عناصر العمارة وحضور المكان
عبد الرحمن مهنا: أنا مسكون بالمكان ومعالمه

28/كانون الأول/2008

منذ لوحة «الفانوس» التي حازت على الجائزة الأولى في معرض الفنون التشكيلية عام 1967، ولم يتوقف إبداعه على مدى 40 عاماً. الفنان السوري عبد الرحمن مهنا في معرضه الجديد، والذي حمل عنوان «تقنيات بالألوان المائية» المقام في صالة فري هاند.

لوحات المعرض تُشخّص حالة التراكم المعرفي والفني التي وصل إليها مهنا، وتطور تقنيات وطرق معالجة الأسلوب التشكيلي في صياغة اللوحة، ترتكز اللوحات التي قاربت 62 لوحةً على عناصر معمارية وإنسانية مستمدة تفاصيلها من صياغة تشكيلية أدركت الإبداع.

واستطاع عبد ارحمن مهنا أن يبلور حساسيته تجاه المكان فناً ويقول هنا: «الإنسان ابن بيئته، لا يستطيع أن يحيا إلا في ظرف زمان ومكان معين، وقدرته على لتآلف مع المكان تعكس قدرته على استنباط القيم الجمالية فيه، لذا فأنا مسكون بالمكان ومعالمه حتى أني اخترت لمرسمي أن يكون في القيمرية أحد أحياء دمشق القديمة».

وتختصر لوحات مهنا جزءاً من الواقع الذي بلوره الفنان، فكانت هي الواقع ولكن المختلف عما يتصوره البعض، فالواقع هنا مستمد من قوة الخيال وإضافاته على المادة البصرية الأولية، وبهذا يرى مهنا «أنّ الفنان يرى الواقع بحسه الداخلي، وعليه أن يعتمد على خياله وثقافته للتعبير عما يجول في خاطره، لا أن ينقل الواقع كما هو فليست مهمة الفنان تصوير الواقع ونقله».

رموز العمارة والوجوه هي عماد معظم اللوحات، تتحرك بينها ألوان وظلال تحكي قصة تفاعل التجربة التشكيلية مع عناصر الحياة، مستعيناً أحياناً باستلهام التراث والمعالم الحضارية والمعمارية في المدينة، وهنا يؤكد «التأثر بالتراث لا يعني نقل ما أنتجه أسلافنا أو العيش تحت عباءتهم، إنما بالنسبة لي يجب أن ننتج ما هو مرتبط بالواقع دون الانفصال أو الطلاق مع التراث، بل أن نعرف كيف نخرجه ممزوجاً بالحاضر لتحقيق التطور».

يفتح مهنا بلوحاته باباً على التجريب محاولاً اكتشاف واستنباط لغة تشكيلية تجد في التجريب منافذ عبورها وتكوينها، مختبراً من خلال التجريب القدرة على بلورة أسلوبية متميزة. ويرى مهنا «أنّ حالة التجريب التي أمارسها هي عفوية، فأنا لا أفتعل التجريب في الفن، وإنما أحاول أن أرسم بشكل فطري وأرى ما تقودني إليه مخيلتي تجريباً كان أو غيره لا مانع عندي، وأرى أن الواقع والبيئة التي يعيش فيها الفنان تؤثر في أسلوبه ووعيه لعناصرها ومكوناتها».

عبَّرت اللوحات عن ذاتها بإحساس ووعي فني عال متوازن ومنفتح على صياغة تشكيلية تنسجم مع خيال المبدع وموضوعاته المنتقاة، خارجة عن مقاييس الأسواق التجارية والأذواق الشخصية، يقول مهنا: «الفن يُنشد ويطلب من أجل الفن وحده، لا أرى منطقاً أن أرسم اللوحة لأسوقها لشخص له طلبات معينة قد لا تتفق مع ذائقتي الفني والجمالية، وأعتقد أنه من المعيب أن يخضع الفن لمقاييس البيع والشراء والمساومة بل يبقى الفن قيمة عليا تطلب بحد ذاتها».

ويرى مهنا أنّ طفولته أثرت في وعيه وتوجهه نحو الرسم، فتداعيات الذاكرة واضحة في لوحاته، وتجلياتها تبدو من خلال تفاصيل الأعمال الفنية، ويؤكد هنا «ولدت في أحد أحياء مدينة حلب الشعبية، وهذه الأحياء الفقيرة تحكمها الأساطير والنبوءات والشعوذة والمعتقدات المضحكة أحياناً، والمحفزة للخيال أحياناً أخرى، كل هذا أثر في وعيي ولجوئي للرسم كأداة للتعبير عن كل ما يجول حولي ويجول في خاطري».


عمر الأسعد
اكتشف سورية

Creative Commons License
طباعة طباعة Share مشاركة Email

المشاركة في التعليق

اسمك
بريدك الإلكتروني
الدولة
مشاركتك