تل حبوبة الكبيرة

يقع تل حبوبة الكبيرة على الضفة اليمنى لنهر الفرات الأوسط، على بعد 80 كيلومتراً تقريباً إلى الشرق من مدينة حلب، وتبلغ مساحته 18 هكتاراً وارتفاعه تسعة أمتار.

ويعتقد أن مدينة هامة ازدهرت في هذه البقعة في الألف الرابع قبل الميلاد، وأنها لعبت دوراً تجارياً هاماً على الطريق بين بلاد ما بين النهرين وشواطئ المتوسط والأناضول، وتدل الدراسات أنها لم تعمر أكثر من قرن ونصف القرن تقريباً، مما يرجح الاعتقاد بأنها مستوطنة سومرية، اختفت بسبب كارثة أو حريق أتى عليها، لتبقى آثارها إلى جانب المدن السومرية الغارقة في القدم كالوركاء وغيرها، دليلاً على التطور العمراني والحضاري الذي ساد في مختلف أرجاء الشرق القديم في نهاية الألف الرابع قبل الميلاد.

بدأت أعمال الحفر والتنقيب في الموقع عام 1969م، إثر الحملة الدولية لإنقاذ منطقة غمر الفرات، على يد بعثة تابعة للجمعية الألمانية للاستشراق، بإدارة إيفا شترومنغر، واستمرت إلى العام 1976م في تسعة مواسم، وكانت نتائج الحفريات غاية في الأهمية.

وقد كشفت التنقيبات عن المدينة المزدهرة التي قامت في ذلك العصر والتي بقيت محفوظة جيداً، وتزودنا هذه التنقيبات بمعلومات غاية في الأهمية عن نظام العمارة والتحصين في ذلك العصر. تم بناء المدينة وفق مخطط مسبق تألف من شبكة الشوارع الرئيسية والفرعية، وهناك شارعان كبيران موازيان للفرات، يقطعان المدينة من الشمال إلى الجنوب. وعلى امتداد الشوارع قامت الأبنية المشيدة وفق الطراز المعروف بـ"ثلاثي العناصر" المؤلف من صالة رئيسية في الوسط يقوم على جانبيها صفان من الغرف الصغرى، وهو طراز معروف في بلاد الرافدين أيضاً. وهناك نمط آخر أطلق عليه اسم "البيت الشرقي" يتألف من صالة رئيسية تطل على صحن دار داخلي. شيدت المساكن بقطع اللّبن المجففة تحت أشعة الشمس، وكسيت جدرانها من الخارج والداخل بطبقة طينية، وكانت أسقفها شبه أفقية، تتألف من حصيرة من القصب وأوراق وأغصان النباتات النهرية، وتعلو الحصيرة طبقة من الطين، حمل السقف فوق عوارض خشبية.
يحيط بالمدينة سور دفاعي من جميع الجوانب عدا الشرق حيث نهر الفرات، وقد بُني السور بشكل مزدوج من الطين، وبلغ عرضه ثلاثة أمتار وطوله نحو 600 متر، تعلوه أبراج موزعة بانتظام، وتخترقه بوابتان كبيرتان تقودان إلى داخل المدينة. بلغت المساحة المشغولة بالسكان 20000 متراً مربعاً من مساحة المدينة الإجمالية البالغة 18 هكتاراً، وقدر عدد سكانها بستة إلى ثمانية آلاف نسمة. وكشفت التنقيبات عن منشآت مختلفة، كأقنية جر وتصريف المياه والمشاغل والمستودعات والمواقد والأفران وغيرها.

اكتشف المركز الديني والإداري لمدينة حبوبة في الجزء الجنوبي من المدينة في المرتفع المسمى تل قناص، حيث كُشف عن ثلاثة معابد كبيرة بُنيت وفق الطراز الثلاثي العناصر، وزخرفت بأحجار متباينة الألوان، وفسيفساء على النمط المعروف في مدينة الوركاء. كما كشفت التنقيبات عن آثار عديدة ومتنوعة، بينها الأواني الفخارية المختلفة الأشكال والوظائف ولاسيما تلك المسماة "الآنية الناقوسية"، والأواني الحجرية الجميلة والأدوات النحاسية والدمى والأحجار الكريمة والحلي والقوالب والأختام الاسطوانية وغيرها. ولكن أهم المكتشفات تكمن في اللوحات الطينية التي تحمل أشكالاً ورموزاً، تعتبر أبكر أنواع الكتابة التصويرية، التي شكلت الحد الفاصل بين عصور ما قبل التاريخ والعصور التاريخية القديمة.


Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق