ملتقى النحت الثاني في جبلة
15 07
أبطال لا يغيبون عن الذاكرة
عز الدين القسام بطل جبلة الذي روى بطاهر دمه أرض فلسطين لن يغيب شعلةً على درب الكرامة، وسيبقى يضيء في سماء الفخار كشهيد من أجل عزة العرب وحريتهم.
والسباحان العالميان البطلان محمد زيتون وماهر صالح، بطلان لا يفارقان ذاكرة السوريين ويستحقان هذا المشهد الرخامي بعد تحوله إلى أغنية موسيقاها صوت الموج، كتحية ووسام على صدر غيابهما وحضورهما، فعطاؤهما لم ينقطع كنبع ثر خرج ويخرج على الدوام من رحم عظمة هذه الأرض.
«اكتشف سورية» رافق هذا الملتقى وقبل أيام من اختتامه اختار هذه الوقفة، والغبار الأخير ينزاح عن الكتل النحتية وهي ُتخرج طيور سلامها إلى العالم.
نتوقف مع النحات أكثم عبد الحميد لنتعرف أكثر على أجواء الملتقى، ونبدأ معه بالسؤال التالي:
هذا ملتقاكم النحتي الثاني في جبلة، ما الذي يميزه عن الملتقى الأول؟
يتميز الملتقى هذه السنة بتكريمه لأبطال ما زالوا يعيشون في الذاكرة السورية، كالشيخ الجليل المناضل والمقاوم عز الدين القسام، وهو أكبر من أن يُعرَّف، والسباحين العالميين محمد زيتون و ماهر صالح.
وما يميز الملتقى هذه السنة، هو الكتل النحتية الكبيرة مقارنة بالملتقى الماضي، حيث تتنوع الكتل ما بين الرخام البدروسي والتدمري، أما المواضيع فهي من وحي هؤلاء الأبطال ومفردات البيئة المحلية.
كمشارك في هذا الملتقى تقدم عملاً نحتياً تعبيرياً احتفائياً بالسباح البطل محمد زيتون فهل تخبرنا من هو؟
السباح العالمي محمد زيتون هو من السباحين الذين قطعوا بحر المانش ولا يزال الأول عالمياً بالزمن الذي قطع به هذا البحر محطماً كل الأرقام التي كانت قبله، وإذ أختار هذا الموضوع فلأنه لا يزال يعيش في ذاكرتي، فعندما كنت طفلاً كنت أشاهده وهو يتدرب على شاطئ البحر، ومن بين تدريباته أنه كان يسبح وهو يشد زورقين، وهذا ما حاولت تقديمه في عملي النحتي.
مكان الملتقى على الكورنيش البحري لمدينة جبلة، وهذا يعني أنكم على تماس مباشر مع الناس، كيف يتقبل الناس هنا عملكم النحتي؟
من الأشياء الإيجابية التي يحققها الملتقى إمكانية متابعة الناس للكتل النحتية وهي تتطور لتأخذ شكلها النهائي وهذا يخلق الكثير من التواصل والتفاعل والحميمية بين الناس، وهذه الكتل تعزز الثقافة البصرية واستمرار هذا التعزيز لاحقاً لأن نتاج هذا الملتقى سيكون في مدينة جبلة، وهذا يمثل رسالة للأجيال القادمة على مستوى التشكيل النحتي ورسالته البصرية الجمالية. وكذلك بالنسبة للموضوع الذي يحتفي بهؤلاء الأبطال.
العمل النحتي ليس فقط هذه الكتلة المنحوتة من الحجر، بل مجموع التقنيات والإشغالات المتنوعة على السطوح، وهذه تشكل إضافة متقدمة بفهم العمل النحتي، هل يصل إليها المتلقي هنا؟
المتلقي هنا حريص على الدخول بصرياً إلى خفايا العمل النحتي، حتى أن البعض يحاول تعلم أوليات إنجاز العمل النحتي، وهنا نحن نقدم كل المساعدة والخبرات لمن يطلبونها ونعرفهم على الأدوات الضرورية للعمل النحتي.
بالحديث عن جماليات العمل النحتي، كيف يستطيع المتلقي فهمها برأيكم؟
نحاول من خلال العمل النحتي تقديم الحالة البصرية الجمالية لجذب المتلقي، ومن ثم يمكنه التعرف أكثر إلى الرموز المتضمنة، ذلك لأن الجمال هو من يحرك المعنى وهذا رأيي، فبين اختلاف التقنيات لإخراج سطوح متنوعة ومتباينة في إيقاعها الحسي ما يشكل جذباً للعين لسماع هذه الموسيقى التي يحكم إيقاعها هذا النافر أو الغائر الخشن أو الناعم على سطوح العمل النحتي، و ما يشد العين في النهاية هو هذا الانسجام والتنوع.
نظرة إجمالية على أعمال الملتقى:
بعد أن أطلعنا الفنان النحات أكثم عبد الحميد على فكرة عمله، كان لنا هذه الوقفة الثانية عند بقية الأعمال.
ومن الجدير ذكره أن عدد المشاركين ثمانية، أربعة فنانين وأربع فنانات من سورية. وفيما يلي نظرة إجمالية على أعمالهم.
عماد الدين كسحوت: طائر الفينيق هو موضوع النحات عماد الدين كسحوت، طائر ينبعث من الرماد ليحلق من جديد في فضاء الحياة وفضاء الفعل، هذا الطائر موشى بالكثير من المدن التي خرجت من شرانق هذه الأرض، وإن العمل يتوقف أكثر عند الرموز الفينيقية كالغزال الفينيقي، أو الإنسان الفينيقي وهو يحمل سنبلة من الخير والمعرفة إلى العالم، الفنان ينوع كثيراً على سطوح عمله النحتي، إن كان على صعيد الحراك الخطي أو على صعيد ملمس وحساسيات الكتلة مستفيداً من تنوع سطوحها الداخلية أو الخارجية، هذا الطائر ينبعث كل صباح، يطير مرتفعاً أو يبحر من هذا الموج القريب إلى الجميل والأكثر جمالاً؟
محمد بعجانو: خبرة محمد بعجانو الكبيرة في التعامل مع أنواع الصخور تعطيه المزيد من الحرية في شكل عجن الصخر وإخراج الطاقة التي بداخله رقصاً وقوة تصب في بؤرة الفكرة التي يطمح إلى إيصالها! الثور هنا من أكبر الثيران المنحوتة في سورية وقد يكون (أنكيدو) القادم من أسطورة جلجامش أو قد يكون تلك الإرادة القوية في مجابهة الحياة، أو قد يكون المدينة المتأهبة لصد الغزاة المحتملين، ثور يخرج بكامل الصخرة الكبيرة إلا من فتات صخري أزاحه محمد ملخصاً الشكل إلى أقصى حدود التوهج، وكعادته فثمة إضافة أخرى على خامة الصخر وهذه المرة قرنان من حديد لهذا الثور.
أنور رشيد: النسر العربي يخرج من الماء إلى الهواء تيمناً بالبطل (ماهر صالح) وإن كان أنور رشيد لا يلح على المقاربة الواقعية كما فعل الفنان أكثم عبد الحميد بل يبقي العمل في فضائه الرمزي التعبيري ليقول من خلاله إن هذا النسر الخارج من الماء الأزرق ينبعث من جذور الماضي الغنية ليندفع في الحاضر إلى المستقبل بقوة وإصرار وفرح يستحضرها رشيد بحراك الموج وبالكثير من التفاصيل التي تغني الفكرة وسطوح العمل.
جيهانا سعيد: لا يمكننا إلا أن نقف بكثير من الاحترام أمام نحاتنا السوري وتحديداً أمام نحاتاتنا وهن يلوين عنق قساوة الصخر ليكون أكثر اقتراباً من العين والقلب، جيهانا سعيد تُخرج الوردة البيضاء من قلب هذا الحجر لينبثق منها الأمل بامتلاك المستقبل، كأنه إشعاع تبثه يدا سعيد جذوة من ضوء ليغدو فرحاً لعيني الآخر.
نسرين الصالح: عمل نسرين صالح يغويك بجماله وخفته وكأنه لم يصنع من كتلة رخامية كبيرة، إنه رأس سمكة ولكن نسرين ُتشعرك بأنها كل السمكة، فبين السفينة الفينيقية والسمكة يأتي هذا العمل ليمزج الفكرتين معاً، ويؤكد هذا العطاء الذي ما زال يعبر من فوق صفحة الماء إلينا كل يوم.
سماح عدوان: ترى في كتلتها وهي تتمايل مع هواء البحر صارياً وشراعاً لا يزالان يجوبان الحياة السورية من أوغاريت إلى الفرات، هذه المرة ترمّز سماح عدوان موضوعها ليكون الرجل هو الصاري والمرأة هي الشراع وهي تتمسك بهذا الرجل وتدفعه لامتلاك المستحيل!
يسرى محمد: ترمز يسرى محمد بهلالها وهو يرتفع أبيضاً فوق كتلها العالية إلى عز المقاومة بعزيزها القاسم وتحاول إلى أقصى ما تستطيع كتلتها التأكيد على مفهوم المقاومة والشهادة، يتماهى العمل مع روح الفكرة ويرتفع بحق بارتفاع هذه القيم التي يتناولها.
عمار حسن
اكتشف سورية