الشخوص التعبيرية وتجريد الأمل في صالة السيد

22/نيسان/2008


قدمت صالة السيد للفنون التشكيلية مِراراً مواهب جديدة أثبتت قدرتها وتطورها واليوم تعرض لأربع تجارب واعدة، عملت على تقديم رؤية مختلفة وخاصة أن هذا الجيل من الفنانين لديه من الاضطلاع بفنه وذلك يمنحه القدرة على الابتكار في عصر كثرت فيه التقنيات وازدادت أيضاً الأدوات والمفردات الفنية، وربما عصرنا اليوم يطرح أمام الفنانين الشباب صعوبات تختلف عن الجيل السابق مع تعدد التجارب الفنية وتنوعها ووفود الفنانين العرب والأجانب وظهور أساليب جديدة ارتبطت بالحداثة وابتعدت فيه عن تراثنا الفني، لذلك علِق هؤلاء الشباب اليوم في فجوة العودة إلى تراثنا أو السفر إلى العوالم الأخرى للارتباط بمفاهيم الحداثة وفقاً لما يراه العالم الغربي!

لكن العودة إلى الحضارات القديمة منحت الحل لمعظم الفنانين بمفرداتها التجريدية والبسيطة ولا سيما أن بلادنا تتمتع بتمازج للحضارات منذ القديم وأخذت من معتقداتهم وأساليبهم وبالتالي رفدتهم أيضاً ببعضٍ من بصماتها المميزة، ويسعى اليوم الفنانون الشباب إلى إغناء الحركة التشكيلية السورية عبر لوحات عادوا فيها إلى الواقعية التعبيرية بين لوحات أخرى جرّدت المفاهيم بلغة لونية قوية، وقدم كل من جوني سمعان وسامر داوود وسمير الصفدي ووائل طوبجي لوحات ميّزت وجهة نظرهم في معرض في صالة السيد.

بدأ المعرض مع الفنان سمير الصفدي الذي نقل حالة الفرد ضمن الجماعة اليوم عبر خلق حوار بين أفراد المجموعة الواحدة وكل واحد منهم يشير إلى نفسه وقد استعمل في ذلك تقنيات متعددة معتمداً على الاختصار في الشكل وإيضاح الخط الواحد فلم تظهر العيون مثلاً في وجوه شخوصه وكذلك لم يُلبسها الثياب بل جعلها واضحة عارية أمام الجميع باعتبار أن الملابس تُعد غطاء للنفس والروح قبل الجسد وكذلك جعل أقدامهم قريبة من بعضهم بعضاً في حالة منطوية على ذاتها بينما جعل البعض قريباً جداً من الآخر مثل جلوس أحدهما على الآخر، ربما نقل لنا الصفدي حالة من تمازج المشاعر، لكنهم جميعاً يميلون إلى التساؤل عن طبيعة الحياة وصولاً إلى الملل فمنح معظم شخصياته اللون الأحمر مع الظلال السوداء والبيضاء وصولاً إلى الفرد الأخير الذي جعله قريباً من الشفافية عبر اللون الأزرق والوردي المائل للبياض.

أما الفنان جوني سمعان فقد قدم رؤية مختلفة تماماً عن زملائه وخاصة أنه يتمتع بلغة لونية قوية فجعل لوحاته التجريدية تتكلم باللون عبر وضع الأضداد إلى جانب بعضها البعض وصولاً إلى التوازن والتكامل اللوني مثل اللون الأبيض إلى جانب الأزرق مع الأخضر المصفر لوجود اللون الأحمر إلى جانب الأصفر أيضاً وجعل اللوحة تتمتع بالثقل المطلوب حين جعل الظلال السوداء تتمركز في الثلث الأسفل من اللوحة مع انتشار الألوان الفاتحة في النصف الأعلى منها وأسدل في لوحاته مفردات تشكيلية مختلفة وفقاً للشكل أو الفكرة التي أراد تجريدها كالحبل الرفيع المنتهي بالكرة، بينما قدم الفنان سامر داوود لوحات واقعية تعبيرية جاعلاً من المرأة محوراً لمعظم لوحاته عبر صراع بين النسوة وخاصة أنه جعل تلك الفتيات في استعداد للهجوم بينما أظهر في لوحة أخرى الجانب الأنثوي للمرأة عبر حَضنها لطفل صغير وضع يده على جبينه ليخبئ وجهه وكذلك قام الفنان وائل طوبجي بعرض الألم والحزن عبر المرأة أيضاً فجعلها منحنية على حبل تُمسك به مرتدية الفستان الأحمر الذي يثير العديد من التساؤلات كالوحدة والعزلة والحب، جاعلاً اللوحة تعيش في حالة من الصمت وقد استخدم في ذلك الأسلوب الأقرب إلى التعبيري فجعل الوجوه مموهة لا ملامح لها بالإضافة إلى أنه أسقط مشاعره على هذه المفردة التشكيلية التي فضلت التنقل على مسرح الحياة التشكيلية.

بذلك استطاع هؤلاء الشباب أن يقدّموا تجربتهم التي يسعون دوماً إلى تطويرها عبر الثقافات المتنوعة التي تزيدهم خبرة، ومع ذلك يحتاج كل فنان شاب من هذا المجتمع إلى فرصة تتبنى أفكاره وتعرضها له لعلها تلاقي طريقها إلى النجاح بدلاً من رفضها فتلاقي مصير الضياع خلف هموم الحياة التي يحاربونها لتحقيق حلمهم ومشروعهم الفنيين وإغناء الحركة التشكيلية بروح الشباب وحيويتهم.




الوطن


مواضيع ذات صلة
- معرض فني في صالة السيد سيذهب ريعه إلى قطاع غزة
ما نراه من أحداثٍ وصمتٍ عربي يؤلم النفوس

- معرض جديد للفنان علي الكفري في صالة السيد
اتجاه واقعي حامل لمسحة تراثية وتقنية خاصة

- صالة السيد للفنون التشكيلية
مسيرة حافلة ومحطات لامعة في عروض الفن التشكيلي

- معرض جماعي في صالة السيد من سورية إلى ألمانيا
محاولة جادة لبناء جسر ثقافي من خلال الفن التشكيلي

- معرض لأربعة فنانين في صالة السيد
للتعريف بالفن السوري التشكيلي المعاصر

- عبد السلام عبد الله راقص اللون والريشة في صالة السيد
أنا صياد المشهد الذي يغريني تشكيلياً ويقنع عين المشاهد

- معرض تشكيلي جماعي في صالة السيد في دمشق
- حدائق الفنان كرو في صالة السّيد في دمشق
شقائق نعمان وأشجار عارية في الضوء


تعليقات القراء

المشاركة في التعليقات:

*اسمك:
الدولة:
بريدك الإلكتروني:
*تعليقك:

الحقول المشار إليها بـ (*) ضرورية

ضيف اكتشف سورية
أنطون مقدسي
أنطون مقدسي
حصاد عام 2008
حصاد عام 2008
دمشق القديمة
غاليري اكتشف سورية
غاليري اكتشف سورية
 

 


هذا الموقع برعاية
MTN Syria

بعض الحقوق محفوظة © اكتشف سورية 2008
Google وGoogle Maps وشعار Google هي علامات مسجلة لشركةGoogle
info@discover-syria.com

إعداد وتنفيذ الأوس للنشر
الأوس للنشر