عصام الشاطر في حوار مع «اكتشف سورية»

2009/24/08

لم يخطر ببال أحد من أساتذته أن يحتفظ بالصورة التي رسمها هذا الطالب على وجه دفتره لأن أحداً منهم لم يتنبأ بموهبته.

هكذا كانت بدايات الموهبة والميل إلى الرسم، واستكملت الرحلة أجزاءها حتى وصلت إلى ما وصلت إليه من مدن وشرقيات وتفاصيل تراثية تغتني بها لوحات الفنان التشكيلي السوري عصام الشاطر.

يتحدث الشاطر عن بدايات اكتشافه لميله نحو الرسم قائلاً: «ظهر ميلي نحو الرسم منذ سنوات الطفولة الأولى، بدأت أرسم المدرسين على وجه دفاتري وفي هذه المرحلة أعتقد أني كنت أتأرجح بين الموهبة ومحاولة المعرفة».


يذكر الشاطر أنه عندما نال شهادة البكالوريا توجه لدراسة الاقتصاد، لكنه ما لبث أن تركه وتقدم لامتحان كلية الفنون الجميلة، وهنا لا تخونه الأرقام أبداً فيذكر في حديثه: «كان ترتيبي السابع من أصل 75 ناجح في المسابقة علماً أن عدد الطلاب المتقدمين يومها كان 2300 طالب...»


الفنان التشكيلي عصام الشاطر

بعد الدخول إلى الكلية وجد نفسه رساماً فطرياً، وفي المقابل يقف أصدقاءه ممن صقلت معاهد الفنون ومراكزها تجاربهم حتى قبل دخولهم الكلية، لذا: «قررت أن لا أهدأ فكنت أحمل دفتري وقلمي الرصاص وأتنقل من مكان لآخر أطلب المزيد، ففي المدينة الجامعية كنت أجالس طلاب قسم الإعلان وفي الكلية كنت مع طلاب قسم التصوير الزيتي.»

هكذا قضى سنوات الجامعة حتى تخرج منها عام 1989 نفس العام الذي نال فيه أولى الجوائز وهي جائزة دمشق القديمة، تلك المدينة التي شغلت بال وفن الطالب القادم من الجنوب كثيراً، حتى أفرد لها عدداً من اللوحات والمشاريع استمرت 8 سنوات من عمر التجربة، وهنا يتحدث عن دمشق: «علاقتي بدمشق علاقة عشق فهذه المدينة فيها من الخصائص ما يميزها عن غيرها من المدن، فهي ليست مدينة ترسم فقط وليست مؤلفة من عناصر معمارية مختلفة أيضاً، بل كنت أرى فيها حالاتٍ إنسانية تشبه قصص الحب والخيال، دمشق من الناحية الفنية تعلم التكوين واللون والرسم والألفة مع عناصرها من تراب وخشب ورائحة فكانت أكثر من مدينة بالنسبة لي لقد كانت حالة إنسانية متشابكة في ذهني ومخيلتي».

لم تكن دمشق مرحلة عابرة في حياة عصام الشاطر، بل كانت مؤسسة لاكتشاف غيرها من المدن، فمن خلالها ذهب لرسم مدينة السويداء القديمة التي يقول عنها: «حاولت أن أعمل على تقديم السويداء بمنطق آخر فهي ليست حجارة سوداء، إنما إرث حضاري كبير يمتد من قبل أيام روما حتى هذه اللحظة».


من أعمال التشكيلي عصام الشاطر

لم توقف الشاطر حدود المدن، ففي رحلة تنقله يمَّمَ شطر اسطنبول وهناك لفتت لوحاته نظر الأتراك فطلبوا إليه رسم مدينتهم بنكهة وتقنية دمشق، وكانت هنا النقلة النوعية التي يتحدث عنها: «عندما بدأ مشروع رسم اسطنبول كانت هناك مواجهة كبرى مع الخشب وهو المادة الأساسية للبناء التي تستعمل في تلك المدينة، مما تطلب مني بذل جهدٍ عالٍ في الناحية التقنية كي أقدم اسطنبول بالألوان الزيتية وبنكهة دمشق».

بعد رحلته بين مدنٍ مختلفة توجه الشاطر بمشروعه الفني نحو التراث بما فيه من عناصر، فرسم الأواني والنحاسيات والجرار والصناديق المزينة بالأصداف وكل ما يمكن أن يسمى بطبيعة ٍ صامتة حملت من الخصوصية لدرجة أصبح الناظر يميز أواني وصناديق عصام الشاطر عن كل ما يراه من لوحات تعالج نفس الموضوع، وعن هذه التجربة يقول: «كل ما يصول ويجول في الساحة من تيارات لا يعنيني فأنا أؤمن أن الفن ينبع من أعماق الإنسان ولا يأتي مستورداً من الخارج، ومن هنا ذهبت لمعالجة عناصر التراث من خلال الطبيعة الصامتة وهي موضوع يبدو مكرر بالنسبة للبعض لكني سعيت على إيجاد خصوصية للوحتي فيه فدرست كيف تم تناوله في مراحل عدة من تاريخ الفن وذهبت للبحث في مكانٍ آخر في التقنية والضوء لمعادلة تكوينات اللوحة وأحياناً كسرت القواعد لتحقيق سوية العمل».


من أعمال عصام الشاطر

إن متابعة أعمال الشاطر تقود إلى التأكد من توجهٍ ظاهرٍ نحو الواقعية يجد هو مبرراً له: «مع احترامي للتجريد ولكل التيارات الفنية فهو لم يقدم لي التكنيك العالي الذي كنت أسعى له، علماً أني لم أغلق الباب في تجربتي على أي من هذه التيارات فاللوحة نفسها تحمل في أجزاء كثيرة منها ملامح تجريدية، وتجريدية تعبيرية أيضاً رغم أنها تبدو للوهلة الأولى واقعية بحتة، كما أني أتمنى ألا يدافع بعضهم عن تيار فني بعصبية أياً كان، على سبيل المثال اليوم مقابل تيار ما بعد الحداثة وجد من يدعو إلى العودة للتصوير الذي يحاكي الفوتوغراف، أعتقد أن التعصب لتيار سيوجد تعصباً مقابلاً بمكان آخر لتيار نقيض وهذا ليس محبباً».

تعتبر عجائن الألوان من العلامات الفارقة في لوحات الشاطر إذ يتقن موضعتها والتعاطي معها في سياق العمل وعنها يقول: «التصوير هو اللون فلا يوجد مهارات بدون لون فمجموعة العلاقات اللونية هي التي تشكل العمل الفني بكل تكويناته الحساسة».

بعد مجموعة ضمت حوالي ثلاثة آلاف لوحة حافلة بالمدن والألوان، يترك الشاطر لنفسه فسحةً ليتحدث فيها عن مفهومه للعالمية والهوية فيقول: «مهما رسمنا وطورنا فنحن نرسم شيئاً من داخلنا من عمق تجربتنا وحياتنا، والفن بحد ذاته هو لغة عالمية لا تحتاج ترجمان فأي شيء يرسم بأسس صحيحة يجب أن ينال حقه من تقدير، ولهذا استمتعنا بأعمال الغربيين لأنها تنتمي لهوية وزمان ومكان هي ابنته ووليدته، وهم استمتعوا أيضاً بأعمال كثيرين من مبدعينا، أعتقد أن العمل المدروس والذي ينتمي لمكان محدد تستطيع تقبله كل الشرائح، طبعاً بعيداً عن النظرة التعصبية لبيئة أو مكانٍ معين بحد ذاته».

يجد الشاطر نفسه اليوم في المكان الأكثر خطورة لأنه وفي استشرافٍ لتوجه تجربته يقول: «أنا ذاهب بقصد أو بغير قصد إلى الربط بين الواقعي والتعبيري والتجريدي وهنا المرحلة الأكثر خطورة كما أعتقد».

عمر الأسعد - السويداء

اكتشف سورية

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق

ليالي:

أنا من أحد طالبات الأستاذ الكبير عصام الشاطر وإنه بالنسبة لي و لكل طلاب المعهد هو الأستاذالمخضرم الذي علمنا مبادئ الرسم وطور الموهبة لدى الجميع .أما بالنسبة لي شخصيا فهو "عرابي "

السويداء

السويداء