إسرية

إسرية Esserye مدينة قديمة في بادية الشام من العصر الروماني، واسمها القديم سيريان Syrian، وسيريانا Siriana. وتقع في بادية حماة الشرقية، إلى الشمال الشرقي من مدينة حماة، التي تبعد عنها حوالي 100كم، كما تبعد عن مدينة سلمية قرابة 90كم نحو الشرق. وقد خرّبت هذه المدينة، وطُمرت أنقاضها، ولم يبقَ ناهضاً منها سوى جزء من معبدها، وهو حجرة التمثال. ويعتقد أن المدينة كانت محطة للقوافل التجارية، التي تمر بالبادية السورية من الشمال إلى الجنوب وبالعكس، ولم يبقَ قرب خرائبها سوى قرية بدوية صغيرة قامت قرب خربة إسرية الأثرية، ويُطلق سكانها على المعبد اسم قصر إسرية.

أهم ما تبقى من هذه المدينة هو المعبد (أو حجرة التمثال من المعبد)، وقد بنيت من الحجارة الكلسية المشذّبة، ويتألف من ثلاثة طوابق، ويقع مدخله من جهة الشرق، حيث يعلوه ساكف مزخرف، فوقه قوس نصف دائري مزخرف أيضاً، وعلى يمين الداخل ما يشبه البرج، في جوفه درج ينتهي إلى سقف حجرة التمثال، إلا أن هذا البرج لم يسلم من عوادي الزمن ولم يعد له وجود.

تم سبر منطقة المعبد، ونقّبت فيها بعثة معهد الآثار الألماني بدمشق، وأشرفت عليها المديرية العامة للآثار والمتاحف، إبّان المواسم 1991 و1992 و1993 و1994، وانتهت إلى أن الجزء الأساسي من أبنية السكن المرفوعة تألف من مساحات واسعة، توسط كلاً منها باحة، ولم من أساسات البناء إلا مدماكان من حجر غشيم (غير مستوي)، ينهض فوقها جدران طينية زال أو تهدم معظمها، ولعل هذا النمط السكني كان خاصاً بالمزارعين، وتخلف الأبنية في مركز المدينة عن أطرافها، ذلك أنها بنيت من الآجر، يكسوها بعض الرخام، ولعلها كانت خاصة بالتجار والحرفيين. وترجع قطع الخزف والفخار المتناثرة في أرجاء المدينة إلى الحقبة بين القرنين الرابع والسادس الميلاديين، مما يدل على كثافة السكان، أما أقدم القطع الخزفية "السجلاتا" (أي الأواني المختومة) فترتد إلى القرن الأول قبل الميلاد، وقد عُثر عليها في منطقة الحصن الذي يقع قريباً من مركز المدينة.

كشفت بعثة التنقيب عن بعض الأجزاء الخارجية للمعبد، وانتهت إلى أن ثمة ثلاث سويات متدرجة من الحجارة، يرقد تحتها السرير الصخري في الجهة الغربية من المعبد، كما استبانت أجزاء الجدار الشمالي من بهو المعبد، وأجزاء من جداره الجنوبي، على أن نهايات هذه الجدران لم تكتشف بعد وإن كانت بقاياها توحي بأن البهو كان عميقاً وواسعاً. ومن جملة الاكتشافات قبو أقيم فوق السرير الصخري مباشرة، إلا أن مدخله لم يعرف بعد. وقد أزيل بهو المعبد المتصل بحجرة التمثال إزالة تامة، ونهض في موضعه بناء آخر بطراز إسلامي، وليس ثمة ما يثبت أن المعبد قد استخدمته الكنيسة في العهد البيزنطي.

وقد أسفرت أعمال التنقيب خلال موسم عام 1993 عن كشف تمثال برونزي هام للإله أبولو، وهذا يرجح أن يكون المعبد لأبولو أو للرب الشرقي الذي كرس له، فهذا التمثال هو الدليل الوحيد عن الرب الذي كان المعبد مشيداً له، كما أن معطيات أثرية أخرى، رجحت إمكانية أن يكون المعبد في إسرية من النوع الخاص بمهابط الوحي والتنبؤ.

كذلك وجدت أرضيات من العصور الوسطى، وهي عبارة عن بيوت بشكل خلايا نحل، كما تم الكشف عن الجزء الخارجي من هيكل المعبد حتى الحافة العلوية للأساس، في حين تم كشف داخله حتى مستوى السبر الأثري. ظهرت أثناء ذلك أساسات عضادات داخلية تحيط بالهيكل كله، ويدل أساس مقوى عند الجهة الخلفية على وجود أديتون (حجرة الصنم) عندما تم تعديل الغرفة فيما بعد لتصبح منشأة بجناحين. وتعطي قواعد الأساس وقواعد العضادات المنهارة صورة عن هذا الوضع اللاحق، وكذلك يدل عليه وجود ثقوب تثبيت في جدران حجرة الصنم، تعود إلى سقف تابع له. كما تم الكشف عن غرفتي قبو متوضعتين خلف حجرة الصنم عرضانياً ومتصلتين فيما بينهما بممر. وتتوضع في تلك الأقبية القطع المعمارية التي تعطي معلومات عن عمارة البهو. ولا يعرف من أمر ببناء هذا المعبد مباشرة، إلا أنه من السهل التصور أنه جمعية وافرة الثراء نتيجة تجارة معينة. أما بشأن التأريخ فلا يمكن معرفته إلا من خلال دراسة الكسرات الفخارية، وتحليل نقوش البناء التي دلت حتى الآن على أنه من الزمن الأنطونيني والزمن السيفيري (بين مطلع القرن الثاني وأول القرن الثالث الميلادي).


Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق