القدس في التاريخ في اليوم الأول

17 12

تابعت ندوة «القدس في التاريخ» فعالياتها إثر افتتاح الندوة بحضور الدكتور رياض نعسان آغا وزير الثقافة والدكتور بسام جاموس مدير المديرية العامة للآثار والمتاحف وعدد كبير من الضيوف الباحثين العرب والأجانب صباح يوم الثلاثاء 15 كانون الأول 2009، والذي شهد عدداً من الكلمات التي شددت على ضرورة البحث في تاريخ القدس وفقاً لمنهج علمي واقعي بعيداً عن الدراسات التوراتية التي تحاول أن تفرض على القدس تاريخاً معيناً يقود إلى واقع معين تسعى سلطات الاحتلال الإسرائيلي لفرضه على الأرض.

وإثر الجلسة الافتتاحية التي تحدث فيها الدكتور عزمي بشارة عن ضرورة قيام حوار أكاديمي حر بين الباحثين والعلماء لإعادة كتابة التاريخ بصورة أقرب إلى الحقيقة ابتدأت بعد ظهر يوم الثلاثاء فعاليات الندوة التي تضم قرابة الخمسين محاضرة تتناول مختلف جوانب القدس تاريخياً وجغرافياً وحضارياً وإنسانياً.

الجلسة الأولى: جغرافية القدس ومواضيع متنوعة
انطلقت الجلسة الأولى من الندورة برئاسة الدكتور بسام جاموس المدير العام للمديرية العامة للآثار والمتاحف من بعد ظهر يوم الثلاثاء وتناولت مواضيع متعددة تتعلق بجغرافية بالقدس وتاريخها.

فقد تناول الدكتور عادل عبد السلام - أستاذ الجغرافيا في جامعة دمشق - في محاضرته «الأرض الجغرافية لمدينة القدس» نشأة مدينة القدس وموقعها كمدينة من أقدم مدن العالم وواحدة من أقدس مقدسات البشرية. وأوضح الدكتور عبد السلام أن الاسم الأصلي والتاريخي القديم للمدينة هو «أوروشاليم» ويعني باللغة الكنعانية «إله السلام» من الجذر الكنعاني «س-ل-م» ومن هذا الأصل اشتقت التسميات الأخرى مثل «روشاليموم» الفرعونية و«أورشليم» التوراتية و«يروشالايم» العبرية. كما تناول الدكتور عبد السلام عن طبوغرافية القدس وتضاريسها التي تشكل جزءاً من سلسلة جبال فلسطين بالإضافة إلى مناخها ومياهها، وتحدث الدكتور عبد السلام عن سكان القدس الحاليين الذين يشكل العرب المسلمون والنصارى 36% منهم و46% من سكانها اليهود، وتحدث عن الخطر الذي يتهدد المدينة بإحداث التحول الديموغرافي الذي ينزع إلى جعل هوية المدينة أحادية وتهجير سكانها الأصليين منها بذرائع ووسائل مختلفة.

وتحدثت الدكتورة جان ماري لوتنسورير – من جامعة بازل بسويسرا – في محاضرتها «العصر الحجري القديم في فلسطين ومكانتها في عصور ما قبل التاريخ في المشرق العربي القديم» عن التساؤلات التي طرحتها المكتشفات الحديثة عن أقدم آثار الحضارات البشرية في أفريقيا الشرقية والشرق الأوسط عن التوزع البشري في أوروبا وآسيا. إذ شكلت فلسطين الطريق الرئيس للتمددات البشرية، مما يؤكده المواقع المتعددة لإنسان ما قبل التاريخ سواء في الفضاء المفتوح أو في الملاجئ الصخرية والكهوف. وتؤكد الدكتورة لوتنسورير أن الإنسان وجد في فلسطين منذ أكثر من 1.5 مليون سنة، وعلى طول الساحل الشرقي أيضاً والمنطقة الممتدة من البحر الميت ونهر الأردن وصولاً إلى وادي نهر العاصي. وتشير المعطيات الأثرية في فلسطين وجوارها إلى ثلاث موجات رئيسية للهجرة المبكرة تناولتها الدكتورة لوتنسورير بمزيد من التفصيل والتوضيح مؤكدة استثنائية السجل الآثاري الفلسطيني وغناه وأهميته الكبرى في فهم تطور الحضارة الإنسانية في فجرها القديم.

أما الدكتور باولو مارتين أسويرو – مدير معهد سرفانتس بدمشق – فتحدث في محاضرته «يوميات القدس للكونت بالوفار» عن مذكرات أنطونيو دو لا سيرفا ليفيتا، كونت بالوفار، الذي كان القنصل الإسباني في القدس بين عامي 1914-1918، ووصف في دفتر يومياته الوضع السياسي لفلسطين في الحرب العالمية الأولى، والذي يعتبر دليلاً مهماً عن الحرب في فلسطين من خلال نظرة دبلوماسي ينتمي لبلد محايد، وقد التقى بشخصيات مهمة من المجتمع العثماني وقدم شرحاً جيداً للحياة اليومية في فلسطين خلال الحرب.

الجلسة الثانية: القدس في العصور القديمة والمصادر التاريخية لمعرفتنا عن القدس
أما الجلسة الثانية ليوم الثلاثاء فكانت برئاسة الدكتور غازي بيشة وتناولت المصادر التاريخية التي تلقي الضوء على تاريخ القدس القديم والمصادر الآثارية والكتابية التي يستند إليها المؤرخون في كتابة التاريخ الحقيقي للقدس.


جانب من الحضور

قدم الدكتور خالد أبو غنيمة – جامعة اليرموك بالأردن – محاضرة بعنوان «الاستيطان البشري في فلسطين والقدس خلال عصور ما قبل التاريخ» حيث تشير الدراسات والأبحاث الأثرية على أن الإنسان القديم قد استوطن فلسطين منذ بداية خروجه من إفريقيا قبل أكثر من مليون عام، وتم كشف بقاياه العظمية في العديد من المواقع كالعبيدية وجسر بنات يعقوب وغيرها، أما بالنسبة للقدس فقد كشفت التنقيبات الأثرية عن موقع يعود للعصر الحجري الحديث ما قبل الفخاري هو موقع أبو غوش.

أما الدكتور بسام جاموس – المدير العام للآثار والمتاحف – فتناول في محاضرته «التنقيبات الأثرية الإسرائيلية غير الشرعية في الجولان والقدس» الأدلة التي أشارت إلى قدم نشوء الحضارة في أرض الجولان وفلسطين وهذا ما أكدته المواقع الأثرية في الجولان (بانياس-رجم الهري- قلعة الصبيبة وغيرها) وكما في منطقة الكرمل في فلسطين (وادي النطوف – أريحا) حيث بلغت الحضارة ذروتها في تلك الأزمنة في عصور البرونز والحديد وهذا ما أكدته مواقع مجدو-تل المتسلم- تل النصبة وغيرها، وتحدث الدكتور جاموس عن التنقيبات غير الشرعية التي تقوم بها إسرائيل في المسجد الأقصى ضاربة عرض الحائط بكل الشرائع الدولية.

أما الدكتور أحمد سعيد – كلية الآثار بالقاهرة – فجاءت محاضرته «أهم الملامح الحضارية لفلسطين خلال العصرين الحجري الحديث والنحاسي» لتعرض الدراسات التاريخية والأثرية التي أثبتت أن بلاد حوض البحر الأبيض المتوسط والمنطقة العربية بالذات تعتبر المهد الأول لأقدم المدنيات في العالم وخصوصاً في نشوئها الكبير خلال العصر الحجري الحديث والعصر الحجري – النحاسي الذي اختارهما الباحث لتحديد الملامح الحضارية لفلسطين خلال العصور القديمة.


الدكتور عمار عبد الرحمن

وتحدث الدكتور عمار عبد الرحمن – مدير مركز الباسل للبحث والتدريب الأثري – عن نشأة العقائد الدينية في المشرق العربي القديم من خلال محاضرته «الإلهة الأم في فلسطين والمشرق العربي القديم» حيث حمل الألف العاشر قبل الميلاد معه في منطقة المشرق العربي القديم الكثير من الاختراعات الجديدة التي أظهرت تطوراً حضارياً ترافق بظهور التماثيل الدينية في كل المواقع العائدة للعصر الحجري الحديث في المنطقة ومن ضمنها فلسطين. والتي كان لها دلائل ومعاني تشير إلى أنها الإله الأم كونها ترمز للخصب والخلق المتجدد.

وفي مقابلة بين الحقائق التاريخية والآثارية قدم الدكتور زيدان عبد الكافي كفافي – جامعة اليرموك بالأردن – تصوراً يلقي الضوء على القدس خلال العصرين البرونزي والحديدي في محاضرة بعنوان «القدس في العصرين البرونزي والحديدي: الأسفار التوراتية مقابل النصوص التاريخية والآثار» وذلك عبر دراسة النصوص التوراتية ومقابلتها مع النصوص التاريخية ونتائج الحفريات الأثرية. إذ تتعرض المدينة منذ القرن التاسع عشر وإلى الآن للتنقيب على يد المنقبين التوراتيين والإسرائيليين، حيث ازداد الأمر سوءاً منذ الاجتياح الإسرائيلي للضفة الغربية في حزيران عام 1967 حيث أصبح تاريخ المدينة يتعرض لتشويه وتزوير منظم.

أما الدكتور فاروق الراوي – أستاذ اللغات القديمة والآثار في المتحف البريطاني – فتناول في محاضرته «مدينة القدس في المصادر المسمارية» نشوء وتطور المدينة وذكرها في المصادر الكتابية القديمة، حيث ذكرت لأول مرة بالمصادر المصرية بصيغة «روشاليمون»، كما ذكرت في القرن الرابع عشر قبل الميلاد في الوثائق المسمارية الدبلوماسية التي عثر عليها في تل العمارنة، أو طيبة بمصر، وذاع صيتها إبان عصر الإمبراطورية الآشورية الحديثة وخاصة في عهد الملك الآشوري سنحاريب الذي ذكرها في حولياته. كما تعاقب اسم المدينة بالنصوص المختلفة بالآرامية والعبرية والسريانية والعربية التي ذكرتها باسم القدس.

وبحث الدكتور ميشيل مقدسي – المديرية العامة للآثار والمتاحف – في المواقع الأثرية التي عاصرت القدس في محاضرة بعنوان «مدينتي حاصور وقطنا في دراسة غير منشورة» حيث أظهرت الأعمال التنقيبية الموسعة في مدينة قطنا (موقع المشرفة) الكثير من الخصائص الرئيسية للمدينة الأمورية التي بدأ البحث عنها في مناطق المشرق المختلفة، بحثاً عن تثبيت مفهوم التنظيم العمراني للمدن السورية في الألف الثاني قبل الميلاد، وخصوصاً نظام التحصينات المتطور، وقام الكونت روبيرت دي ميسيل دوبواسان بتحرير دراسة غير منشورة عن مدينة حاصور (تل القداح) وأعطى مقارنات جديدة مكنته من طرح عدد من الإشكاليات التي تثير نقاشاً واسعاً.

واختتم اليوم الأول من الندوة بمحاضرة للدكتور بهجت القبيسي – أستاذ الدراسات الكنعانية والآرامية والتاريخ القديم في جامعات حلب وتشرين والقاهرة سابقاً – بعنوان «القدس في الآثار والكتابات (المصرية والكنعانية والآرامية) وتفنيد المزاعم الصهيونية»، وأشار البحث إلى عدة نقاط منها: أن لا وجود للقدس قبل القرن السابع قبل الميلاد (وفقاً للباحثة مارغريت شتاينر) وأن اسم القدس القديم هو القدس وليس أورشليم، وأن اسم القدس اسم كنعاني قديم، وأن أورشليم هي بخلال القدس في مكان آخر من جبل القدس، كما تحدث البحث عن تاريخ أسماء القدس وأورشليم وإيليا (كما وردت في العهدة العمرية)، بالإضافة إلى نقاط أخرى تناولها البحث.


محمد رفيق خضور
تصوير: عبد الله رضا

اكتشف سورية

Share/Bookmark

مواضيع ذات صلة:

اسمك

الدولة

التعليق