ألف تحفة وتحفة: حضارة ماري السورية أطلقت أول عجلة إلى العالم
موسيقى تحاكي حركة الدوران غيرَ المنتظمة

09/نيسان/2008

اضطلعت المديرية العامة للآثار والمتاحف بتنفيذ معرضها الثالث «العربات الطينية – ألف تحفة وتحفة» في القاعة الدمشقية بالمتحف الوطني بدمشق في الرابع من نيسان 2008، وقد تم العثور عليها في مختلف المواقع الأثرية السورية وترجع إلى فترة عصور البرونز في الألفين الثاني والثالث قبل الميلاد.
قدم المعرض ستة نماذج استمدت أهمية إضافية إلى قيمتها التاريخية والأثرية من كونها دلالات وشواهد أساسية على استخداماتها في المعابد من أجل الشعائر والطقوس الدينية وللنواحي التجارية والجمالية والاقتصادية، ما دفع العالم الفرنسي جان كلود مارغرون إلى التأكيد على أن «الدولاب وآثاره في هذه العربات لم يُعثر عليه من قبل في أي موقع من مواقع العالم» ومارغرون من العلماء الفرنسيين المشهورين فيما يتعلق بعصور البرونز، وهو مقيم في سورية منذ عشرين عاماً وما زال حتى يومنا يعمل في موقع ماري وأوغاريت، ويرصد أبحاثه لإتمام عملية النشر المنهجي لآثار الحضارة السورية.
من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن معرض ألف تحفة وتحفة يهدف إلى إخراج القطع الأثرية التي لم تُعرض في خزن العرض السورية أو تشارك في الخارج، لتأتي تداعيات هذا النشاط الأثري الشهري إيجابية. وتلقت المديرية العامة للآثار والمتاحف دعوات من مراكز علمية متخصصة من مختلف مناطق العالم حول إمكانية عرض المقتنيات في بلدانهم ومراكزهم والمديرية حالياً تدرس إمكانية التنفيذ والمشاركة.
أما الدكتور بسام جاموس المدير العام للآثار والمتاحف فيجد أن المعرض قدم أجمل اكتشافات موقع ماري على الإطلاق التي أثبتت تاريخياً أن دولاب العربة الذي يرجع إلى الألف الثالث قبل الميلاد، أي منذ حوالي خمسة آلاف عام خلت، انطلق من موقع ماري، وقد نقشت عرباتها على الجدران والأختام الأسطوانية والحجر، إضافة إلى العثور على عربات مهمة جداً في العديد من المواقع السورية مثل عربات الملوك التي كانت تستخدم في عمليات الصيد وغيرها من نماذج ركّزت على أربعة شواهد أساسية من الناحية السياسية والاقتصادية والجمالية الفنية والناحية الطقسية الشعائرية، وأدت دوراً مهماً في التعريف بالطرق التجارية وإحصائها التي كانت تستخدمها هذه العربات في الألف الثاني قبل الميلاد.
فيما يتعلق بالحفلة الموسيقية التي ترافق العرض وتكون نابعة من خصوصيته زمنياً وموضوعياً، جاءت حفلة العربات الطينية مختلفة عن الحفلتين السابقتين -بحسب الفنان حسام الدين بريمو- من حيث أنه في الحفلتين السابقتين كان هناك محاكاة للفترة الزمنية واختيار مقامات قديمة غير مستخدمة، أما في هذه الحفلة (العربات الطينية من العصر البرونزي) فحاول استخدام إيقاعات فيها شيء من الغرابة والبساطة تناسب المادة المصنوعة منها العجلات (الخشب والحجر والطين)، وتدور بحركة غير منتظمة على أرض غير معبدة عكس عربات العصور التي تلتها وآخرها منتصف القرن العشرين بعربات الطرق المعبدة وعجلاتها المصنوعة من الكاوِتش.
إن حركة الدوران غيرَ المنتظمة هذه هي التي عمل عليها الفنان بريمو محاولاً محاكاتها بأربع قطع موسيقية. والبداية من لحن الرحابنة المعروف المعاصر «رزق الله على العربيات» لما فيه من محاكاة لحدث قديم واشتياق لتكنولوجيا قد طواها الزمن وأصبحت متْحفية، على أن اللحن لم يقدم كما هو بل خضع لتوزيع جديد يوصف بالأعرج لاعتماده على ثلاث آلات موسيقية حال العربة الطينية ثلاثية العجلات، والأغنية جاءت أيضاً غير منتظمة كثيراً بما يعبر عن حركة العجلة غير المنتظمة في تلك الحقبة الزمنية.
من قلب الفوكِ جاءت القطعتان الثانية والثلاثة على آلات وترية (الكمان، والفيولا، والتشيلو) والفوك بحسب بريمو «قالب موسيقي يقول جملة موسيقية تعاد عدداً كبيراً من المرات من طبقات صوتية غير متشابهة ومختلفة تماماً فلا يكون التكرار نسخياً»، وأما القطعة الأخيرة فكانت من مؤلفات موزارت المؤلفة من قطعتين تتكرر فيهما الجملة الموسيقية بمرحِ حركة العربة.
عموماً الفنان بريمو وفرقته المؤلفة من سوسن إسكندر على الكمان، ورغد حداد على الفيولا، وأسامة التسعيني على التشيلو حاولوا قدَر المستطاع الوصول إلى محاكاة ومحاباة للموضوع والفترةِ وتقديمَ العجلة والدولاب على النحو المناسب وبما يشبهها قبل خمسة وأربعين قرناً.
يذكر، أن المعرض القادم سيطرح أدوات النساء من حلي وأدوات زينة متنوعة من ذهب وفضة ولازورد، وفي اتجاه آخر هذه الأدوات تعطي فكرة عن طبيعة العلاقات التي ربطت الممالك السورية بمنطقة الخليج العربي مصدر الصدف، ومنطقة أفغانستان التي صدّرت اللازورد، أيضاً النتاجِ المحلي بما يدل على علاقات حضارية ربطت الممالك السورية بممالك حوض شرق البحر الأبيض المتوسط.


رياض أحمد
اكتشف سورية

Creative Commons License
طباعة طباعة Share مشاركة Email

المشاركة في التعليق

اسمك
بريدك الإلكتروني
الدولة
مشاركتك