نزار صابور في حوار مع اكتشف سورية

29 11

قسمات وجه نزار، أو غموض صمته، لا يغوياك بقطع بعض الخطوات إليه، لتصل إلى واحات كثيرة الألوان والعذوبات، لكن من أجل هذه الواحات لا بد وأن تفعل! وهكذا لوحة نزار، مساحات من الصلابة والغموض الجميل، قد لا تكون متاحة لعينيك من النظرة الأولى وقد لا تكون متاحة أبداً! لكن ينبغي أن لا تفوتك هذه البهجة! نزار ولوحته هكذا ليسا من السهولة بحيث يمكنك الوصول إليهما وقطع النهر إلى الضفة الأخرى من المرة الأولى، ثمة ضرورة للتحلي بالصبر وأنت أمام ثراء مقسومٍ على اثنين، نزار ولوحته، وفي مرحلة متقدمة من المعرفة سيكون نزار لوحته، فهذا الاتحاد بين اللون والأصابع، بين إشعاعات اللون وحرارة روح الأصابع، لا يتم مصادفة، فثمة الكثير من الصدق هنا، ويشكل وجهي العملية التشكيلية من الداخل والخارج، بقوامها ومضمونها، بسطحها الساكن في الحاضر والمتجذر في الماضي والمورق للغد، بين غموض نزار وصمته، هذا التوهج وتلك الخصوبة، بين صلابة بنائية اللوحة المباشرة وإيحاءاتها، الكثير من المساحات المفتوحة للغناء، وبين هذا وذاك ثمة تراب ملون وزيتون وروح شفيفة، شفيفة للغاية.

«اكتشف سورية» تابع المعرض في صالة تجليات والتقى الفنان نزار صابور ليكون متاحاً لنا التعرف على ثراء هذه التجربة.

إن ما يمس موضوعاً ثميناً يصبح بدوره ثميناً، ما رأيك لو عكسنا هذا القول على تجربتك الأخيرة «جدران تدمرية»؟
إنها مقولة جميلة، ولكنها لا تصلح في الفن، لأنه ليس كل ما يلمع ذهباً، الموضوعات في تاريخ الفن بشكل عام هي إنسانية، أي متكررة بهذا المعنى، وإذا أردنا أن نتساءل هل أضيفت مواضيع جديدة إلى الفن في أيامنا المعاصرة؟ فالجواب قد يكون، ولكن بشكل عام المواضيع تتكرر منذ وجود الإنسان على الأرض، وإلى اليوم، وذلك في الفن تحديداً، وتفضيل عمل على آخر لا يكون من خلال الموضوع سواء كان ثميناً أو رثاً، فمثلاً كثير من فناني العالم تناولوا موضوعات من الكتاب المقدس، فهل كانت جميع هذه الأعمال ثمينة! ليس الموضوع بل المضمون، أي مضمون العمل وطريقة طرحه، وبالتالي الرؤية الفنية الفذة والمميزة لهذا الموضوع،هي ما تحدد هل هي ثمينة أم لا.

كيف يمكننا النظر إلى الجدران التدمرية، موضوع أعمال معرضك من هذه الزاوية إذاً؟
وهذا أيضاً ينسحب على فكرة المعرض، فلتنظر إلى المعالجات وكيف قدم من خلالها العمل الفني، فهل الأهم كان الذاكرة التدمرية في العمل أم العمل نفسه تشكيلياً! إذا أردت الذاكرة التدمرية أنصحك بالذهاب إلى تدمر، وإذا أردت عملاً فنياً معاصراً مُسْتوحاً من الحضارة التدمرية أدعوك إلى معرضي «جدران تدمرية».


من تدمريات الفنان نزار صابور في صالة تجليات

إذا كانت الحضارة التدمرية تمتلك هذه الروح، فتدمر ذاتها كمكان تحتوي على هذه الروح أيضاً، لماذا تفصل بين تدمر المكان واللوحة؟
العمل الفني يرينا الحياة وقد تحولت إلى حقيقة، هي حقيقة الفنان التي يسعى إلى إظهارها من خلال محرضات مختلفة، إحداها كان المحطة التدمرية، وأنا لا أفصل بل أشكل حقيقتي حول تدمر، تدمر الذاكرة، تدمر الطفرة الحضارية، تدمر النحت المتميز والرسم المتميز وتدمر مفرداتي أنا، هذا المجموع يشكل تدمر المكان والذاكرة واللوحة.

عمارة اللوحة لديك تخضع لهندسة مباشرة، ألا تعتقد أن هذه الصلابة في بناء اللوحة تفرض إيقاعاً مسبقاً على عين المتلقي؟
لا أعتقد، لأن النتائج دائماً مختلفة ومتنوعة بعدد اللوحات، لأنني أسعى لأن يكون كل عمل حالة لا تتكرر، وأقصد بالحالة النتيجة النهائية للعمل من شكل وخطوط (وبناء فراغي) وتأليف وإيقاع وألوان وعلاقات بين القريب والبعيد وبين مساحة اللون والخط، لذلك ومنذ سنوات هذه العلاقة موجودة في أعمالي ما بين الديكارتية الهندسية والعاطفة الحسية دائماً تحطم العاطفة هذا البناء وتأخذ بعض البقع اللونية (شطحة ما) إلى بعد آخر، وبالتالي أعتقد أنني منذ سنوات وصلت إلى عمل يشبهني تماماً من الخارج، هندسة قاسية ومن الداخل عاطفة خرقاء، وهذا يقود إلى مفهوم الصدق في العمل الفني.

الطباعة بواسطة الشاشة الحريرية أو كليشات محضرة مسبقاً ثم إعادة تكرارها بصياغات مختلفة، ألا يفقد اللوحة بعضاً من حيويتها برأيك؟
الطباعة لم تتم بواسطة الشاشة الحريرية، بل بواسطة كليشات خشبية وبشكل حر، وهذا لا ينتمي إلى مفهوم الطباعة التقليدية، وباعتبار أن ما قمت به طباعة غير تقليدية فليس هناك أي تشابه في الأشكال وأعتقد أن كل من شاهد التجربة لم يخطر على باله عدد الكليشات التي استخدمتها، والسبب الرئيسي في ذلك أنني لم أطمح إلى الشكل (شكل التدمرية الحسناء) بل إلى أثر هذا الشكل على الجدار(اللوحات).

أحد العناصر المحرضة في هذه التجربة كان محبتي للأثر، كأثر الوقت على الفن والأشياء وأثر الوقت على البشر، جدار أهلي في اللاذقية عمره 120 عاماً وفيه من العمق والإحساس والمشاعر والذكريات ما يفوق أي عمل فني على الإطلاق ومن هنا يمكن أن تلاحظ أثر الوقت على الأيقونات على سبيل المثال.

أثر الكليشات على سطح اللوحة قدم بأشكال غير منتهية لكن كانت الإضافات اللونية هي التي تنهي العمل وتغلقه، هناك مرحلة طويلة تمر في إنجاز العمل الفني، تبدأ من تحضير ما قبل الطباعة إلى تحضير القماش وأحياناً تحضير التأليف وتحضير المكان والتهيؤ النفسي لبداية العمل، وبعد الطباعة ثمة وقت تأخذه اللوحة كي تجف ثم أعاود العمل لأيام متكررة حتى تصل اللوحة إلى مرحلة أعتقد أنها نهائية، ثم تنتظر اللوحة بعد لحظات خاصة بها لأضيف عليها بعض اللمسات والبقع اللونية لتعلن النهاية، بعد كل هذا هل من ضرورة للحديث عن الحيوية.

من تدمريات الفنان نزار صابور في صالة تجليات

هذا يستدعي سؤالاً، ما بين إعلان انتهاء اللوحة وإمكانية الإضافة عليها مساحة لا زالت مفتوحة على الحوار بين الفنانين، بالنسبة لك ماذا تقول؟
بين مفهوم نهاية اللوحة وعدم نهايتها ثمة آلية خاصة ضمن إحساس الفنان، وهذه الآلية مع الوقت يصبح لها قوانينها الخاصة التي تتحكم بمتى ينتهي ومتى لا ينتهي، بكل الأحوال عندما أقرر أن العمل قد انتهى أتركه أياماً قليلة قبل أن أوقعه، وإذا راودني شك مهما صغر فهذا يعني أن هناك نقصاً ما علي تكملته، عشرات من أعمالي أعدمت جراء إحساس كهذا.

في تجاربك السابقة دمشقيات ومعلولا، لاحظنا ميلك إلى منح العمارة بعداً عامودياً وتسامقاً خاصاً، هذا يتكرر اليوم ولكن بصورة أخرى عبر شكل اللوحة، كيف نفهمك أكثر بهذا الخصوص؟
لو كانت أعمال المعرض جميعها بمقاسات متداولة لما طرح هذا السؤال، وعادة أجيب على هكذا تساؤل بالقول: إن المبالغة بأحد أطوال اللوحة على حساب الطول الآخر يعبر عن قلق شديد وهذا ما أعتقده، ويشكل تفرداً للفنان لكونه صانعاً لهذا القلق، أما من حيث المضمون فالمفهوم شرقي، عندما يتحول بناء العمل من الأسفل إلى الأعلى ومن الأعلى إلى الأسفل دون الحاجة إلى الدخول في العمق الوهمي لبناء العمل الفراغي، ومن هنا كانت هذه «المعلقات» التي تأخذنا مباشرة إلى معلقات الشعراء في العصر الجاهلي، فكانت «أيقونات» وكانت «دمشقيات» وكانت «تدمريات».

تدخل ضمن لوحاتك أجواء لونية لا تتقاطع باعتقادي مع أجواء الجدران التدمرية، هلا حدثتنا عن أبعاد هذه الاقتراحات اللونية؟
دائماً كان لدي اقتراحاتي اللونية، ودائماً كنت أعتبر أنه هناك مهمات إبداعية لها علاقة بالمزاج اللوني إضافة إلى ألواني المفضلة وهي ألواني الزرقاء، ألوان تدمر في الواقع هي ألوان غبراء، حتى الأخضر فيها هو أخضر مغبر، لكن في أحد أوقات الغروب ينعكس غروب السماء الأحمر على العمارة التدمرية بلون برتقالي محمر ومتوهج، هذا الانطباع اللوني كفيل أن يعمل عليه الفنان ليس فقط مجموعة من اللوحات، ولا ينتج عنه فكرة فنية فقط بل الكثير من الأفكار.

من أي خلفية ثقافية يتعامل الفنان نزار صابور مع اللون في لوحته، هذا في العموم؟
أي خلفية ثقافية لها عدة مستويات: الفطرة، البيئة، الدراسة، الخبرة الحياتية. نولد فنحب لوناً دون سواه، أنا الأزرق وأنت الأحمر وهي الأصفر. أما لماذا الأزرق؟! ليس لأني ابن الساحل، بل لأن في فطرتي حلماً متسعاً وغموضاً لا يتخفى. بالنسبة للبيئة، عشت طفولتي بين جمال الطبيعة في القرية وجمال المدينة، وفي بيئة أصغر هي منزل الأهل حيث المحبة اليومية، ثم تأتي الدراسة التي تصقل هذه المعطيات الفطرية والبيئية ونتعرف من خلالها على فطرة آخرين من مختلف أنحاء الكون، أما الخبرة الحياتية فتعني كل هذا، وبالنتيجة أنا لا أرمي إلى أي معاني مباشرة باستخدامي للألوان، فالأحمر ليس للثورة وإنما ليصنع حركة بصرية بزاوية من اللوحة، أما الأزرق ثانية فيكون ليحمل بصمتي في اللوحة لأنها أنا.

بين التفصيلية والتلخيصية يكون قوام التشكيل في لوحتك، كيف تسمي هذه المساحة الفاصلة بينهما؟
لا توجد مساحة فاصلة بينهما، إنما يعيشان معاً على سطح اللوحة، هنا صمت طويل مع كلمات كثيفة وقليلة، يمكن القول أن هذه المساحة تعكس سكينة وامتلاءً ما.

هل تدخل الوحدات الزخرفية والهندسية من دوائر ومثلثات وغيرها فضاء اللوحة كضرورات لتحريك العمل أم أن لحضورها أسباباً أخرى؟
سابقاً كان لها مفاهيم في عملي تستند بدورها إلى تراث الحضارات السابقة وأعمال أخرى كثيرة، لكن مع الوقت أصبحت من مفرداتي المحببة دون تحديد وظيفتها الفلسفية والتركيز عليها كمفردات بصرية. في «جدران تدمرية» أضيفت بعض العناصر الزخرفية المستقاة مباشرة من النحت والرسم التدمري، ومنها الزهرة السداسية لمنح العمل أشكالاً أخرى تحمل غنى تلك الحضارة.

الرمل مفردة حسية تستخدمها في لوحاتك وتحقق أثرها الحسي، هل نتوقف عند أثرها الحسي وحسب؟
لا طبعاً، الأهم حين نتناول مادة ما كي تصبح دماً للشكل والحكم عليها يكون من هنا، فهل أصبحت حياة للشكل أم ظلت دخيلة عليه وغريبة عنه، من هنا يكون الحكم على المادة المستخدمة.

من تدمريات الفنان نزار صابور في صالة تجليات

لا تخلو لوحاتك من مساحات تجريدية، هل تعتقد أن التجريد يأتي في مرحلة متقدمة من تجربة الفنان؟
في تاريخ الفن الكثير من الأمثلة، ومع ذلك نحتار في الإجابة على هذا السؤال، فمجموعة من الفنانين بدأت من الواقع وانتهت إلى التجريد، ومجموعة أخرى انطلقت من الواقعية إلى الانطباعية إلى التجريد ثم عودة أخرى إلى واقع ما، مثال الفنان الروسي ماليفيتش. بالنسبة لتجربتي أترك للزمن المتبقي لي أن يحدد هذا، ويمكن القول أن تجربتي ما تزال تراوح على جبهة عريضة (وهذا ما أريده) بين الواقعية المشرقية والتجريد.

في تجاربك السابقة كانت الأيقونة والطبيعة الصامتة وسعادة ما أمكن، تجارب لها حضورها الهام، ورغم أنك لم تستنفذ طاقتها التعبيرية والروحية والتشكيلية إلا أنك تحولت إلى مواضيع أخرى، فكيف توضح لنا ذلك؟
الأمر يعود إلى خصوصية أتحلى بها، أي أنه من الصعب علي أن أكرر موضوعاً أو حلاً فنياً ما، بالرغم أنه قد يحدث ذلك أحياناً، ولكن هذه الاستثناءات ليست قاعدة، وما زلت أستغرب كيف يستطيع بعض الفنانين السوريين تكرار مواضيعهم وحلولهم الفنية سنوات طويلة، وأعتقد - كما أقول دائماً - بأن الفن كالحياة لا يتوقف، إذ هناك دائماً التجديد والجديد، وأعتقد أن التغيير من أشد ثوابت الحياة رسوخاً، وبالتالي فأنا أغير مواضيعي وحلولي الفنية لأن هذا في طبيعتي ومفهومي للفن، فالفن هو طرح لمفاهيم واقتراحات جمالية جديدة، وعدم التغيير هو «التعليب»، وذلك حين نعلب أحاسيسنا وحلولنا ونقدمها كسلعة جاهزة للاستخدام. من هنا أعتقد بان الأيقونة كموضوع تجاوزته، لكن من حيث الروح ما زالت موجودة في كل مراحلي التي تلت.

الأبواب التي تقود إلى أبواب وأبواب، موضوع طرقته في الأيقونة والدمشقيات، أأستطيع أن أعرف عند أي باب توقفت؟
توقفت عند باب التجريب، هذا الباب الذي لا قرار له ولا نهاية، إذ يمتد إلى نهاية العمر.

الفن له الكثير من التعاريف، كيف كنت تعرفه، والآن كيف تعرفه؟
قد يكون للفن معانٍ كثيرة، ومنه أنه في الوقت الحاضر أصبح يمتلك معنى الدفاع ضد الشر، شر القرن 20-21، وفي كل زمن وعصر له معنى مختلف، لكنه بكل الأحوال عزاء كبير للبشرية، فهو يمنح معنى لحياة بلا معنى، هذا فلسفياً، لكن الفن في النهاية هو موقف من الحياة وليس مجرد متعة لعابر سبيل، هو موقف مشغول بروح ومواد.

الجمال مفهوم متطور في اللوحة التشكيلية، برأيك هل ثمة معيار خارجي يخضع له، كي لا تتحول اللوحة إلى ممارسات مختلفة من التشويه تحت تسميات مبهمة مثل جمال القبح؟
الجمال مفهوم نسبي ومتغير وخاضع لثقافة كل زمن، وقد أصبح مفهوماً غامضاً اليوم، أرى في وجوه النساء في منطقتنا على سبيل المثال مفهوماً أحادياً متكرراً، وهنا يضيع مفهوم التفرد والتميز، أما الجمال في العمل الفني فهو نسبي ومتغير أيضاً، فلم يعد التناسق بين الأشكال والألوان هو مفهوم للجمال في اللوحة اليوم رغم أنه كان كذلك تقليدياً، بالنتيجة الجمال مفهوم متحرك وخاضع للذائقة والثقافة الخاصة بكل فنان، فمثلا أين الجمال التقليدي في لوحة فاتح المدرس؟! هل في الشكل الطفولي الغالب على أعماله، أم في اللمسة اللونية والخط الرهيف، إذ هناك جمال خاص أبدعه فاتح المدرس وهذا تميز وإبداع وجمال. أعتقد أنه في بعض الحالات، قد ُيجعل من التشويه والقبح صيغ جمالية مميزة، وتاريخ الفن مليء بنماذج منها سوتين وبيكون، لكن الهام هنا أن هذه التجارب العميقة احتلت عمر الفنان ولها مرجعيات أكاديمية ونفسية وحياتية هامة تبررها وتختلف عن بعض التجارب الهامشية المقلدة والتي لا تحمل المصداقية.

بعد أن أصبح كل «فنان» معيار ذاته تشكيلياً، أليس منطقياً أن يكون هناك ما يشبه المعيار للوحة الجيدة؟
نعم هناك معيار وإن كان ذاتياً، اللوحة الجيدة هي التي تطرح حلولاً بصرية غير تقليدية وغير متكررة، وهذه الحلول تعتمد على التجريب بالشكل والمواد والبناء الفراغي والمضمون الذي يعني «الموقف الخاص من أي موضوع»، ومن خلال هذه المعطيات يمكن أن نتحدث عن لوحة جيدة.

لا أحد يستطيع القول أن لوحتك ليست ابنة بيئتها، برأيك هل البيئة السورية بما فوق وتحت التراب، جديرة بأن تؤسس للوحة تمتلك هذه الخصوصيات؟
برأيي نعم، وأدل على ذلك بتجارب فاتح المدرس، الياس الزيات، ونزار صابور، وأعتقد أن هناك تجارب كثيرة تعمل على هذا المفهوم، وبالنتيجة لا بد وأن نتشارك للوصول إلى هذا المفهوم، وهو اللوحة السورية.

من تدمريات الفنان نزار صابور في صالة تجليات

الفن يستجيب لنداء الحقيقة بحسب هيدجر، أي حقيقة قصدها برأيك؟
الحياة تبدع من خلال الوجود، والوجود هو الإنسان واللوحة هي انعكاس لجوهر الإنسان. الفيلسوف والفنان يجمعهما مشترك، فالفيلسوف يعبر عن الجوهر بالكلمة بينما الفنان بالتصوير.

كونستابل يقول: إن جميع أجزاء اللوحة هامة باعتبارها كلاً، إذا أضيف أو حذف منها جزء اختلت. هل ما زالت هذه المقولة صحيحة؟'
أعتقد أن هذا المفهوم قديم وهو مدرسي إلى حد كبير، نقدمه لطلاب الفن أثناء دراستهم لامتلاك اللغة الفنية الضرورية، لكن من الممكن والمبرر في آن أن تحذف جزءاً من اللوحة دون أن تفقد التعبير، لا بل ربما يمنحها هذا إمكانيات أكبر.

تجربتك تتفق وطرح ديلاكروا: الخيال هو الذي يصنع اللوحة من واقع الطبيعة. أهذا ينطبق على لوحتك؟ لو جنح الفنان نزار صابور بخياله خارج الواقع ماذا يمكن أن يرسم؟ وعندها هل سيكون التجريد أسلوبك في التعبير على سبيل المثال؟
أعتقد أن الواقع والخيال متلازمان في الإنسان كما الماضي والحاضر والمستقبل، وكل ما نقوم به هو خلط لكل هذه الأشياء والمفاهيم، والفن بشكل عام مليء بالواقع والخيال كما في الرواية، حيث يصعب علينا تلمس الحد الفاصل بين الواقعي والخيالي. في مجموعتي «عنترة زماننا» تحول عنترة إلى خيال فني، وفي مجموعة «جدران تدمرية» تحولت النساء (التدمريات) الثريات إلى شكل خيالي فني قد لا ينتمي إلى الأصل بشكل مباشر، بعد أن تحول فنياً إلى شكله الأصلي، بهذا المعنى لوحتي هي اقتراح لحياة أخرى جذورها من واقع الطبيعة. في عام 1998 كان لي تجربة في قاعة كنيسة الصليب المقدس في دمشق بعنوان «جسد يهوي فتنهره الروح» وهذا العنوان هو جزء من قصيدة للشاعر البحريني قاسم حداد، في هذه التجربة تكلمت عن التعب الذي حل بي نتيجة التعامل مع أطياف هائمة في سماء لوحتي، أطياف دون أشكال، في هذه التجربة أبدعت جسداً ما، أعمدة أمام اللوحات، أبدعت قديسين يحرسون المزار. وبعدها رحت أبتكر مواضيع من الواقع والخيال، مع اللغة الفنية الخاصة لكل تجربة. التجريد أو التعميم والتعبير والتزينية والواقعية المشرقية، كل هذا أجزاء أساسية ستظهر في لوحتي.

.


عمار حسن

اكتشف سورية

Share/Bookmark

صور الخبر

من تدمريات الفنان نزار صابور

من تدمريات الفنان نزار صابور

من تدمريات الفنان نزار صابور

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق