من مكتبة الجولان وثائق عثمانية حول الجولان

21 04

أوقاف وأوامر سلطانية وسالنامات

تعددت المصادر الغربية التي تحدثت عن المنطقة العربية، وكانت في معظمها لا تتمتع بروح الحياة بل تحكمها الأطماع والنظرة إلى هذه المنطقة كونها مشروعاً استعمارياً استيطانياً استنزافياً، وبرغم ذلك يمكن أن تنظر إلى مجموعة من الخرائط والمصورات، التي تصور خُطط استعمار بلادنا وتقسيمِها من خلال مجموعة من الوثائق العثمانية التي صورت ذلك الواقع خلال الحقبة العثمانية وخصوصاً في القرن التاسع عشر من خلال كتاب يركز على منطقة الجولان تحت عنوان «وثائق عثمانية حول الجولان» جمعها وعلّق عليها ضمن مائتين وعشرين صفحة من القطع الصغير الكاتب تيسير خلف وقسم الكاتب كتابه إلى فصول ثلاثة، ضمّنها مجموعة من الصور والوثائق التي تصور أوقاف وأوامر سلطانية وسالنامات تعود إلى الحقبة العثمانية.‏
بحسب مقدمة الكتاب يتضمن الفصل الأول وقفية تعود إلى الوزير العثماني مصطفى لالا باشا الذي عُين والياً على الشام بين عامي 1563 و1567 قبل أن يكلف بقيادة الحملة على قبرص عام 1570 ليصبح لقبه فاتح قبرص، إضافة إلى لقبه لالا الذي يعني المربي.
أقام لالا باشا مجموعة من المنشآت العمرانية التي يعود نفعها على عموم الناس، فأنشأ في قرية القنيطرة مجموعة من الأبنية والمرافق، ساهمت في تحويل هذه القرية إلى مركز لمنطقة الجولان.‏
تشرح وقفية لالا باشا التي اقتبس لغتها وأسلوبها الإنشائي من التراث المملوكي، أسباب إقدامه على خطوته هذه، وتُبين بالتفاصيل أوصاف المنشآت التي بنيت قرابة عام 671هـ (1563م) كما تتضمن تفاصيلاً طبوغرافية للقرى والمزارع الموقوفة والكثيرُ منها يقع في الجولان، وذلك يعطينا فكرة مهمة عن الأوضاع الاجتماعية والعمرانية والسكانية التي كانت سائدة في الجولان خلال السنوات الأولى من الحكم العثماني لبلادنا. واحتفظت القنيطرة خلال القرن العشرين بالجامع الذي يتوسط المدينة فقط، وعُثر أيضاً على بقايا السور الذي كان يحيط بها، بينما اختفت باقي المنشآت بعد أن قام الشراكسة الذين استوطنوا المدينة منذ عام 1878 باستخدام حجارة المنشآت المهجورة الخربة والسور القوي في بناء بيوتهم.‏
لقد تحدث أكثر من رحالة عربي وتركي وغربي عن منشآت القنيطرة العمرانية ووصفوها أحياناً بدقة كبيرة، وذكر معظمهم وجود قلعة ذات أبراج وسور يبلغ محيطه نحو ميل، وكان آخر الرحالة الذين وصفوا القنيطرة وتحدثوا عن بابٍ مقنطر للمدينة لورانس أوليغانت الذي زار القنيطرة أواخر عام 1879 لحظة إعادة بنائها من قبل الشراكسة.‏
أما الفصل الثاني من الكتاب، فيتضمن مجموعة من الوثائق الهامة المعنونة «أوامر السلطانية» ومعظمها موجود في السجل الخامس العائد لعام 1845 المحفوظ في مركز الوثائق التاريخية في دمشق، وتأتي أهمية هذه الوثائق كونها تُقدم صورة صادقة عن حقيقة الأوضاع الاجتماعية والسكانية في الجولان، بُعيد خروج القوات المصرية من بلاد الشام، وتعطي أيضاً معلومات ثمينة جداً تجيب عن الكثير من الأسئلة المعلقة حول أسباب الخراب، الذي حل بالكثير من مناطق الجولان، وأصناف التشكيلات الاجتماعية المتواجدة في البلاد وعلاقاتها فيما بينها، وأشكال الصراع الذي كان سائداً بينها وبين قبائل عنزة القادمة من الجزيرة العربية والتي كانت تشن الغارات على قرى الفلاحين الجولانيين بمختلف تشكيلاتهم التي نعرفها اليوم، وتسلط هذه الوثائق الضوء على الدور التخريبي المدمر لنظام الالتزام الذي اعتمدته السلطنة العثمانية، فيتضح من دون أدنى لبْس أن هذا النظام هو المسؤول الأول وليس الأخير عن هرب الفلاحين من قراهم، وابتلاء الأراضي بالعطالة، وهو ما انعكس سلباً على السلطنة ذاتها التي أُطلق عليها لقب «الرجل المريض».‏
من الملاحظ أن وثائق «الأوامر السلطانية» كُتبت بلغة عربية ركيكة، تعبّر عن مستوى الإنشاء الذي كان سائداً في أواسط القرن التاسع عشر، إذ تتداخل المصطلحات التركية العثمانية بالعربية الركيكة، وقد تقرأ في الصفحة ذاتها فقرة بالعثمانية وأخرى بالعربية.‏
جاء الفصل الأخير من هذا الكتاب متضمناً الأقسام المتعلقة بالجولان في السالنامات العثمانية، هذه الكتب السنوية التي كانت توثِّق للجهاز الإداري وسلطات الحكم، وبعض الإحصائات المهمة حول مختلف جوانب الحياة، وقد كُتبت هذه السالنامات باللغة العثمانية المليئة بالمصطلحات المقتبسة عن العربية، وقام بترجمتها الأستاذ تيسير خلف بمساعدةٍ من صديقه الباحث «محمد خير فايز آغا» شيخِ تركمان الجولان، ومعظم هذه الوثائق نجدها في مركز الوثائق التاريخية في دمشق.


الثورة

Share/Bookmark

صور الخبر

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق