عزمي بشارة يحاضر في جامعة دمشق

27 10

ما القدس، ولماذا القدس؟

بدعوة من صالة رفيا، وعلى هامش معرض «ما وراء الحدود» ألقى المفكر العربي عزمي بشارة محاضرة في جامعة دمشق - قاعة رضا سعيد، عن القدس كرمز وقضية، بحضور عدد من الوزراء السوريين وشخصيات فلسطينية إضافة إلى جمهور كبير من المثقفين والإعلاميين والمهتمين بالشأن الفلسطيني والعربي، حيث غصت القاعة بعدد كبير من الحاضرين الذين تابعوا باهتمام بالغ محاضرة المفكر العربي عزمي بشارة.

«اكتشف سورية» تابع المحاضرة والمعرض المرافق الذي ضم أعمالاً لعشرة فنانين فلسطينيين، واختتمت المحاضرة بتوقيع كتب للمفكر عزمي بشارة نزولاً عند رغبة الجمهور المتابع لمؤلفاته.

بدأت المحاضرة بكلمة ترحيبية بالمحاضر المناضل الفلسطيني، ألقاها الفنان بسام كوسا وجاء فيها: «عزمي بشارة، لا نستطيع تقديم سيرة ذاتية نضالية لهذا الرجل ولا نحن بصدد ذلك، لقد كان عرب 48 مجهولين بالنسبة لنا إلى حد كبير، إلى أن جاءت الفضائيات فاكتشفتهم واكتشفتنا! فكانوا في ذهننا إما مغلوبين على أمرهم أو خونة لأنهم يتعاملون مع المؤسسات الإسرائيلية، فكان للشيزوفرينيا العربية التي قدمت المتعاملين مع المؤسسات الإسرائيلية كخونة بسبب هذا التعامل، أن قدمتهم هي نفسها كمناضلين للأسباب ذاتها، بالمقابل كان فلسطينيو 48 ينظرون إلينا نحن العرب وكأننا على أهبة تحرير بلادهم (بلادنا) ولكن مع احتكاكهم بالواقع لم يروا المسائل كما كانوا يأملون أو يتخيلون أيضاً، في هذه اللحظة، لحظة الاكتشاف المتبادل أي بين عرب 48 والعرب في الدول المحيطة، ظهر عزمي بشارة كصيغة تعيد النظر بكل ما سبق، وكصيغة تطرح رؤية للظرف الفلسطيني العربي للتعامل مع عدو لا بد من مواجهته، ظهر عزمي ومن ثم طرد ليتحول إلى لاجئ بذنب هذه المرة وليس بغير ذنب، كما لم تكن لديه أوهام برؤية العدو كما لم يتوهم برؤية الصديق وحاله وظروفه، فبدأ السؤال يطرح نفسه، هل كانت هناك أكثر من فلسطين؟! واليوم هل هناك أكثر من أكثر من فلسطين؟ هل تحولت فلسطين إلى فكرة؟ هل تبدو القدس بخير إذا حافظنا على الأقصى بعيداً عن التدنيس؟ عزمي بشارة الذي رأى وجهي العملة بوضوح قد يستطيع الإجابة عن أسئلة هي في علم الأمل! فالواقع مخيب إلى حد الفجيعة، فنحن نتعامل مع يأس أرعن ولا عقلاني، ومع ذلك ليس لنا من عمل إلا الخربشة على جدران الظلم والخديعة، فالأجوبة ليست وصفات للتحرير بل هي محاولة للحفاظ على الجذوة التي تحركنا وتجعلنا نعيش إلى الغد. عزمي بشارة، هذا الباحث في شؤون الأمة والألم يبدو دائماً متدفقاً وكأنه يريد أن يلحق قبل أن تفلت الأمور، فالصراع المتحول من عربي-إسرائيلي إلى عربي-عربي، وفلسطيني-فلسطيني، يعطينا فكرة حقيقية عن إمكانيتنا الثقافية والحضارية وحتى الأخلاقية، حيث يبدو عزمي بشارة وأمثاله كائنات فضائية تصرخ في البراري. دعوني أرحب بالباحث الفلسطيني والمناضل عزمي بشارة».

ثم بدأ المفكر العربي عزمي بشارة محاضرته قائلاً: «إن محاضرتي لن تكون محاضرة مناسبات رغم أن المناسبة هي القدس عاصمة الثقافة العربية، وعلى هذا لدي بعض الملاحظات على كل من مفهوم القدس عاصمة للثقافة تحت الاحتلال، وإن كان هذا النقاش وراءنا الآن، أنا الآن أهتم بالمضامين، وقد ترددت كثيراً، هل بالإمكان فصل القدس عن مجمل الموضوع الفلسطيني والعربي؟ وإذا أردت أن أفصل فلا بد أن أتحدث عنه بشكل علمي وأكاديمي، وهل يمكن الحديث بشكل أكاديمي عن موضوع مثل القدس، هذا سيدخلني في صراعات أنا بغنى عنها مع مختلف أنواع العقائد، ولذا اخترت أن لا أدخل في موضوع القدس تاريخياً، إن كان لجهة الخطاب الإسلامي سابقاً وحالياً ولا في الخطاب اليهودي أو المسيحي وغيرها من أنماط مختلفة، ولا في السرديات لمكانة القدس عند الجميع في فترات تاريخية وسياسية مختلفة، وما يهمنا في أمور من هذا النوع، عندما يكون الموضوع هو موضوع القدسية أن هذه المسألة لا تفند بالحجج العلمية لأنها مسألة إيمان وعقيدة وتؤخذ كما هي، القدس الآن تحتل مكاناً أساسياً في عقائد هذه الأمة، نقطة على السطر، هذا معطى، القدس كمعطى أساسي في عقيدة هذه الأمة وكونها محتلة يجعلها أكثر أساسية وبحق، لأنه لا يوجد صراع قومي وطني تحريري إلا واستخدم الرموز المتوفرة لديه، حتى الاستعمار استعمل رموزاً للتحشيد لاستعماره، فبالأحرى الشعوب الواقعة تحت الاستعمار، ألا يحق لها ورأس مالها الرمزي القليل استعمال هذا الرمز، وهو موضوع غير مطروح للنقاش ويجب التعامل معه كمعطى، أهمية القدس في قلوب المؤمنين أيام نور الدين زنكي أو أيام صلاح الدين الأيوبي أو في أيامنا هذه لها علاقة بأن القدس كانت محتلة في تلك الأيام، ومن الطبيعي أن تشدد الأمة على مركزيتها الدينية في مثل هذه المراحل، هذا ليس له علاقة بالعلمانية أو بالتدين، هذا له علاقة بالتقاطعات بين الرموز الوطنية والقومية والدينية عند كل الشعوب، ويحق لي أن أقول أن صلاح الدين بطل قومي وديني ووطني دون أن يكون إثنياً، إثنيا بالمعنى الأقوامي، هو منتمٍ للعرق العربي ونحن لا نؤمن بالأعراق، نحن نؤمن بالعروبة ثقافة ولغة، أنا لست بصدد محاضرة في علم الحفريات أو الآثار أو في التاريخ، نحن بصدد القدس في سياقها الموجود».

وتابع عزمي بشارة محاضرته قائلاً: «كما تتابعون مسألة تهويد القدس ومسألة مصادرة الأراضي وهدم البيوت أو احتلالها من قبل جمعيات يهودية وظهور بعض الجمعيات في الإعلام وهي تحاول اقتحام المسجد الأقصى، ما يسمونه هم جبل الهيكل، وتركيز النقاش كله حول البقعة الصغيرة التي نسميها الحرم القدسي الشريف في وسط القدس، ولن أدخل في السردية الإسلامية وفي تعامل الإسلام مع كل الديانات التوحيدية كمساجد، وعندما جاء النبي وأسرى بعبده ليلاً لم يكن المبنى الحالي موجوداً، واعتبروا هذه الأرض مسجداً، فحجارة هذا البناء بعضها من عهد الأمويين، وقسم آخر من عهد المماليك، ويجري الصراع على إعادة الاعتبار لجبل الهيكل مع أنه ليس هناك علاقة مباشرة بين هذه المحاولات وبين اليهودية كدين، وأغلب القادة الروحين للطائفة اليهودية تحرم الصعود إلى جبل الهيكل لأن الصعود يجب أن يكون متوفر الشروط وهي ليست متوفرة الآن،
هذه المحاولات تتم الآن من قبل سياسيين صهاينة علمانيين يحشدون بواسطة ما يسمى جبل الهيكل الرأي العام اليهودي، مع أن هذه يتناقض مع تعاليم ديانتهم، العرب لا يسيّسون الأقصى وحتى لو فعلوا فما ذلك إلى رداً على التسييس اليهودي المستمر الذي ينشط فيه السياسيون الصهاينة، وتجري الآن محاولات أقل حدة لتقاسم المسجد الأقصى، كما نجحوا للأسف مؤقتاً بتقاسم الحرم الإبراهيمي في الخليل حيث أصبح مسجداً وكنيساً في الوقت نفسه، المسألة ليست حوار ديانات، لأن الدين الإسلامي لا يحرم دخول غير المسلم إلى المساجد، المسألة هي السياق الاحتلالي لفرض السياسة الغربية على الأقصى، وليس مسألة دينية بل سيطرة احتلال على الرموز الدينية، لنفترض أن إسرائيل تعهدت للعالم الإسلامي بأن المسجد الأقصى سيبقى مسجداً وسيحافظ عليه تحت الاحتلال الإسرائيلي هل نقبل؟! المسألة ليست كونه مسجداً، بل المسألة هي: لمن السيادة السياسية عليه، وهذا مفهوم سياسي وهو مفهوم حديث ليس له علاقة بالديانات، الصراع على الأقصى هو صراع بين المحتل والواقع تحت الاحتلال، الذي نقول له أن ما تقوم به هو بصفتك محتلاً وليس بصفتك يهودياً أو مسيحياً أو مسلماً، وأنا مضطر لأن أحشد كل الطاقات لأناقضك بهذه الصفة، ومن هنا أهمية الموضوع، وماهية الخطورة عليه كمسجد تحت الاحتلال، علماً أنه يوجد مساجد في فلسطين تحت سيطرة الاحتلال، المسألة هي لمن السيادة على القدس والمسجد الأقصى، وهذه مسألة متعلقة بالتحرر الوطني وتشمل الجميع، ولذلك فالدفاع عن الأقصى هو مهمة وطنية للجميع».


جمهور غفير يتابع المحاضرة
ويبدو في الصورة سيادة العماد أول مصطفى طلاس وزير الدفاع الأسبق،
والدكتور محمود السيد وزيرالثقافة السابق

وأكمل الدكتور بشارة: «ولتوضيح المصطلحات نقول: ما ينطبق على الأقصى ينطبق على كل فلسطين، كل القدس أقصى، وكل فلسطين قدس، القضية مع أهميتها بعيدة المدى وأعرف أن قدرتنا على التحشيد مختلفة، فأنت لا تستطيع أن تحشد على كل حي كما تحشد للأقصى، لكن المبدأ هو ذاته، وفي القرآن المبدأ هو ذاته، فالآية تقول: "سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله"، وانتبهوا إلى حوله، رغم أن هذا في الخطاب الديني، وهو ليس خطابي ولا لغتي، فأنا لغتي سياسية علمية وطنية قومية، وحتى في الخطاب الديني، وفي كل التفاسير حوله تعني بلاد الشام وفضائل الشام مرتبطة بفضائل القدس، القدس والشام نفس البلد، من ناحية الرؤية تاريخياً وقومياً، ما يجري في وسائل الإعلام من تركيز على الأماكن المقدسة أمر طبيعي لأنه يوجد شيء دراماتيكي في الموضوع، ولكن منذ عام 1967 تجري عمليات تهويد في القدس بعيداً عن عدسات وسائل الإعلام، ونذكركم بما يلي: 67 احتلال القدس، بعد شهرين قانون ضم القدس وإخراجها خارج أي إجراء تفاوضي وتحويل سكان القدس إلى رعايا ساكنين أو قاطنين مثل الذين يسافرون إلى أمريكا ثم يأخذون بطاقة قاطن (غرين كارد)، والقصد من هذا تحويل المقدسيين إلى رعايا أو ساكنين كأجانب في أرضهم، وهذا يعني أنهم هم الذين جاؤوا إلى القدس وليس اليهود، أي أن المقدسيين هم من هاجر إلى إسرائيل، اليهود ناجحون في هذا، وكل شيء قانوني من حيث الشكليات، أي أنهم احتلوا البلد وسرقوه، لكنهم ديمقراطيون، والبطاقة التي أعطيت للمقدسيين قابلة للسحب لو انقطع المقدسي عن الدخول إلى القدس لمدة تزيد عن ثلاث سنوات بسبب العمل في الخارج، بعد أن سدت عليهم إسرائيل منافذ العمل والعيش، وذلك حتى لو لديه بيت وغيره، وهذه هي الطرق القانونية إضافة لغيرها من الطرق، حسب ما يروه لتفريغ القدس من سكانها، مثل هذا الأمر غير موجود في أي بلد في العالم، أن تصبح بين ليلة وضحاها غير موجود في أرضك وبيتك، هذه عملية تهويد تدريجية، تطهير عرقي حقيقي! وعندما ضمت القدس بقرار من طرف واحد أقاموا لجنة وزارية لشؤون القدس تتخذ القرارات، ومن إحدى قراراتها عدم وصول نسبة القاطنين العرب إلى أكثر من 20 بالمائة من السكان اليهود، ولذا نشهد كل إجراءات التضييق على المواطنين المقدسيين، للسفر للعمل في الخارج وعندما يسافرون تسحب منهم هوياتهم. والأمر الثاني خلق أغلبية يهودية من خلال الاستيطان في القدس الشرقية، وهذه القرارات غير خاضعة للتفاوض، وعيب على الإعلام أن يصدق أن هناك مفاوضات لتجميد الاستيطان، اليهود يخططون للاستيطان لعشرين سنة قادمة، وهذا أمر لا يمكن بالنسبة إليهم التوقف عنه، ولذا نراهم يطوقون القدس بسبع مستوطنات والمدينة الفاتنة فعلاً، أصبحت بقرار تلك اللجنة حياً عربياً داخل مدينة يهودية، ومن سياسات تلك اللجنة وقراراتها، التطهير العرقي، وبناء المستوطنات، وضم أوسع الأماكن لتوسيع القدس، القدس الآن هي أربع مرات أكبر مما كانت عليه عند بدء الاحتلال. يؤسفني أن هذا لا يجري الحديث عنه، لأنه إذا فرغت تلك المناطق من الناس بتلك الطرق الجهنمية من استيلاء على المنازل منزلاً منزلاً، وبطرق قانونية مختلفة وتهجير ومصادرة، إن من يعمل على تهجير هؤلاء هو شبكات عالمية، وهو ما فعلوه بالتدريج حتى الوصول إلى داخل أسوار الحرم القدسي، ويقال أن شارون أول من اشترى منزلاً داخل أسوار القدس، ويذكرني هنا ببن غوريون الذي قبل سابقاً حق العودة والذي على أساسه قبلت إسرائيل كعضو في الأمم المتحدة، وما كان يفعله هو هدم القرى لإزالة أي شيء يمكن التفاوض عليه. الناس يصمدون بالأساليب المتوفرة وانه من الصعب التغلب على ابتكارات الناس في العيش والصمود، وهذا التجمع مثل العضلة حول المسجد الأقصى، الناس هي من تلتف حول الأقصى دون مؤسسات تقود تحركها، المجتمعات يفترض أن تعمل ضمن مؤسسات، ولا تستطيع أن تعطي المجتمع نصائح دون وجود مؤسسات ومن هنا فالناس تتداعى لحماية الأقصى كرمز يوحدهم».

وتابع المناضل العربي عزمي بشارة محاضرته قائلاً: «إن كل المفاوضات الجارية بأنماطها المختلفة من خارطة الطريق إلى غيرها دليل على عقمها، ولابد أن يكون هذا العقم وراؤه عجز ووهن عربي وخطط إسرائيلية، لكن كل خطط المفاوضات مبتكرة ولا تستند إلى الانسحاب حتى حدود 48 ولا تشمل أيضاً حق العودة. ليس صدفة أن حق العودة والقدس خارج الصورة، وهذا ما فعله حورج بوش الابن عندما طمن شارون بأن الولايات المتحدة تتفهم عدم إعادة الوضع إلى سابق عهده، أي عدم عودة اللاجئين، وحتى اليوم لم يتبقَ شيء من ما يسمى زوراً وبهتاناً عملية السلام. وقد تقلصت المفاوضات وعملية السلام لتصل إلى الاختلاف على الحوض المقدس (الحرم القدسي) كلغة لعملية السلام أما الباقي فإسرائيل حرة في التصرف به، وبهذا السياق تدور عملية السلام، وبهذا تطالب إسرائيل العرب باحترام يهودية دولة إسرائيل، أما الاعتراف بإسرائيل فهو أمر من الماضي، الآن يعلنون أنهم دولة يهودية ويطالبون العرب بالاعتراف بهم بناء على هذا، أي أن الصهيونية تسعى لإقامة دولة يهودية سكاناً وقومية وديناً. الجديد هنا إخراج دولة إسرائيل من هذا التعريف، للتعريف بنفسها كدولة لكل اليهود في العالم، وهي دولة كثير من الناس ليس مواطنين فيها، لماذا تعامل إسرائيل نفسها كدولة يهودية وتطالب العرب بذلك، لسببين: الأول يعني التنازل عن حق المطالبة بالعودة، والثاني اعتراف الأمة العربية بالصهيونية وبحق الدولة اليهودية ومجرد الاعتراف وإمضاء هذا الأمر مع الطرف العربي يعني اعتراف العرب بدولة يهودية شرعية اسمها إسرائيل، وفي القانون الدولي يعني هذا اعترافاً بدولة، وأننا كنا نحن الذين نعتدي على إسرائيل طوال الوقت كدولة لها حق إيديولوجي ومن ثم نكون نحن المستعمرين، وهكذا تتفتت الأمة إلى دول وقبائل وطوائف وعشائر، إذا سحبت هذه القشرة من الاستبداد. وبدون حق العودة والقدس، يدخل الفلسطينيون في صراع بين قطبين يضعهما على حافة حرب أهلية، المسألة ليست صراعاً بين أخيار وأشرار، بل تكمن المسألة بتصور فريق أن عملية السلام تؤدي إلى دولة فلسطينية عاصمتها القدس، وبعد 17 عاماً ألم يحن الوقت للتوقف عن هذا الاعتقاد. فالاستيطان ازداد ثلاث مرات، القدس تخرج من الصورة، تخلينا عن الكفاح المسلح جعل إسرائيل تتمادى كثيراً، المقترحات الأمريكية لن تصل إلى حدود 67، أي لم يعد مبرراً القول أن هذا اجتهاد وطني، لنتخلى عن التحرر الوطني، لندخل النظام الدولي الذي لا يعطينا دولة فلسطينية ذات سيادة، وإذا اتضحت الأمور على هذه الصورة، وهي ليست اجتهاداً، فما هي؟!».

وتابع الدكتور بشارة: «هناك طبقة سياسية نمت مصالح مرتبطة بالاحتلال أو لنقل مع العملية السياسية، ولا تستطيع أن تستمر دون العملية السياسية، وهي مرتبطة بها كما كانت مرتبطة بأنظمة عربية، والآن هي مرتبطة بما يسمى نظام عملية السلام، وهو ذو تمويل أوروبي واحتضان من محور دول الاعتدال العربي وإسرائيل. هل هذا مبرر لحرب أهلية، مؤخراً نحن نسمع مفردات مثل: نور وظلام، ظلاميين ونوريين، كنا نسمع هذا من المتدينين والآن نسمعها من العلمانيين، المسألة ليست نوراً وظلاماً، النقاش تحت الاحتلال لا يكون: من معي ومن ليس معي! بل تكمن القضية بمن مع الاحتلال ومن ضده، المسألة ليست له علاقة مع المتدينين، حتى لو كان اليساريون هم من يناضلون الآن في غزة لكان الأمر هو ذاته مع إسرائيل، هذا ليس هو النقاش، عن التدين أو العلمانية أو الظلامية، لتتحدث عن هذا دول الاعتدال، المسألة ليست من يريد الاتفاق أو من لا يريد، الأمر ليس هكذا، أصلاً ليس الاتفاق مطروحاً، بل المطروح هو إجراء انتخابات، أنا أفهم أن شعباً تحت الاحتلال لا يذهب إلى الانتخابات، بل يذهب إلى وحدة وطنية، لم نجد في التاريخ شعباً تحت الاحتلال يفترض به أن يذهب إلى التصويت في اتجاه معين أو المساومة على لقمة الخبز، هذا ليس اتفاقاً بل هي إذاً فقط انتخابات».

وأكمل الدكتور بشارة: «لقد دققت في الورقة المصرية كما لو أنني أدقق في نص ديني، ولم أجدها تتحدث وحدة وطنية بل عن انتخابات، بعد ثلاث سنوات من الحصار وحرب لئيمة مثيرة للاشمئزاز وبعد كل ما حدث يجب أن تصوت في الانتخابات، وإذا لم تفعل سيجوع أولادك، أو أنهم لن يأخذوا تصريحاً للعلاج أو الدراسة، بعد كل هذا لمن تصوت؟! أهذا وفاق وطني! هذا اتفاق مع المستعمر على الناس من أجل أن تطيح "بالإمارة الظلامية"، أيّ قيادة وطنية تحترم نفسها في الحد الأدنى تقول أنا مع الانتخابات، مع أني لست مع تقليعة الانتخابات تحت الاحتلال، وكل الشعوب العربية والتي عندها سيادة لا توجد لديها انتخابات، أما تحت الاحتلال فيجب أن يكون هناك انتخابات، وكل القادة العرب الديمقراطيين يطالبوننا أن نعمل الانتخابات، فلم لا تقومون بها عندكم، فأنتم ليس لديكم حصار!».

وقال الدكتور بشارة: «قيادة تحترم نفسها بالحد الأدنى تقول: ولكن أريد ضمانات من الرباعية، أمريكا، روسيا، أوروبا والأمم المتحدة، وتشترط أن تعترف الرباعية بنتائج الانتخابات أياً تكن، فهل من المعقول أن الشعب الفلسطيني لا يريد حق العودة والقدس، أما إذا لم توافق الرباعية على هذا وفرض مجرد الالتزام بوقف العنف والالتزام بالاتفاقيات، عندها لا، أنا سألتزم بوحدة وطنية مع الشعب وهذا فيه الحد الأدنى من الوطنية، إذا لم تحترموا نتائج الانتخابات التي يفرزها الشعب، أما أن أذهب إلى الانتخابات متفقاً مع العالم أن يربحها لي بواسطة الحرب والحصار، فهل يعقل أن هناك قيادة وطنية حلفاها الحصار والحرب على شعبها، وهذا ما يجعلها تفوز. أخيراً ما تحدثت به هو اقتراحات مخارج للأزمة التي نعيشها وما يتعلق بالمستقبل، إن ما نعيشه هو تحصيل حاصل لوضع الأمة العربية، قضية فلسطين هي قضية عربية وليست قضية الفلسطينيين، وبدون أن تكون قضية فلسطين عربية لا تكون قضية فلسطين وتكون قضية الفلسطينيين، فلسطين برمتها هي القضية، وليست القدس فقط، العقلية التي تقول أن القضية الفلسطينية هي قضية الفلسطينيين هي نفس العقلية الحاكمة في الدول العربية، والتي تقول أن الفقر هو قضية الفقراء، والصحة قضية المرضى، هذه العقلية لا يمكنها بناء أمة ولا بلد».

ثم ختم المفكر عزمي بشارة لقاءه مع الحضور الذي أصر عليه كي يوقع بعضاً من كتبه كتذكار على الرغبة بعودة الأمل.


عمار حسن

اكتشف سورية

Share/Bookmark

صور الخبر

سيادة العماد أول مصطفى طلاس والسيد فراس طلاس من بين الحضور

جانب من الحضور ويبدو العماد أول مصطفى طلاس والدكتور محمود السيد

المفكر عزمي بشارة يوقع بعض كتبه

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق