مسرحيو سورية يحتفلون بمناسبة يوم المسرح العالمي

28 03

يتوقَّف بقاء الفن المسرحي على قدرته على إعادة اكتشاف ذاته

بدأت أمس الأول احتفالات دمشق بيوم المسرح العالمي، وهذه الاحتفالات تبنّتها جهتان ثقافيتان انفردت كل منهما بأنشطتها وطريقة تعاطيها مع الحدث، فبرعاية الدكتور رياض نعسان آغا وزير الثقافة أقيم أمس احتفال تكريمي لعدد من رجالات المسرح في سورية وهم الفنان بسام لطفي ومحمود جبر والمخرج مانويل جيجي والكاتب عبد الفتاح قلعجي والفني المسرحي محمد صلوح، وهذا التكريم كان ضمن الاحتفال المعتاد الذي تقيمه مديرية المسارح والموسيقى التي اعتادت على الاحتفال بهذه المناسبة. وقد رافق التكريم مجموعة من الفقرات المسرحية التي أدَّاها عدد من الفنانين الشباب ممن عملوا مع رغدة الشعراني في «شوكولا»، التي فازت بجائزة المسرح التجريبي في القاهرة. أما كلمة يوم المسرح العالمي فقد ألقاها الفنان عبد الرحمن آل رشي وثناء دبسي، ومن المعروف أنَّ كلمة هذا العام كتبها المسرحي الكندي روبير لوباج.
كلمة المسرحيين السوريين ألقاها الفنان والمخرج المسرحي غسان مسعود الذي تحدَّث في كلمته عن الظروف التي يعمل فيها الفنانون تحت ضغط الوظيفة وقال «إنَّ الفنان الموظف لن ينتج شيئاً»، كذلك تحدَّث عن عالم اليوم وما يسوده من العنف والقتل فقال «إنَّ صوت القصف والعصف هو الأعلى، أما لغة الكلام فتعطَّلت»، كذلك تساءل مسعود قائلاً «في كنف الحروب والمجازر في لبنان وغزة ودارفور وإزهاق أرواح الأطفال، ما الفائدة المرجوة من الحديث عن أحلام الكبار، وصانعي هذه الأحلام؟».
من جهة أخرى تستمر احتفالية اليوم العالمي للمسرح لهذا العام ثلاثة أيام، إذ يُنتظر أن يكون الراقص لاوند هاجو قد قدَّم عرضه «رسالة» أمس الجمعة، كما تحيي المغنية لينا شماميان حفلة اليوم السبت، فيما يقدِّم الشاعر نزيه أبو عفش قراءات من جديده، ويقدِّم الموسيقي معن خليفة حفلة تتضمَّن أغاني ألبومه «مطرَّز». ويعرض مسرح القباني مسرحية «تلاميذ الخوف» للكاتب إيغون وولف ويخرجها مأمون الخطيب، واحتفل المعهد العالي للفنون المسرحية بالمناسبة أيضاً، فقدَّمت مجموعة من طلابه العديد من الفقرات المسرحية.
أما على صعيد احتفالية «دمشق عاصمة الثقافة العربية»، فقد أقامت الأمانة العامة للاحتفالية فعاليات خاصة بها، وعرضت فيلماً عن مسرحية «جنينة الصنايع» للمخرج اللبناني روجيه عساف في المعهد العالي للفنون المسرحية ظهراً، وقدَّمت قراءات مسرحية «حكواتي» في الساعة السادسة من اليوم ذاته في حديقتين ومقهيين، كما قدَّمت الفنانة هدى الخطيب قراءات مسرحية للأطفال في مسرح مجمع دمر الثقافي.
هذه الجدية والكثافة في الأنشطة في يوم المسرح العالمي تعكس رغبة السوريين الجدية في إعادة الاعتبار إلى مسرحهم.
كلمة يوم المسرح العالمي
بقاء المسرح في قدرته على اكتشاف ذاته

يُحتفل يوم السابع والعشرين من آذار من كل عام عبر أنحاء العالم باليوم العالمي للمسرح الذي أنشئ عام 1961 في فيينا بمبادرة من المعهد الدولي للمسرح. ويُعتبر المعهد الدولي للمسرح إحدى أهم المنظمات الدولية غير الحكومية في مجال فنون المسرح، وقد أنشئت مراكز وطنية تابعة له في ما لا يقل عن مائة بلد عبر العالم،‏ كما جرت العادة أن يدعو المعهد الدولي للمسرح كل عام شخصية ذات شهرة عالمية لكتابة رسالة دولية.‏ وهذه المرة يروي لنا المخرج المعروف روبير لوباج (كيبك، كندا) حكاية ولادة المسرح لطمأنة الذين يخشون الاستعانة بالتكنولوجيات الحديثة على الخشبة. وهنا نص الكلمة:
«الفرضيات حول نشأة المسرح عديدة، لكن ثمة فرضية تستهويني أكثر من غيرها، ولها شكل حكاية أسطورية: في إحدى ليالي ذلك الزمن السحيق، تجمّع رجال في مقلع للحجارة طلباً للدفء حول نار مشتعلة وتبادل القصص والأحاديث. وفجأة، خطر في بال أحدهم الوقوف واستخدام ظله لتوضيح حديثه، وعن طريق الاستعانة بضوء اللهيب، استطاع أن يُظهر على جدران المقلع شخصيات أكثر جسامة من أشخاص الواقع، فانبهر الآخرون، وتعرّفوا من دون صعوبة إلى القوي والضعيف، والظالم والمظلوم، والإله والإنسان البائد.
في أيامنا هذه، حلَّت مكان نيران المباهج التي توقد في المناسبات الخاصة والأعياد الأضواءُ الاصطناعية، واستعيض عن جدران المقلع بآلات المسرح المتطورة، لكن مهما كان رأي المحافظين، فإنَّ هذه الحكاية تذكرنا بأن التكنولوجيا تواكب المسرح منذ نشأته وأنه لا يجب النظر إليها كأنها تهديد له وإنما كعنصر موحد.
كما يتوقَّف بقاء الفن المسرحي على قدرته على إعادة اكتشاف ذاته عن طريق دمج أدوات ولغات جديدة، إذاً كيف للمسرح أن يبقى شاهداً على التحديات الكبرى لعصره، وأن يشجع الوفاق بين الشعوب إن لم يثبت هو ذاته انفتاحه؟ وكيف له أن يتباهى بتقديم حلول لمشاكل التعصب والاستعباد والعنصرية، إذا كان في ممارسته الفعلية يرفض الخليط والدمج؟ ويجب على الفنان في سعيه إلى تمثيل العالم بكل تعقيداته، أن يقترح الأشكال والأفكار الجديدة، وأن يثق بذكاء المشاهد القادر على تمييز الجانب الإنساني في اللعبة المتواصلة بين الضوء والظلام.
صحيح أنَّ الإكثار من اللعب بالنار يعرّض الإنسان لألسنة اللهب، لكن الإنسان يمنح نفسه أيضاً بهذه المجازفة، فرصة الإبهار والتألق».
دموع الفنان بسام لطفي
حين أطلق النداء للفنان بسام لطفي للصعود على خشبة مسرح الحمراء لينال التكريم بدا الرجل متعباً، وقد طحنته الأيام التي أمضاها مخلصاً لفنه وعمله، وقد شرع لطفي بالبكاء، ربما عرفاناً بالتكريم الذي وضع حداً للغبن الذي طالما تعرَّض له الرجل النحيل هادئ الطباع الذي تميَّز بإطلالات مهمة على صعيد المسرح والسينما والتلفزيون، وربما انهمرت دموعه بمثابة إعلان عن تأخر هذه الالتفاتة.
شارك بسام لطفي الذي قارب السبعين من عمره في العديد من أعمال المسرح القومي في سورية منذ العرض الأول «بــراكساجورا» المقتبس من كوميديا أرستوفان، حتى مسرحية «بحر الزمن الضائع» لماركيز. ويعتبر بسام لطفي المولود في طولكرم الفلسطينية سنة 1940 أحد المؤسسين الأوائل للمسرح الوطني الفلسطيني الذي شكَّل رافعة للحركة الثقافية الفلسطينية آنذاك التي كانت تنصب باتجاه واحد هو الانخراط في معركة النضال الوطني الفلسطيني من أجل إرجاع فلسطين المحتلة، فاتَّسمت أعمال تلك الحقبة بالاشتغال على الكثير من الشعارات التي ما لبثت أن كانت عبئاً على المسرح بعد فترة ليست قصيرة من الزمن.
يرى بسام لطفي الذي بلغ مجموع أعماله المسرحية ما يقارب خمسة وسبعين عملاً أنَّ الممثل الذي يحمل مشروعاً، عليه أن يكون مهتماً بالمسرح والسينما والتلفزيون بالمقدار ذاته وبالأهمية ذاتها، وأن يقدِّم كل ما عنده في سبيل إنتاج عمل فني متميز. ولم يدرس بسام لطفي التمثيل أكاديمياً، لكنه اكتسب الخبــرة من خلال تجربته مع رواد هذا الفن، وقد استفاد مع معاصريه من تجارب السابقين له في المسرح، وذلك جعل من تجربته المسرحية حلقة من سلسلة تطور المسرح السوري والمسرحيين السوريين.
شارك في الكثير من العروض المسرحية في المسرح الوطني الفلسطيني، أو في المسرح العسكري، في فترة السبعينات، تلك المسرحيات المتنوعة التي أخذت الطابع الترفيهي، والتي عرضت في الكثير من الدول العربية، أما فيما بعد ذلك فيقول بسام لطفي في أحد حواراته الصحفية «أصبح المسرح شيئاً آخر في الثمانينات، فمثلاً كان هناك تنوع في مواسم المسرح القومي، كنا نقدِّم خمس مسرحيات، من المسرح العالمي، والعربي، والكوميدي، والتراجيدي، ومسرحية محلية، أما الآن، فقد أصبح المسرح خاضعاً للتجريب، وأصيب بوعكة صحية بسبب عزوف الممثلين عنه، والعمل في الدراما التلفزيونية.
من جهة أخرى شارك بسام لطفي في أول فيلم من إنتاج المؤسسة العامة للسينما في سورية «زهرة في المدينة»، ليتبعها العديد من الأفلام الأخرى «المخدوعون» و«رجال في الشمس» عن رواية الكاتب الشهيد غسان كنفاني، وفيلم «السكين» عن روايته «ما تبقى لكم». وعلى صعيد الدراما التلفزيونية شارك في العديد من الأعمال التلفزيونية ومنها نهاية رجل شجاع، وأيام الغضب، وصقر قريش، والتغريبة الفلسطينية، وعودة صلاح الدين، وإخوة التراب. وببساطة هي منجزات لرجل يستحق التكريم ولو جاء متأخراً


بلدنا

Share/Bookmark

صور الخبر

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق