ناظم حمدان في غاليري ميثيدوس في حمص

07/كانون الأول/2009

هذا الحبر الأسود -وهو يتقطر رشفة رشفة على باب البياض- يصير كما كابوس أو حلم، يتشظى أو يتوثب ليجد ساحته تحت نور الرؤية الخافتة، ضجيجاً أو موسيقى، عناقاً، نشوة أو استسلام لمكائد اللحظة المتقاطعة مع التاريخ أو الوجع. ولكن لهذا الفنان سردُه وتصعيدُه ولغتُه لرقصِ حبره الذي يكوِّنه؛ أسود أو أبيض لا يهم، فالحرية التي تفور من روحه وأصابعه لا بد وأن تغمر العيون التي ستلتقط هذا الجريان وليس مساحات البياض فقط. فالتذوق هنا ليس استمتاعاً وحسب بقدر ما يكون دخولاً إلى قلب الرقصة أو الزوبعة، دخولاً يشبه الخروج إلى فيء قصيدة أو رفة موسيقى رغم بعض الانكسار.

في معرضه هذا، الذي اُفتتح مساء السبت 5 كانون الأول 2009 ويستمر حتى 15 منه، يَعرُض ناظم حمدان 23 لوحة من الحجمين المتوسط والكبير بلغة غرافيكية يحاول الإضافة عليها ودفعها إلى خصوصية أكثر فأكثر. للوقوف على ما يقدمه حمدان في غاليري ميثيدوس بحمص، التقى «اكتشف سورية» الفنان وكان هذا الحوار القصير:

كيف يستطيع ناظم تقديم المرأة بأبعاد نفسية وفكرية واجتماعية في وقت واحد، دون أن تقع أن اللوحة في السرد الأدبي؟
عندما تلتقط مشاهداتك اليومية للمرأة وغيرها، تتراكم هذه الصور في ذاكرتك ثم تتخمر لتتحول إلى صور أخرى بعد أن دخلت إلى مختبرك الشخصي والذي يكون ثرياً بقدر ما تعرف وتمتلك من مشاهدات متنوعة، وليس المقصود هنا الجوانب المادية بل والمعنوية، والنفسية، والاجتماعية، والفلسفية. بعد أن تدخل هذه الصور إلى هذا المختبر، ستخرج بالضرورة بإضافات وتحويرات خاصة تتفق ورؤيتي، فالجسد ليس مجرد حدود مكتنزة بل حاملاً ومحمولاً للكثير من الأبعاد، وهو يتأثر ويتفاعل مع مجموع ما يحيط به ويصدر إشاراته الخاصة ورغباته واحتجاجاته. الجسد عالم مفتوح على الكثير، إنه بمثابة خزان من التعبير، وأنا ألتقط هذه الإشارات السرية والمحرمة أحياناً إلى لغة الصورة. في لوحتي، الجسد يحمل مفهوماً تشاركياً وتفاعلياً وأنا جزء منه، الجسد في النهاية يصبح فكرةً ومجتمعاً، محظوراً ومباحاً، حريةً وإقصاءً، رغبةً وكبتاً. إن لوحتي تتحرك في هذه الجغرافيا.

أتابع تجربتك من فترة، وأراها تتحرك ببحث قصدي في اتجاهات بعينها. أودُّ أن أسالك عن القصدية والعفوية في تجربتك؟
أعود إلى الحسية التي تُلتقط بواسطة مثيرات الخارج، لكن إعادة صياغتها هي صياغات تخضع للمعرفة التي ترى من خلالها العالم كما تخضع للحظة. برأيي، إنه من الضروري أن تتوافق اللغة الفنية من نبرة الانفعال المعاش، فالانفعال الاستثنائي والخاص يجب أن يخضع لنمطية المعالجات التشكيلية المسبقة. إن الانفعالات الجديدة ليست القديمة ذاتها، لذا فالتعبير عنها يجب أن يكون متضمناً هذا السر الجديد المكتشف، فالتراكمات الفنية تتوافق مع القصدي، وتؤسس لمزيد من الاكتشافات الجديدة، لن اضبط إجابتي على سؤالك، لذا سأقول إن الإيقاعات الانفعالية الجارفة تفرض علي تشكيلاً مختلفاً، وهي من تضبط ريشتي وأحباري.

بين الأسود والأبيض، ثمة لون يتحرك هنا أو هناك. هل رأيت أن اللون يشكل ضرورة لازمة في عملك؟
اللون لدي ليس إلا مفاتيح رمزية وإشارية لإضافة بعد آخر للمضمون الذي أحاول تأكيده أو تصعيده بمزيد من الرغبة في إيصاله إلى عين المتلقي. فاللون هنا لا يأتي بمعنى التصوير بل بأثره ودلالته على الشكل. أنا لست ملوِّناً، لكنه تهمُّني على سبيل المثال إضافة مساحة من الأحمر لعملٍ أريد من خلاله إطلاق شرارة أو إشارة إلى حرارة ما فيه، وهذا ينطبق على الأصفر وغيره.



اكتشف سورية

طباعة طباعة Share مشاركة Email

المشاركة في التعليق

اسمك
بريدك الإلكتروني
الدولة
مشاركتك