مناقشة مركزة لتاريخ القدس على ضوء الحقائق الآثارية

20 12

في اليوم الثاني من ندوة القدس في التاريخ

شهد اليوم الثاني من ندوة «القدس في التاريخ» طاولة مستديرة اشترك فيها عدد من أهم العلماء المتخصصين في حقل الدراسات التاريخية والآثارية التي تتناول فلسطين القديمة، وقد تميزت الطاولة المستديرة بنقاش واسع ومداخلات توضيحية من قبل السادة الباحثين حول تاريخ القدس القديم وانسجام ما عرف عنه من حقائق مع الحقائق الآثارية المعروفة حتى الآن والتي تظهر عدم تطابق مع المعرفة السائدة عن تلك الحقبة.

وقد ترأس الطاولة المستديرة عصر يوم الأربعاء 16 كانون الأول 2009 الدكتور عمار عبد الرحمن – رئيس مركز الباسل للبحث والتدريب الأثري – الذي افتتح الطاولة بالترحيب بالحضور والاعتذار عن حضور الدكتور كيث وايتلام لعدم قدرته في المجيء إلى سورية واعتذار الدكتور إنغريد هيجلم عن الحضور بسبب وعكة صحية.

ثم تحدث الدكتور عمار عبد الرحمن عن جلسة اليوم التي تتناول موضوعاً في غاية الأهمية يتعلق بالدراسات الكتابية (أو التوراتية) التي تتناول تاريخ القدس القديم، حيث أن الكثير من الدراسات تم القيام بها انطلاقاً من مرجعية سياسية لذا كان لا بد من فهم خلفية هذه الدراسات (التوراتية) وكيف نشأت وما هو دورها الحالي، كل ذلك على ضوء التنقيبات الأثرية الحديثة التي تظهر فجوة كبيرة بين اللقى الأثرية وما يتم صياغته من تاريخ. كما شدد الدكتور عبد الرحمن على ضرورة أن نبقى متابعين لما يقوم به علم الآثار التوراتي الجديد، والمسارات الجديدة التي يمكن يتخذها لما لذلك من تداعيات سياسية قد تكون خطيرة على هذا الصعيد.

ورحب الدكتور عمار عبد الرحمن بالأستاذين المحاضرين الدكتور توماس تومسون والدكتور فيليب دافيس.

نبذة عن محاضرتي وايتلام وهيجلم:
ورغم عدم حضور المحاضِرَيْن الدكتور كيث وايتلام والدكتورة إنغريد هيجلم فقد كان لمشاركتها أهمية تنبع من الموقع الذي يحتله كل منهما في لوحة الدراسات الآثارية المتعلقة بتاريخ فلسطين القديم.

وقد كانت ورقة الدكتور كيث وايتلام – جامعة شيفيلد في بريطانيا - والتي جاءت بعنوان «توقعات كبيرة: جيروساليم وعلم الآثار الإنجيلي الجديد» ستتحدث عن علم الآثار الإنجيلي ونظرته للمكتشفات الأثرية الجديدة في جيروساليم مثل: نقش يهوآش وقصر الملك دافيد أو الأختام العديدة والقطع الأخرى. وكيف أن هذه المكتشفات سواء المختلقة منها أو الحقيقية تخضع لسياق من ترسيخ صورة خاصة لماضي المدينة المقدسة تنحو لفائدة نظرية محددة ترسخت بعمق في الذاكرة الغربية.

أما محاضرة الدكتور إنغريد هيجلم – جامعة كوبنهاغن في الدانمارك - التي قرأها الدكتور فيليب دافيس والتي جاءت بعنوان «عندما يصبح الحلم حقيقة: القدس في العصرين الهيلليني والروماني» فتتحدث عن الفتح البابلي ليهوذا في بداية القرن السادس قبل الميلاد الذي دمر المملكة وتركها بلا سكان، حيث لم يغير تولي الفرس السلطة عام 539 ق.م الظروف كثيراً. بينما بقيت جارتها الشمالية (السامرة) في حالة سلام، ولم يكن هناك أي تعاون مع جارتها الجنوبية. وبالتالي فهناك دليل واحد مشكوك فيه على وجود معبد من قبل الكاتب اليهودي يوسف فلافي (فلافيوس جوزيفوس) من القرن الأول قبل الميلاد. حيث تربى الكتاب اليهود منذ ذاك على أفكار الاستقلال و«الأرض الموعودة» في سياق سياسي واضح لا يستند على أسس على الأرض.

الدكتور توماس تومسون وما قبل الفترة الهيلينية في القدس:
ابتدأ الطاولة الدكتور توماس تومسون في محاضرته «ما نعرفه وما لا نعرفه عن ما قبل الفترة الهيلينية في القدس» والتي تحدث فيها قائلاً: «إن إحدى ردات الفعل على التنقيبات الحديثة في الجانب الشرقي الجنوبي للمدينة القديمة، على قمة جبل أوفيل والتي تم تفسيرها بأنها قصر الملك داوود، كان نشوء جدال كبير قد يستمر للعديد من السنوات القادمة، يعتمد على أن الملك داوود وجد حقاً».

وتابع الدكتور تومسون محاضرته قائلاً: «إن هذا الجدار الذي تم الكشف عنه إبان تنقيبات تعود لعشرينات القرن العشرين الماضي يعود في الحقيقة إلى العهد الهلنستي، حيث أن جدرانه واللقى الآثارية تعود بشكل شبه مؤكد إلى العصر البرونزي الأوسط وصولاً إلى الفترة الهيللينية المبكرة. وبالتالي فإن الادعاءات السابقة تشكل تفسيراً نمطياً للاستخدام السياسي لعلم الآثار وهذا لا يفاجئنا».

وأكمل الدكتور تومسون: «هناك فجوة بين العصرين الحديدي والبرونزي في تاريخ القدس الأثري، وفجوة في الفترة الواقعة بين تدمير نبوخذ نصر الثاني للمدينة وإعادة بنائها في العهود اللاحقة. وسوف أعرض التنقيبات وطبيعة المعلومات التاريخية التي يمكن تحديدها حول الاستيطان في المدينة. فبعد 140 سنة من الاكتشافات الأثرية، يمكن أن أحدد أربع فترات رئيسية هي: العصر البرونزي الأوسط، العصر البرونزي المتأخر، الانتقال بين العصر البرونزي المتأخر والعصر الحديدي الثاني، والفترة الطويلة التي يحددها دمار سويات عصر الحديد الثاني لمباني القرن الثاني في المدينة الهيللينية».

وتابع الدكتور تومسون: «لم يتمكن الآثاريون في الفترة ما قبل الهيللينة من تحديد تصور واضح عن المدينة القديمة. ومع ذلك فإن تاريخ المدينة يعكس على نحو وثيق أنماط الاستيطان في المناطق الفلسطينية السبعة في تلك الفترة. فقد كانت المدينة سيئة للاستيطان بشكل عام، وذلك من منظور التربة والمناخ والمياه والموقع التجاري، والذي ينظر لها في تلك الفترة، يصعب عليه التوقع في أن تتطور مدينة كبيرة في العهود القديمة في ذلك المكان، حيث أن هناك احتمالات محدودة لتطور الزراعة والوصول لمصادر المياه. وبالتالي فإن هناك بقايا محدودة تعود للعصر الحجري القديم والأوسط، كما أن هناك مستوطنات قريبة من منابع المياه في العصر الحجري الوسيط تم التخلي عنها في العصر البرونزي حوالي 300 ق.م. كما تم اكتشاف عدد من المقابر بالقرب من القدس وحولها تعود للعصر البرونزي الوسيط، ومن الواضح أن هناك فترة طويلة من الجفاف، حيث ساد في المنطقة رعي الأغنام والماعز».

وأكمل الدكتور تومسون في محاضرته: «هناك ما يشير إلى انعكاس ذلك في النصوص التوراتية والتي تفسر المستوطنات بغزو الأموريين وترتبط بالقصص التوراتية عن الأنبياء إبراهيم وإسحاق ويعقوب حوالي 2000 ق.م ويظهر ذلك في تسميات بلدات فلسطينية تم العثور عليها في نصوص اللعن المصرية التي اكتشفت في جبل أوفيل، ولكن هذا يعكس نوعاً من التناقض حيث أن نصوص اللعن كتبت بين عامي 1770-810 ق.م كما أن الأموريين لا يعكسون جماعية عرقية معينة أتت من بلاد الرافدين».

وقال الدكتور تومسون: «هناك اتفاق على أن المدينة المسورة من عصر البرونز الأوسط والتي أشير إليها في نصوص اللعن المصرية باسم أوروشالوموم هي مدينة رشاليم القديمة، وتعني الكلمة بالمصرية مدينة الإله سالم وهو الاسم الذي عرف به القسم الغربي من المدينة، حيث كانت هناك مياه تكفي لحوالي 2000 شخص، مما يعكس بلدة للتسويق المركزي لاقتصاد البحر المتوسط، ويغلب عليها رعي القطعان وزراعة الزيتون والفواكه على المرتفعات الغربية، وتحكم من قبل نظام رعاية في الأراضي الشمالية من إقليم يهوذا. كما تحتوي رقيمات تل العمارنة في مصر رسائل من ملك أورشاليم في العصر البرونزي المتأخر تشير إلى وجود بلدة رعوية تسيطر على أراضي فلسطين الجنوبية. ومع ذلك، لم تستطع التنقيبات على جبل أوفيل حتى الآن أن تثبت وجود مثل هذه البلدة في منطقة القدس وعلى الأغلب فإن هذه البلدة قد انتقلت إلى مكان آخر في المنطقة في العصر البرونزي الأوسط، حيث استمرت حالات الجفاف وامتدت إلى العصر البرونزي مما زاد من عدم الاستقرار وانهارت المستوطنات في معظم المناطق المرتفعة، وتحولت البيئة المستقرة إلى جوار ينابيع المياه وتم التخلي عن المرتفعات».

وتابع الدكتور تومسون: «إن البقايا التي وجدت في جبل الزيتون وشمال بوابة دمشق (بقايا معبد مصري) تشير إلى أن أوروشاليم كانت مدينة صغيرة محصنة في المرتفعات الجنوبية، وكانت مسؤولة عن الحفاظ على المصالح المصرية في المنطقة. وبالتالي فهي ليست في محيط مدينة القدس الحالي، حيث كان انتقال الأسماء والمدن في العصور القديمة أمراً معروفاً ومتكرراً».


الدكتور توماس تومسون

وأكمل الدكتور تومسون: «في العصر الحديدي الأول لم يكن هناك أية بلدة على جبل أوفيل، وبالتالي يصبح الحديث عن فتوحات الملك داوود أمراً غير مثبت، ولم يكن هناك مملكة يهودية موحدة في القدس ولا حتى مدينة تجارية. وجل ما تم اكتشافه هو مصطبة حجرية مدرجة تدعم طبقة صغيرة تحت حرم ما يعتقد أنه منزل أو قصر يعود للقرن العاشر قبل الميلاد. أما في الفترة اللاحقة على امتداد عصر الحديد الثاني فهناك توسع لمدينة أوروشاليمو على الهضبة الغربية للقدس يبدو أنه يعكس سيطرة المدينة على الأراضي الجنوبية لفلسطين، حيث تظهر النصوص الآشورية من القرن التاسع قبل الميلاد على أن المدينة كان لها سور يدافع عنها ولكن ليس هناك إشارة على أنها مركز إداري. وقد أتى تدمير مدينة لاكيش (701 ق.م) من قبل الملك الآشوري سنحاريب إلى توسع دور أوروشاليمو مما قاد إلى توسعها العمراني حتى أواسط القرن السابع قبل الميلاد».

ووصل الدكتور تومسون إلى خلاصة محاضرته بالقول: «لكل ذلك لا أعتقد بالهجرة من سومر إلى المناطق اليهودية، فليس هناك تاريخي لقدس مستقلة في تلك الفترة. كما لا أنه لا توجد إشارة لوجود مستوطنات حتى أواسط القرن الخامس، وحتى عند العودة المزعومة من بلاد فارس، فقد نقص عدد سكان منطقة يهودا التي لم تكن تتجاوز مساحتها 150 دونماً، من حوالي 10-15 ألف نسمة إلى 400-1000 نسمة، ولا دليل على وجود جدار للمدينة مع أو بدون بوابات. ولم تصبح المدينة مركزاً إدارياً كبيراً إلا في عهد أنطيوخوس الثالث. وبشكل عام تشير الفترة الفارسية إلى مستوطنات صغيرة في منطقة تمتد على مساحة 20-50 دونماً، وهناك فجوة مفاجئة لانخفاض عدد السكان. إن ما لدينا هو وجود أدلة على وجود يوروشليم كمدينة مقدسة آرامية، وعلى وجود حصن مصري طلب من يوحانان الكاهن الأعلى في يوروشليم المساعدة في بناء معبد لليهود، فأورشليم كانت مركزاً دينياً وكلمة هيكل (مكان مقدس، معبد) لا تشير بالضرورة مكاناً كبيراً كما ذكر بشكل مفصل في التوراة».

وأنهى الدكتور تومسون محاضرته بالقول: «لا أدلة حقيقية على عودة من المنفى بعد دمار أوروشاليمو في القرن السادس ويدل على ذلك أنماط الاستيطان في تلك الفترة، أما يوروشليم في العهد الفارسي فقد كانت مدينة دينية غير محصنة لليهود وغيرهم».

وتلا المحاضرة نقاش مفصل حول بعض الحقائق والمصطلحات التي تناولها الباحث، حول جغرافية التوراة وتعريفه للأموريين ونظريته حول التغير المناخي أجاب عنها بتفصيل كبير.

الدكتور فيليب دافيس والفترة البابلية الحديثة:
ثم تحدث الدكتور فيليب دافيس – جامعة شيفيلد في بريطانيا - في محاضرة قيمة بعنوان «الفترة البابلية الحديثة» عن فترة من أكثر الفترات إشكالية في تاريخ فلسطين القديم والتي تتحدث عن دمار المدينة القديمة وسبي سكانها، وعن مدى صدقية فكرة العودة إلى أرض أورشليم المقدسة.

الدكتور فيليب دافيس

وتحدث الدكتور دافيس في محاضرته قائلاً: «هناك فترة من التاريخ في عصر الحديد لم يذكر فيها أي شيء عن جيروساليم في النصوص المقدسة. مما أعطى الانطباع بأنه عند قدوم الحكومة الجديدة في إقليم يهوذا وتأسيسها في ميزباه هرب بقية السكان إلى مصر تاركين الأرض فارغة، ثم تدور القصة حول عودة المتحدرين من يهوذا وإعادة بناء المعبد في جيروساليم. ولكن هذه القصة وفقاً للمكتشفات الأثرية والحقائق التاريخية تبدو مربكة ومشوشة وغير متينة وخاضعة بقوة للنقد العميق».

وأكمل الدكتور دافيس: «لقد استولى نبوخذ نصر على سورية عام 609 ق.م وفي سجلات هذا الملك الآشوري ثار ملك يهوذا الموالي لمصر ضد الملك البابلي مما أدى إلى تدمير المدينة وسبي هذا الملك إلى بابل مع كثير من اليهود، كما أن هناك في العهد القديم ذكراً لثورة أخرى عام 586 ق.م أدت إلى سبي آخر، حيث نقلت إدارة المنطقة إلى مدينة ميزباه (تل النصبة)، وبالتالي فقد كوفئ حكام المنطقة الشمالية من بني بنيامين من قبل البابليين بإعطائهم حق إدارة تلك المنطقة».

وتابع الدكتور دافيس: «ورغم الأدلة الأدبية فقد أظهرت التنقيبات انتقال سكان القدس بعد تدميرها شمالاً. وعلى مدى حوالي قرنين لم تكن القدس أهم مدينة في فلسطين بل مدينة مدمرة، وقد دار حول هذه الحقيقة الكثير من الأساطير التوراتية وإحداها النفي والعودة والأرض التي فرغت من سكانها والأرض الموعودة. حيث نظر اليهود إلى التاريخ على أنه تاريخهم فقط، وأن ما حدث كان عقاباً من الله للحكام، أما السبي فيسمى من قبلهم "النفي" وكأن الأرض لهم فقط، وعن هذا أقول أن السبي في الفترة البابلية والفارسية كان دائماً وليس مؤقتاً ولا أدري من أين أتى الاعتقاد بأنهم سيعودون. إذ لا دلائل على وجود أية عودة بل ربما تسرب بطيء لبعض المهاجرين إلى جنوب فلسطين كما يظهر المسح الأثري للمنطقة في منتصف القرن الخامس إلى الرابع قبل الميلاد».

وأوضح الدكتور دافيس فكرته قائلاً: «هناك من عادوا وليسوا من اليهود، ولكن الأسطورة تقول بأن معظم اليهود تم نفيهم إلى بابل ويتجاهلون من بقي في هذه الأرض، وهكذا تسود الأسطورة بأن أمة بأكملها نفيت وعادت مبعدين من بقي في الأرض من هذه الأمة. وتالياً أخذ حتى من بقي من يهوذا يشارك في ذكريات النفي رغم أنهم لم يعيشوه حيث أصبحت خرافة النفي والعودة جزءاً راسخاً في الذاكرة الجمعية والهوية اليهودية وحتى جزءاً من الذاكرة الغربية. ومن لم يعد منهم إلى فلسطين أو هاجر لأسباب اقتصادية مثلاً أصبح يطلق عليهم اسم المنفيين، وبعد طرد اليهود والمسيحيين من القدس بشكل نهائي من قبل الإمبراطور الروماني هادريان ترسخت خرافة النفي والعودة هذه بصورة كبيرة».

وأكمل الدكتور دافيس: «إن التوراة نفسها تذكر أن بعض الناس بقوا في الأرض لممارسة الزراعة ورعي الماشية، فقد استمرت الحياة في فلسطين ولم تتوقف، ومن بقي في فلسطين أخذت منهم الروايات الأسطورية لغتهم وهويتهم أيضاً واعتبروا غير يهود».

وتابع الدكتور دافيس: «يظهر المسح الأثري أن عدد سكان القدس بدأ يزداد في القرن الخامس قبل الميلاد وربما بني معبد فيها (رسائل أنطوني لكاهن المدينة) وربما استخدمت المدينة كمزار أو مصلى، وقد تحدث المؤلف اليوناني هيتاتيوس عن القدس كمدينة لليهود (عام 300 ق.م)، كما يتحدث كتاب يعود لعام 100 ق.م عن طائفة يهودية في القدس، وربما كان يوجد معبد في المدينة، ولكن لو كانت عاصمة لبني فيها قصر أو قلعة ولاكتشفت آثارهما. هناك بعض الأدلة في نهاية القرنين الرابع والخامس قبل الميلاد تدل على أساسات سكن وربما حدثت عودة تدريجية بطيئة للمدينة في تلك الفترة».

وأكمل الدكتور دافيس: «يبقى السؤال، أنه إبان تدمير القدس أين مارس اليهود طقوسهم الدينية، باعتقادي أن هذا المعبد يقع في الشمال في منطقة بني بنيامين وربما لم يكن لليهود فقط بل لمختلف الطوائف الدينية في ذلك الوقت. إذ لا بد أن ندرك أن فلسطين لم تكن أبداً لعرق أو دين واحد، ويعتقد أن المعبد خضع لسلطة المجتمع الشمالي الذي تحول لاحقاً لبلدة بيت لوميا (إسرائيل) في القرن السابع قبل الميلاد، وقد دعيت سومرية وعندما انهارت حل محلها عدة ممالك أخرى، أما في الجنوب فقد ظهر مجتمع في منتصف القرن الثامن قبل الميلاد دعي باسم في نص آشوري وبعد ذلك لا نعرف أي شيء محدد عنه، إذاً متى ظهرت فكرة أن شعب يهوذا جزء من أمة إسرائيل؟ أعتقد أن هذا بدأ في فترة الحكم البابلي بعد تدمير أورشليم، ولا أرض لدولة إسرائيل موحدة، بل كانت هناك مجموعة من الممالك المنفصلة».

وتابع الدكتور دافيس موضحاً فكرته النهائية: «إن ما يدعى إله إسرائيل كان في مزار يدعى بيت إيل، ولمدة مئة عام كان شعب يهوذا يعبد إله إسرائيل منذ ذلك التاريخ، وهكذا فإن إسرائيل هو مفهوم ديني إذ اشترك شعب يهوذا مع شعب سومرية في بعض النصوص (أسفار موسى الخمسة) وأخذ شعب يهوذا يعتبرون أنفسهم أبناء يعقوب كجالية دينية وسياسية تحولت فيما بعد إلى ما يسمى شعب إسرائيل في اختلاق لتاريخ غير موجود. أي أن تدمير القدس أدى لاختلاق خرافة أمة إسرائيل وأرض إسرائيل التي تغطي كامل فلسطين».

وتلا المحاضرة نقاش موسع للأفكار والمفاهيم التي استعرضت فيها وتوضيح لبعض التفاصيل والمصطلحات التي وردت.

ويبقى القول أن الطاولة المستديرة كانت غنية جداً سواء بالمعلومات والطرح المقدم أو بالنقاش الذي استتبعها والذي أداره باقتدار الدكتور عمار عبد الرحمن رئيس الجلسة.


محمد رفيق خضور
تصوير: عبد الله رضا

اكتشف سورية

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق