لقاء مع بسام كوسا: روج البعض أننا محاصرون فنياً

11 04

المصريون فشلوا في أعمال السير الذاتية لأنهم قدموا شخصياتها كأنهم ملائكة

كعادته هو صريح جداً ويتحدث عن كل ما يدور حوله دون مجاملة أو خوف، معتبراً أن الفن والثقافة قد انتُهكا وباتا ساحة مفتوحة، بل «حيطانها واطية» يتحكم بها من ليسوا أكفاء لها. وعلى الرغم من قلة مقابلاته الصحفية إلا أن النجم السوري بسام كوسا خصنا من دمشق، بحديث فتح فيه النار فيما يتعلق بعدد من المواضيع المتعلقة بالفن السوري والمصري، كما أفصح عن دوره الجديد «أسعد الحوت» في عمل سوري كبير يحمل ذات الاسم، وخالف الجميع في انتقاده لمسلسل «باب الحارة» ووصفه بالأبيض والمعقَّم، كما تحدث عن أسباب عدم عمله في الدراما التاريخية، فإلى تفاصيل الحوار:
تجسد حالياً شخصية أسعد الحوت في عمل يتحدث عن البيئة البحرية، ماذا عن هذه الشخصية الجديدة؟
اعتدنا في الدراما السورية على أن تكون الشخصية السلبية أحادية الجانب وكذلك الإيجابية، وهذا المفهوم برأيي بائد غير حقيقي، ودائماً هناك شيء يُفترض أن يُطرح درامياً وهو البعد الإنساني لهذه الشخصيات ومبررات سلوكها وما وراء هذا السلوك، أي الأسبابُ الحقيقية التي أدت لأن تصبح شريرة إلى هذه الدرجة أو خيّرة إلى درجة كبيرة، وما يمكن أن يستفيد منه الناس في هذه الشخصيات ليتفادَوا سلبياتها ويصلوا إلى إيجابياتها. والناس أحياناً في مجتمعاتنا تأخذ موقفاً سلبياً من الشخصيات السلبية وتحب الشخصيات الإيجابية وتُعجب بها وهذه نظرة خاطئة، فمؤدي هذه الشخصية فنان يُطلب منه أن يؤدي شخصية معينة. وفي الحقيقة إن حب الناس لشخصية معينة وكرههم لها نجاح للفنان الذي أدى هذه الشخصية أحياناً، فالأدوار تقدم موعظة واحترازاً للناس ليستفيدوا من أخطاء ما يجري في الأعمال في حياتهم اليومية. وشخصية «أسعد الحوت» التي أجسدها في مسلسل «الحوت» الذي سيُعرض في رمضان المقبل نموذج موجود لشخصيات مشابهة في مجتمعنا. والحوت له جوانبه السلبية من انتهازية ووصولية ولكن في المقابل له أعماله الجيدة التي سيراها الناس عند عرض المسلسل.
ألا تخشى من تأطير بسام كوسا في الشخصيات السلبية لأنه أبدع في أدائها؟
هذا الموضوع لا يشكّل عندي أي خوف أو أي هاجس، فالتأطير بالنسبة إلي هو أن تكون أدوات الفنان التعبيرية محدودة ومتشابهة. ما أقوم به أنا هو التنوع في التعابير والشخصيات. صحيح أن ما يجمع عدداً من الشخصيات التي أديتها هو كونها شخصيات سلبية، لكنها مختلفة على المستوى المسلكي ومستوى الشكل والأداء، ولذلك رآني الناس في الجزء الأول من «باب الحارة» في شخصية «الإدعشري» مختلفاً عما رأَوني عليه في مسلسل «عصر الجنون» فتقديم صيغة جديدة للسلبية بأدوات مختلفة لا يجعلني متأطراً بقالب واحد، ولذلك فإن الناس أحبت الشخصيات السلبية التي قدمتها في أعمال عديدة، ولو كانت مكررة لملُّوها.
أديت في الموسم الماضي شخصية الآغا في «كوم الحجر» التي لاقت استهجاناً من قبل الناس لممارساتها السيئة تجاه من حولها خاصة زوجته، ألا تخشى على نفسك من هكذا أدوار؟
كما قلتُ لك سابقاً، أنا أؤدي دوراً بكل تفاصيله، فحب الناس أو كرههم له نجاح للدور والعمل ككل، و«كوم الحجر» لم يتسنَّ له ظرف العرض المناسب الجيد كونه عُرض على محطة واحدة (تلفزيون الكويت)، كما لم تقدم له الدعاية اللازمة التي قُدمت لـ«باب الحارة» مثلاً، وذلك ما تسبب في عدم رواجه بين الناس، وحالياً بدأ العمل يأخذ حقه، ويعرض على قنوات MBC وأوربت وغيرها، وبحسب علمي فقد بيع مؤخراً لأكثر من خمس عشرة محطة، وجاءت فرصته الآن ليتابعه الناس ويحكموا عليه.
هل يمكن المقارنة بين «باب الحارة» و«كوم الحجر»؟
البعض طلب إليّ أن أقارن «باب الحارة» بـ«كوم الحجر» وذلك خطأ شديد وفيه ظلم للعملين كليهما، فلكل عمل خصوصيته وتداعياته، وفي نظري إن النجاح ليس هو مقياس المقارنة، فقد يكون العمل سيء النص والأداء وينجح جماهيرياً، وقد يكون متكاملاً من حيث النص والأداء ولا يلقى القبول من قبل الناس لأسباب كثيرة. خذ مثلاً أحد أكثر الأعمال التي استمتعتُ بها وهو مسلسل «الانتظار» الذي لم يلقَ النجاح الكبير، رغم أنه عمل لائق بتقنية محترمة، ولا أستطيع مقارنته بعمل آخر لأنه مستقل، بدءاً من نصه وطريقة إخراجه وكل ما فيه. في نظري أي عمل يتفق على جودته أو سوئه المشاهدُ والنقاد والصحافة فهو عمل ناجح أو سيئ، وقليلة هي الأعمال التي تحقق هذا الأمر.
ألم يحقق «باب الحارة» في نظرك الاتفاق على جودته من قبل المشاهدين من جهة والنقاد والصحافة من جهة أخرى؟
حقق «باب الحارة» مشاهدة كبيرة تدعو للدراسة، لكن من الناحية النقدية لم يكن ناجحاً فنياً في نظر الكثيرين، وكانت الحالة النقدية مغايرة تماماً لما كان يتحدث الناس عنه، فكانت ضد العمل لا معه، بصرف النظر عن آراء الناس فيه، فقد تباينت آراء الشارع مع الآراء النقدية. ومن وجهة نظري فإن «باب الحارة» عمل له خصوصيته، ويجب ألا نحمله ما لا يحتمل، ومن الأخطاء الكبيرة التي ارتكبها البعض تكثيف الحالة النقدية عندما صنف العمل على أنه تاريخي، بينما هو ليس تاريخياً، بل عمل يحاكي بالدراما أسلوب حكايا الجدات. فالعمل مبني أفقياً، واختار المؤلف مروان قاووق جزءاً من منطقة أو حارة فعقّمها وبيّضها وتناول ما يريد أن يتناوله من المجتمع: كيف يأكلون ويشربون ويتزوجون ويتحدثون، فقدمها للناس منزوعة من المكان والزمان. وإذا دخلنا بالمنطق التاريخي فالعمل يتحدث عن مجموعة كانت تعيش في مرحلة الحرب العالمية الأولى، وهذا يفرض علينا أن نتحدث عن مجتمع يخضع لظروف تلك المرحلة لا عن مجتمع منعزل تماماً عن العالم وما يجري فيه، فالعمل ليس تاريخياً وهو غير واقعي ولم يناقش أي قضية من قضايا المجتمع ومشاكل الاضطهاد الكبيرة التي كانت تحصل في مجتمعنا الدمشقي.
ما هي مآخذك على العمل؟
لي عليه مآخذ كثيرة، من ضمنها التعقيم وإظهار المجتمع على أنه كامل لا أخطاء فيه أو محاولةُ إبراز الإيجابيات وإخفاء السلبيات، فكان بالإمكان إضافة جوانب كثيرة عليه مما كانت تحدث في المجتمع الدمشقي، فلا تؤثر فيه ولكن تجعله أكثر مصداقية، كقضايا التعليم والحالة الثقافية التي كانت موجودة في تلك المرحلة والتي تجاهلها العمل على نحو كبير. ومن الأشياء السلبية التي لم تعجبني في العمل أن المرأة قُدمت بقالب واحد، بينما هي لم تكن كذلك. هناك نماذج مشابهة لما قدمه العمل ومختلفة عنه، فكانت هناك حركات تحرير المرأة والمرأةُ المثقفة المتعلمة ونساءٌ تكتب في الصحف وتمارس عملها في المجتمع والثقافة، وهذه نقاط كثيرة كان يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار. كان هناك حراك سياسي كبير تجاهله العمل، فهم تناولوا العمل من زاوية فولوكلورية ومن زواية حكايات الجدات التي تروى قبل النوم.

شاهدك المشاهدون في مسلسل «عصر الجنون» بشخصية رجل يتعاطى المخدرات، مثل هذه الشخصيات والمواقف التي تؤديها في أعمالك الدرامية ماذا تقدم لك على الصعيد الفني والإنساني؟

أتعامل دائماً مع الشخصية التي أؤديها وكأنها تأمرني فأنظر إليها وهي من فوق وأنا أقل منها في موقع الخادم، فهي تأمرني بأداء الدور الذي تريده مني، لأنه لا يوجد فنان أكبر من الدور. أنا لا أحبذ أن أفصّل الدور على مقاسي الشخصي بل أحاول أن أطور من نفسي ومن شخصي لأناسب الدورَ الذي يُقدم لي والمطلوبَ مني أداؤه، ولهذا يتم الإطراء دائماً على الشخصيات التي أؤديها لأنني أخلص لها تماماً. ومن تقاليدي الفنية أنني أذهب إلى الشخصية بنفسي وأتمنى عليها أن تطلب مني ما تريد أداءه لأنجح بها ولهذا شاهدني الناس في مسلسل «عصر الجنون» ألعق المخدرات من على الأرض وأحياناً أقبل الأحذية لأحصل على الإدمان وهذا شيء عادي، لأن هذه تصرفات المدمن الحقيقي، وأحياناً الشخصية تطلب مني ما لا أستطيعه ورغم ذلك أقدّم لها أقصى ما أستطيع تقديمه سواء من ناحية الشكل أو المضمون أو الحركات والتصرفات أو الكلام، فأنا أدرس الشخصية بدقة لأحاول النجاح فيها.
ألا يشعرك بالإحراج بعض التصرفات التي قد يكون فيها نوع من الإذلال كتقبيل الأحذية ولعق المخدر عن على الأرض؟
يجب ألا يترفع الفنان المحترف عن أي تصرف يخدم العمل، وأن يفهم أن الشخصية هي من تلعق المخدرات من على الأرض وهي من تقبل الأحذية لا هو، وحقيقة عانيتُ من الفنان الذي كان يجسد الشخصية أمامي في «عصر الجنون» عندما كنت أقبل حذاءه، فهو في البداية لم يسمح لي بذلك ورآها مخزية، ولا أخفيك أنني أنا من اقترح أن أقوم بهذا التصرف ليكون الدور أكثر إقناعاً، فكان يقول لي أرجوك يا أستاذ لا نريد أن نصور هذا المشهد، ولكنني كنت أصرّ عليه لأنه يخدم العمل. أنا بوصفي فناناً لا أؤمن بفعل هذه الشخصية ولا بفلسفتها ولكنني مؤمن بتصرفاتها، وأن الكثير من المدمنين على أرض الواقع يقومون بمثل هذه التصرفات ويزيدون عليها. فأنا دائماً أؤمن بتصرفات الشخصية وأفعالها ولذلك من الممكن أن أجسد شخصية رجل صهيوني على الرغم من أن مشكلتي في هذه الحياة هي الصهيونية، مع عدم إيماني بأفكارها وأخلاقياتها وسلوكياتها تجاه الآخرين، ولكنني مستعد لتقمص كل هذه الأشياء في عمل درامي بهدف إنجاح الدور.
يقال إن شخصية «الإدعشري» في الجزء الأول من «باب الحارة» هي التي عرفت المشاهد العربي بشخصية الفنان بسام كوسا؟
هذا رأي شخصي، وهي من الشخصيات المهمة التي أديتها ولكنها ليست الفريدة من نوعها، فقد أديت العديد من الشخصيات التي أعتقد أنها كانت مهمة أيضاً، بعضها كان سلبياً والبعض الآخر كان إيجابياً، لذلك كل الأدوار التي أديتها في حياتي الفنية قدمت لي قيمة معرفية وإنسانية وأخلاقية وجمالية، ولو لم أصنع عدداً من الأدوار المتنوعة لما عرفتُ كيف أقدم شخصية «الإدعشري» جيداً، وهكذا بالمحصلة كلُّ شخصية أؤديها تساهم في نجاحها كل الشخصيات السابقة التي أديتها وهي نتيجة تراكمات عبر سنوات لا وليدةَ الساعة. هناك نجوم عرب تاريخهم الفني طويل ممتد، ونراهم حتى الآن يقدمون الدور ذاته الذي قدموه منذ ثلاثين سنة ولم يطوروا في أدائهم الفني وهذه مشكلتهم بتقديري، فالفن رسالة ويجب أن تتطور مع تطور المجتمع باستمرار. لا أؤمن بالأدوار ولكن أؤمن بالمراحل التي يمر بها الفنان، فما كان يسند إلي في البداية من أدوار فنية يختلف عما يُسند إلي منذ عشر سنوات أو الآن. بالنسبة إليّ تتطور آلية التفكير في العمل وهي بالتالي ما يجعلني أتطور في عملية أدائي الفني.
يقال إن بسام كوسا ينتقي أدواره بدقة ولا يقبل بأي دور يقدم له؟
نحن في مهنة من يُطلَب ولا يَطلُب فالأدوار تقدم لنا، والفنان الأنسب يقدم الدور المناسب له. بالنسبة إليّ الأدوار هي التي تنتقيني وهي التي تقول للمخرج هذا الفنان هو الأنسب لأدائي. بالتأكيد لا أقبل بكل دور يقدم لي. ومن حقي أن أختار ما يناسبني من بين الأدوار المعروضة. ومن الشروط التي أفرضها على الأدوار التي أقبل بها أن يتقاطع جزء مهم من العمل مع طريقة تفكيري، أي النص وكيف كُتب وما هي المقولة الكلية له. بالنسبة إليّ الشخصية ليست مهمة ولكن النص بمجمله مهم، وما مَقولته العامةُ ومن سيدير العملية الإخراجية. فالمخرج أحياناً يساهم في نجاح العمل أو فشله على نحو كبير، وهناك مخرجون لا أعمل معهم أبداً من دون ذكر لأسمائهم، وهناك آخرون مبدعون ونعمل معهم باستمرار. وهناك مخرجون لديهم خلل وآليات تفكيرهم بدائية، وهناك من يعتبرونني عالة لأنني أرفض الأدوار التي يقدمونها لي، فأنا أتفق مع الجميع ولا يتفق معي الجميع. وهناك مخرجون أيضاً مبتدئون أحب العمل معهم، وهناك آخرون يعتقدون بأنهم أهم مخرجي الدراما العربية ولا يهمني أبداً العمل معهم ولا أتمنى ذلك، كذلك أشترط على أي عمل أشارك فيه من سيديرُه إنتاجياً، وهناك شركات إنتاج لا أتعامل معها أبداً لأنها تجارية بحتة.
رأيناك في الأعمال الكوميدية ذات الطابع النقدي خاصة في المجال السياسي، فهل يشدك هذا النوع من الكوميديا؟
بالتأكيد يشدّني بوصفي إنساناً له علاقة بالأرض والواقع وما يجري في المنطقة من أحداث يومية، وهناك تصنيفات كثيرة لأعمال كوميدية وهي لا تهمني، وما يهمني فيها أن يقدَّم العمل على نحو جدي ولائق، خصوصاً الكوميديا التي يمكن أن تكون جادة ويمكن أن تكون هزلية ومجرد تهريج، والفرق بين الاثنتين شعرة بسيطة. نحن بحاجة إلى فن كوميدي راقٍ يساهم في رقي العقل العربي ويقدم النقد بطريقة مضحكة، ويمكن من خلال الكوميديا أن نقدم ما لا يمكن تقديمه من خلال الأعمال الجادة.
هل لا تزال الرقابة السورية تخيف الفنان وتساهم في شطب الكثير من مشاهد الأعمال التي تقومون بتقديمها؟ وعلى الصعيد الشخصي هل تخشى من الرقابة؟
الرقابة دائماً تخيفنا ولا أريد أن أكون رومانسياً تجاه هذا المفهوم. وفي كل بلاد الدنيا توجد رقابة ولكن تختلف نوعيتها من بلد لآخر. حالياً في هوليوود هناك رقابة شديدة على الأعمال التي تتحدث عن شخص الرئيس الأميركي وعن السياسة الأميركية. بالنسبة إليّ لست ضد الرقابة ولكنني ضد الرقابة العمياء التي تساهم في تعميق الجهل في المجتمع، وهي لا تعرف ما تريد في الواقع ولكنها تطبق قانوناً أعمى من دون تفكير. وبرأيي الرقابة يجب أن تتمتع بحرية كبيرة ويجب أن يتمتع أصحابها بذهنية متفتحة وبمعرفة واسعة كي يستطيعوا الحكم على الأعمال المقدمة لهم برقي وانفتاح.
لماذا لا نشاهد الفنان بسام كوسا في الأعمال التاريخية رغم أنه يمتلك شخصية وكاريزما تؤهله للقيام بشخصيات عديدة في هذه الأعمال؟
أنا لا أعمل في المسلسلات التاريخية ولي موقف واضح منها ولدي علاقة إشكالية مع التاريخ عامة، خاصة التاريخ المكتوب والمنفذ عبر الدراما. ودائماً أحاديثي عن التاريخ تسبب لي إشكاليات مع الآخرين الذين يتلقَّون ما كتب على أنها مسلمات لا يجوز النقاش فيها ولا التشكيك بها. دائماً أبدي رأيي بصراحة في كل ما ورد إلينا من نصوص تاريخية، فهناك أعمال تاريخية تنفَّذ هي مجرد تبييض لصفحة التاريخ تتلقى ما كتب بحذافيره وتنفذه من دون دراسة أو تأكُّد من صحته، لذلك أخذت عهداً على نفسي ألا أشارك في أي عمل تاريخي، على الرغم من أنني أثمّن بعض الأعمال التاريخية التي تنفذ في سورية لأن سويتها الفنية مرتفعة، ولكن هذا لا يعني أنها أعمال موثَّقة من الناحية العلمية، وأن ما ورد فيها صحيح. ولدي مفهوم أردده دائماً هو أن العديد من الكتب والوثائق التاريخية كُتبت تحت ظلال سيوف السلاطين، ومن أجل إرضاء جهات على حساب جهات أخرى، وكتبها الأقوياء، وذلك بحد ذاته يشكك بمصداقية ما ورد فيها، إضافة إلى أنني ضد حالة الحنين التي تقدمها هذه الأعمال إلى الماضي، فما زلنا نجتر نجاحات الماضي ولا نقدم شيئاً في حاضرنا المعاش. نحن العرب نصرف خمسة وتسعين في المائة من جهدنا في الماضي، فنردد أننا كنا عظماء وأقوياء وسادة العالم، بينما نحن الآن في عصر الانحطاط، في حين لا ندرس الأسباب الحقيقية لما آلت إليه أمورنا على هذا النحو المتردي. ولا أعتقد بأن هناك أمة يمكن أن تقف على قدميها وهي تصرف كماً كبيراً من الجهد باتجاه الماضي البائد.
بالنسبة إلي التاريخ غير مقدس ولكنه محترم ويمكنني مناقشة أي جزئية فيه من دون حرجٍ من أحد، وأستفيد من الكثير من العبر والدروس المفيدة، وأضيف أيضاً أن البكائيات على تاريخنا الماضي استهلكت طاقة المجتمعات العربية. وكثرة ترديدنا للماضي وإنجازاتنا فيه يشعرني بالنرجسية التي يحتضنها البعض في نفسياتهم وكأن العرب وحدهم كان لهم تاريخ عريق والآخرين لا تاريخ لهم، وذلك كذب فكل مجتمع له تاريخه وإنجازاته وماضيه وحاضره. والكثيرون حالياً يتباكَون على فلسطين المحتلة ونسَوا أن العرب في يوم من الأيام كانوا محتلِّين للأندلس، فكيف نطالب المستعمر بأن يخرج من بلادنا ونحن كنا نستعمر أراضي الآخرين؟ وفي ذلك تناقض كبير في أقوالنا وأفعالنا. ما زلنا حتى الآن نبكي على عبد الله الصغير وسقوط غرناطة. علينا أن نلتفت إلى الحاضر والمستقبل على نحو أكبر لنحقق آمالنا في التطور والنجاح.
دعيتَ للعمل في مصر للمشاركة في أحد الأعمال المصرية، لكنك رفضت الدور فما السبب؟
نعم دعيتُ للمشاركة في عمل مصري كبير للمشاركة في دور يتحدث عن شخصية الراحل بليغ حمدي، ولكنني رفضت الدور فيه والسبب هو أن النص سيئ. وفي الحقيقة لم أقرأ النص لأن المصريين قدموا في الفترة الأخيرة العديد من الأعمال التي تحدثت عن رموز سياسية وفنية مصرية وكان تقديمهم لها أبيض وإيجابياً وكأنهم ملائكة لا يخطئون ولم يرتكبوا سلبيات في حياتهم الطويلة. المصريون قدموا شخصيات مثل أم كلثوم وعبد الحليم والملك فاروق وغيرها وكلها كانت أعمال معقَّّمة وبيضاء وكأنها منزهة عن الخطأ وذلك غير صحيح، بل إساءة إلى العمل والشخصيات موضوع العمل الذين قُدِّموا وكأنهم أنصاف آلهة. إذا لم تقدم الشخصيات بحلوها ومرها بسلبياتها وإيجابياتها فإن العمل المطروح يبقى فاقداً لأكثر من نصف الحقيقة بل لا طعم له ولا رائحة. وكنت متأكداً عندما رفضت دور بليغ حمدي من أن آلية النص لن تكون جديدة لأنهم يفكرون التفكير ذاته الذي كُتبت على أساسه الأعمال سابقة الذكر، فرفضت الدور أيضاً لأنني لا أشبه بليغ حمدي ولأنني لا أمتلك صوتاً جميلاً وكان الأجدر بهم أن يأتوا بشخص يشبهه ليقوم بأداء الدور، وبهذه المناسبة لا أنسى أن أحد الأعمال السورية الكبيرة التي جسدت شخصية نزار قباني قد جلبت فناناً لا يشبه نزار قباني لا من حيث الشكل ولا الأداء وقالوا للناس هذا نزار قباني، وذلك ما أضحك الناس كثيراً وأفشل العمل في النهاية، لأن الناس ما زالت تذكر نزار قباني ولا يمكن الضحك عليها واستغباؤها واستخدام شخصية ليس لها علاقة بنزار لا من قريب ولا بعيد. للأسف هناك الكثير من المخرجين العرب لا ينتبهون للناحية الفيزيائية والنفسية في الفنان الذي سيجسد شخصية عامة للمجتمع.
لماذا لا تعمل مع المصريين مع وجود التهافت الكبير من قبل فناني سورية للعمل في مصر؟
ليس هناك تهافت من السوريين للعمل في مصر، فالعملية هي عرض وطلب. وهناك مجموعة من الأسباب تجعلني لا أعمل في مصر في الفترة الراهنة منها أنني إن كنت سأقدم في مصر نفس ما سأقدمه (في سورية) فأفضُّل أن أبقى في الدراما السورية، وأيضاً أعتقد بأنني أستطيع التعليق على المجتمع الذي أعيش فيه على نحو أفضل بكثير من الحديث عن مجتمع آخر لا أفهم خصوصياته، وأيضاً الكم الهائل من الدراميين المصريين يكفي الدراما المصرية ويزيد، فهم لديهم فنانون جيدون ومتنوعون وقادرون على أن يقدموا أي دور يطلب منهم على نحو لائق، وبالتالي ذلك ليس نقيصة لا من الدراما السورية ولا المصرية. ولكن بالنسبة إلي العمل في الدراما المصرية لا يعنيني إطلاقاً لأن لديهم شروطاً محققة يمكن للفنان المصري أن يجسدها وينجح بها من دون الاستعانة بالفنان السوري. ولست مضطراً إلى الحديث بالمصرية ولن أجيدها أكثر من أهلها. ولا ننسى أن عدداً من التجارب السورية التي ساهمت في الأعمال المصرية فشلت وبعضها نجح.
ما صحة مقولة أن عمل الفنانين السوريين في مصر هو إفراغ للساحة السورية؟
عمِل مجموعة من السوريين في مصر وذلك لا يعني إفراغاً للساحة الفنية السورية. وما قيل عن مؤامرة تحاك ضد الدراما السورية كلام تافه لا أساس له من الصحة. ولن تنهار الدراما السورية جراء عملِ عدد محدود من السوريين في مصر، وهؤلاء لن ينقذوا الدراما المصرية من سقوطها لو كانت فعلاً ساقطة. ومن ينقذ الدراما المصرية هم المصريون أنفسهم لا السوريين وهم أدرى بمشاكلهم، ولذلك كبّر البعض هذه المشكلة وحولها إلى مؤامرة، وذلك كلام لا أساس له من الصحة. هناك في سورية أعمال غير جديرة بأن تسوَّق عربياً ومن أجل ذلك حاول بعض السوريين تسويقها عبر تحويل القضية داخل سورية إلى قضية سياسية، فقيل إننا محاصرون عربياً وهناك مؤامرة تحاك للقضاء على الدراما السورية في بعض الفضائيات العربية ولذلك قامت الحكومة السورية بشراء معظم الأعمال الفاشلة وصدقت هذه الأكذوبة التي روَّجها البعض. في الواقع ليس هناك حصار فالخليجيون ما زالوا يشترون أعمالنا ويصورون في بلادنا ويعمل البعض عندهم. وفي تقديري يجب الفصل بين السياسة والفن وعدم طغيان المشاكل السياسية الحاصلة بين العرب على الجانب الفني الذي لا يزال العنصر الوحيد الذي يوحد العرب ويجمعهم في أعمال ورؤية مشتركة.
لماذا لم نشاهدك في أعمال المخرج نجدت أنزور؟
شاركتُ معه في فترات سابقة عندما كان يعمل في الأردن، وفي الحقيقة إن مشروعه الفني لم يدخل ضمن اهتماماتي الفنية، وما أَنجزه من أعمال -مع احترامي لها- لم تكن ضمن اهتماماتي الفنية.


الشرق الأوسط

Share/Bookmark

صور الخبر

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق