معرض الفن البريطاني في كلية الفنون الجميلة

من اللابناء إلى التجريد

28/آذار/2008


افتتح المجلس الثقافي البريطاني بالتعاون مع الأمانة العامة لاحتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية في كلية الفنون الجميلة معرضاً للفن البريطاني في فترة الأربعينات والخمسينات تحت عنوان «من اللابناء إلى التجريد»، وجاء هذا المعرض ليوثق مرحلة مهمة من تاريخ الفن التشكيلي البريطاني ولا سيما أن الفنون تعد من أهم الوسائل القادرة على تأريخ حياة المجتمع في مرحلة محددة وتصويرها من خلال نقل هواجسهم وأفكارهم وكذلك التعبير عن حيثيات تلك الحقبة من الزمن، وخاصة أن هذا المعرض تناول تطور الفن أثناء فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية وما بعدها.

ربما كان الفن التشكيلي في تلك المرحلة قادراً على لعب أدوار عدة لأنه استطاع أن يصور الواقع بدقة من مدن وطرقات ومنازل، وكذلك استطاع الفنان ذاته أن يطبع إحساسه ويبث أفكاره على اللوحات، وبالتالي لا بد من أن يعكس هذا الجوَّ العام وطبيعة الحياة اللذين كانت تعيشهما المنطقة، وبالفعل عكَس لنا هذا المعرضُ التغيرَ الاجتماعي الذي حصل خلال الحرب وما أدت إليه الأوضاع في مرحلة الرخاء، فمثلاً لوحة ألبيرت ريتشاد التي ترجع إلى عام 1943 صورت الطبيعة الريفية التي تتمتع بها بريطانيا من خلال رسم مفترق من الطرق وقد اقترب موعد الشمس من الغروب بلغة لونية قوية استطاعت أن تحافظ على إشراق اللوحة رغم مرور هذا الوقت الطويل من الزمن، في حين كانت لوحة رودريغو مونيهان (1943) تمثل جزءاً من الحرب من خلال تصوير الأسلاك الشائكة التي وضعت كفاصل بين العديد من المناطق الطبيعية التي تتمتع بأرض خضراء وخصبة بسبب البحيرة التي أوضحَ جزءاً منها. أما الفنان ستانلي سبينسر (1947) فقام بتصوير القبور التي دفنت المئات من ضحايا الحرب وقد جعل الورود تحيط بهم، بينما بيّن ستانلي في لوحة أخرى (1945) جمال الطبيعة من خلال تصوير مشهد من الورود مع الأعشاب الخضراء في مشهد أمام عين المتلقي.

وكذلك قام الفنان جون ألاريدج (1946) بالتمتع بجمال ما صنعته الطبيعة من خلال تصوير مشهد من الغابة الخضراء في حين قام ويليام غولد ستريم بتصوير مدينة لندن في تلك الحقبة من الزمن، وقد نقل ميشيل آيرتون (1948) حياة المجتمع في الحدائق تحت ضوء القمر مصوراً فيها العائلات والأطفال والعشاق وسماها القمر الكامل. أما كيث بينيس (1946) فقام بتصوير نبتة بأسلوب واقعي، بينما ابتعد الفنانون معظمهم عن الأسلوب الواقعي في الفترات التي تلت الحرب من خلال تطوير أسلوبهم والبحث عن مدارس أخرى مبتكرة للعمل عليها خاصة أن الرخاء الاقتصادي يؤثر على الوضع الاجتماعي ويؤدي إلى تأمين الراحة للأفراد من مختلف الطبقات الاجتماعية وبالتالي يسمح هذا للفنانين والمبدعين بحرية البحث عن أساليب جديدة ومتقدمة للعمل عليها، لذا نرى في فترة ما بعد الحرب أن معظم الفنانين اتجهوا نحو التجريد أكثر والتعبير عما يشعرون به بأسلوب مختلف عن الواقعي الكلاسيكي الذي صور الحرب ومآسيها، مثل الفنان ويليام سكوت (1957) الذي قام برسم لوحة اختزلت العديد من الخطوط الموضحة للشكل واعتمد على رموز ومفردات تشكيلية بسيطة مثل الأدوات المنزلية التي نستعملها على نحو يومي مثل الكأس والصحن وجعلَهما محور اللوحة مشيراً إلى الحالة التي يعيشها مجتمعه اليوم في هذه الفترة.

أما روغر هيلتون فقد ذهب إلى أقصى التجريد فقد عُرضت له لوحة 1954 معتمداً فيها على لغة شكلية ولونية بسيطة أيضاً من خلال رسم خطوط سوداء متقاطعة على سطح أبيض مع خط عمودي صغير من اللون الأصفر احتل أسفل اللوحة، وقد أظهر جون غراكستون (1947) أهمية الرسم الهندسي من خلال لوحة حوّل فيها الشخوص إلى أشكال هندسية، وقد نقل لنا من خلال هذا الأسلوب الحياة الريفية من خلال الأطفال والمرأة التي تحمل مولودها وكذلك رب المنزل الذي ينظر إلى أولاده وهم يلعبون مع الطيور، بينما صور جون براتبي أيضاً (1956) حياة مجتمعهم ولكن بطريقة أخرى يسودها الملل والروتين رغم حياة الرخاء التي يعيشونها فقد قام برسم ثلاثة أشخاص يجلسون إلى الطاولة، لكن كل واحد منهم مستغرق في همومه وشؤونه الخاصة، معتمداً في ذلك على أسلوب واقعي حديث أقرب إلى التعبيري.

لقد جاء معرض الفن البريطاني على هامش معرض إحياء الذاكرة التشكيلية في سورية الذي أقيم في المتحف الوطني، كنوع من إعادة إحياء الفن البريطاني أيضاً.




الوطن


تعليقات القراء

المشاركة في التعليقات:

*اسمك:
الدولة:
بريدك الإلكتروني:
*تعليقك:

الحقول المشار إليها بـ (*) ضرورية

ضيف اكتشف سورية
أنطون مقدسي
أنطون مقدسي
حصاد عام 2008
حصاد عام 2008
دمشق القديمة
غاليري اكتشف سورية
غاليري اكتشف سورية
 

 


هذا الموقع برعاية
MTN Syria

بعض الحقوق محفوظة © اكتشف سورية 2008
Google وGoogle Maps وشعار Google هي علامات مسجلة لشركةGoogle
info@discover-syria.com

إعداد وتنفيذ الأوس للنشر
الأوس للنشر