صفوان داحول: لوحاتي خليط بين الذكر والأنثى

الجديد في معرضه في غاليري أيام

14/آذار/2008


من الصعب أن تناقش فناناً تشكيلياً في لوحاته وتكويناتها ومعالمها وذاته فيها، ولكن من الممتع أن تجمعك لوحاتُه وأثرُه الفني في لقاء معه، بخاصة إذا كانت البساطة في التعبير واللباقة في الحوار أهم مميزات حديثه، وصفوان داحول ليس مجرد فنان تشكيلي فإنسانيته تجعل الأسئلة أكثر اتجاهاً نحو الحياة والعاطفة وتجلياتهما من خلال اللوحة، واجتمعنا معه وكان اللقاء التالي:

باعتراف كثير من المثقفين «الحركة الثقافية في سورية متردية» ويستثنى من ذلك الحركة التشكيلية، كيف شذَّ التشكيل عن الحالة العامة؟
نحن في وضع فيه شيء من التفاؤل، والسبب الوحيد للتراجع هو ضعف الرعاية. فالحركة التشكيلية في سورية ناشطة حالياً بفضل الرعاية وخاصة من قبل دور العرض الخاصة، والرعاية لم تميّز الفنَّ التشكيلي بل أظهرته. والسؤال الذي يطرح نفسه: «إنَّ الرعايات الخاصة إذا أظهرت الأنواع الأخرى كالموسيقا والشعر والرواية والسينما والمسرح ألا يؤدي هذا إلى تنشيط الحركة الثقافية؟» بالطبع نعم، أنا أؤيد الرعاية فالثقافة في حالة جيدة حالياً، وهنالك الكثير من الجوائز في مجال الموسيقا والمسرح والشعر والقصة ولكننا لا ندري بها غالباً. ومن فترة طُرح سؤالٌ وهو: «إنَّ دمشق عاصمة للثقافة العربية، كيف؟» أقول ليس لدينا مشكلة ثقافة، المشكلة في رعاية الثقافة، وإذا كان الهدف إقامة نشاطات لمدة سنة فأنا أرى أنَّ النشاطات لا تنتهي إذا أعطيت الفرصة للجميع، لأنَّ الخامة موجودة.

دائماً نطلب من المثقف أن يعبّرعن الوضع العام ويلتزم به، كيف من الممكن أن توظف الحالة العامة في لوحاتك؟ وهل هذا مفروضٌ على كلّ فنان؟
حتماً مطلوب من المثقف مراعاة الوضع العام والتعبير عنه فأنا أقول إنَّ الفنان في كل الحالات شاهدٌ حقيقي على عصره وعلى الفترة التي يعيشها بالضبط، وإلا لكنّا رأينا فناً من نوع واحد إما جمالي أو تزييني أو له هدف مختلف، وإلا كيف سيختلف عصر عن عصر من خلال الفنّ بجميع أنواعه. الشعر ممكن أن يتغير والموسيقا والفن أيضاً، فمن الممكن أن يطرح التشكيل مشاكل جديدة عن طريق اللون والتكنيك وشكل اللوحة، وبالتالي لأنه شاهدٌ يجب أن يكون حقيقياً، فأنا أعيش في سورية ظروفاً عامة محيطة، وهنالك ظروف خاصة في حياتي، وليس من المعقول ألا تؤثر كلّ هذه الظروف في إنتاجي. قد يطرح الفنان تساؤلاً: «هذه الظروف كيف ستؤثر على فنه بشكل مباشر أو غير مباشر؟» أنا أفضل أن يكون التأثير بشكل غير مباشر كي لا يكون مصطنعاً.

هل لحظة الإبداع التي تعيشها نتيجةُ لحظة أم تراكمُ جهد يومي؟
الإبداع نتيجة تراكم عمل يومي، وقد قدَّمت في السابق أطروحة في هذا المجال، وقلت: «قد تلهم الآلهة الشاعر قصيدته الأولى ولكن عليه أن يجد الثانية»، وتكلمت عن موضوع كيفية إيجاد الإنتاج المتواصل، فالربّ يعطيك فكرة الإنتاج الأول وعليك الاستمرارية والتواصل. أنا شخصياً مع العمل اليومي، وقد تحصل الكثير من الصدف حيث تجد نفسك مرهقاً ومتعباً وليس لديك فكرة لتنفذها عملياً، وإذ تجد نفسك ترسم أجمل لوحة في حياتك، فليست القضية في أن تنتظر الوحي والإلهام ليلهمك العمل بل أنت الذي تستلهم الوحي.

هل العلاقة بينك وبين اللوحة ودية دائماً؟
لا ليست ودية دائماً، هنالك إيحاء بذلك أحياناً ولكنه شعور مختلط، فأنا أتيح عشرة في المئة من فكرتي على اللوحة وأنتظر المفاجآت التي تشكل تسعين في المئة أن تأتي أثناء العمل في اللوحة، فلم يحصل معي مرة إلا وكانت فكرتي تشكل عشرة في المئة على اللوحة. فعندما أفكر أرسم بنتاً أو كرسياً أو طاولة وأترك الباقي للعمل، وعندما أفكر في موضوع أجده متشابهاً مع غيره، إلا أنني عندما أبدأ بالعمل تبدأ المفاجآت مني ومن اللوحة فأحياناً ترفض اللوحة ما أقوم به، وأحياناً تشجعني على الاستمرار فالعلاقة ليست ودية دائماً.

هل نستطيع تحويل كل ما يجول في أذهاننا وذواتنا إلى حالة إبداعية؟
لا يقوم العمل على كلّ ما نريد فليس كلّ ما أخطط له في اللوحة يتمّ إنجازه. فأنت تلغي الكثير من الأشياء على اللوحة، وإذ بك تعيد رسمها بعد عشر سنوات، والفكرة أنك استطعت أن تفهم هذا الموضوع أو ذاك أكثر مع الزمن، وبالتالي ليست لديك القدرة على أن تعبر بشكل مباشر عن كل ما في داخلك؛ لأنَّ العمل تراكم ينتظر إلى أن يتشبع في داخلك، وأحياناً لا يتأجل هذا فقد تسبق الحدث فتنتج أشياءً تتوقعها ولم تحصل بعد فتعمل وفق ما تتوقعه.

الذكورة والأنوثة وجهان للحياة، هل اللوحة بالنسبة إليك ذكر أم أنثى؟
اللوحة خليط بين الذكر والأنثى فأنا أؤمن بالثنائية كثيراً (الخير والشر، الفرح والحزن، الحب والكره), وأنا أتمنى دائماً أن أحسَّ بأنَّ اللوحة خليط بين الثنائيات.

ما هي اللوحة التي لم يقدر صفوان داحول حتى الآن أن يرسمها؟
كلّ لوحة عندما أنهيها أحبها جداً، وبعد فترة أكرهها وأحبّ أن أعمل في غيرها، لذا لا أهتم إلا بأن أكون اليوم في قوتي وأقدر على أن أرسم، فأقول مثلاً: «اليوم أنا أرسم آخر لوحاتي وليس لدي تصور للوحة القادمة»، فقد أضع التصور في ذهني وأجلس عدة أيام دون أن أنجز شيئاً منه.

هل يعزلك المرسم عن الحياة ما يكفي الحياة مع اللوحة؟
المرسم هو عالمي الذي أحبه والذي يشعرني بالأمان والسلام، والحمد لله أنَّ عملنا يدعى عملاً فردياً فالعمل الفردي أحياناً يشعرك بالسلام وبأقل احتكاك ومماحكات، بعيداً عن صعوبات الحياة.

هل من الضروري أن يطّلع المشاهد على المدارس الفنية ويقرأ خلفياتها كي يتمكن من شرح لوحة الفنان؟
لوحاتي بسيطة وليست بحاجة إلى شرح، وإذا قرأها أحد المتابعين بطريقة مختلفة أشكره على قراءته.

هل يقرأ المشاهد ما لم تقصده نهائياً في لوحتك؟
غالباً ما يكون ذلك.

ما رأيك في أن يكون ما قرأه قد قصدته ولكن باللاشعور؟
أنا أؤمن باللاشعور أو الإحساس، فهل من المعقول أن أكون قد درست اللوحة الواحدة مئة في المئة إلى درجة أنني قصدت كل ما بها، وهذا يعني أنني أنجز لوحة واحدة في حياتي. لكنني أرى أنه في كلّ لوحة ينتقل جزء بسيط من مشاعري، فيجب أن تنقل جزءاً وتترك للوحات البقية أجزاءً أخرى، لذا قد يرى بعض المشاهدين أشياءً لم أقصدها أبداً في لوحتي. والمشاهد حيادي جداً فهو لا يعرفك أولاً، ثم لا يهمّه التكنيك والعناصر الأخرى، كما يختلف نقاشه للوحة باختلاف ثقافته وتربيته ووجهة نظره عن اللون وعن الموضوع، وبالتالي فإنَّ رأيه يضيف إليّ الكثير. والناقدُ يدخل في أشياء أخرى الفنان بحاجتها على الأغلب، فيناقش البعد النفسي في اللوحة والبعد المهني والتقني. ولا شكَّ أنك إذا جمعت الرأيين فستصل إلى نتيجة إيجابية سواء كان الرأي إيجابياً أم سلبياً. وإذا عدت بذاكرتي وتساءلت: «هل كانت حياتي مديحاً أم ذماً من قبل الآخرين؟». في الحقيقة عشت الحالتين فهناك جزء كبير من الذم عشتُه، والحمد لله أنه كان في حياتي لأنه أعطاني فرصة للوقوف مع الذات وجعلني أطرح الكثير من التساؤلات، كما أنَّ المديح أعطاني دفعاً معنوياً، لأنني في النهاية بشرٌ ونحن بحاجة إلى ذلك.

الفنّ التشكيلي لغة عالمية، هل استطعنا إيصال صوتنا بها؟
نوعاً ما بوجود الإنترنت، فالنشاط المحلي يصل بشكل محدود إلى الخارج بالصدفة أو من خلال المتتبعين، ولكن ما زال التواصل في أول الطريق. فالأجيال الفنية في سورية ذات تاريخ بسيط جداً فستون أو سبعون عاماً تعتبر قليلة في عمر الفن، الفن لدينا جديد ولكن من خلال محليته أو خصوصيته من الممكن أن يصبح عالمياً، ولكنه بحاجة إلى جهد كبير جداً وذلك من خلال عمل الصالات والمتاحف والدولة.

هل هناك لوحات يمكن أن تعرضها في الخارج ولا يمكن أن تعرضها في سورية؟
لا أبداً، يمكن أن أعرض لوحاتي في كلّ مكان.

إذن ليست هناك رقابة على الفنّ التشكيلي؟
ليس الموضوع موضوع رقابة، فالفنُّ التشكيلي لغةٌ بصرية، ولذلك هنالك هامش من الحرية للفنان، وبالتالي الرقابة صعبة جداً عليه. فأنت بإمكانك أن ترسم اللوحة وفق خطين وتقول إنَّ قصدك فيها كذا. والموسيقا تشترك مع الفنّ التشكيلي في ذلك فهي فنّ سمعي وهذا شيء إيجابي.

ما هو الجديد في معرضك الذي يُقام في غاليري أيام؟
كنت أعمل على موضوع، والآن أؤكده أكثر، وهو حجم اللوحة ففي المعرض الحالي اللوحات حجمها كبير وعددها قليل وهي أربع عشرة لوحة، وربما ازداد التقشف في اللون فأنا أميل حالياً إلى هذا المنحى، والتكوين الهندسي يزداد أكثر عما قبل، والتكوينات الهندسية ازدادت دون تردد فالزاوية زاوية والدائرة دائرة، فلم أمِلْ إلى حلول وسط، والسطوح أيضاً تختلف فملمس اللوحات أقرب إلى ملمس صور الفوتوغراف بعيداً عن التكنيك الذي كنت قد ركّزت عليه في فترة من الفترات.

تتعاون دائماً مع غاليري أيام، هل من سر للعلاقة معهم؟
عملنا مشترك سويةً، وتأسست دار أيام على مبدأ التعاقد، تمَّ طرح الكثير من الأسئلة حول ذلك ولكن بعد مضي سنة وثلاثة أشهر على تأسيس غاليري أيام توضّحت الكثير من الأجوبة للفنانين والمتابعين، فالصالة طرحت فكرة العمل مع عدد من الفنانين يكون نشاطهم دائماً من خلال هذه الصالة وهي تقدمهم بطريقة الشراكة، وتعمل على حضورهم وهم يرتبطون بها بمعارضها ونشاطاتها.




بلدنا


مواضيع ذات صلة
- صفوان داحول: هناك شح كبير في النقد التشكيلي العربي
هناك مراحل لا إرادية في حياة كل فنان

- «تحيّة إلى نوّار»
صفوان داحول يحتفي بالموت والحياة في غاليري أيام

- معرض صفوان داحول في صالة أيام
رسام الشكل الواحد وتوسيع المدى أمام المفردات والتكوينات

- بعد انقطاع دام سنوات معرض «حلم» لصفوان داحول
كلمة تضاف إلى مخطوط الفن التشكيلي السوري

- حيوية الشباب في غاليري أيام
- «أيام غاليري» للفن التشكيلي المعاصر
خطوات متميزة وقفزات نوعية من المحلية إلى العالمية

- عبد الكريم مجدل البيك في أيام غاليري
معرضه الفردي الرابع

- إبداعات فتيّة في غاليري أيام بمسابقة أفضل لوحة فنية لليافعين
أهمية دعم الطاقات الشابة وتطويرها لتحقيق خطوات مهمة على صعيد الحركة الفنية التشكيلية السورية

- «سيلف بورتريه»: مرآة لحياة مهند عرابي
شخوصٌ قلقة غير مستقرة تعكس انعدام التوازن الإنساني

- ليلى نصير فنانة التجريب والتجديد تعرض في أيام
على الفنان أن يحافظ على ذات الطفل المبدع في داخله


تعليقات القراء

المشاركة في التعليقات:

*اسمك:
الدولة:
بريدك الإلكتروني:
*تعليقك:

الحقول المشار إليها بـ (*) ضرورية

ضيف اكتشف سورية
أنطون مقدسي
أنطون مقدسي
حصاد عام 2008
حصاد عام 2008
دمشق القديمة
غاليري اكتشف سورية
غاليري اكتشف سورية
 

 


هذا الموقع برعاية
MTN Syria

بعض الحقوق محفوظة © اكتشف سورية 2008
Google وGoogle Maps وشعار Google هي علامات مسجلة لشركةGoogle
info@discover-syria.com

إعداد وتنفيذ الأوس للنشر
الأوس للنشر