كذلك استضاف هذا المعرض لوحة للفنانة غادة الدهني التي احتلت المرأة محور معظم أعمالها فتمتعت لوحاتها بالشاعرية والحزن في الوقت ذاته خاصة والوجوه تميل إلى الشعور بالألم وفي وقت آخر تمنحها الفرح حين تضيف الزهور إلى لوحتها بالإضافة إلى أن ألوانها تتمتع بالإشراق والثورة والحب لاستخدامها اللون الأحمر مع الأصفر ومشتقاتهما، أما الفنان ماريو موصللي الذي يسير عشقُ دمشق في دمائه فإنه حتى اليوم ما زال يرسم حاراتها وياسمينها في لوحاته بمعجونة لونية قوية وتقنية يستخدم فيها السكين أكثر من الريشة، وكذلك عرَض فري هاند أعمالاً للعديد من الفنانين الشباب مثل فراس جوابرة الذي أقام مؤخراً معرضاً في المركز الثقافي العربي متحدثاً فيه عن الهجرة وآلامها على الشاب خاصة وهجرتُه لم يُضطر فيها إلى السفر خارج بلاده بل عانى من هذا الاغتراب وهو في حضن وطنه، وكذلك كان للخط العربي نصيب من هذا المعرض فقدم الفنان محمد غنوم لوحتين أضاف إليهما الحرف العربي خاصة وغنوم يؤكد على مقولة التراث المعاصر في لوحاته من خلال دمج اللون بالحرف بالتشكيل كما يعمل على إبراز الخط العربي للاعتراف به كنوع من الفنون خاصة وهو يحمل من القيم الجمالية ما يجعله يتبوأ هذه المكانة، وشاركه في لوحات الخط العربي الفنان أكسم طلاع الذي أوضح هذه الجمالية بأسلوب آخر ولا سيما حين استخدم الألوان الترابية والذهبية.
بذلك استطاع فري هاند عبْر هذا المعرض أن يعرض لنا تجارب فنية مختلفة لأجيال متقاربة ومتنوعة استطاع كل منها أن يثبت رؤيته الفنية.


الوطن

Share/Bookmark

صور الخبر

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق