ندوة القدس في التاريخ في يومها الثالث والأخير

22 12

محاضرات متنوعة تغطي تاريخ القدس وعمارتها وآثارها

تاريخ القدس العظيم الذي يشهد بكونها مدينة عربية ذات طابع إسلامي ومسيحي ومهداً للديانات السماوية كان على موعد مع عدد كبير من المحاضرين العرب والسوريين في نشاطات اليوم الثالث والأخير من ندوة «القدس في التاريخ» التي عقدت برعاية مديرية الآثار والمتاحف في وزارة الثقافة السورية واحتضتنها رحاب القاعة الشامية في المتحف الوطني بدمشق، حيث ركز المحاضرون على الهوية العربية للقدس وتناولوا قبة الصخرة وبناءها المعماري الفريد وتطرقوا إلى المسجد الأقصى وعمارته وتاريخه، وقدموا سردوا علمياً تحليلياً للأحداث التي شهدتها المدينة المقدسة منذ الفتح الإسلامي وصولاً إلى العصر الحديث، وأوضاع المدينة تحت السلطة العثمانية وتحت سلطة الاحتلال البريطاني وصولاً إلى مخططات تحويلها إلى مدينة ذات طابع واحد تحت سلطة الكيان الصهيوني الغاصب.

فقد شهد يوم الخميس الماضي 17 كانون الأول 2009 نشاطاً حافلاً اختزن خلاصة الندوة التي تميز يوماها الأولان بمشاركات غنية وفاعلة من شخصيات علمية وفكرية وسياسية بارزة، أغنت المشاركات بالمعلومات الوثيقة والتحليل الدقيق. وقد توزع نشاط اليوم الأخير على جلسات ثلاث تخصص كل منها بمرحلة تاريخية معينة.

الجلسة الأولى: حفظ الهوية الفلسطينية والقدس في العصرين الروماني والإسلامي
تناولت الجلسة الأولى (الصباحية) مواضيع متعددة منها ما له علاقة بحفظ الهوية الفلسطينية، ومدينة القدس كمدينة متعددة الثقافات، وتاريخها في العصر الروماني والإسلامي، وقد ترأس الجلسة الدكتور فاروق الراوي.

افتتحت الجلسة الدكتورة إيمان سكا – جامعة سانت إكسفيير بشيكاغو – بمحاضرتها التي تناولت الحفاظ على تراث الشعب الفلسطيني تحت عنوان «التطريز الفلسطيني: حفظ ونشر التراث والهوية الثقافية الفلسطينية»، حيث تحدثت الدكتورة سكا عن الفلسطينيين المهجرين في مختلف بقاع الأرض مما يجعل جيل الشباب منهم أمام مستقبل لا تراثي، حيث يبدو عرض وحفظ تراثهم الثقافي طريقة مثلى لحماية وحفظ هذا التراث من خلال خلق حس التاريخ المشترك والهوية الثقافية والمعرفة الثقافية لدى جيل الشباب.

أما الدكتور أحمد برقاوي فتحدث في محاضرة فلسفية بعنوان «فلسفة القدس» عن القدس من زاوية معناها الكلي والوصول إلى المعنى الكلي للقدس، مما يعني أن تتحول القدس إلى فلسفة في المعنى تؤسس إلى ممارسة فعلية انطلاقاً من المعنى الحقيقي للقدس.


جانب من الحضور

ثم تلت ذلك محاضرة للمهندسة ريم عبد الغني بعنوان «حلم مقدسي» تناولت فيها رحلتها إلى المدينة المقدسة، وأخرى للدكتور محمد الزين حول الفترة التاريخية التي سبقت دخول المسلمين إلى المدينة المقدسة وظروفها التاريخية والاجتماعية في محاضرة بعنوان «إيليا كابيتولينا، مدينة القدس قبل الإسلام».

ثم تحدث الباحث السوري الدكتور منذر الحايك عن جانب مهم من تاريخ القدس في العصر الأيوبي في محاضرته «تسليم القدس، أسباب ونتائج»، حيث تناول الظروف والملابسات التاريخية التي رافقت تسليم الإمبراطور الجرماني فريدريك الثاني للقدس إلى الملك الأيوبي الكامل وذلك في العام 1229م/626هـ، وتم الأمر بمعاهدة شملت إضافة إلى شروط التسليم إقامة تحالف بين الملكين.

وتناول الدكتور خالد كيوان – المديرية العامة للآثار والمتاحف – الجانب الاقتصادي والنقدي لمدينة القدس في العصر الروماني في محاضرته «نقود مدن الولاية الفلسطينية في العصر الروماني»، حيث كونت فلسطين واحدة من أهم مقاطعات الولاية السورية في القرن الثاني الميلادي بحسب التقسيمات الإدارية في عصر الإمبراطورين هادريان وسبتيموس سيفيروس. حيث منح الروما حق إصدار النقود للمدن السورية لأسباب متعددة منها الاقتصادية ومنها العسكرية.

وختمت الجلسة الدكتورة تغريد شعبان – قسم التاريخ بجامعة دمشق – بمحاضرة تحت عنوان «الموزاييك في القدس»، إذ تمتلك فلسطين تاريخاً حافلاً بالمنجزات الحضارية منذ أقدم العصور حتى الآن، وفي مختلف الجوانب المعمارية والثقافية والفكرية والفنية، حيث ركزت المحاضرة على جانب الفسيفساء التي هي من أهم الفنون وأكثرها ارتباطاً بفن الرسم.

الجلسة الثانية: عمارة القدس والمسجد الأقصى
ركزت الجلسة الثانية برئاسة الأستاذ عبد الكريم علي على الحرم القدسي الشريف وعمارته وتاريخه ودور المسجد الأقصى في التاريخ العربي والإسلامي.

فتناول الدكتور غزوان ياغي – المديرية العامة للآثار والمتاحف – عمارة قبة الصخرة في محاضرته «عبقرية التخطيط والبناء في قبة الصخرة»، حيث تنوع الطراز المعماري للمساجد الإسلامية بين عدة طرز معمارية، إلا أن هناك مسجداً تفرد بعمارته بين مساجد العالم الإسلامي الأخرى هو قبة الصخرة. وتحدث الدكتور ياغي في محاضرته بشيء من التفصيل عن بناء مسجد قبة الصخرة الذي استمر لأكثر من ثمانين عاماً وبدأ بأمر من الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، ثم تطرق إلى خصائصه المعمارية والهندسية والجمالية الفنية.

أما الدكتور علي منصور آل شهاب – أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة البحرين – فتحدث عن تاريخ فلسطين في فجر العصر الإسلامي ومستهله في محاضرة بعنوان «المظاهر السياسية في فلسطين في عصر بني أمية وبين العباس حتى عام 358 هجرية»، حيث كان للعرب صلات قديمة بفلسطين منذ زمن الغساسنة والإيطوريين، قبل أن يدخل المسلمون فلسطين سنة 633م بعد معركة اليرموك ودخول الخليفة عمر بن الخطاب إلى مدينة القدس وتسلم من بطريركها سنة 637م. بعد ذلك تعاقب عليها الخلفاء الراشدون وصولاً إلى الأمويين والعباسيين إلى بني طولون والإخشيديين.

وتناولت الدكتورة نسيبة محمد الهاشمي – قسم الآثار بجامعة بغداد – في محاضرتها «المسجد الأقصى مسرى الرسول (ص) أولى القبلتين وثالث الحرمين» التعريف بمدينة القدس وتاريخها العريق الموغل في القدم منذ استوطنها اليبوسيون سنة 3000 ق.م وصولاً إلى تأسيس المسجد الأقصى الذي أطلق عليه أولاً مسجد عمر ونهاية بوضعه الآن تحت الاحتلال الإسرائيلي الغاصب.

وتحدث الدكتور خالد عزب – مكتبة الإسكندرية بمصر – في محاضرة بعنوان «الحرم القدسي الشريف وترميمات لجنة حفظ الآثار العربية» عن المنشآت المعمارية الإسلامية التي يضمها الحرم القدسي الشريف ومنها قبة الصخرة، والمسجد الأقصى القديم، وعدد من الأسبلة والقباب التي بنيت في فترات تاريخية مختلفة، بالإضافة إلى عدد من المآذن والعناصر المعمارية الأخرى من منابر ومحاريب ومدارس.

وتطرقت الدكتورة غيداء خزنة كاتبي – الجامعة الأردنية بالأردن – في محاضرتها «القدس في الروايات التاريخية» إلى الروايات المدنية، الشامية، الكوفية التي تحدثت عن مدينة القدس وتاريخها، والتي تدل على مكانتها الكبيرة عند العرب والمسلمين.


جانب من الحضور

أما الدكتور وائل الرشدان – جامعة اليرموك بالأردن – فاختتم الجلسة بالحديث عن المسجد الأقصى من وجهة نظر معمارية تاريخية في محاضرته «إعمار المسجد الأقصى في الفترة الإسلامية المبكرة دراسة تاريخية معمارية» والتي تقصى فيها جمع وتحليل المعلومات التاريخية والأثرية والمعمارية التي تناولت إعمار المسجد الأقصى في الفترات الإسلامية المبكرة، والإصلاحات التي تلتها في الفترات العباسية والفاطمية.

الجلسة الثالثة: تاريخ القدس في العصور الإسلامية والحديثة
وكانت الجلسة الختامية في فعاليات اليوم والمؤتمر غنية بمحاضراتها ونقاشاتها، حيث تناولت الجلسة برئاسة الدكتور خالد عزب تاريخ القدس من أوجهه المختلفة - سياسياً ودينياً وفكرياً – والأحداث التي شهدتها فلسطين في العصر الحديث في ظل الحكم العثماني والاحتلال البريطاني.

فتناولت محاضرة الدكتور سهيل زكار – قسم التاريخ بجامعة دمشق – تاريخ القدس الممتد من العصور القديمة إلى الفتح الإسلامي، وذلك تحت عنوان «القدس من الاحتلال الساساني حتى الفتح العمري الإسلامي»، حيث تحدث الدكتور زكار عن القدس في عهد الإمبراطور الروماني هرقبل وحروبه مع الفرس، وانتشار الإسلام في فلسطين وصولاً إلى دخول الخليفة عمر بن الخطاب إلى المدينة، والعهدة العمرية التي تم بموجبها تسليم المدينة المقدسة إلى الخليفة عمر من قبل سكانها.

أما الأستاذ معن صلاح الدين علي – عضو الأمانة العامة لاحتفالية القدس عاصمة الثقافة العربية من سورية – فتناول الجانب الديني للمسألة في محاضرته «(القدس في القرآن) مشكلة القدس دينية أكثر منها مسألة أرض» أكد فيها أن مشكلة أولى القبلتين كانت ولا تزال مشكلة دينية أكثر منها مسألة أرض.

واتجه الدكتور حسن المبيض – كلية الآداب في الجامعة اللبنانية – إلى تناول تاريخ الفكر الصهيوني وتناوله لمسألة القدس كما نجد في محاضرته «من الذي وجه الفكر اليهودي نحو فلسطين؟» بدءاً من حركة الإصلاح الديني في أوروبا، ثم سعي فرنسا لتحقيق المشروع الاستيطاني الذي كان يفيدها في سياستها لتجزئة الولايات العربية الشرقية، وصولاً إلى الدور الأوروبي في تشجيع الاستيطان الاستعماري الصهيوني في فلسطين ودور بريطانيا الأساسي في تحقيق ذلك على أرض الواقع.

وانتقل الدكتور محمد هشام النعسان – معهد التراث العلمي العربي بجامعة حلب – إلى التراث العربي الإسلامي الذي تناول القدس في توثيقه لهذه المدينة المقدسة عند المسلمين وغيرهم، إذ تناول في محاضرته «أبي عبد الله المنهاجي السيوطي ومنهجه في إتحاف الأخصا بفضائل المسجد الأقصى» تحقيقه لهذا الكتاب الهام لمؤلفه أبي عد الله المنهاجي السيوطي الذي توفي عام 880هـ، وما قدمه الكتاب من وصف ما لم تصفه الكتب الأخرى، وذلك بهدف إمكانية الاستفادة من هذا الكتاب الهام في تأريخ القدس والمسجد الأقصى.

وفي نقلة إلى تاريخ فلسطين في العصر الحديث، تحدث الدكتور عبد الحكيم الطحاوي – جامعة الزقازيق بمصر – عن تاريخ فلسطين في نهايات العهد العثماني، في محاضرة هامة بعنوان «موقف السلطان عبد الحميد الثاني من المشروعات الصهيونية في فلسطين»، حيث بين المحاضر رفض السلطان عبد الحميد القطعي للمشروع الصهيوني في إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين رغم الإغراءات التي قدمها له زعيم الصهيونية تيودور هرتزل آنذاك، والتي رفضها السلطان عبد الحميد بكل قوة.

وتناولت الدكتورة خيرية قاسمية – قسم التاريخ بجامعة دمشق - تاريخ فلسطين في القرن التاسع عشر في محاضرة توثيقية هامة بعنوان «قراءة في الوثائق البريطانية المتعلقة بالقنصلية البريطانية في القدس في عهد الإدارة المصرية 1838-1840» حيث لم تعد الأطماع الصهيونية في فلسطين آنذاك مجرد فكرة مثالية، بل تحولت إلى مشروع عملي قامت الحركة الصهيونية العالمية بالإعداد له، مستعينة بالأدوار الخطيرة التي كانت تلعبها في دوائر صنع القرار الغربي الذي كان يتحكم بالعالم العربي والإسلامي في تلك الفترة.

أما الدكتورة بشرى خيربك فتحدثت عن فترة الانتداب البريطاني لفلسطين ووعد بلفور ومقاومة الشعب العربي الفلسطيني لهذا المشروع الصهيوني في محاضرة بعنوان «دور الوقف المغربي في ثورة البراق عام 1929»، وتحدثت الدكتورة خيربك عن حائط البراق الذي يشكل جزءاً من الخائط الغربي للحرم الشريف في القدس، والذي تعتبره الأوساط الصهيونية «حائط المبكى» الذي يشكل جزءاً من الهيكل المزعوم، وانتفاضة الشعب العربي الفلسطيني في 3 آب 1929م في وجه المحاولات اليهودية للاستيلاء عليه في حركة دعيت باسم ثورة البراق.

وكانت المحاضرة الأخيرة في الجلسة والندوة للدكتور محمد حبيب صالح بعنوان «القدس من التدويل إلى التهويد (1947-2009)» تتبع فيها الإجراءات التي اتخذتها وتتخذها السلطات الصهيونية في المدينة المقدسة منذ قرار تدويل القضية الفلسطينية سنة 1947 وصولاً الإجراءات التعسفية التي تتخذها هذه السلطات اليوم لتحقيق هدفها بسلخ القدس بصورة نهائية عن محيطها العربي والإسلامي.

وتلا الجلسة الختامية للندوة تكريم للمشاركين في الندوة والقائمين عليها وحفل ختامي، تم بعده عرض توصيات المؤتمر التي تشدد على أن القراءة الصحيحة للتاريخ وفقاً لمعطيات علم الآثار والحقائق التي يكتشفها تبقى أمضى سلاح لإعادة الحقوق لأصحابها.


محمد رفيق خضور
تصوير: عبد الله رضا

اكتشف سورية

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق