صالح المحبك

1911 ـ 1954

ولد الفنان صالح المحبك في حلب عام 1911، ولم يكد يبلغ العاشرة من عمره حتى حفظ القرآن الكريم بفضل والده محمد المحبك الذي كان يشغل وظيفة عادية في الجامع الأموي في حلب، وفي العام 1923 توفي والده، فشغل وظيفته بعض الوقت إلى أن أتيحت له الفرصة فشغل وظيفة كاتب في المجمع العلمي العربي.
وفي أواخر العام 1928، دفعه ميله الموسيقي إلى التردد على بيوت اللهو التي كانت تديرها وتعمل فيها بعض الفنانات، وأغرمت به واحدة اشتهرت باسم "أم سامي"، فأخذ عنها مبادئ العزف على العود، وكان يوزع وقته بين عمله في المجمع العلمي الذي أنيط به كأمين للمكتبة يرعى شؤونها وينسق كتبها، وبين تعلم العزف على العود.
أغرته "أم سامي" بالغناء فلم يتأخر لحظة، وصار يرافقها في الحفلات التي تحييها حتى غدا مشهوراً.
وجد "صالح المحبك" أن ميوله الموسيقية لن تشبعها تلك الحفلات التي يحييها هنا وهناك، وأن عليه أن يتقن هذا الفن كي يصبح موسيقياً مرموقاً، ومن هنا، تخلى عن تلك الحفلات إلى حين، وانتسب إلى نادي "التمثيل والموسيقا" الذي وجد فيه غايته، فتتلمذ على يدي الفنان الكبير "أحمد الأوبري" الذي أعجب به، وبطريقة غنائه، وظل أحمد الأوبري يهتم به حتى جعله يتقن فنون الغناء الحديث بالإضافة إلى القديم. ولكي يزيد صالح المحبك من معرفته اتصل بالموسيقي الأرمني "نلبنديان" الذي كان يرأس فرقة "النادي الأرمني" الموسيقية، وعن "نلبنديان" هذا، أخذ بعض علوم الموسيقا الغربية، فأتقن الصولفيج "أصول الالقاء الغنائي بالنوطة الموسيقية" والتدوين الموسيقي. وبذلك اكتملت ثقافته الفنية في حدود العلوم المتداولة آنذاك.
لم يكتف صالح المحبك بما حصل عليه من علوم في مجالي الموسيقا الشرقية والغربية، فطلب المزيد من الشيخ "علي الدرويش" الذي لم يبخل عليه بما يعرفه، فازداد علماً ومعرفة بفن المقامات والموشحات.
في العام 1929 وأثناء انغماسه بحفلات الملاهي وما شابهها طلبت إليه المطربة العراقية "فيروز" مرافقتها إلى العراق، فسافر معها واشترك معها في الحفلات التي كانت تحييها في مختلف المدن العراقية كمطرب سوري، وبعد ستة شهور على ذلك، عاد إلى حلب ليستأنف نشاطه فيها. رشحه "أحمد الأوبري" ليمثل القطر العربي السوري كمطرب الفرقة السورية في مؤتمر القاهرة الموسيقي، فانتزع الاعجاب بموشحة أبي خليل القباني "كلما رمت ارتشافاً". دعاه العراق في العام 1933 ليشارك في أربعين الملك فيصل الأول، فلحن من أجل هذه المناسبة أنشودة "في ذمة الأوطان" عن الملك الراحل.
اشتهر صالح المحبك بمواقفه النضالية من الاستعمار الفرنسي، وعبر عن هذه المواقف بالأناشيد العديدة والجميلة التي لحنها، ومن هذه الأناشيد: نشيد "هنانو" ونشيد "في سبيل المجد والأوطان نحيا ونبيد" من نظم الشاعر الكبير "عمر أبي ريشة". وأكثر هذه الأناشيد لحنت من قبل عدد من الملحنين من أمثال الأستاذ الصواف، والأخوين فليفل، وغيرهم.
وفي فترة الثلاثينات، وأثناء فترة الاضطرابات التي سادت القطر ضد الاستعمار الفرنسي، أعطى صالح المحبك المزيد من الأناشيد الوطنية التي تسببت في اعتقاله وسجنه فترة من الزمن، ورغم انصرافه إلى تلحين الأناشيد الوطنية والدينية، وإثارة الحماسة في النفوس، كان يجد فسحة من الوقت ليشبع رغبته في تلحين وأداء الموشحات التي يميل إليها، ومن أعماله في هذا المجال موشحة "ودع الصبر محب ودعك" من مقام الهزام، وموشحة "هبت رياح الأحبة" من مقام السيكاه، وموشحة "لم يطل ليلي ولكن لم أنم" من مقام الزنجران.
اتجه "صالح المحبك" اتجاهاً دينياً، وهو في الثلاثين من عمره، فشد رحاله ثانية إلى مصر عام 1942، واتصل بالشيخ "درويش الحريري" فدرس على يديه القراءات السبع، ثم عاد بعد سنة إلى مسقط رأسه حلب، فلم يمكث فيها طويلاً، حيث هجرها إلى دمشق التي أقام فيها ليصبح في فترة وجيزة سيد المقرئين المرموقين.
كان الحنين إلى الموسيقا والغناء يدفعانه باستمرار للاتصال بأساتذته الكبار "الأوبري والدرويش والبطش" وكان عمر البطش آخر الذين اتصل بهم. فأخذ عنه فاصل "رقص السماح الجديد" الذي طوره البطش عن "السماح القديم" دون تغيير كبير في أصوله وأدائه، ودرب عليه طالبات معهد "دوحة الأدب" ومنذ ذلك التاريخ عرف هذا الضرب من السماح باسم "السماح المشط".
أغراه أساتذته بالعمل في "معهد الموسيقا الشرقية" التابع لوزارة المعارف ـ التربية اليوم ـ وظل يدرس فيه إلى أن وافته المنية في شهر تشرين الثاني ـ نوفمبر ـ عام 1954.
يتبين لنا من أعمال "صالح المحبك" ورحلاته الفنية إلى العراق وفلسطين ومصر، بأن أغلب أعمال الموسيقيين في فترة الثلاثينيات وما قبل، كانت أعمالاً فردية، حملت اتجاهات تقليدية، اتسمت بالضعف والارتجال والتقليد، وكان الوازع الديني والخوف من نقمة المجتمع المحافظ من العوامل الرئيسية التي دفعت بأكثر الموسيقيين إلى الزهد والعبادة والتصوف، أو إلى الرحيل والنزوح عن الديار، ويمكن القول، أن الظاهرة الدينية أو ظاهرة التصوف التي كان ينهي الموسيقي حياته بها، وهو بعد مازال في أوج شبابه وعطائه، تعود إلى الترسبات الدينية، وإلى المذاهب الصوفية التي كانت تستقطب كل موسيقي للاستزادة من المعرفة والتعمق في دراسة المقامات الموسيقية التي كانت الحركات الصوفية متمكنة فيها، ويتوارثها الأتباع عن شيوخهم، وإلى المجتمع العربي السوري المحافظ وإلى الدولة التي منعت عنهم كل دعم أو تشجيع، خوفاً من المجتمع الذي كان يرى في الموسيقا والغناء، مهنة حقيرة مذمومة لا يقرها الدين. وجل المبدعين من أهل الطرب والفن في حلب وحمص وحماه ودمشق، اختاروا بإرادتهم تلك النهاية.
تضم مكتبة الإذاعة السورية، عدداً وفيراً من تسجيلات صالح المحبك منها عدا آيات الذكر الحكيم التي رتلها طويلاً، موشحات "ظبية الأنس" و"تنعش الأرواح" "يا سميري ضاع صبري" التي غناها "فتى دمشق" مع المجموعة، ومديح بذكرى النبي العربي، ونشيد يتغنى بمجد العرب.


صميم الشريف

الموسيقا في سورية "أعلام وتاريخ"|

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق

صالح المحبك:

أشكركم على هذه المعلومات وإذا كان لديكم معلومات أخرى أو عند من تعرفون فأرجو ارسالها لي عبر البريد الالكتروني

سوريا

محمد فائز محبك:

مشكورين على هذه المعلومات واذا توفر أي معلومات أو التسجيلات لهذا الفنان الرجاء تزويدنا بها عبر البريد ولكم جزيل الشكر

سوريا

هدى محبك :

شكرا على هذه معلومات ارجو ارسال لى صورته

استراليا

عمار محبك:

الشكر لكاتب هذا المقال عن جدي صالح محبك عليه رحمة الله والحمد لله ان اعمال جدي الموسيقية والدينية لم تذهب سدى

سوريا-حلب

محمد صلاح الدين محبك:

لكم الشكر على تلك النبذه الجميله عن حياه الشيخ صالح محبك والتي لم اكن اعرفها حتي قرأه هذه المقاله الجميله عن حياته ومسيرته الفنيه والدينيه و مواقفه الوطنيه

syria/aleppo

محمد بشير بن صالح محبك:

اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ، ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ، اللهم باعد بينه وبين خطاياه كما باعدت بين المشرق والمغرب ، اللهم جازه بالحسنات إحسانا ، وبالسيئات عفوا وغفرانا ، اللهم ارفع مقامه عندك يارب العالمين واجعل قبره روضة من رياض الجنة .
آمين يارب العالمين..

سوريا - دمشق