سوالف أنور الرحبي في صالة الشعب بدمشق

09 03

حراك تشكيلي واسع الطيف

«سوالف» عنوان المعرض الفردي الجديد للفنان «أنور الرحبي» المقام حالياً في صالة الشعب للفنون الجميلة بدمشق وهو المعرض العشرون لهذا الفنان الحاضر بفاعلية وقوة في التشكيل السوري المعاصر.
من خلال مواظبته المجتهدة على إنتاج اللوحة المتعددة التقانات وتقديمها للناس من خلال المعارض الفردية والجماعية، أو من خلال وجوده بوصفه أمين سر نقابة الفنون الجميلة المركزية منذ سنوات طويلة ومساهمته الفعالة في إدارتها وإدارة فروعها في المحافظات يضم معرضه الأخير نحو اثنتين وثلاثين لوحة مختلفة الحجوم جلّها من الحجوم الكبيرة، وهي ظاهرة جديدة لافتة في تجربته المتميزة بتحولاتها الدائمة والمتسارعة ولكن ضمن شخصية فنية خاصة أصبحت لصيقة به وتدل عليه على نحو مباشر.
لوحة الفنان الرحبي السابقة واللاحقة مزيج متآلف من فنون مختلفة، لكنها تنتسب إلى مكانها بكل ما يضم من أحلام وغموض وسحر وأساطير، وتستفيد من معطيات تراثية شعبية ثرة غنية أبرزها الزخارف المستعملة في تزويق وتزيين الثياب الشعبية في مسقط رأسه (دير الزور) واعتماد المساحات اللونية الواسعة والمتضادة، والتكوينات الحركية المدروسة المطعمة بالوجوه الأنثوية الصبوحة، والكتابات والزخارف، وحركة الأيدي، واللوحة لدى الرحبي مزيج متآلف من فنون الرسم والتصوير والحفر (الغرافيك) والملصق وهي واقعية مبسطة وتجريدية ورمزية في آن معاً.
يقول الفنان أنور الرحبي إنه يعيش مجموعة تقاليد لا تتأكد إلا إذا نهلها من التراث هذا الضيف الجميل الذي يأتي إلى الفن بطريقة أو بأخرى وذلك من خلال قراءات الفنان ومشاهداته، وهو يعتبر التراث المدرسة الأولى التي تربى فيها وأخذ منها معطيات أكدت تميزه بوصفه فناناً فقد استطاع وهو ابن منطقة ريفية توظيف المعطيات التراثية في هذه المنطقة مثل الثياب (الهباري) والشالات الجميلة المزينة بالألوان الوحشية الحارة للخروج بلوحة فنية معاصرة.
بهذه الرؤية البسيطة الواضحة يؤسس الفنان الرحبي للوحته الجديدة التي فرضت وجودها في التصوير السوري المعاصر منذ عقود وتميزت بعناصرها المشخصة والمجردة وسطوة الخط والرسم على هذه العناصر بتأثير اشتغاله الطويل برسم «الموتيفات» والدراسات على نحو يومي تارة بقصد التحضير لمشاريع لوحات كبيرة وتارة أخرى بقصد التسلية وتمضية الوقت، إنما بقليل من التنظيم والتركيز تحولت هذه الرسوم والدراسات الخطية إلى مشروع فني واسع الطيف اشتغل عليه الفنان الرحبي بمواظبة واجتهاد وابتكار تمخض عن مجموعة كبيرة من الأعمال الفنية المتكاملة المقومات والخصائص أخضع بعضها لعمليات تقانية خاصة تحولت معها إلى تجربة فنية جديدة بكل المقاييس، وبعضها الآخر احتفظ بسمة «الموتيف» الذي أجاد إنجازه وبرع فيه.
على الرغم من هذا الفيض من التجارب والتحولات الكبيرة والمتسارعة ظل هناك ثمة خيط يربط رسومه بلوحاته، ولوحاته بعضها بالبعض الآخر، رغم اختلاف زمن إنجازها ومواده وتقاناته.
يرى الفنان الرحبي أنه كي نتمكن من إنجاز عمل فني صحيح يجب أن نسيطر على أدوات الرسم على نحو جيد، وهو شخصياً عمل في الصحافة اليومية بوصفه رساماً منذ سبعينات القرن الماضي، لكنه تجاوز هذا التأثير بالتدريج وهو يؤمن بتآلف الفنون وتوالفها، ويتجنب طرح الإشكاليات الكبيرة فوق سطح اللوحة، وتبنّي الترنيمات الغربية فما دام ابنَ هذه البيئة فإن رموزها وفنونها وإشاراتها أقرب إليه، وتالياً هي لغته ومن الجميل أن يعيش في كنف هذه اللغة ويستقي منها مقومات منجزه البصري الذي يجب أن يكون قريباً من الناس ومريحاً لبصرهم وبصيرتهم.
 كان الفنان أنور الرحبي وما زال مسكوناً برغبة عارمة في تأكيد شخصية فنية متميزة لها ملامح تراثية محلية، وهوية خاصة تجعلها تنتمي بيسر إلى الشرق العربي وإلى عصرها في آن معاً.
تحت تأثير هذا الهاجس يلجأ الفنان الرحبي إلى الاتكاء على الحرف العربي، وعلى محمولات الثياب الشعبية السورية من زخارف وألوان وإشارات ورموز وما يرافقها من حلي، ويوظف في الوقت نفسه المرأة الجميلة ذات العيون السوداء الواسعة المسكونة بالحلم والعذوبة والسحر المطهم مع هذه المعطيات ضمن وضعيات مدروسة لرأسها وأطرافها والخلفية المرصوفة فوقها فبات يتوقف طويلاً عند قطوعات لونية واسعة مجردة أحياناً، وشبه مشخصة أحياناً أخرى ليبرز من خلالها هذه المرأة ومحمولات ثوبها من الزخارف والرموز.
في معرضه الأخير وسع هامش تجاربه وزاد من عناصر لوحته ورموزها، ونوّع في معالجاته لها، وذلك يؤكد أن حالة البحث والتجريب التي تلبسته منذ بدأ مشواره الأول مع الرسم والتصوير قبل نحو ثلاثين عاماً لا تزال متوقدة في داخله وتدفعه دوماً ليعيش حالاً من الكشف والاستكشاف والتجوال في حقول الفن التشكيلي المختلفة بحثاً عن الجديد المبتكر، وهي حال صحية صحيحة تعجن الفن بالخيال والحياة، وتبعد الفنان عن الوقوع في مطب الشخصية الفنية الجامدة والاستقرار الطويل في الأسلوب الواحد المجتر والنمطية التي لا تضيف.
أنور الرحبي في كل جديد له يؤكد أنه مؤلف تشكيلي بارع يزاوج في لوحته بمهارة واضحة بين القدرات التعبيرية والبصرية للرسم واللون، وهذا الأخير عنده شفيف ينداح فوق جسد العناصر والأشكال بحرية وعفوية تارة وبكمود رافل بالغموض تارة أخرى، وفي كل من هما يتأكد اللون ويبرز من خلال الرسم الذي يبقى الحاضر الأكبر الأهم الأجمل في لوحته.


تشرين

Share/Bookmark

صور الخبر

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق

بسمة نجار:

أتمنى للأستاذ أنور الرحبي هذه الشخصية التاريخية العظيمة الخلود والبقاء-الفنانة التشكيلية بسمة نجار

سورية-حماة