منحوتات تعود للألف الثالث قبل الميلاد في المتحف الوطني

09 03

ميشيل مقدسي: النُصب تمثل بداية نشوء فن النحت في سورية

في بدايات الألف الثالث قبل الميلاد، لعب النحات السوري من المناطق الداخلية -ولا سيّما إيبلا- دوراً في إيجاد نهضة فنية نحتية للنصب والتماثيل أهمها عشتار في تل مرديخ (إيبلا)، لتكون فيما بعد بداية لانطلاقة مدرسة نحتية امتدت إلى جميع المناطق السورية في منتصف القرن الثاني قبل الميلاد، وأهم نتاجاتها الفنية وجدت في المناطق الشمالية والساحلية. ولئن كانت هذه النصب تتقاطع وتتماثل من حيث الشكل والتفاصيل مع فنون الحضارات المجاورة من أناضولية ورافدية ومصرية، إلا أنها نفّذت بطابع محلي وعلى يد النحات السوري، ولتقدَّم من جديد في قاعة المتحف الوطني بدمشق للفنان السوري المعاصر ضمن معرض «ألف تحفة وتحفة» بقوام ستة نصب إلى منتصف القرن الثاني قبل الميلاد مصحوبة بقطع موسيقية تتناسب والحالة الفنية لهذه النصب قدمتها فرقة قوس قزح بقيادة الفنان حسام الدين بريمو؛ وذلك في السابع من آذار.
يقول الدكتور ميشيل مقدسي، مدير التنقيب والدراسات الأثرية بدمشق «إذا قمنا بدراسة عن تطور فن النحت -وعلى وجه الخصوص نحت النصب في سورية- فإننا نلاحظ أن أقدم المنحوتات المكتشفة في سورية أتت من مناطق الرافدين، ونفذت على نحو متقن له دلالات من حيث الأسلوب وطريقة التعبير، ومن جهة ثانية إن أقدم الدلائل على وجود منحوتات شبيهة بعض الشيء بالنصب المقدمة اليوم أتتنا من حضارة الوركاء في الألف الرابع قبل الميلاد».
«عموماً هذه المنحوتات جميعها تمثل بداية نحت النصب في المشرق وفي المناطق الرافدية وتحديداً مناطق الفرات الأدنى، وتنتقل شيئاً فشيئاً نحو الشمال لتؤسس في منتصف القرن الثالث قبل الميلاد لمدرسة فنية انطلقت في مناطق سورية الشمالية من البادية الشامية».
«خلال بدايات الألف الثاني قبل الميلاد كان أيضاً في سورية الداخلية وبخاصة منطقة العاصي دور في نهضة نحتية لهذه النصب، ولعلني أخص هنا ما اكتشف منها في تل مرديخ (إيبلا) وأهمها "عشتار"، وهي منحوتة هامة جداً، فالنحات السوري قام بنحتها على الوجوه الأربعة، وتمثل عملياً طقوس انتقال تمثال الربة عشتار من المعبد إلى المنطقة الدينية المنخفضة ليقوم العوام بالطوفان حوله وداخل المجتمع الديني، ثم يعاد التمثال إلى مكانه في المعبد، حيث رافق هذا الطواف مجموعة نشاطات أهمها النشاط الموسيقي، وهذا يتطابق تماماً مع ما نقوم به الآن».
«بناء على كل ما ذُكر، فإن هذه المدرسة النحتية -التي ترسخت في إيبلا بين 1600-1800ق.م- قد سِيقت على جميع المناطق السورية وتحديداً موقع رأس شمرا "أوغاريت" الذي تجري فيه اليوم عمليات التنقيب على يد البعثة الفرنسية السورية».
 يتابع الدكتور مقدسي «مجموعة النصب التي نقوم بتقديمها اليوم نصب غير معروفة حُفظت في مستودعات الشرق الأدنى القديم، وهي تمثل مجموعة من الأرباب المقاتلة والمحاربة مثل "بعل" الذي يكون دائماً في وضعية الوقوف يحمل أسلحة بيد والأخرى فيها ما يرمز إلى القوة والسلطة، وهي الوضعية المثالية لبعل الساحل الذي نجده في منتصف الألف الثالث ويستمر حتى نهاية الألف الأول قبل الميلاد، وهو واحد من النصب المعروضة، ومجملها من الحجر الكلسي الهش أو ما يعرف بالرملي وتمتاز به أحجار المنطقة الساحلية».
«بشكل عام، نلاحظ أن مجموعة النصب المعروضة اليوم متكاملة مع بعضها وتحمل خصائص مشتركة من حيث الرأس الذي يحمل قلنسوة لها قرون، وهي مأخوذة عن التقاليد الأناضولية ولكن يتمثل على نحو مثالي مع بعل، والشيء الآخر هو اللباس من حيث بساطته، وهو مقتبس من التقاليد المصرية التي نجدها عند الفراعنة وبخاصة رعمسيس الثاني، والخاصية الثالثة وضعية الوقوف من النمط المصري لنحت النصب ولكن هذا لا يمنعنا من القول إنها نفذت من قبل النحات السوري ببصمة محلية، ونفذت من قبل النحات الأوغاريتي تحديداً».
فيما يتعلق بالمقطوعات الموسيقية المرافقة للعرض يقول الفنان حسام الدين بريمو «إن أقدم مدونة موسيقية حقيقية كانت من أوغاريت وترجع إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد، ونحن اليوم أمام منحوتات حجرية ترجع إلى القرن الثلاثين قبل الميلاد، ومع غياب المدونات والدلالات الموسيقية فإننا نقدم مقطوعات موسيقية هي عبارة عن مقاربة تخيلية ومحاكاة لتفاصيل المنحوتة، وبما أن العصر البرونزي نُحت فيه الحجر فهذا ينم عن حضارة أفرزت حتماً فنوناً أخرى منها الموسيقى. وعند دراستي للمنحوتات وجدت فيها توازناً وإيقاعاً فنياً ترجمته إلى إيقاع موسيقي موزون منتظم اعتمدت فيه على مقامات يونانية (نهاوند، وكرد) كانت مستخدمة في الألف الثاني قبل الميلاد وهو أقرب زمن تاريخي يمكننا الاستعانة به، وعلى العموم قدمنا لحناً يوحي على نحو ما بالعبادة فيه خشوعٌ وإيقاع وبراعة».
يذكر أن العرض القادم يصادف في الرابع من نيسان وينطوي على مجموعة من دمى العربات المصنعة من الفخار والمزخرفة بمشاهد بسيطة محززة تمثل شواهد فريدة ونادرة ترجع إلى الألف الثاني والثالث قبل الميلاد.


رياض أحمد

اكتشف سورية

Share/Bookmark

صور الخبر

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق