مسرحية المنفردة: تسقط الايديولوجيات ويبقى الإنسان

07 12

بعد جائزتين دوليتين، تقدم فرقة مسرح الخريف عرضها في دمشق

ضمن احتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية، وفي شهرها الأخير، يُقدَّم عرض «المنفردة» لفرقة «فرقة مسرح الخريف»، بعد أنّ سافرت به الفرقة وشاركت في مهرجان «ليفربول» الدولي للمسرح في كندا، حيثُ حصد جائزتَي أفضل عرض وأفضل ممثل لنوار بلبل.
في العرض الجديد، تسير الفرقة على نهجها، حيث تَشَارَكَ الممثلان، رامز الأسود، ونوار بلبل، التأليف، والإخراج، والأداء؛ بالإضافة إلى بعض العمليات الفنية الأخرى المتعلقة بالعرض، ومنها استغناؤهما عن كلٍّ مِن مصمِّم الملابس والسينوغراف، ليخلقا -حسب رؤيتهما- الضفاء المكاني المنشود، والمقصود هنا في الزنزانة.
في عرضهما هذا ما يعيد الذاكرة إلى الأغنية المعروفة لفيلم «البريء»، حيث يُطرَحُ سؤال: «كيف تستطيع أيها الإنسان أنّ تميّز ما بين السجين والسجَّان؟»! هنا يطالعنا المشهد الأول للسجان رامز الأسود يجرُّ سجينه نوار بلبل إلى التعذيب، وتنطلق أصوات الألم.
أربع سنوات وأكثر قضاها مُعتقل في زنزانته المنفردة، نجح خلالها في خلق نظامٍ حياتي خاص به في ذلك المكان، أنيسُه ورفيقُه هو سجّانه. في سكينة هذا النظام، تنهض اللعبة المسرحية للفرقة، حيث نَكادُ كمتلقين أن ننسى أنفسنا في غمرة الأُلفة التي تجمع الاثنين، وحتى في سيطرة السجين على سجَّانه من الناحية الإنسانية، وهو يحثُّه بل ويعاقبه أحياناً، إنّ تأخَّر في دروسه. إلا أنَّ الجرس الذي يرنُّ بقسوة، يُذكِّرنا ويوقظ الاثنين من سهوتهما، ليعيدهما إلى أرض الزنزانة الباردة، وإلى حدود العلاقة المرسومة سلفاً بين الاثنين، واحدٌ واجبه التعذيب، والآخر مصيرهُ الألم. وما بين الصداقة والتعذيب، تنقلنا إضاءة ممتازة على الرغم من تقشفها الشديد، المُنسجم مع البساطة التي سيطرت على الخشبة في الديكور والإكسسوار، إذ تتعرَّى الزنزانة من كلِّ شيء سوى البرد والحرارة الإنسانية التي ينجح البعض فقط في إيقادها.
لا تُخفى صراحةُ انتصار الفرقة للإنسانية المخبأة خلف الملابس للسجين والسجّان. إلا أنَّ الثورية ما بين الشعارات من طراز «يا ظلام السجن خيّم إنّنا نهوى الظلاما» تتكسَّر أمام قسوة الواقع وجلجلة خياناته التي تتمثَّل هنا في الزوجة، حيث يُفترض بها أنّ تكوّن الحبيبة والأم، الرفيقة والصديقة في دربِ الحياة والنضال. لكن موجة التحرّر والمساواة الحديثة الطراز قادت أم نضال إلى الدفع بزوجها نوار بلبل حتى المُعتقل، وتهديدهُ بمنعه من رؤية بناته إنّ خَرجَ قبلَ إنهاء عقوبته.
ضمن حياة رتيبة كهذه، ينجح نوار ورامز في إمتاعنا بمجموعة تفاصيل هي حياة المعتقل، هي رصف الحبات الصغيرة لصُنع حلي تُفرح الأولاد، هي ارتقابُ رسائلِ الأحبة الذين غابوا في الذاكرة، هي كلامٌ عن حياةٍ كانت، أو حياة مرتقبة ستكون.
الجدير ذكره أن فرقة «مسرح الخريف» هي فرقة مستقلّة أسسها ويديرها الممثلان نوار بلبل ورامز الأسود. انطلقت في العام 2006، وتسعى لتقديم عروض مسرحية تعتمد بالدرجة الأولى على الطاقة البشرية، أي أنَّ العمل على الممثل هو الهاجس الأول الذي تسعى إليه أعمال الفرقة، من منطلق أنَّ القدرة البشرية هي الأقدر والأعمق في تقديم، وطرح، وتأكيد الأفكار التي تحاول الفرقة معالجتها من خلال أعمالها.


يارا بدر

بلدنا

Share/Bookmark

صور الخبر

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق

غادة:

لا تعليق بل شىء مفيد للدراسات العليا حول المسرحية.
وشكرا

الاردن