عمر أبو ريشة

01 12

مقدمة


كنا مراهقين صغاراً أو ربما كباراً على وشك ولوج المرحلة الجامعية، حين التقينا ذلك «النسر» العجوز، أو ذلك الجبل الشامخ الذي ابيضَّت ناصيته، نعم التقينا «عمر أبا ريشة» في إحدى شوارع دمشق في حي التجارة حيث كان يسكن. كانت قد تقدمت عليه السنون، والهرم بات واضحاً عليه. كان لقاؤنا به أشبه بطقس ترحيب وإجلال لشخصه الكريم، وعطائه الكريم على مدار الأجيال، كنا كعصافير صغيرة تحلَّقت حول هذا «النسر» العجوز، نبتغي منه حكمة أو تعليماً نتوق إليه!!.
كنا آنذاك مراهقين، نركض بين وهاد الرغبة المستيقظة فينا، وبين قمم البحث عن الصوفية. ولعلنا آنذاك أو البعض منا انتابه ما يُسَمَّى بعمى الألوان، أي كنا نرى ونبحث عن الصوفية في كل شيء، وُخيِّل إلينا أن الصوفية هي كل شيء، وبتنا لا نرى سواها، وهكذا انتابنا عمى الصوفية. ربما كانت الحياة أوسع بكثير مما نتخيَّل، أو مما نستطيع أن نحصرها به، سواء في مفهوم أو تجربة!!.
هكذا إذن، كنا نشتمُّ عبق الصوفية في شعر أبي ريشة، وبالتالي غفلنا عن ذلك اليمّ الشاسع الذي تهدر أمواجه بدرر على شواطئ الإبداع، وغفلنا أيضاً عن تلك الينابيع الرقراقة التي تنساب من ذرى الجبال محمَّلة بصور شفافة، وموسيقى عذبة، وخيال خصيب، وتجربة إنسانية فريدة!!.
نعم، لا زلت أذكر لا بل حفظتُ في ذاكرتي، ذلك اللقاء التلفزيوني مع شاعرنا عمر أبي ريشة، في ذلك الوقت، حين كنا مراهقين. كان حديثاً جميلاً، ورافقني صوته وكلماته سنين طويلة لا تبرح ذهني، كان كلامه تأمُّلاً حول البسملة أي معنى «بسم الله الرحمن الرحيم»، حيث قال: «الرحمن هو اتساع الصفة أي الرحمة وشمولها كل شيء، أما الرحيم فهو ثبوت الصفة أي الرحمة في الله إلى الأبد». وفيما بعد، وجدتُ أن البسملة المسيحية والبسملة الإسلامية، إن صحَّ التعبير في ذكر بسملتين لأن البسملة واحدة، تصبّان في نفس المعنى والحقيقة التي أشار إليها شاعرنا، وأنهما في الحقيقة واحد!!.
والآن، وقد غادرنا عمر أبو ريشة، فقد ترك لنا في رومانسيته، وشفافيته، ألحاناً عذبة، وصوراً غزيرة، ربما كانت وستظل بالنسبة لباحثين كثيرين، بمثابة «جنّة عدن» حيث كان الإنسان الأول تحيط به الأشجار من كل صوب، هذه الأشجار التي اعتبرها بعض النسّاك، «أفكار الله»!!.

سيرة حياته


ولادته


يرى بعض الباحثين أن الشاعر نفسه أكّد أنه وُلِدَ في العام 1911 في عكا بفلسطين. في حين يرى آخرون أنه وُلِدَ سنة 1910 في منبج، وهي المدينة التي أنجبت البحتري، وأبي فراس الحمداني.

نسبه


«هو عمر بن شافع بن الشيخ مصطفى أبو ريشة. وقد كان شافع من أبناء الأمراء في عشيرة الموالي، وهم أصحاب مجد مؤثل وبأس شديد، انحدروا من آل حيّار بن مهنا بن عيسى من سلالة فضل بن أبي ربيعة من طيء، ونبت فيهم الشعر من قديم. وكان لهذه العشيرة قوة في عهد العثمانيين إذ حكمت أطراف المعرّة إلى حماة، وأرسل العثمانيون شافعاً إلى الآستانه لتلقي العلوم فيها، ولما حصَّل شيئاً منها، عاد إلى بلده وعمل موظفاً في الإدارة، ثم ترقّى إلى قائمقام في منبج».
«كما ينقل بعض الصحفيين على لسان عمر أن أجداده، أمراء الموالي ورؤساء قبائل الطوفان والعابد والمهنا، قد قدموا من الحجاز، فأسر السلطان رشاد أحدهم، الذي هو أحمد كبير قبيلة الموالي، لتمرده على الوجود العثماني في شبه الجزيرة العربية، حيث توجد قلعة أبو ريشة. نقل العثمانيون رهينتهم أحمد إلى مدينة استانبول، وعلى ضفاف البوسفور اكتسب جد الشاعر احترام السلطان وتقديره، فتحول الغضب إلى رضا، وانقلبت النقمة مودة، جعلت الحاكم يأمر بأن يوضع على عمامة أسيره ريشة محلاّة بكريم الجوهر، فأصبحوا يُدعَون بأبي ريشة».

والده


والده كما ذكرنا هو شافع بن الشيخ مصطفى أبو ريشة، وُلِدَ في القرعون على ما يروي عمر. وعلى الرغم أنه أصبح قائمقام في منبج والخليل، فإنه أمضى سنين طويلة منفياً أو دائم الترحال، وبعد عودته من المنفى أقام في حلب، حيث عمل في الزراعة، ثم هجر الزراعة، وقبل منصب قائمقام طرابلس. وكان شافع شاعراً مجيداً، فقد كتب عدة قصائد في رثاء شوقي وحافظ وعمر المختار.

والدته


والدته هي خيرة الله بنت ابراهيم علي نور الدين اليشرطي، وهي فتاة فلسطينية من (عكا)، أما أبوها فقد كان شيخ الطريقة الشاذلية <<«طريقة صوفية، أسسها أبو الحسن علي الشاذلي بتونس، وعنه انتشرت في شمال إفريقيا، وأذاعها بمصر مريده أبو العباس المرسي المتوفي بالإسكندرية سنة 1287م. تقوم في أساسها – كالطرق الصوفية الأخرى – على أذكار وأوراد». عن كتاب «عمر أبو ريشة والفنون الجميلة»، تأليف: د.أحمد زياد محبك.>>|[1]|في فلسطين. وعنها يقول عمر: «كانت طيَّب الله مثواها مكتبة ثمينة على رجلين، عنها حفظت الأشعار، والقصائد، والمطوّلات». كما يذكرها عمر بالتقدير والثناء، فيقول: «والدتي متصوفة منذ صغرها، أحاطتنا منذ صغرنا بعناية ذكية، وأشاعت حولنا جواً روحانياً، جعلنا لا نقيم وزناً للفوارق المذهبية، تربيتها أمدتني بقوة استطعت بها ولوج دروب الحب. فالضعف يجعل من يبتلي به أضعف من أن يحب».
ويتحدث عن جانب مهم منها، هو جانب الصوفية، فيقول: «عالم من الأنوثة زاخر بالحب مضيء بالرقة والحنان. غلبت عليها النزعة الصوفية، تشعر بالألم فتغني بصوتها الرخيم لتبدد الألم. أحبت من الشعراء المتصوفين علي وفا وبحر الصفا وعبد القادر الحمصي وحسن الحكيم». ويضيف: «لقد اتسع حديثها دائماً للحب المحدود والحب المطلق للذات الكبرى، وعلاقة الإنسان بها».
ومما هو جدير بالذكر أن «أم عمر كانت تروي الشعر وبخاصة الشعر الصوفي. وقد عرف عمر التصوف منها، وكذلك أخذ عنها نظرته إلى الدين والحياة والحب، وكذلك مفهومه للتصوف، وكلفه بالجمال، وصداقته للموت».

إخوته وأخواته


«اشتهر من إخوته وأخواته ظافر وزينب. أما ظافر فله ديوان شعر بعنوان "من نافذة الحب" طُبِعَ عام 1981، وأيضاً له ديوان ثانٍ "لحن المساء"، وأما زينب فكانت شاعرة جيدة، تهافتت كبريات الصحف على نشر قصائدها».

تعليمه


«يذكر عمر أن والده ألحقه بعد عودته من المنفى بمدرسة النموذج الابتدائية في حلب. كما يذكر سامي الدهان أن عمر التحق بالجامعة الأميركية في بيروت سنة 1924 لكي يتم دراسته الثانوية، وكان عمر التلميذ يُعْرَفُ بالخطيب والشاعر والمؤلف المسرحي قبل أن يبلغ الثامنة عشرة من عمره. كما أدرك أبو ريشة الشعراء الثلاثة الذين أنجبتهم الجامعة الأميركية، وهم "إبراهيم طوقان"، و"حافظ جميل"، و"وجيه البارودي" عن طريق الندوات التي كان يجتمع فيها إليهم أو عن طريق إدراكه لآثارهم أو بقايا شعرهم الغزلي المشترك». سافر إلى إنكلترا سنة 1929 ليدرس كيمياء الأصباغ والنسيج في مانشستر، لكنه على ما يبدو انصرف إلى الشعر يقرأ عيون الشعر الإنكليزي، وعلى الخصوص شعر شكسبير، شلي، كيتس، ميلتون، تنيسون، براونينغ، بو، غراي. كما أنه درس بودلير بوصفه شاعره المفضل، بالإضافة إلى بو، وسنأتي على ذكرهم أثناء دراسة الرومانسية في شعر أبو ريشة.

تجربته العاطفية في إنكلترا


نشر عمر في هذه الفترة من حياته قصيدة طويلة أرسلها الشاعر من لندن، عنوانها «خاتمة حب»، وهي قصيدة لها علاقة بقصة حب حقيقية عاشها الشاعر، وكانت تجربةً، خلاصتُها، تعلّقه بفتاة جميلة هي «نورما ابنة صاحب أكبر معامل النسيج في إنكلترا يومها، شقراء بعينين زرقاوين، أُصِيبَ الشاعر بمرض الأبو كعاب (وكان مرضاً معدياً وخطراً في ذلك الوقت) فلزِمَ فراشه، وقامت الفتاة الحسناء المُحِبَّة بخدمته لبُعْدِ أهله وأقاربه عنه آنذاك، وعندما شُفِيَ الشاعر، سافر إلى حلب، وعاد إلى حبيبته، فوجدها مصابة بمرض الأبو كعاب الذي لم تنجُ منه كما نجا هو رغم عناية أهلها الشديدة بها فماتت». "وكان شاعرنا قد منّى نفسه بالزواج بها، لكنه ما أن نال موافقة أهله على ذلك، حتى فوجئ بموتها، فارتد على نفسه كاسف البال حزيناً، وعبَّر كما ذكرنا عن قصته هذه بقصيدة «خاتمة الحب»، ومن أبياتها التي يذكرها د.سامي أبو شاهين:
«شمسُ حُزني قد استوت وعجيبٌ   أن أراني أعيش في غير ظِلِّ
أبصرُ الدهرَ ناشراً سِفرَ عمري             ولسـانُ الآلام يقرا ويملي
طعنةٌ إثـر طعنةٍ إثـر أخرى              نثرت هذه الحُشـاشة حولي
فتـأمَّلتُ فـي الحيـاةِ وفيما          كنتُ أبني على الخيالِ وأعلي
فإذا مـوردُ النعيـم سـرابٌ               وإذا حـائط المنى فوق رملِ»

«ولم يصدق عمر هول الصدمة. فوقف يتغزل بجمالها يحدثها وتحدثه وكأنها مازالت حية ورآها ازدادت حسناً وجمالاً بعد الموت. فالجفن مازال كالأمس، وإنما يكتنفه النعاس أو الحياء أو نشوة الدلال»:
«طوقينـي بسـاعديكِ فلا خـوْ         فَ علينا مـن أعين العذَّالِ
ما أرى الموت مطفئاً شعلةَ الحُسْـ نِ ولا بالمزيل سحر الجمالِ
جفنـكِ اليـوم مثل جفنكِ بالأمْـ     سِ كسـاهُ الفتور تيم المثالِ
فـكأن الإغماضَ فيـه نـعاسٌ         أو حياءٌ أو نشـوةٌ من دلالِ»

لاشك أن هذه التجربة قد أدمت قلبه، وجعلته ينزف، ومما لاشك فيه أيضاً أنها أصَّلَت النزعة الرومانسية في شعره كما سوف نرى. كما يذكر الباحثون أن الشاعر أتقن اللغة الإنكليزية وأنه نظم بهذه اللغة مجموعة شعرية بعنوان «الجوّاب التائه» وقيل أنها طُبِعَت ثلاث مرات في إنكلترا.

عودته إلى حلب


«تغلب الشاعر في عمر على الصناعي فيه، فانقلب إلى دراسة الأدب الإنكليزي، ولا يُعْرَفُ كم من ذلك الأدب استوعبه عمر في إقامته القصيرة في بريطانيا التي غادرها دون إكمال دراسته، وعاد من بريطانيا في ربيع عام 1932 لقضاء العطلة الصيفية في حلب حيث مكث هناك منصرفاً إلى الشعر وحده دون أن تنازعه (الكيمياء الصباغية) أو سواها من تعدد اختصاصات حاول دراستها هناك». وتسلَّم إدارة «دار الكتب الوطنية» بحلب التي أثرى مقتنياتها وشجَّعَ فئات المثقفين في دعمها.

قصة انضمامه للسلك الدبلوماسي


«كان الزعيم حسني الزعيم، والأستاذان الصقّال والكوراني – والثلاثة من حلب – على إعجاب كبير بالشاعر عمر أبي ريشة، الذي كان يومئذٍ مديراً لدار الكتب الوطنية في الشهباء. وكانت الحكومة في حاجة إلى سفراء ووزراء مفوَّضين، فاقترح الأستاذ فتح الله الصقال أن يعيِّن الأستاذ أبو ريشة سفيراً لنا في البرازيل، فاعترض حسن جبارة، وقال: إن تعيينه مخالف للقانون، لأنه لا يحمل شهادة جامعية تخوّله هذا الحق، وتتيح له تسلم هذه السفارة. وعندئذ تصدّى له الأستاذ الصقال قائلاً: ولكن عمر أكبر من الشهادات».

زواجه


«تزوج عمر في التاسع من أيلول سنة 1939 من منيرة بنت محمد مراد، وكانت قد عاشت مع أسرتها في الأرجنتين، وكان والدها من كبار رجال الأعمال، ثم عادت إلى وطنها الأم لبنان مع والدتها وإخوتها بعد وفاة والدها، واستقرت في بيروت.
رافقت عمر إلى البلاد التي مثّل فيها سورية سفيراً زهاء ربع قرن. وكانت مثال السيدة النابهة في المجتمعات والأندية الثقافية. وأنجبت له ثلاثة أولاد هم رفيف وشافع وريف».
كما يذكر د.سامي أبو شاهين أن عمر تزوج في العام 1980 من سعاد مكربل، التي كانت له مثال السيدة النابهة والجميلة الملهِمَة، وأن هذا الزواج كان سراً.

ثقافته


يحدثنا عمر عن تأثره بوالديه في طفولته فيما كانا يتلوانه من الشعر الصوفي. وهو يقول في ذلك: «في البيئة المتصوفة، حيث نشأت، أُتيحَ لي الإصغاء، وأنا بعد طفل إلى أناشيد لم أكن أسمع مثلها في غير تلك البيئة، فأرددها برفقة أهلي، وأصدقاء أهلي، دون أن أدرك أبعاد معانيها».
كان الشاعر قد بدأ بعيون الشعر العربي ينهل منها ويتمثلها، إلا أن مصدراً جديداً أغنى ثقافته أثناء إقامته في بريطانيا، وفي هذا نسمعه يصرِّح: «خلال إقامتي في بريطانيا، أُتِيحَ لي مجال التعمق في دراسة الشعر الإنكليزي بصورة خاصة والشعر العالمي بصورة عامة».
والمصدر الأخير الذي يشير إليه د.جميل علوش، فهو تجربته الدبلوماسية التي جعلته على احتكاك بعدد من الأمم والشعوب، مما هيأ له مناخاً ليطّلع على لغات جديدة، ويذكر البعض أنه كان يتقن ست لغات أو أكثر، وأنه كان يرفض قراءة الشعر مترجَماً، فيصرّ على قراءته بلغته، وبالتالي مكَّنَته هذه اللغات الكثيرة التي أتقنها أن يطَّلِع على إنتاج أدبي وافر ومتنوع.
وعن تجربته في احتكاكه بالأمم والشعوب وأثرها في ثقافة الشاعر من جهة وشعره من جهة أخرى، ما يذكره أ.عبد الإله الملاح «كيف كانت الحكومات البريطانية في الهند تقفل معابد كاجوراو في وجه العامة، بدعوى فحش منحوتاتها وانحطاط تماثيلها، إلى أن استطاع سفيرنا أبو ريشة في الهند إقناع السيد جواهر لال نهرو، رئيس مجلس الوزراء هناك، بفتحها أمام جماهير الفنانين والمتفرجين، وكيف تمت بعد ذلك تسمية إحدى القاعات فيها باسم عمر أبي ريشة اعترافاً بفضله» وسوف نتعرض بتفصيل لقصيدة عمر أبو ريشة «معبد كاجوراو».

تسلسل وظائفه


1) عُيِّنَ عمر بعد عودته من إنكلترا مديراً لدار الكتب الوطنية في حلب، وبقي في هذه الوظيفة حتى سنة 1949، حين التحق بالسلك الدبلوماسي.
2) عُيِّنَ سنة 1949 ممثلاً لسورية في البرازيل.
3) عُيِّنَ سنة 1950 سفيراً لسورية في البرازيل (وزيراً مفوضاً في البرازيل).
4) عُيِّنَ سنة 1952 سفيراً لسورية في الأرجنتين.
5) عُيِّنَ سنة 1954 سفيراً لسورية في الهند.
6) عُيِّنَ سنة 1959 سفيراً للجمهورية العربية المتحدة في النمسا.
7) عُيِّنَ سنة 1961 سفيراً لسورية في الولايات المتحدة الأميركية.
8) عُيِّنَ سنة 1964 سفيراً لسورية في الهند.
9) أحيل سنة 1971 على التقاعد، فعاد إلى لبنان ليجعل بيروت مقراً له، ولكن تفاقم الأحداث فيها حال دون ذلك، فسكن فترة في دمشق، ثم انتقل إلى المملكة العربية السعودية.

مناصبه الفخرية وأوسمته


1) عُيِّنَ عضواً مراسلاً لمجمع اللغة العربية في دمشق سنة 1948.
2) عُيِّنَ عضواً في الأكاديمية البرازيلية للآداب.
3) منحته الأرجنتين الوشاح الأكبر.
4) عُيِّنَ عضواً للمجمع الهندي للثقافة العالمية، شغل فيه كرسي الأدب.
5) أعطته النمسا وشاح الثقافة.
6) منحته الجامعة العالمية بالتعاون مع الطاولة المستديرة لجامعة الآداب في العالم في توكسون أريزونا دكتوراه الثقافة العالمية في الآداب عام 1981.
7) وسام الاستحقاق اللبناني من الدرجة الأولى من الرئيس اللبناني الياس الهراوي.

وفاته


في يوم السبت 14 تموز 1990 رحل الشاعر الكبير عمر أبو ريشة إلى الدار الأبدية، وكان قد أُصِيبَ بجلطة دماغية، لزم الفراش على أثرها لمدة سبعة أشهر في مستشفى الملك فيصل في الرياض.
بعد الوفاة، نُقِلَ جثمانه بطائرة خاصة من الرياض إلى حلب حيث تم دفنه. وأُقِيمَت له مآتم التأبين في حلب ودمشق وبعقلين في لبنان «وكان عمر شغل الناس في حياته ومماته. إنه شاعر ألمعي بارز، قيمته محفوظة بين شعراء العصر الكبار، رحمه الله، وأجزل مثوبته».

أعماله


الشعر


1) ديوان «شعر»، حلب، 1936.
2) ديوان «من عمر أبو ريشة»، بيروت، 1947.
3) ديوان «مختارات»، بيروت، 1959.
4) مجموعة شعرية «غنيت في مأتمي»، دمشق، 1971.
5) ديوان «عمر أبو ريشة» (المجلد الأول)، دار العودة، 1971.
6) مجموعة شعرية «أمرك يا رب»، جدة، السعودية، 1980.
7) مجموعة شعرية «من وحي المرأة»، دمشق، 1984.
8) ديوان بالإنكليزية «التطواف Roving along» دار الكشاف، 1959.

المسرحيات الشعرية


1) مسرحية «ذي قار»، حلب، 1931.
2) مسرحيات «محكمة الشعراء، سميراميس، تاج محل، الطوفان، أوبريت عذاب».
ملاحظة: مسرحيتا «الطوفان» و«محكمة الشعراء» لم تُنشَرَا بالكامل، بل نُشِرَ بعض فصولها في مجلة الحديث. ومن المسرحيات التي كتبها ولم ينشُر منها سوى فصل واحد في مجلة الحديث مسرحية «سميراميس» كما كتب مسرحية شعرية أسماها «أوبريت عذاب»، كما تُذكَر مسرحية سابعة للشاعر عنوانها «الحسين بن علي».

الترجمة


«إيدي يوريدس»: مسرحية للمؤلف البرازيلي بدرو بلوك عربها أبو ريشة والياس خليل زخريا، ونُشِرَت في بيروت عن دار الحضارة، بدون تاريخ.

أدبه وتأثيره على مسيرة الأدب


الكلاسيكية الجديدة



تُعتبَر «الكلاسية الجديدة» في الأدب العربي المعاصر رجوعاً إلى مناهل الأدب العربي القديم وإحيائه وتجديده ومراعاة أصوله.
وعلى هذا، فقد أجمع النقاد على أن عمر أبا ريشة هو أحد رواد الكلاسيكية الجديدة الأساسيين في سورية، وأنه ممثل أصيل لها.
وفي هذا السياق يشير أ.جلال فاروق الشريف إلى أن الشعر الجديد إذا كان يجب أن يأخذ من الكلاسيكية الشكل إلا أن المضمون يجب أن يكون معاصراً تماماً في الفكرة الشعرية التي لا يحويها إلا الخيال المجنح.
«إنما جدارة إسهام أبو ريشة في الكلاسيكية الجديدة إنما تتجلى في تطويره للصورة الشعرية، وإذا كان الفن هو التعبير بالصورة، فإن جيل الرواد في التزامه بتقليد القدامى لم يتجل في التقيد بالعمود الشعري الخليلي تقيداً تاماً وحسب، وإنما في استعارة الصور الشعرية القديمة. فلقد استعادوا "السيف" و"الليث" و"الصحراء" و"القافلة" وجميع أدوات الشعر العربي القديم في الصور التي حاولوا فيها التعبير عن أفكارهم وأحاسيسهم. وكان على أبو ريشة كي يطور الكلاسيكية الجديدة أن يعبِّر بصورة جديدة أكثر معاصرة. ولقد اعترف له د.شوقي ضيف بهذا التجديد وأقره عليه على الرغم من اعتراضه على التجديد بعامة وبخاصة التأثر بالشعر العالمي المعاصر وبما يسميه "الاستيراد من الغرب"».

الرومانسية


أما أ.محمود منقذ الهاشمي فيشير إلى أن الشاعر عمر أبو ريشة بتناقضه الكامل مع الكلاسيكية التي تضم قيم العقل والنظام والواجب في المقدمة، وبإنكاره للدور المعرفي الفكري للشعر، وبتمسكه بأن الشعر خيال وعاطفة حدسية لا تستند إلى مقدمات فكرية معقولة، كان يصطدم على الدوام بالواقع فيشعر بالخيبة والوحشة والمرارة مما كان يؤجج فيه النزعة الرومانسية. ويقول: «ما أكثر قصائده التي عالجت هذه التجارب، ولا سبيل لإنكار أنه قدم فيها أجمل إبداعاته. وفيها تكمن أصالته الشعرية، فلا يشعر المرء أنه يستعير تجارب الآخرين، بل يتملكه الاقتناع بأنها صادرة عن معاناته وخياله الشخصيين».
«وبالتالي، فإن موهبته الشعرية تبرز أكثر ما تبرز في تلك القصائد الذاتية التي تنمّ عن مخيلة شعرية متميزة، وتجربة نفسية حطمته، فجعل من الحطام لوحات تفنن في تصويرها تصويراً يعتمد على الإيحاء والأجواء الغامضة البسيطة التركيب».

الذاتية والموضوعية


أما الذاتية والموضوعية في الشعر فيوضحهما د.محي الدين صبحي حيث أن تقسيم الشعر إلى ذاتي وموضوعي يسوّغه كون الأعراف الشعرية ذاتها جعلت من الشعر الموضوعي تناولاً شبه محايد لظواهر في العالم الخارجي، كالحوادث التاريخية ووصف الطبيعة أو الأطلال. في حين أن الشعر الذاتي يصف انفعالات الشاعر المباشرة فيما يتعلق «بأناه» الشعرية، علماً بأن مناطق الاشتباك والاختلاط بين الذاتي والموضوعي تكاد تكون أكثر من مواطن الانفصال والافتراق وخاصة عند الشعراء الحداثويين، أما الشعراء الكلاسيكيون فالفصل عندهم أغلب وأوضح!!.

الصورة البيانية


إذن، بعد أن توصلنا إلى مفهوم الذاتية والموضوعية، وأن الذاتية تنمّ عن مخيلة شعرية متميزة، فإن هذه الصفة الملازمة لشعر أبي ريشة يعبر عنها د.أحمد زياد محبك فيقول: « قصيدة "نسر" لأبي ريشة، كتبها وهو دون الثلاثين لتضيف إلى الوجدان العربي رصيداً جديداً قوامه صورة مرسومة بالكلمةۛ».
«لقد قُرِنَ شاعرنا بالرسام الذي يمسك بريشة ليخطّ صوراً مؤثِّرَة، ولاسيما أن التصوير أساس فنه، وهو تصوير يد صنّاع ماهر، حيث نجد الظل إلى الظل فلا نحس نشازاً بل نحس استواءاً وائتلافاً».
«لقد توقف أكثر من باحث أو ناقد – ممن عنوا بشاعرية عمر أبي ريشة– عند مهارته في رسم الصورة الشعرية، وليس أدل على هذا من مجاميعه الشعرية التي زخرت بصور ذات ألوان وظلال لا حصر لها، وهي جميعها تؤكد قدرة هذا الشاعر على رسم الصورة بالكلمة الحية الدالة. وممن انتبهوا إلى هذه الظاهرة البارزة في شعره د. شوقي ضيف الذي عدّه ممن نجحوا في رسم صورة شعرية متميزة.
«فكأنما له من اسمه حظ، فهو يرسم بريشته لوحات كبيرة تلمع فيها خطوط الاستعارات وألوانها وظلالها. ولعل ذلك ما يجعل ديوانه متعة حقيقية، فالشعر عنده ليس صوراً فارغة وإنما هي صور مليئة بالأفراح والأحزان».
يكاد شعره يكون متحفاً للصور، والشاعر لا يكتفي بأية صورة كانت يضمها إلى مجاميع صوره الشعرية بل إنه عميق النظر إلى الصورة «وكأني بالشاعر الكبير يعيش مع الأشباح ويقضي ساعات خياله مع الصور فيكسوها بالألوان والظلال ويجسِّم بها مشاهده الواسعة كأنها ألواح فنان رسام مصوِّر صنّاع، لا شاعر يعيش مع اللفظة ليربطها بأختها ويصنع منها شطراً يقفيه بقافية يرود في المعاجم طويلاً ليقع عليها. فلم يكن عمر يسعى وراء الألفاظ ولكنه يسعى وراء الصور».
عند هذا الحد، نستطيع أن ندلف إلى مفهوم الصورة البيانية الذي تطلعنا عليه د. وجدان عبد الإله الصائغ: «تُحدَّد الصورة البيانية على أنها "التعبير عن المعنى المقصود بطريق التشبيه والمجاز والكناية أو تجسيد المعاني" ويمكن تقسيمها إلى الصورة التشبيهية والصورة الاستعارية والصورة الكنائية».
وللإشارة إلى مظهر للصورة البيانية في شعر أبي ريشة نلجأ إلى دراسة جميلة للأستاذ محمود منقذ الهاشمي نتبين من خلالها ملامح الصورة الاستعارية.

الصورة البيانية في قصيدة «اقرئيها»


ويقدم أبو ريشة قصيدته بعبارة «أوراق ميت» يقول فيها:
«إنها حجرتي.. لقد صدئ النسـيانُ فيها.. وشاخ فيها السكوتُ!
ادخلي بالشـموع.. فهي من الظلمة وكرٌ فـي صدرها منحوتُ
وانقلي الخطو بـاتئـاد فقد يجفـل منك الغبـار والعنكبوت!!
عند كأسي المكسور، حزمة أوراق وعمر في دفتيـها شـتيتُ
احمليهـا، ماضي شـبابك فيها،  والفتون الذي عليه شـقيتُ
اقرئيـها، لا تحجبي الخـلد عني    انشريها، لا تتركيني أموتُ»

«روح الميت هي التي تتكلم في هذه القصيدة، إنها شبح رقيق يصاحب الحسناء المحبوبة إلى حجرة المحب. هذه الحجرة منسية، ويستعين الشاعر بالمعدن "الصدأ" الحسي الشيئي ليصف "النسيان" المعنوي الإنساني. والصمت مهيمن عليها، ويستعير الشاعر للسكوت المجرد للشيخوخة المجسدة، وإنها لاستعارة مؤثرة، إذ تجعلنا نرى في السكوت إجلالاً للمكان لأنه شاخ ولم يفارقه، ونرى في المكان الرهبة التي تثيرها الشيخوخة. والحجرة وكر منحوت في صدر الظلمة، إنها صورة تتلاءم مع رهبة المكان وشعريته وجوه الرومانسي الغريب. وهذه الصورة تبدأ بالجملة الإنشائية بعد الجمل الخبرية في البيت الأول، وفي هذا الانتقال إثارة لا تنكر، وهذه الجملة هي فعل الأمر: ادخلي بالشموع، والشموع بما هي أشياء من الماضي تثير الكوامن وتضفي على الصورة مسحة الابتعاد عن مألوف الحياة اليومية. ولم يقل الشاعر لها أن كل ما في هذه الغرفة عزيز عليه حتى الغبار وحتى العنكبوت، ولكنه عبّر تعبير الشاعر عن تلك المحبة التي يوليها لكل ما في الغرفة، حين طالب محبوبته أن تسير بخطوات متئدة لئلا يجفل الغبار والعنكبوت. فلماذا كل ما في الغرفة عزيز عليه؟ ماذا في هذه الغرفة؟ كأس مكسور، إنه كأس الخمرة التي كان يحتسيها وهو بعيد عن محبوبته، وإلى جانبه أوراق الشعر، إنها حزمة أوراق، ولكنها تختصر عمراً كما تختصر هذه القصيدة الكثير من المعاني الضمنية. لهذا كان كل ما في الغرفة عزيزاً عليه! إن هذه الحجرة المتهتكة تعيد الشباب، ويا للمفارقة!».

البعد الإيقاعي


«يتميز عمر أبو ريشة على وجه الخصوص بالصور الصوتية الخلابة التي يحبب إلى النفس جرسها ورونقها، وتنفذ انفعالاتها إلى القلب حتى قبل أن تنفذ معانيها. ويكاد المرء يشعر أنه قد استثمر كل الإمكانات الصوتية للأبحر الخليلية».
لإيضاح البعد الإيقاعي في شعر أبي ريشة، نستعير دراسة جميلة للدكتورة وجدان عبد الإله الصائغ، تقول فيها: «صاغ أبو ريشة صوره البيانية من خلال إحساس مرهف بالإيقاع وعبر ذائقة موسيقية متكاملة، ووعي دقيق بمستلزمات التواشج بين الصورة والإيقاع لخلق الدلالة الفاعلة على الحدث أو الموقف».
«ولأن ما يُدعى بالإيقاع الداخلي أو الموسيقى الداخلية، يبدو أقرب إلى الصورة البيانية وأدنى إلى طبيعتها، فستتناول الدراسة هذا الصنف من الإيقاع. ومن الجدير بالذكر أن الإيقاع الخارجي هو ما يتصل بالوزن والقافية، أما الإيقاع الداخلي الذي تتناوله هذه الدراسة فهو محاولة لرصد التواشج بين الصورة والإيقاع والكشف عما تتمخض عنه هذه الحالة فنياً ومعنوياً. وكان بعض الباحثين يرى أن الإيقاع الداخلي ينأى عن التحديد، فهو زئبقي الدلالة، تراه وتحس به إلا أنك لا تستطيع أن تعرفه على وجه الدقة. إلا أن باحثين آخرين رأوا لهذا الصنف من الإيقاع مظاهر التشابه أو التماثل أو التخالف في الحركات والسكنات أو الحروف إلى جانب أن كل إيقاع داخلي في قصيدة الشطرين يمكن أن يُرَدّ إلى مصطلحات البديع كالجناس والموازنة والترصيع ذي القافيتين أو التوشيح وغيرها».
«ومن الظواهر التي لها انعكاس على صور أبي ريشة البيانية، "التكرار" فهو يشكل ظاهرة ايقاعية واضحة في صور أبي ريشة البيانية». فمثلاً نراه في قوله:
إنهضي، إنهضي، فلستُ أطيق الـ    حُسْـنَ تذوي أزهاره في يديّا

«أما الظاهرة الايقاعية الأخرى فهي "الموازنة"، ومن شأن الموازنة أن لها رونقاً في الكلام، وهي تضفي جرساً بديعاً على العبارات مما يكون له أكبر الأثر في الإصغاء إليها». وفي هذا نرى قول الشاعر:
ربِّ أسمى من السمو نداما      ه وأسـنى من السنا روّاده

«إن الشاعر يعي هذه الهندسة الإيقاعية المتقابلة والمتناظرة من حيث طبيعة الألفاظ المختارة لبناء صورتيه الكنائيتين في هذا البيت، وقد تكرر حرف السين بما يُشبه الهمس الحزين مضفياً إيقاعاً خاصاً على الصورتين الكنائيتين».
«وكذلك، يضفي "الجناس" الذي هو "أن تتفق اللفظتان في وجه من الوجوه ويختلف معناهما" إيقاعاً محبباً على الصورة البيانية حينما يأتي في سياق متسق مع نسيجها. ويعد أحد الباحثين المعاصرين الجناس ضرباً من ضروب التكرار المؤكد للنغم». ومن هذا قول أبي ريشة:
عُدتِ لي هل عاد من غربته     شوقُكِ المضطربُ المضطرِمُ

«وهذا ما يسمى بجناس ناقص في لفظي (المضطرب) و(المضطرم). وتنتظم البيت صورة كنائية تشي بأن حبيبة الشاعر عادت ولكنها لم تعُد تحبه.
وكذلك "المقابلة" أي "أن يصنع الشاعر معاني يريد التوفيق بين بعضها البعض أو المخالفة فيأتي من الموافِق بما يوافِق وفي المخالف بما يخالف على الصحة"، فإن للمقابلة صدى إيقاعياً من خلال انعكاسها على الألفاظ». في مثل قوله:
فهصَرْتُ زهرتها بدمعةِ شاكرِ    وعصرتُ شوكتها ببسمة صابرِ

وتتسق الصورتان الكنائيتان وتنسجمان كي تعبِّرا معاً عن أن الشاعر عاش الحياة بكل ما فيها من ألم وأمل.
ويعي أبو ريشة كذلك دور «توالي بعض الحروف وتتابعها» مما «يشكل حالة نغمية تُسهم في جلاء الصورة الفنية وتزيينها» ويُضفي إيقاعاً خاصاً على بعض صوره البيانية، فمثلاً نرى توالي حروف (الغين والتاء والنون) في قوله:
غنَّيْتُها حتى غَدَتْ       في مسمع الدنيا أغاني

وهنا يشكل أبو ريشة صورة استعارية تصريحية ذات طابع سمعي في قوله (غنيتُها)، وتشع من هذه الصورة البيانية صورة كنائية معبِّرة عن شعره الذي قاله في جمال بلاده وروعتها. وقد أكسب تكرار حروف الغين والتاء والنون وتتابعها في نسق منسجم حركة وجرساً متسقاً مع سياق الصور البيانية ذات الطابع السمعي، فضلاً عن أن التكرار مع تفاوت في الاشتقاق في مطلع البيت ونهايته (غنيتُها، أغاني) قد أدى هدفاً إيقاعياً بيناً وبذلك بدت الصورة البيانية أكثر تعبيراً ودلالة.
أخيراً وليس آخراً، ثمة ملمح وهو «الترصيع» و«هو الاتفاق في نهايات الألفاظ»، ومنه قوله:
إن خوطبوا كذبوا أو طولبوا غضبوا     أو حوربوا هربوا أو صوحبوا غدروا

«يكرر أبو ريشة صوت الباء وهو حرف انفجاري أضفى جرساً قوياً على الصور الكنائية الأربع التي انتظمت البيت. فضلاً عن هذه المقابلة في معاني الألفاظ داخل نسيج كل صورة كنائية».

الحوار الذاتي المسرحي


يشير د.محي الدين صبحي إلى أن عمر أبو ريشة كان أول شاعر عربي استعمل بنجاح فائق تقنية «الحوار الذاتي المسرحي» وهي قصيدة تقوم على قصة أو عقدة، وعلى مغزى يشرح وجهة نظر الراوي في الحياة بحيث تظهر شخصية الراوي عبر الحدث الذي يرويه ويتفاعل معه. تضم قصيدة الحوار الذاتي المسرحي، إضافة إلى شخصية الراوي، الشخصية التي يتكلم عنها الراوي، وهي غائبة عن المشهد بطبيعة الحال، وشخصية ثالثة بالغة الأهمية هي شخصية المستمع الذي يصغي إلى ما يقوله الراوي ويقوم بحركات تشعرنا بوجوده دون أن يتفوه بكلمة واحدة.
«كما أن أعراف تقنية الحوار الذاتي المسرحي تقضي بأن يختار الشاعر شخصيات ومشاهد تاريخية بعيدة عن عصره، مما يمنح القصيدة عدة منظورات لكل من المتكلم والمستمع والشاعر والقارئ من خلال عصرين: عصر الحادثة المروية وعصر الشاعر المؤلف».
«وقصيدة "كأس" التي نظمها أبو ريشة عام 1940 تحلل تطورات الحالة النفسية التي أدت بديك الجن إلى قتل جاريته التي كان يحبها أشد الحب، وكيف هام على وجهه بعد أن قتلها. وكان ينشد بين شربه وبكائه أبياتاً من الشعر»:
«دعها! فهذي الكأس ما مرَّت علـى شفتي نديم
لـي وقفةٌ معها أمــام الله، فـي ظل الجحيم
دعهـا! فقد تشقيك فيها لفحـة البغي الرجيـم
وتنفّـس الشـبح الشقي علـى جـذى حب أثيم
مـا لي أراك تطيل فيّ تـأمل الطرف الرحيم
أتخالني أهذي؟ وخمري صـحوة القلب الكليـم
اشرب! ولا تترك جراح السر تعوي في رميمي»

كما يشير د.محي الدين صبحي إلى أنّ عمر أبو ريشة لامس الشعر الغنائي في نقطتين: الأولى أن العديد من الحوارات الذاتية المسرحية تستعمل الأوزان الغنائية استعمالاً واضحاً، والثانية هي أن هذا الإلحاح على تحليل الذات وكشفها في الحوار الذاتي المسرحي، ولحظات الإخلاص المطلق فيه، هي جزء من صميم طبيعة الدافع الغنائي.

الشعر القصصي وقصائد الحكاية المجازية


وهنالك أيضاً محوران آخران يشير إليهما الدكتور صبحي في دراسته وهما «الشعر القصصي» و«قصائد الحكاية المجازية»، حيث أن «الشعر القصصي» هو الطريقة العربية التقليدية التي عالج من خلالها أبو ريشة سِيَر العظماء ورثاءهم. أما «قصائد الحكاية المجازية» ونراها في قصائد «نسر» (1938) و«بعض الطيور» (1964)، و«المرأة» (1961) و«بلبل» (1944). وتتميز قصائد الحكاية المجازية في شعر أبو ريشة بالتركيز والاختصار وسرعة الوصول إلى المغزى، بالرغم من قدرته على التطويل.

المسرح الشعري


يذكر أ.محمد اسماعيل دندي أن المسرحيات الشعرية أخذت تشق طريقها إلى الجمهور منذ حوالي قرن ونيف، وكانت الموضوعات التاريخية تغلب على هذه المسرحيات منذ ظهورها، ولعل أقدم ما نذكره مسرحية «المروءة والوفاء» الشعرية التي كتبها خليل اليازجي، وقد تابعه كثيرون، ولكن أحمد شوقي هو أول شاعر عربي لفت إليه الأنظار بمسرحياته التاريخية الشعرية، وكانت محاولات أبي ريشة في المسرح مبكرة، إذ نراه في عام 1929، وهو لما يبلغ العشرين من عمره، وشوقي نفسه مايزال في بداية تجاربه المسرحية، نراه يبادر إلى كتابة مسرحية بعنوان «ذي قار» إلا أنه لم ينشرها في العام ذاته، وإنما تأخر نشرها حتى عام 1931 إذ صدرت بحلب، وتناقلها طلاب المدارس، وراحوا يمثلونها.
يقول د.سامي الدهان: «العجيب أنه اتفق في النقد مع أبي نواس حين نال من شعراء عصره. وهكذا كان عمر في هذه الفترة شديداً عنيفاً في الهجوم على طريقة الشعراء لأيامه، يختلس الفرص للنيل منهم حتى أنه رسم مسرحية شعرية أسماها "محكمة الشعراء" جعلها في أربعة فصول، وحشد فيها الشعراء المشهورين. فانطلق كلاً منهم بما تخيل. فتناول شعراء العراق والشام ولبنان ومصر، فنَصَرَ بعضاً وخذل بعضاً في حواره، وفضح هذا الحوار طبائع كثيرة كانت مخبوءة. وقد جعل "أبولون" إله الشعر حاكماً بين الشعراء يستدعيهم ويسألهم ويحاورهم ويستمع إلى نقدهم بعضهم لبعض. و"منيرفا" إلهة الحكمة شاهدة ومعها إلهات اليونان يشهدن كذلك ويحاورن الشعراء. والمسرحية كلها بيان في طريقة المجددين والهجوم على طريقة القدماء في سخرية وهزء يلين ويقسو حتى لقد تناول كبار الشعراء بالنقد لمعانيهم وتقليدهم للقدماء».
«المسرحية التي بدأها وهو ما يزال شاباً نضجت متأخراً في مسرحيتي "تاج محل" و"سميراميس". وبذلك فتح أمام الكلاسيكية الجديدة الباب لتخرج من أسر القصيدة التي ظلت في الشعر العربي القديم الميدان الوحيد للعمل الشعري. إن عمر أبو ريشة بدلاً من أن يشق الطريق لهذا التطوير، فتح الباب واسعاً أمام الحركة الرومانسية، والتي وضعت الشاعر موضع التناقض مع المجتمع، الرافض لتقاليده المتحدي لقيمه. وبذلك كان عمر أبو ريشة الممهد الحقيقي لرومانسية من تلاه من شعراء محدثين».

قراءة في «أوبريت عذاب» (1935)


يشير أ.محمد اسماعيل دندي إلى أن هذه الأوبريت هي ثاني أعماله الدرامية المكتملة. وهو فن جديد وافد يقف مرابطاً على الحدود المشتركة بين الموسيقى والمسرح. والكلمة من أصل ايطالي (opera) وهي تعني تأليفاً موسيقياً تمثيلياً، يُبْنَى على رواية أو أسطورة أو قصة، وهي لا تخلو من الحوار الكلامي، وراجت في القرن الثامن عشر. أما الأوبريت، ويعود الفضل بها إلى «موزارت»، فهي أوبرا صغيرة، تطلق على الرواية الغنائية الفكاهية، وتعد ضرباً من ضروب الأوبرا الهزلية إذ يتخللها التمثيل والحوار المسرحي.
تدور أحداث الأوبريت في إطارها العام، ضمن ما كان يعرف في المسرح الأوروبي باسم تركيبة المثلث (الزوج والزوجة والعشيق) وتجمع في أحداثها المرح والمواقف الهازلة، إلى جانب المواقف المؤلمة، وتشمل وجود أشخاص متناقضين في طبائعهم. إن جميلاً الرسام هو نموذج الفنان المثالي، الذي يشغله فنه عن كل شيء في العالم، ويعتبر هزيمته في الحياة أو نصره فيها، رهناً بما ينتج من فن يرضيه، ويقنع طموحاته إلى الخلق والإبداع، أما نزار فهو الإنسان العصري الذي تشغله متعه وملذاته التي يشتريها بالمال، وينفق في سبيلها ما يراه ضرورياً، أما القيم والمثل، فقلما يوليها الاهتمام، وتقف المرأة سعاد مترددة مضطربة، تجنح مرة إلى الفن والمثل، فتعشق الفنان وتحاول إرضاءه، وتجنح مرة أخرى إلى المظاهر المادية، والمال، إلى درجة أنها تبيع جسدها بثمن بخس، ويشتد التناقض في نفسها، فتندفع إلى الانتحار إذ لم تستطع التوفيق بين المطلبين: المادي والمثالي.
هذا هو المجمل الذي تقوم عليه الأوبريت، حيث تلوح لنا شخصية الزوج جميل الذي احترف الفن، وأحب سعاد، ورسم لها صورة، وضع فيها كل جهده، ولكنه أحس بأنه لم يرسم سوى المظهر الخارجي، أما الروح فظلت نائية عن ريشته فهتف متألماً:
«ومن دون روحك هذا القناع     وما نسج الظن من برقع
كـأن حـدود الفنون انتهت     وما بلَّغتني، مدى مطمعي»

ويعبر عن تأمله بها فيقول:
عرفت بك الله بعد الضلال      فدل البديع علـى المبدع

أما كيف باعت سعاد جسدها، فيلوح من خلال خيانة نزار لصداقته مع جميل، خصوصاً أن الأول كان يحبها قبل زواجها من صديقه جميل، ولما كان يعرف مواطن ضعفها، فقد تسلل من خلالها ومارس إغراءها بالذهب الذي لوّح به نزار ممثلاً في خاتم ذهبي جعلها تتردد تردداً يشير إلى سهولة الانقياد، وهي تناجي نفسها قائلة:
أأمنحه قبلةً من فمي      وأدفن تذكارها في العدم؟

ولكن زوجها جميل يعود مصادفة إلى البيت فيجدهما في حالة عناق. وهنا يشير أ.توفيق صايغ إلى أن جميلاً لا يقابل توبة زوجته وندامتها المريرة بغير التهكم والسخرية، فيجعل حياتها جحيماً. وتختتم المسرحية كما يلي: «"تنهض بجنون" "جميل بسكون": جرى سمها يعيث بإحنائها كيف شاء. "ترمي سعاد بنفسها من النافذة، جميل يضحك ضحكة وحشية ثم يجلس بسكون أمام صورة فتاته ويبدأ بإتمامها". "الستار"».
وأخيراً، يشير أ.محمد اسماعيل دندي إلى أن ما أسماه عمر «أوبريت عذاب» يصلح مسرحية ذات فصل واحد، ولكنه قلما يصلح للعرض الموسيقي والتمثيل في آن واحد. وربما كان الأمر الأكثر قبولاً في التعامل مع الأوبريت المذكورة، هو أن تقرأ باعتبارها قصيدة درامية مخصصة للقراءة وحدها.

عالميته


يذكر الباحثون إلى أن عمراً قد تسابقت الجامعات توطئه منابرها وترهف إليه مسامعها. يتكلم بفصحاه بين الفصّاح، ويحاضر بثلاث لغات أعجمية بين الأعاجم، ويقرأ آداب سبع أمم بألسنتها من غير لوثة ولا التواء، وينظم بالإنكليزية ديواناً يبزّ به شعراء اللغة الأقحاح.

أولاً – الخطاب السياسي في شعر عمر أبو ريشة


«لقد شب عمر أبو ريشة وسورية في نضال دامٍ مع الفرنسيين، والشرق في ثورة لاهبة ضد المستعمرين فكان لذلك أثره في نفسه، واتجه بشعره في تصوير كفاح الأمة العربية». هذا، ناهيك عما شهده من أحداث جسام حاقت بالمنطقة العربية، منذ اتفاقية سايكس بيكو، ووعد بلفور عام 1917، وغدر الحلفاء، مروراً بثورة فلسطين عام 1936، وصولاً إلى النكبة عام 1948، واستفحال هزيمة العرب فيما أسموه بالنكسة عام 1967، ناهيك أيضاً عن عمله الدبلوماسي على مدار ربع قرن تقريباً، كل هذا دمغ شعره بخطاب سياسي لا يمكن تجاهله!!.
كما أن نزعته الرومانسية تجلت أيضاً في شعره السياسي الذي اتخذ طابع الرفض والتحدي لممارسات السياسيين العرب، ولمواقف الضعف والتخاذل في القضايا القومية كالقضية الفلسطينية.
فموقفه من بلدان النفط العربية خصوصاً نراه حاضراً على سبيل المثال لا الحصر في قصيدة «هكذا»، وهي لاشك تعبر عن صرخة وجدان العربي تجاه أنانية قادته وعبثهم، ربما هذه الصرخة نراها حاضرة لدى الشعب الفلسطيني، فنحن سمعنا منذ بضعة شهور ما تناقلته وسائل الإعلام، حين انقطع عن هذا الشعب الجليل خصوصاً في القطاع، إمدادات الوقود، وأصبحت المادة البديلة هي «الزيوت النباتية» لإدارة محركات السيارات في محطات الوقود، وكاد هذا الشعب الذي يعيش ويلات الحصار والتهديد بالقصف العشوائي، أن يعيش مأساة حقيقية، والشعوب الأخرى نائمة، ومن مظاهر هذه المأساة ما سببه تلوث الهواء الذي بدأ يسبب أزمات تنفسية بسبب الزيوت النباتية المستعملة، وفي الوقت ذاته سمعنا عن أحد الذين باعوا ضمائرهم من دول النفط، يقدِّم هدايا من النفط الخام إلى أميركا وربما إسرائيل أيضاً!!.
هذه الصرخات تتردد بين الحين والآخر في بلداننا العربية. ومنذ ما يقرب من نصف قرن نشهد هذه الصرخة عند شاعرنا عمر أبو ريشة، فهاهوذا يقدِّم قصيدته «هكذا» قائلاً: «في ليلة واحدة أنفق أحد رعايا المحميات البريطانية ستين ألف دولار على عشيقته».
يقول الناقد ايليا الحاوي: «الشاعر يشهِّر بأمراء الخليج الذين فاض عليهم المال، فذلوا به وهانوا واقتصرت حدود دنياهم على كأس الشهوة ومضجعها. أما الفروسية فقد اضمحلت. والقصيدة تجري في سياق من الكنايات التي توحي إيحاءها، كدأبه بين ماضي المجد والكبرياء والفقر، وقد تكنى عليهما بالخيل والخيام، وحاضر التهتك، وافتقار الكرامة، وقد مثل عليهما بالكأس والمضجع. وهو يحلم بالعربي القديم الفارس وخيمة الفقر والكبرياء، وليس في ذلك دفع للتقدم والحضارة وتحريض على عدم الأخذ بالعلم، وإنما هي عودة إلى ينبوع البطولة الأول، إلى الإيمان بالبسالة أي القوة في سبيل الحق، لإنقاذ الإنسان العربي من عاره. وعار الأمة يبدو في شعر عمر كعاره الشخصي، كأنه يحمله وحده». يقول في القصيدة:
«صاح يا عبدُ، فرفَّ الطيبُ    واستعر الكأسُ وضجَّ المضجعُ!
منتهى دنياه، نهـدٌ شـرسٌ     وفمٌ سـمحٌ، وخصرٌ طـيِّعُ
بـدويٌّ، أورق الصـخرُ له      وجرى بالسـلسـبيل البلقـعُ
فـإذا النخوة والكِبَرُ علـى          ترف الأيـامِ جـرحٌ موجعُ
هانت الخيلُ علـى فرسانها! وانطوت تلك السـيوف القُطَّعُ
والخيـام الشمُّ مالت، وهوتْ    وعوت فيهـا الريـاح الأربعُ
....
قال يا حسناءُ ما شئتِ اطلبي   فكلانـا بالغوالـي مولـعُ
أختك الشـقراء، مدَّت كفهـا فاكتسـى من كل نجم إصبعُ
فانتقي أكـرمَ ما يهفـو لـه          معصـمٌ غضٌّ وجيدٌ أتلـعُ!
وتلاشى الطيب من مخدعه      وتـولاّه السـباتُ الممتـعُ
والذليـل العبد، دون الباب،     لا يغمض الطرفَ ولايضطجعُ!
والبطولات، علـى غربتها،      فـي مغانينـا، جيـاعٌ خشَّعُ
هـكذا، تُقتحم القدسُ علـى    غاصبيهـا، هكذا تُستـرجَعُ!!»
                                                                                                  1954


إذن، يصل الشاعر إلى البيت الأخير من القصيدة، وهنا لبّ القصيد ومفتاح القصيدة، أو حجر الأساس الذي يقوم عليه بناء القصيدة الذي بدونه ينهار البناء كله!!، نستطيع ربما أن نفهم أن ما يجري في فلسطين هو ما يجري لنا، فالقدس التي استباحها العدوان الغاشم ودنّسها، هي قدس الأقداس، هي تلك المدينة المقدسة التي من خلالها تم المعراج إلى السماء السابعة على البراق، فالإسراء كان من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، والمعراج من المسجد الأقصى إلى السماء السابعة. إنها التجربة الصوفية الكبرى، فالإسراء يعني الانتقال من الوعي العادي، إلى الوعي التأمّلي الذي مركزه «القلب» والمعراج يعني الانتقال من الوعي التأمّلي «الصوفي» في القلب إلى الحضرة الإلهية، التي يشار إليها بالسماء السابعة. في حين أن البراق هو الطاقة الداخلية التي من خلالها ينتقل الصوفي في رحلته الكبرى نحو الذات الإلهية!!. إذن، صوفية الإنسان العربي منطلقها «القدس» الكائنة في أعماقه السرية. لكن، خسرانه هذه المدينة الروحية تجلّى في فقدانه رمزها أي المدينة الزمنية، وهي «القدس»، وهكذا، أخيراً، استباحها العدو، واغتصبها، ودنّس أرضها!!.
إنما تجربة الرسول الكريم (ص) هي تقديس للنفس والقلب، فماذا أراد أن يخبرنا الشاعر في قصيدته «هكذا»؟!
ومضت أكثر من عشر سنوات على هذه القصيدة، وأتت هزيمة حزيران 1967 المفعمة علقماً للأدباء والمفكرين والناس في ذلك الوقت، وكان العمل الفدائي على أوجه كما يقال، وفي تلك الآونة، إذ انعقد مؤتمر القمة العربي في الرباط، وتراجع عن لاءات الخرطوم، ومما قاله أبو ريشة عن المؤتمرين:
«إن خوطبوا كذبوا، أو طولبوا غضبوا        أو حوربوا هربوا، أو صوحبوا غدروا
خافوا على العار أن يمحى فكان لهم     علـى الربـاط لدعم العـار، مؤتمرُ»

لعل ما قاله أبو ريشة في ذلك الوقت، ينطبق على ما يحصل الآن، فإذا بدّلنا مؤتمر «الرباط» آنذاك بـ«القاهرة» الآن، ونظرنا إلى اجتماع وزراء الخارجية العرب منذ بضعة أشهر لبحث الأزمة اللبنانية والخلاف الناشب بين الإخوة الأعداء – على حد تعبير نيكوس كازانتزاكيس في روايته «الأخوة الأعداء» التي يصف فيها انقسام اليونان بين معسكرين آنذاك – وما رأينا فيه من مواقف مخزية من دول النفط إزاء معالجة الأزمة، فلعل هذه الأبيات تعبِّر عن البعض منهم خير تعبير، باستثناء «قطر» التي استطاعت أن تفلت من قبضة العار التي أمسكت بالآخرين، وتركت بصمتها على جباههم ربما إلى الأبد، فقد نجحت قطر في تجاوز محنة كادت أن تفجر لبنان!!.
إذن، نعود إلى هزيمة حزيران 1967، وبعد مضيّ ثلاث سنوات على هذه الهزيمة النكراء، ينجح أبو ريشة أن يرسم الدموع على مآقينا، ويهزنا من أعماقنا، فهو وإن كتب قصيدة، فقد كان يرسم لوحة، يصف من خلالها موقف الغرب المتعجرف واللامبالي من مأساة ربما هو أحد أهم المسؤولين عنها، مأساة دفع ثمنها شعب بأكمله، هذا الغرب القاسي الجشع والأناني يتجلى في رؤية حسناء إنكليزية كانت في صحبة شاعرنا بالسيارة ذات مرة، حين مرّا بمخيّمات الفلسطينيين عن غير قصد. فبادرته الحسناء بالقول: «من هؤلاء؟ ولماذا يعيشون؟ أليس موتهم أهنأ لهم ولنا؟» ولعل إجابته لها حين قال: «دعينا منهم، لا تحدثيني عنهم» قد جعلته يرتجف في أعماق كيانه من رأسه إلى أخمص قدميه فكتب قصيدته «هؤلاء» يقول فيها:
«تتساءلين علامَ يحيا
هـؤلاء الأشـقياءْ!؟
المتعبـون ودربهـمْ
قفرٌ ومرمـاهم هبـاءْ
الـذاهلون الـواجمونَ
أمام نعش الكبريـاءْ!
الصابرون على الجراح
المطرقون على الحياءْ!
أنسـتهمُ الأيـامُ، مـا
ضحكُ الحياةٍ وما البكاءْ
أزرتْ بدنيـاهم، ولـم
تترك لهم فيها رجـاء
تتساءلين، وكيف أعلمُ
ما يَرَوْن على البقاءْ؟!
إمضـي لشـأنك
أسكتي
أنـا واحدٌ من هؤلاءْ!»

ثانياً – الرومانسية في شعر عمر أبو ريشة


يذكر د.عبد الواحد لؤلؤة، أن «الرومانسية حركة أدبية تبلورت في بواكير القرن التاسع عشر في أوروبا، وبخاصة في أعمال الشعراء الإنكليز الستة الكبار: وليم بلايك، وليم وردزوورث، صموئيل تيلر كولردج، لورد بايرن، بيرسي بيش شلي، وجون كيتس».
«كما ظهرت بوادر الرومانسية في فرنسا في أعمال عدد من الأدباء مثل لامارتين. ولعل الرومانسية ترتبط في أحد جوانبها بمفهومات سياسية تتعلق بالحرية والإنسان كفرد». وربما هذا ما حذا بدينيس دي رجمون على التأكيد أن «روسو هو الذي بدأ الانتقام للهوى وبشّر بالرومانسية، هذا الاسم الجديد الدال على مصدرها العريق في القدم. فإن لفظة الرومانسية مشتقة من "رومان"، وأول رواية أطلق عليها لفظة "رومان" هي رواية "تريستان": دُعيت بهذا الاسم لأنها استلهمت من شعراء اللانغدوك <<بلاد اللانغدوك: حيث عاش الجوالون أو ما يعرف بالتروبادور وهم شعراء عُرِفُوا في القرن الثاني عشر تغنّوا الحب في لغة صافية مستقاة من بيان الشعر العذري.>>|[2]| وكان هؤلاء الشعراء ينظمون باللغة الرومانية».

الفردية


يشير أ.محمود منقذ الهاشمي أن «الرومانسي عموماً يقدس الحرية، سواء أكانت حريته الفردية المتجردة من عوائق الطيران في ممالك السمو والجنس والتميز، أم حرية بلاده وشعبه وأرضه».
لا يختلف عمر أبو ريشة في إيقاظ الوعي القومي عن أولئك الرومانسيين الوطنيين المشتعلين بالحماسة والمثالية، الصارخين بغضب في وجه الظلم والاضطهاد، والمبتهجين إلى درجة الانتفاخ بتحطم أي قيد من قيود الاحتلال. ومن قصائده التي عالجت الموضوع الوطني «حماة الضيم»، «عروس المجد»، «زاروا بلادي»، «فدائي»، «هذه أمتي»، «يا عيد»، «في طائرة»، «بسمة التحدي».
«ليس من سبيل للخلاف حول أن ذات الشاعر كانت متضخمة ممتدة متعالية، وما مديحه لما يعجبه في وطنه غير فخر لا شعوري لهذه الذات».
«وعموماً فإذا كانت الفردية سمة بارزة في الرومانسية، فإنه مما يجانب الصواب القول بأن الرومانسيين قد اكتشفوا الفردية. إن بزوغ الفردية قديم في البشرية، وما يؤرخ عصر النهضة في أوروبا إنما هو ظهور الرجال الذين أحاطوا فرديتهم بهالة ضخمة، وتحدثوا عن الفردية كذلك. ومع ظهور العصر الرومانسي شاعت المظاهر المتطرفة في العبادة الحديثة للفرد، وتنامت إلى حد كبير نسبة الأفراد الذين يشعرون شعوراً حاداً بفرديتهم وكذلك باغترابهم. حتى إذا جاء القرن العشرون لم تكن تلك الفردية الحادة المصحوبة بالاغتراب عن المجتمع، وقفاً على فئات من الأدباء والمثقفين، بل وكما يقول جون. و.غاردنر فإن «فرصة الاغتراب قد أصبحت ديمقراطية على نحو شامل».
«وعند العرب، فمن الواضح لكل من يقرأ تاريخهم وأدبهم أنهم كانوا أسبق الأمم في هذه الفردية الحادة المتجذرة في سلوكهم وشعرهم». نسمع أبو ريشة مما يقوله في قصيدته «بلادي»:
«زاروا بـلادي نـافرين   من الخيال إلى العيان
متشوقين لرؤية الحـــــــسناء عنقـاء الـزمـان
أنـا صغت فتنتها بمـا   أوحى إلي بها افتتاني
غنيتهـا حتـى غـدت في مسمع الدنيا أغاني
أطلقتهـا مـن خدرها   مجلى السنا والعنفوان
وجعلت فتيتهـا حمــــاةَ المجد فرسان الرهان
زاروا بـلادي فاختبأتُ خشيتُ أن يدروا مكاني»

                                                                                       1967                          

الطبيعة


إنما الاحتفاء بالطبيعة نجده في الشكل الرومانسي من حيث التماهي بين الشاعر والطبيعة كما عبّر د.عبد الواحد لؤلؤة، الذي يعلن أيضاً أنه من أبرز خصائص الرومانسية: «أنسنة الطبيعة».
هذا الحضور الرومانسي للطبيعة، نجده في قصيدة أبو ريشة «إفرست» التي يفتتحها بعبارة «شوق المرأة الأرض» يقول فيها:
«إليك غير الظنِّ لا يـرتقـي    يا عاصب الغيم على المفرقِ
لأنتَ مجلى الأرضِ في شوقها إلـى البعيد المترفِ الشـيِّق
غـازلها نجـمٌ، غويُّ السَّـنا       وهزَّها مـن خدرِها الضيقِ
فانتفضت تهتفُ: يـا خَصْرَه       قرِّب، ويـا وجدي به: طوِّقِ
فـكنتَ منهـا اليدَ، ممـتدَّةً      ولـم تزل ممتـدةً، يا شـقي!»

                                                                                              1961
وفي هذا يعلّق د.عبد الواحد لؤلؤة شارحاً: «الصفة الرومانسية في قصيدة أبي ريشة تغتني – كما عهدنا شعره – بخصوبة الخيال، فلقد جعل من الأرض عاشقة، ومن الجبل يداً امتدت إلى النجم الذي غازل الأرض. ولكن من سمع بنجم يغازل الأرض، أو جبل صار يداً تمتد إلى النجم ولا تبلغه؟ وإفرست مكلل بالغيم الذي عصبه الجبل على مفرقه، مثل الثلوج التي تكلل قمة الجبل الأبيض، كلاهما عصيّ على البلوغ، وكلاهما "لا يرتقي" إليه غير الظن، كلاهما صورة المجهول الذي يحفز التشوّف الرومانسي إلى بلوغه. والجبل صعب المرتقى، بعيد، تحيطه الغيوم التي تجعله يبدو أشد بعداً وغموضاً. والذي "يجلي" الغموض وشوق الأرض العاشقة هو ذلك "البروز" في شكل "الجبل" الذي صار "اليد ممتدة" في تشوّقها إلى البعيد. ولما تزل ممتدة لا تبلغ مرامها، ذلك النجم البعيد، الذي "غازلها" فانتفضت كما تنتفض عاشقة تريد الخصر من عاشقها وتطويقه».
كما نستطيع أن نلمح نزعة صوفية عميقة في علاقته مع الطبيعة تلوح من خلال قصيدة «نجمة» (1944)، وعلى نحو أوضح في قصيدة «ما بعدك» (1965).

صورة المحبوبة


يشير أ.الهاشمي إلى أنه «لدى الرومانسيين في مفهومهم عن المرأة المحبوبة اتجاهان متقابلان، فهي إما ملاك طاهر هبط من السماء لتنقية قلب المحب والسمو به، وإما شيطان يربطها بالمحب هوى مشؤوم قيده به قدر محتوم يقصد إلى شقائه وهلاكه».
«وعمر أبو ريشة يجمع الاتجاهين معاً. فهو تارة ينتمي إلى هذا الفريق من الرومانسيين، وتارة إلى ذلك».
ومن جهة أخرى فقد ألمح د.محي الدين صبحي إلى ما أسماه نموذج المرأة الممتنعة في شعر أبو ريشة، وبالطبع لم يغفل الأثر الرومانسي في ما أسماه «أمثلة المرأة والحنين إلى البراءة في مطلع حياته الشعرية، مع ما يرافق ذلك في وصف اللواعج والإغراق في الأسى، ومن ناحية أخرى التمرغ في حمأة الجسد والتبرؤ منه في آن معاً».
هذا الموقف المزدوج، حذا بالأستاذ توفيق صايغ في ما أسماه «الحب المجزأ» إلى إشارة ذكية، ليس بالضرورة أن نأخذ المقالة بحرفيتها في الثنائية التي يسميها فرويد بصراع «البغي والعذراء»، ذلك أن المحبوبة تمثل الأم المحرمة ومن ثم فالمرأة لا يمكن أن تُحَبّ إذا أراد ممارسة الجنس معها، ومن هنا تبدأ الأمثلة وينشأ صراع «البغي والعذراء»!!. وهذا لا يعني أن الشاعر لا يستطيع ممارسة الجنس إلا مع العاهرات، وإنما الأستاذ صايغ أراد أن يقول أن «مشكلة الشاعر - وربما هي مشكلة الرومانسي أيضاً – تكمن بعدم التوفيق بين النموذجين "المحيية الموحية" و"السادية القاتلة"، وأن الشاعر لا يدرك أن بإمكان المحيية أن تعطيه ما تعطيه القاتلة، أو ما دام أنه مال إلى القاتلة فإنها هي أيضاً بإمكانها أن توحي، بل أن تحيي».
ولاشك أن تأجيج هذا الصراع وهذا الفصل عند الشاعر كان ناجماً عن رومانسيته التي تأثر بها من جهة ونزعته الصوفية العميقة التي أخذها عن والدته من جهة أخرى، والرومانسية والصوفية كلاهما كانت تشداه إلى ذرى الجبال والطهر والمعرفة مما جعله يتعبد للجمال الذي قاده أن يرى في المرأة الجميلة أكثر من امرأة، وأن يرى فيها شيئاً من إله، وإذا ما قارن ذاته بها، وجدها شعلة علوية، ووجد ذاته طيناً حقيراً، في الحين هي طهر ورفعة، ووجدانه ليس أهلاً لها أو لحبها، وهي كما يعبر أ.صايغ، «تفد عليه من عالم سماوي، وتقلبه هو إلى مؤمن». فلنسمع ما يقوله أبو ريشة في مقطوعة «البرعم الأخضر» (1938):
«أفقتِ مـع الحـلم المسـفرِ        علـى نغم شـارد مسكر
رويدك لا تزحمي بالـرؤى            خيـالك، يـا عفَّة المئزر
أنـا حفنـة مـن رمـاد على               مجمر الزمن الأزور
هويتك على غصة المؤمنين     إلـى جرعة من فم الكوثر
دعيني وحيداً، أزجّي الخطى على مخصب الوهم والمقفر»

«وهي في قصيدة أخرى تجيئه خطفاً ومفاجئاً، تظهر له كملاك لا يعرف من هو وكيف جاءه، وتحمل معها إليه دنيا جديدة ونظرة للحياة جديدة بدّلت له آفاقه وأثرتها ولونتها. وفي قصيدة ثالثة نرى المرأة نبراساً يضيء له الطرقات وملاّحاً يوجهه نحو الشاطئ الأمين. وفي قصيدة رابعة نراها هدى للشاعر في حيرته ورجاء في يأسه ونوراً في ليله ونبعة في ظمئه. فالمرأة هنا تبدو مخلوقاً علوياً في حين أنه مخلوق أرضي».
وفي قصيدة أخرى وضع صفة «ساذج» عنواناً لقصيدة نظمها عام 1936، ونسمع أبو ريشة يقول فيها:
«1- مُنية النفس تناسي سيرةً    تركت في مسمع البغي صداها
4- هي أهواء شباب مترف          بلغ الطهر على رجس خطاها
..........
12- فتعالي نلتمسْ دنيا من الحـــب لـم يبلغ سـرى الوهم مداها
13- كمـلاكين، إذا مـا التقينـا مــــــا تعدت ثورة الشوق الشفاها»

ولعل أبو ريشة حاول أن يجمع النموذجين معاً فيما يتجسد بلقاء الرغبة والطهارة، وهذا ما نراه في قصيدة «طهر» فهو يقدم القصيدة بهذه الكلمات «خجل العذراء، صدى لرغبة مكبوتة، ولكن حب هذه العذراء...» يقول فيها:
«ألفيتُهـا سـاهمةً       شـاردةً تـأمّـلا
طيفٌ على أهدابها   كسـرِّهـا تنقّـلا
شق وشاح فجرها   خميـلةً وجـدولا
وماج فيها رعشةً حرَّى وشوقاً مُنزلا
نـاديتُها، فالتفتت نهداً، وشعراً مرسلا
واللحظ في ذهوله   مغـرورق تمـلمُلا
طوَّقتها، يا للشذا    مـطـوَّقا، مقبَّـلا
فما انثنت طائرةً     ولا رنـت تـدلـلا
ولا درت وجنتها    مـن خجـل تبـدُّلا
كأنها في طهرها أطهر من أن تخجلا!!»
                                          1946 

إلا أن تكريس الفصل بين النموذجين يلوح من خلال المظهر الآخر الذي تتخذه المرأة، مثل بطلة قصيدة «عشاق» التي يشير إليها الأستاذ صايغ، «وهي المرأة الشهوانية اللعوب المخرّبة التي تلمس الذهب فتقلبه تراباً، تلمس الرجل "المترف" فيضحي "سكيراً معدماً"، "ويجرّ خطاه بين السكر والوهن». ويسير «كأنما يحمل نعش العمر للدفن»، ورغم هذا فإنه يميل إليها «عرف ضحاياها فلم يتعظ، وهذا السكير المترف الذي يمر بهما كان من عشاقها المترفين» كما تقول مقدمة القصيدة، يقول فيها:
«دنـا منَّا يجرُّ خُطـاه     بين السـكرِ والوهنِ
وفـي برديه ما يُشـقي وفي عينيه ما يُضني
فملتِ عليَّ باردةَ الجبــــين غـضيضة الـجفنِ
وصـدرك حلمتا قـلقٍ       تنهَّدتـا علـى أمنِ!
فسـمَّر فـيَّ لحظيـه     وقهقـه ساخراً مني
وسـارَ كـأنما يـحـــــــمل نعـشَ العمر للدفنِ!
....
منايَ دعي لصحوِ غدي  بقايا الخمر في دنِّي!!»

«أو هي تلك التي تقود إلى الضلال» كما في قصيدة «لست أحيا» يقول فيها:
«معولي في يدي وأصنام دنياك تريني مـا ضاق عنه خيالي
لـم يزل بعدُ فـي بقية أيـامي      مجالٌ إلـى بنـات الليالـي
لسـتُ أحيا إن لم أُمِت كلَّ يومٍ فيكِ شيئاً عبدتُه في ضلالي»

الحب


يذكر أ.الهاشمي في هذا الصدد: «ليس بين المذاهب ما يضاهي الرومانسية في الاحتفاء بالمرأة والعشق والتغني بروعة الهوى وعذابه، والتسامي به إلى أعلى الدرجات. ومن هذا المنطلق كان شعر الهوى هو معظم ما يحتويه ديوان أبو ريشة، وكان للمرأة فيه أكبر حيز وأرفع قيمة. ولا عجب بعد ذلك أن يلقب عمر أبو ريشة "شاعر الشباب والحب والجمال". وأن يظل هاجس الهوى أقوى هاجس لديه، وأن يتخلل حتى أشعاره القليلة نسبياً والتي تدور في موضوعات أخرى. والهوى يخلع عليه الرومانسيون القداسة والرفعة، إذ أن مثاليتهم كانت تكسو الحب نبلاً وسمواً، وترى فيه شكلاً من أشكال عبادة الله أو الطبيعة، وتجعل منه ديناً». ففي قصيدته «حكاية سمّار» نسمعه يقول:
«الحبُّ مجلى الله، كم من عابدٍ  ساهٍ بهيكله الوضيء وسـاهرِ!
لبسـت عليه المجدليةُ خلعةً       بيضاء، باركها سماحُ الناصري!»

«هذه الهالة القدسية للحب عند أبو ريشة تجعله ديناً له مبشرون، وله عبَّاد ساجدون، وهو ليس رباطاً بين قلبين وحسب، بل هو رباط كوني تساهره النجوم وتستوحي منه الأنفس، وهو ليس مصادفة، بل هو وعد من الأزل».
أما في قصيدته «أشهى من أن يدوم» وفيها نرى صدى لحضور نموذج ملائكي يسمو به إلى عوالم الخباء المعلّى يقول فيها:
«وحدي، لو أنكِ أقصى  من ظل كأسيَ ظلاّ!
أبلـي عليـك الليالـي    بهاجـسٍ ليس يبلى
ولـم أزل فـي ذهولي     أبغي لسـرِّك حلاّ!
أردتِ أنت انطلاقـي      إلى الخباء المعلّى!
إلـى ملاعـب دنيـا      ما زارها الوهم قبلا
ولـم أكن لك كفـواً          ولا لـحبكِ أهـلا
وغبتِ لم تتركي لي     مـن القليـل الأقلا
لم أدرِ كيف تصدّى        لـيَ النعيم وولّـى!
لعلـه، كان أشـهى    من أن يدوم وأحلى!»

أما حضور ما أسماه أ.صايغ بـ«الحب المجزأ» فنراه في قصيدة «خداع» يقول فيها:
«ملكتِ علـيّ نعيم الحيـاة      وصفقتِ فـي أفقه طـائره
وتهتِ علـيّ فلم تسـمعي صدى زفرة في الدجى ثائره
ولما نفضتُ يدي من هوى       طَهورٍ كقلبك يـا طاهـره
علقتُ بكل سـدومِ الطباعِ       صريعةِ لذاتهـا الكاسـره
...
أرى بين جفنيكِ جسرَ الدموع     تسـير عليـه طيوفُ الألم
أتخشـينني؟ إن أمسي انطوى  فلا تنشـريه خضيب الذممْ
فلم يبق فيـه، إذا مـا التفتِّ إلـــــيه، سوى غصصٍ من ندمْ
فلا تتركيني علـى صبوتـي    طليقُ الأماني، كسيحَ القدمْ
...
سكتّ وطرفي علـى طرفها     غضيضٌ، وفوق يديها يدي
فأسندت الرأسَ فـي رقـةٍ      علـى قلبـي الثائر المجهدِ
ولمـا هممـتُ بتقبيلهـا      ورشفِ الرضاب الشهي الندي
سمعتُ نداء الضمير الجريح        يتمتم: يـا وغـدُ لا تعتـدِ
...
حنيتُ علـى وقعه هامتـي     وسرتُ على غير ما مقصدِ»
                                                            1935

«في هذه القصيدة اتخذت المرأة دوريها اللذين ألفناهما في الشاعر: دور المحيية الموحية ودور السادية القاتلة».
وكذلك فإن حضور الرومانسية في الحب يظهر أيضاً في «شبح الماضي» التي يشير إليها أ.صايغ حيث نراه مع الحبيبة، وحيداً في الفراش، يقول لها:
نامي على مهد الصبا واحلمي    جذلى، وخليني إلى وحدتي

وفي المقاطع التالية وصف للمرأة في الفراش، لحركاتها وإغرائها وجسدها. لكن هذا كله لا يقود الشاعر إلى صرف النظر عن الماضي إلى الحاضر، بل على العكس من ذلك إنه يقوي فيه التفاته عن الحاضر إلى الماضي.
لن يذهب الماضي بأشباحه      مهما تراخت سكرة الشاعر

يبقى ثمة مظهر أخير للحب في شعر أبي ريشة، ولعلنا نسميه «الحب المستحيل»، وهذا الحب المستحيل ربما يخلقه نموذج «المرأة الممتنعة» الذي يلوح من خلال «الحب المجزأ» من جهة، وعوائق قد تكون اجتماعية، أو بيولوجية– نفسية كما نرى في قصيدة «كأس» التي تعكس تمظهر «الحب المستحيل» وذلك هنا بسبب عنانة ديك الجن التي يشير علم النفس إلى صلتها الخفية بـ«عقدة الخصاء»، وبسبب عقدته هذه يزداد شبقه إلا أنه يظل في دائرة «الحب المستحيل»، إذن هذه العنانة أنشبت في صدر «ديك الجن» غيرة متأججة تجاه محبوبته التي قد تذهب إلى غيره، فجعلت منه هذه الغيرة أخيراً قاتل حبه. ويقدم أبو ريشة القصيدة كما يلي: «يُروى أن ديك الجن الحمصي قتل جاريته الحسناء حباً بها وغيرة عليها، وجبل من بقايا جثتها المحروقة كأسه، وكان ينشد بين شربه وبكائه أبياتاً من الشعر» يقول فيها:
«أجريت سيفي في مجال خناقها   ومدامعي تجري علـى خديها
روّيتُ من دمها الثرى ولطالما     روّى الهوى شفتي من ِشفتيها»
                                                                     ديك الجن
....
«دعهـا! فهذي الكأس ما مرّت علـى شفتي نديمِ
لـي وقفةٌ معهـا أمام      الله فـي ظل الجحيـمِ
دعهـا! فقد تشقيك فيها   لفحـة البغي الرجيـمِ
وتنفّـسُ الشبحِ الشقيّ   علـى جُذى حب أثيـمِ
ما لـي أراك تطيلَ فيّ        تأمُّل الطرفِ الرحيـمِ
أتخالني أهذي؟ وخمري    صحوةُ القلـب الكليـمِ
اشرب! ولا تترك جراحَ الســرّ تعوي في رميمي!»

إذن، من «الحب المستحيل» تتولد الرغبة بقتل المحبوبة، والخلاص من عذابات حب لا يجد طريقه إلى النور ولا إلى التسامي والتصعيد، ولعل هذه العذابات هي أحد أهم أسباب ظهور الشخصية العصابية، وربما محاولة القتل أو التهديد به، نجد مثلاً على ذلك في قصيدة «عاصفة» التي يقدمها أبو ريشة بعبارة «زارها ليقتلها»، والعوائق التي تقف في وجه الحب تبدو «نفسية – روحية»، إذ تتخذ المحبوبة كما ذكرنا دوراً سلبياً في لاوعي الشاعر. يقول فيها:
«إشـربي! اشـربي بقايا خمورٍ  وضعتها يدُ الأسى في إنائي
إشربي وارقصي وغنّي وهزِّي    مزهرَ اللهوِ في يدِ الإغراءِ
إشربي وانضحي اللذائذَ حتـى        تتـولاكِ رعشـةُ الإعياءِ
أتخـافين؟ أقدمي لا تخافـي    أقدمي وانفضي بقايا الحياءِ
إن هذي العروقَ فـي جسمكِ البضِّ أنـابيبُ شـهوةٍ لا دمـاءِ!
..
أي رجسٍ هفا إليكِ ولم تُعطيه    ما شـاء،  يا قتيلةَ رجسكْ»

ثالثاً- مصادر رومانسية الشاعر


«ونحن إذ نؤمن مع الرومانسيين بقيمة الحدس والمخيلة في الشعر، إلا أننا لا نرى أنهما ينشآن من الفراغ، بل نرى أن الرؤية الفنية الناضجة التي تعتمد على الحدس وقوة الخيال تكتسب من ثقافة الفرد في العلم والفلسفة والفنون الشيء الكثير، وإن الجهود الأدبية الرائعة في هذا العصر لتقدم لنا الأدلة غير القليلة على إمكانية إزالة الحواجز المصطنعة بين العلم والفن، والشعور واللاشعور، والمعقول واللامعقول، وإحداث التوازن المطلوب».
وفي هذا السياق يقول د.أحمد زياد محبك: «لما كانت الفنون الجميلة هي إحدى أهم مصادر رومانسية الشاعر، فإن بناء القصيدة كان بناءً يستلهم الفنون الجميلة حيناً، ويحاكي فيه الشاعر الفنون الجميلة حيناً آخر، ولاسيما الرسم والنحت والعمارة، حتى كأنه في معظم شعره يرسم لوحة أو يبني قصراً أو ينحت تمثالاً، ويظهر ذلك من خلال اهتمامه باللون والشكل والحركة، ومن خلال انتقائه الكلمة وعنايته بها، وحرصه على هندسة القصيدة، ولاسيما في استهلالها واختتامها، وهو أشد ما يكون حرصاً على الاختتام، كأنه بالنسبة إليه الحجر السري الذي ينهار البناء كله إذا رُفِع».
من هذا المنطلق بوسعنا أن ندلف إلى قراءة قصيدتين الأولى وهي «معبد كاجوراو» والثانية «ليدا».

قراءة في قصيدة «معبد كاجوراو» (1957)


معبد كاجوراو <<معابد كاجوراو: نسبة إلى قرية صغيرة في وسط الهند تدعى كاجوراو الواقعة في منطقة شاتاربور تبعد 620كم جنوب شرقي نيودلهي عاصمة الهند. وشيدت إبان حكم سلالة الملك تشانديلا راجبوت التي حكمت تلك المنطقة من الهند في القرون الوسطى. بنيت هذه المعابد على مدى مئة سنة (950-1050). كان هناك 80 معبد، بقي منها 22 معبداً فقط تنتشر على مساحة 21كم2 وهي مجموعة من المعابد المتميزة غير العادية، بدت للضابط البريطاني ت. س. بيرت، الذي كان محظوظاً برؤية أطلال مدينة المعابد هذه في القرن التاسع عشر، وكأنها قد هجرت منذ أكثر من سبعمئة سنة، ويعتبر هذا الموقع الأثري العظيم المنسي اليوم، من أكثر المواقع فتنة وإغراء في الهند. أما كلمة كاجور في حد ذاتها فهي تعني «عقرب» و«نخلة». كما يذكر أوشو وهو أحد روحانيي الهند في القرن العشرين زيارته إلى كاجوراو لرؤية المعبد الشهير عالمياً حيث كان الجدار الخارجي للمعبد مزركشاً بمشاهد حميمة وبأوضاع متنوعة، وكانت هناك منحوتات كثيرة ومختلفة الأوضاع. فعرف من خلالها بأن العاطفة والجنس يوجدان على محيط الحياة، أي على الجدار الخارجي للحياة نفسها في حين أن المعبد من الداخل يخلو من هذه التماثيل، وبالتالي فالذين مازالوا مفتونين بالعاطفة والهوى والجنس، لا يمكنهم الوصول إلى معبد الله في الداخل، ويظلون ببساطة يدورون حول الجدار الخارجي.>>|[3]|«وهو معبد هندي قديم، يضم مئات من التماثيل التي تعبر بكل جرأة ووضوح عن الأهواء الجنسية، على نحو ما يصفه الشاعر نفسه في مقدمته للقصيدة، وهي تتألف من واحد وثمانين بيتاً».
سوف نستعير الشيء الكثير من قراءة د.أحمد زياد محبك للقصيدة، يقول فيها: «والشاعر يؤكد في مستهل القصيدة انتصار هذا الصرح المعماري على الزمان. ثم ينتقل الشاعر إلى تملّي جمال التماثيل في المقطع الثاني».
«والشاعر يقدم نحواً من خمس عشرة حالة لتماثيل مختلفة، ويصورها حالة حالة في إيجاز وتكثيف وقدرة كبيرة على الإيحاء، من غير دخول في الجزئيات أو التفاصيل، وفي قدر كبير من الحياد الفني الجميل، فالشاعر يصور ما هو مباح أو مستباح، أو ما هو طبيعي أو شاذ، ولكن من غير إقرار أو مباركة أو تسويغ لما يصور، ومن غير دعوة أو إغراء أو إثارة، والشاعر ينوع في التماثيل التي يختارها لتصويره، فهي تتوزع بين حب عفٍّ وماجن، وبراءة سامية أو اشتهاء والغ، وجمال في جسد ونقاء في روح».
«ومن ذلك صورة فتاة بريئة، تفتحت أحلامها قبل الأوان، فهي تتطلع إلى آفاق بعيدة، والجنى مايزال بعيداً»، يقول الشاعر في وصف تمثالها:
«وفتاة خدر لم تلامس عقد مئزرهـا يدان
وقفت وجفناهـا بأذيال الشموس معلقان
قـالت وقال الوعد للأحلام: ما آن الأوان»

«إن التعبير عن طهر الفتاة ونقائها بكون مئزرها لم يُحلّ هو تعبير فني يتجاوز مقدار الكناية إلى خلق تمثال للفتاة يتصوره الذهن من خلال تلك الصورة الدالة، وفي وقوف الفتاة وتطلعها إلى آفاق بعيدة، إحساس بالامتداد غير المنتهي أمام نظراتها، وهو إحساس يثير الشعور بحركة تجاذب مستمر بين الأحلام البعيدة والأنظار المتطلعة إليها، وهي حركة تمتد من غير ما انتهاء، وتلك الحركة الخارجية المتمثلة في الوقوف والتطلع إلى آفاق بعيدة تدل على حركة داخلية، قوامها نضج الرغبات وتوثبها وتشوقها إلى اختراق الداخل إلى الخارج، والنفاذ من عالم الرغبة إلى عالم الفعل».
«وثمة صورة لعاشقين يضنيهما الشوق، وهما على الرغم من قرب أحدهما من الآخر، لا يلتقيان»، وتتمثل الصورة في الأبيات التالية:
«وفتـى يهـمُّ بقبلـة       ويكاد يقطفهـا حنان
قطع الحياء بها السبيل فما استعان ولا أعان
تمضي الليالي وهو من  نعمائهـا قاص ودان»

«فالفتى والفتاة يدنو كل منهما من الآخر، ليقطفا قبلة، ولكنهما، بما أنهما تمثالان جمدا عند مسافة ثابتة، فلا هما ينالان القبلة، ولا هما يعزفان عنها، وهكذا يظلان أبد الدهر، بين اقتراب وابتعاد، يكادان ينالان القبلة، ولكنهما لا ينالانها، والصورة توحي بحركة تجاذب مستمرة أبداً بين الطرفين، ومن خلال هذه الحركة المستمرة يتم الانتقال من الإحساس بكتلة التمثال الحجرية، إلى الشعور بمرور الزمن، أي يتم الانتقال من حس المكان إلى وعي الزمان، وما هو بزمان آني محدود بقبلة متحققة، إنما هو زمان أبدي مطلق يتعلق برغبة تكاد تتحقق ولكنها لا تتحقق، وهذا يعني الانتقال من أبعاد المكان وحدود الزمان إلى ما وراءهما من آفاق تتجاوزهما إلى الكلي المطلق».
«وثمة صورة ثالثة توحي بالعطاء الأبدي الذي لا يفنى، وتتمثل الصورة في تمثال لفتى شاب يعانق امرأة في منتصف العمر، فإذا هما يتساقيان، ويبدو عناقهما أبدياً، فينبوع الشباب في الفتى لا ينضب، وتوهج الأنوثة في المرأة لا ينطفئ»، وتتمثل الصورة في الأبيات التالية:
«ومراهق مستسـلم   لقيـاد غانية عوان
رد الربيع لها فرفت      طلعة وزهت ليـان
أهوت عليه فاكتسى بالياسمين الخيزران
وتمهلت لا وهجها      فان ولا الينبوع فان»

«في المقطع الثالث من القصيدة، وفيه يتحدث إلى المعبد مؤكداً أن كثيرين استهجنوا في الظاهر ما رأوه، ولكنهم في الباطن استمتعوا به وتملَّوه، وهو يرى أن المعبد قد كشف الزيف وأعاد لعري الحياة رفعته».
والحال، فالمعبد إن فضح شيئاً، فهو يفضح ازدواجية الإنسان بمواقفه ومعاييره، فمن خلال الكبت يُظْهِر الإنسان شيئاً، ويكون في باطنه شيء آخر، هذا الشيء الآخر يقوده من حيث لا يدري، فهو يستهجن ويدين، وفي السرّ يريد ويرغب ما يستهجنه ويدينه. فلا عجب أن نرى مثلاً أحد التماثيل يصوِّر ناسكاً في وضع فاضح بالقرب من الإله شيفا <<الإله شيفا يعني البركة واليمن والسعادة، وهو وحدة الثالوث الهندوسي الذي يتمثل بوجوهه الثلاثة: الخلق، البقاء، الهلاك؛ ويتمثلون بـ: براهما، فيشنو، رادرا. وتذكر النصوص المقدسة عند الهندوس أنه «في البدء، كان شيفا لا يتبدل، لم يكن ثمة أي شيء آخر، سوى شيفا أو السعادة»، وفي نص آخر: «كان شيفا واحداً لا ثاني له، فقسّم نفسه بحسب دوره وطبيعته. تشخص جانبه الأيمن في براهما، والأيسر في فيشنو. وأصبح براهما هو الخالق..وكان لابد للخلق الذي بدأ من أن يبقى، فصار فيشنو علة البقاء. وكان رادرا هو خالق عملية الموت. فما أن تبدأ عملية الخلق حتى تسير بقوتها الدافعة الذاتية وإرادتها الأصلية. ويبقى شيفا الأصل نقياً مطلقاً، لا تغيره الأوضاع والتشكلات من خلق وهلاك». أما عالم الأساطير الكبير كامبل فيذكر عن شيفا أنه أقدم إله معبود في هذه الأيام، وأنه هناك صور تعود إلى 2000 وحى 2500 ق.م تظهر أختاماً تحتوي على أشكال واضحة تشير إلى شيفا. كما يشير إلى أنه هناك صورة لشيفا وهو محاط بدائرة من اللهب، حلقة من النار. وتُعرَف رقصة شيفا على أنها الكون. وفي شَعْرِه يوجد جمجمة وهلال، موت وبعث في اللحظة ذاتها، لحظة الصيرورة. في إحدى يديه يمسك طبلاً صغيراً يصدر صوتاً، إنه طبل الزمن، إيقاع الزمن الذي يغلق أبواب الأبدية، أما في يد شيفا الثانية فيوجد لهب يُحْرق ستار الزمن ويفتح العقل للأبدية.>>|[4]| الذي يطارح بارفاتي <<تذكر شوبيتا بونجا في كتابها الرائع «النشوة السماوية» أن: "السانكيا واليوغا وهي من أقدم مدارس الفكر الفلسفي الهندوسي، وفيها يقوم الخلق على مبدأ أن الخلق يبدأ بوجهين: «بوروشا» الأصل الكوني، و«براكريتي» الطاقة والمادة، وكان شيفا أو بوروشا (الوعي)، ساكناً بلا شكل، وشاكتي وبراكريتي متحدين داخل شيفا، إن تشخيص شاكتي وبراكريتي هو بارفاتي التي أصبحت زوجة شيفا، وعُرِفَت بأسماء عديدة، أوما، وكالي السوداء المظلمة، وشاكتي القدرة. كانت بارفاتي هي المساعد في عملية الخلق، هي النسمة، وشيفا هو حركة النسيم. هي الأرض متجسدة، وشيفا هو الكون، وهي مبعث ومحرك كل ما يُرَى ويُفعَل بالحواس والعقل. إنما بارفاتي في الفلسفة التانترية تسمى شاكتي، وفي المدرسة السانكية تسمى براكريتي، وتسمي شيفا بوروشا. إذن بارفاتي هي أم الكون، مفرجة الكروب، تجلس على عرش من الأحجار الكريمة النسب، وقد أضاء نورها ملايين الشموس البهية. كما تشير الأسطورة إلى أن تاراكا ملك الشياطين قد أخل التوازن الدقيق في الطبيعة، وتلطخ صفاء البحر وسُلِبَت ثرواته، وتلوثت السماوات بالشر، وذبلت الأرض، وسُرِقَ منها خصبها وعطاؤها، وأنه ما من حل للخلاص من شر تاراكا إلا من خلال زواج بارفاتي من شيفا وولادة كارتيكيا الذي سيقتل تاراكا في النهاية، ذلك أنه حين وُلِدَ تاراكا طلب مكافأتين: ألا يساويه رجل في الكون بقوته، وألا يموت إلا على يد ولد من أولاد شيفا (عارفاً أن شيفا حياته النسك والتأمل وليس له أولاد) وهكذا وهبه براهما الخالق، ما أراد، وحين وصلت الحال إلى مأزق كبير، كان لابد من زواج بارفاتي من شيفا حتى يتم خلاص الكون من قبضة تاراكا، وهكذا كان.>>|[5]|. فالناسك هنا يعبِّر عن روحانية زائفة، قوامها الكبت والازدواجية، ففي الوسط نرى الفعل الجنسي الخالص من خلال اتحاد شيفا مع بارفاتي، إلا أن هذا الاتحاد يصبح ذو طابع حسي شهواني، بسبب الكبت والإدانة والرغبة العنيفة المنفلتة من كل مراقبة أو رصد أو انتباه، في الحين أنه اتحاد يسمو بالحس ويعبِّر عن حقائق كونية. فلنسمع ما يقوله أبو ريشة في هذا المقطع:
«كاجوراو هل من حرمةٍ   لك عند رائيها تصان
كم زائر أدمـى فؤادَ        ك مـا أسـر وما أبان
أخفى الرضا وتظاهرت    بالسـخط عيناه اللتان
تتحريـان وتنهـلان            وتسـكران وتحلمان
مـزقت أقنعة الحيـاة       ومـا عليها من دهان
وجلوتهـا في عريهـا       فترفَّعت بعد امتهـان»

قراءة في قصيدة «ليدا» (1946)


«مرّغي جفنيكِ بالحـلم وغيبي  وتناسَـي وحشة العمر الجديبِ
واهصري ما شئتِ من أجنحةٍ تشتهي الموت على وهج اللهيبِ
كبريـاءُ الفتنة البـكر أبـتْ أن          ترى خمرَكِ في كأسِ حبيبِ
فاحملي الشـوقَ فما تدري به     أذنُ الواشـي ولا عين الرقيبِ
واسـفحيه رعشـةً تنضح ما قرَّ        فـي نهديكِ من خمرٍ وطيبِ
..
يـا ابنةَ الأحلام لا تسـتقبلي        مصرعَ النشوةِ بالطرفِ الكئيبِ
يكتفي الزنبقُ فـي صحرائه          بندى الفجـر وأنسـام المغيبِ»

«ليدا» حسب الأسطورة اليونانية هي ابنة ثيستيوس ملك إيتوليا. أحبها تنداريوس عندما كان ملتجئاً إلى بلاط أبيها وتزوجها. ولكن الإله زيوس أحبها، وأصبح يأتيها على شكل لقلق. وهذا ما قدم به أبو ريشة قصيدته «أتاها الإله زيوس بصورة طائر».
إذن، نتيجة لهذين الحبين حسب الأسطورة وضعت ليدا بيضتين فقست إحداهما عن التوأمين بولوكس وهيلين، وهما من ذرية زيوس، وفقست الثانية عن كاستور وكليتمنستره، وهما من ذرية تنداريوس.
وفي الحقيقة أن قصة حب زيوس وليدا كانت من الموضوعات الأثيرة لدى الفن القديم والحديث. وقد تمثّل وهي تضم إليها اللقلق، وربما ظهر أطفالها في الصورة معها.
والحال، فإن «ليدا» هي تعبير عن هيام الإله بالمخلوق وحبه إلى درجة العشق والاتحاد به، إنها لاشك قصة أزلية، انعكست في اللاوعي الجمعي عند الإنسانية من خلال أساطير متنوعة كانت تعبِّر بدورها عن الأشواق الإنسانية الرفيعة واللواعج العميقة، ففي أسطورة «ليدا» نرى «زيوس» إله الآلهة وقد تحول إلى لقلق لكي يزور حبيبته، ويبثها أشواقه، وتسبق هذه الأسطورة الميثولوجيا الهندية التي سبق أن ذكرناها في قصيدة «معبد كاجوراو» والحال، فإن «العقدة» التي تدور حولها قصة المعبد هي قصة حب إله الآلهة شيفا لذلك المخلوق الإلهي بارفاتي، والهندوس يحتفلون في كاجوراو كل سنة بليلة شيفا أي زفافه من محبوبته «بارفاتي» التي أخذت فيما بعد أسماء مثل «شاكتي» الإلهة الأم، والقوة الخلاّقة للإله شيفا.
وهكذا، نجد عمر أبو ريشة في قصيدته هذه دعوة لـ«ليدا» أي أعلى ما تسعى إليه الإنسانية وتشتاق، إنه المخلوق الذي تزفه عروساً للإله. وهكذا فالشاعر يدعوها لـ«الغيبوبة» الروحية، و«الرؤيا» حين يقول: «مرّغي جفنيكِ بالحلم وغيبي»، ومن ثم يدعوها للتسامي نحو العشق الأعلى والهيام بمداراته الإلهية، واختبار النشوة السماوية العليا، خصوصاً حين يقول: «واهصري ما شئت من أجنحةٍ تشتهي الموت على وهج اللهيبِ»، فهو هنا يستعير صورة الفراشة مشبهاً «ليدا» بها، ومعبراً عن رؤيته الصوفية العالية، فمن خلال احتراق الأجنحة على وهج اللهيب، رمزاً للحب الإلهي، والفراشة رمزاً للمحب. وفي هذا السياق، يروي د.أحمد زياد محبك عن فريد الدين العطار في كتابه «منطق الطير» عن «طائفة من الفراش اجتمعت في طلب الشمعة، فأرسلت واحدة تتحراها، فرأت قصراً فيه شمع مضيء، فرجعت إلى صاحباتها تصف لهن الشمعة، فقال كبير الفراش: لم تعرفي من الشمعة شيئاً، فانطلقت أخرى واقتربت من النار فلم تطق مسها، ورجعت تخبر صاحباتها، فقال لها الكبير: ليس هذا وصفاً للشمعة، فانطلقت ثالثة حتى ألقت نفسها في اللهب، فاشتعلت وأضاءت، فقال لها الكبير: قد عرفت، إنما يُدْرَكُ الحبيب بالفناء فيه».
وهو حين يقول: «كبرياء الفتنة أبت أن ترى خمركِ في كأس حبيبِ» فإنه يعزُّ عليه أن تكون حبيبة لآخر، سوى الإله. والبيتان التاليان يتابعان المعنى في صدح غنائي ومناجاة،
وأخيراً، يدعوها «ابنة الأحلام» ويشبهها بـ«الزنبق» الذي في الصحراء دلالة على فرادتها وسموها في عالم الإنسانية القاحل والمجدِب، كما أن الزنبق رمز للطهارة خصوصاً الزنبق الأبيض، وكذلك الزنبق الأزرق يشير إلى أصلها السماوي. أما حين يناديها «يا ابنة الأحلام» فهو يشير إلى أقصى ما تتمنى الإنسانية الوصول إليه!!.

مما قيل عنه


«كانت سنة 1971 سنة تعرّفي إلى ذلك الشاعر الشهم الشجاع عندما كان يتردد إلى "دار العودة" للإشراف على صدور مجموعته الشعرية الكاملة. وكنت في حينه أتردد إلى هذه الدار لنشر كتابي "هي الأولى هو الأول"، ومنذ ذلك الوقت وأنا أتساءل، من أي كوكب هذا الملاك. وأنا أعرف شعراء جيلي، والجيل القبل والجيل البعد.
عمر أبو ريشة يساوي أمة، لا تستطيع اللغة -أي لغة- أن تعرّف عن هذا الكيان الإنساني الذي يدعى عمر، فهو كوكبة من الأرواح في مدار الجسد. تراه ثائراً، تراه متصوفاً، تراه ناسكاً، تراه متزهداً، تراه واقعياً. وترى في ذاته وجع الملايين من البشر.
مرهق حتى التعب ومتوهج حتى الحزن. خارق الرؤيا مدهش في قوة إيمانه وفي قوة صدقه وقوة وفائه.
آخر مرة رأيته فيها، خيل لي وهو يحدثني كأنه يشتعل وكأنني أسمع دموعه كالعويل».
                                     الشاعرة إنصاف معضاد
                                           9-8-2000
                                                                             

مختارات من قصائده


جان دارك


رأى في معرض «اللوفر» بباريس صورة فتاة رائعة الجمال على صهوة جواد أدهم، فاستغرب عندما علم أنها «جان دارك».
«الفجـر أومـأ، والبتولْ   بحلمها المعسول نشوى
حتـى إذا أطيـافـه        نفرت من الأجفان عدْوا
أخذت تمطّـى والفتــــــــــورُ يهـزها عضواً فعضوا
وغطاؤها المعطار        يزلق عن تـرائبها ويُطوى
وأكفُّهـا فـي شـعرها       تـزداد دغدغة ولهوا
والنـاهدان بصدرهـا       يتواثبان هوىً وشجوا
فتشـدّ فوقهما وســـــادتها وفـي شـغف تلوّى
هيهـات تُروى والحياءُ    خدينها هيهات تُروى!!
**
نظرتْ إلـى مرآتهـا   والشعرُ مضطربُ الضفائرْ
ولحاظها بثمالة الأحـــــــــلام ســـاهيةٌ فـواتـرْ!
وقميصها المحلول فــوق تـواثب النـهدين حائـرْ
فاستعرضَتْ عيشاً كما شـاء الهوى ريانَ عاطرْ
وتمثلتْ خِدنـاً يحـلّ         بـراحتيـه لهـا المآزرْ
ويضمها شغفاً وتهمـــي فوقهـا القُبَلُ المواطـرْ
فتجلجلتْ خجلاً وغصّتْ بالشـهيِ مـن الخواطرْ!
وتنهدتْ ألمـاً وأطبقت   الجفونَ على المحاجرْ!
**
وقفتْ تصلـي هيبـةً   والنفس خاشعة كئيبه!
وصليبها القدسيُّ     يرمقها بنظـراتٍ رهيبـه
فتزحزحـت أجفانُها عن دمعة القلق السكيبه
وفؤادها المخذول يكــتم فـي مخاوفـه وجيبه
فاسـتغفرت عن حلمه الطاغي ولفتتِه المريبه
واستعصمتْ بصليبها من كل هاجسة غريبه
وبنت له خلف الضلـــوع هيـاكل الحب الرحيبه
وأتتْ على أمل الشباب وطيبِ زهرته الرطيبه!
**
مضت الليالي مثلما الأحلام في أجفان نائمْ
فإذا البتول على جوادٍ مثلِ جلد الليل فـاحمْ
وأمامهـا علمُ البلاد ممـــــوّجُ الجنبات باسـمْ
ووراءها جيـشٌ من الفرسان مشدود العزائمْ
وخيولـه مختـالـة تحــــــــت العوالي والصوارم
ينساب في الوادي كما الرقطاءُ بات لها قوائمْ!
وغبـاره يعلو على جنبيه من عسف المناسمْ
والأفق مطروفُ العيون يلفحه والصخرُ شاتمْ!
**
نادت بفيلقهـا البتـولُ    وهزّ سـاعدُها المهنَّدْ
وعَدتْ إلى حرم الجهاد السمح بالعزم الموطّدْ
فتلاحم الجيشان فانـــدلع اللظى والهول أرعدْ
هـذا يفـرّ وذا يكرّ           وذا يُكبُّ وذاك يصعدْ
والموتُ يأكل ما تُلقّــــمُهُ يـدُ الطعن المسـدّدْ
حتى إذا نالتْ نواجـــــــذُه من الأشلاء مقصدْ
بدتْ البتولُ كما بـدا    من كوَّةِ الظلماءِ فرقدْ
تختال جذلـى بالفخــــــار وعزةِ النصر المخلدْ
**
نصرٌ على نصر أقضّ      مضاجعَ الأبطال ذعرا
حتى إذا الوطنُ الأسيــر بدا مـن الأغلال حرا
هوتِ البتول المستميتة فـي يد الأعداء غدرا
فطغت سـخائمهم كما لو في الهشيم قذفتَ جمرا
ومشوا مجوساً يحمـــــلون بتولهـم للنـار نُكرا
ورموا بهـا وتجمعوا      من حولها تيهاً وكبرا
فتجلدتْ ويـدُ اللظى    ترمي بمئزرها فتعرى
وتهزهـا هزّاً فتعلو             تـارةً وتخرّ طورا!
**
أخذتْ تصعّدُ روحَها      في قبضة النار المهيبه
وأمامها تمشي طيوفُ الخلد فـي حلل قشيبه
فبدتْ تصلِّي للصــــــــــليب صلاة فائـزة طروبه
فإذا بـه يحنو عليها       بابتسـامته الحبيبه!!!»
                                               1935  

مصرع الفنان


«مات صديقه الموسيقار كميل شمبير وأنامله على الأوتار»، فقال:
«نام عن كأسـه وعن أحبـابه     قبل أن ينقضي نهار شـبابه
نام عن سكرة الحياة وقد جفَّ شرابُ السـلوان فـي أكوابه
بسـماتُ الرضى على شفتيه وشـتاتُ الرؤى على أهدابه
وبنات الغروب تسكب في       أذنيه أصـداء عـوده وربـابـه
لابسـاتٍ حمرَ المآزر مرتْ        ريشـةُ الليل فوقها بخضابه
راقصاتٍ في حلقة من عباب اللهو، والرقص موجة من عبابه
رقصاتِ المطهماتِ من الخـــــيل بعرس يموج فـي تصخـابه
يا بنات الغروب قد نفض  الليلُ علـى الكون حالكاتِ نقابـه
إحملي الراحلَ الغريب وسـيري بالزغـاريد سـلوةً لاغترابه
وادخلي هيكل الفنون وأبقيـه سـراجاً يضيء في محرابه
..
لفتـة نحو أمسـه        أيها الشاعر العلم
إن في سفر عمره      صفحاتٍ من الألم
..
ملَّ دنياه بعد ما سـئم الســــــير عليها وضـاق فـي بلوائـه
مورد الفن مظلم لـم يصـوِّبْ فوقه الشرق مشعلاً من ضيائه
سار فيه، وظلمة اليأس تطفي تحت أنفاسـها شـموع رجائه
والصخور الجسام ناتئة الأنيـــــــاب تدمـي أقدامـه وهـو تائـه
ورؤوس الأشـواك ترتدُّ عنه         وعليهـا ممزقٌ مـن ردائـه
والأفاعي تفحُّ مـن كل صوب   نازعاتٍ إلـى امتصاص دمائه
والأمانـي أمام عينيه أطيافُ       سـرابٍ تموج فـي بيـدائـه
فحنـى رأسـه الكئيب وألقى      بعصـاه وضـج فـي بأسائه
وانثنـى عائـداً يشـيِّع حلماً    يتلاشـى مـن مقلتيْ نعمائه
عودةَ الثاكل الحزين وقد       نفّض كفيـه مـن ثـرى أبنـائـه
..
ليس يرجو من الورى     بسمة تغسل السقم
أحزم الناس عاقـل        لمس الجرح وابتسم
..
ضاق فـي وجهه الفضاءُ وما في قوسـه نبلة لصون كيـانه
فحوتها في صدرها الحانة الحمراءُ خـوفاً عليه مـن أحزانه
فتغنـى بعطفهـا وحبـاهـا     بالشهي الفتان مـن ألحانه
وهـوى ينحـر الكآبـة نحـراً       بين نعمـى أوتاره وحسانه
وانبرى يكرع المدامـة حتـى     هرئت لثَّتاه عـن أسـنانه
ويعبُّ الدخـان حتـى اسـتحالت    رئتـاه مجـامراً لدخـانه
خـالعاً معطف الوقـار مكبـاً       فـوق أهوائه طليق عنانه
لا تلوموه فـي ضـلال خطـاه ربَّ رجسٍ، الطهرُ من أركانه
..
جعل اللهو سلوة تحمل السم في الدسم
لا يبالي صريعها      عبس الكون أم بسم
..
يا لهـا سـكرة قد أطلقته     من قيود الورى ومن أتراحه
غسلت عن فؤاده ألم العيـــش وألوتْ بباقيـات كفـاحـه
وأرتْـه طيوفَ آمـالـه الغرِّ     عذارى يطفن فوق وشـاحه
حاملاتٍ على سواعدها البيـــض أكاليـلَ فـوزه ونجـاحـه
فغفـا هاتفاً بسـكرته الهوجـــاء والـروح ممعن فـي رواحه
قبل أن يطلع الصبـاح عليـه ويرى الحلم كاذباً في صباحه
هكذا الوهم للمخبِّط فـي اليأس ضمـاداً وبلسـماً لجراحه
زحـف الفجر باتئـادٍ كنسـر   قصَّت الريح من طويل جناحه
وأتـى جثـةً فصبَّ عليهـا     دفقات مـن عطفه وسـماحه
والندى لم يزل عليهـا دموعاً سلن من زفرة الدجى ونواحه
..
هكذا لاح واختفى  في خضم من الظلم
تاركاً فوق أرضه       ضجر الروح والسأم
..
ليت شعري وقد توارى وشيكاً أطروب أم بائس فـي بعاده
ما أظن الآلام في عالم الــــروح تزجِّي شـراكها لاصطياده
قد كفاه مـا ذاق فـي دنيــاه من لئام الورى ومن حساده
أهملت شـأنه البلاد وصمت    أذنيها عـن دمدمـات فؤاده
فتحت صدرها لكل دخيل    فاغر الشدق واثب في عناده
وسـقته كأس الهنـاء دهاقاً وفتـى الفن ظامئ في بلاده
لم يكن ذاك عن ذهولٍ ولكن   يـرغب الهرُّ في دما أولاده
إنما لـم تزل رفـاق ليـاليه         كراماً علـى عهود وداده
تجمع الخمر شـملهم فيُخــــــلّون فـراغ اتكـائه واسـتناده
كلمـا مرَّ ذكره قلبوا الكأس علـى الأرض حسرة لافتقاده
..
صفحة الحب والهوى      والأهـازيـج والنغم
قد طوتهـا يد الردى فهي في حجرة العدم
..
لست أنسـى النـاقوس لما نعاه والمصلَّى يموج فـي أحباره
ورؤوس الرجال مطرقة والحـــــــــــزن سـاج مسـربل بوقـاره
والمنـاديل فـي أكف الغوانـي تشرب الدمع من مقر انفجاره
حملوه فـي نعشه الأبيض اللون   وسـاروا كتائـه فـي قفاره
وحدوه بكل لحـن شجـيّ        سـرقته الآذان مـن أسراره
إيـه ألحـانـه وأنت حنيـنٌ         سال من روحه علـى أوتاره
رافقيـه فـي أفقه فهو ظمـآن     بعيـد العهود علـى قيثـاره
رب ورقاء في الفضا الرحب لما زقزق الفرخ شاكياً من أواره
أطبقت فوق صدرها من جناحيها وأهوت كالنجـم عند انهياره
وأكبَّت عليـه تمنحـه العطف        ومنقارهـا علـى منقـاره»
                                                                1936

المراجع


1) ديوان عمر أبو ريشة، دار العودة، بيروت، 1971.
2) عمر أبو ريشة: حياته وشعره مع نصوص مختارة، تأليف: جميل علوش.
3) عمر أبو ريشة: شاعر الجمال والقتال، تأليف: إيليا الحاوي.
4) الشعر طقس حضارة، تأليف: محي الدين صبحي.
5) الصورة البيانية في شعر عمر أبو ريشة، تأليف: وجدان عبد الإله الصائغ.
6) عمر أبو ريشة: دراسة في شعره ومسرحياته، تأليف: محمد إسماعيل دندي.
7) الشاعر العربي عمر أبو ريشة، وزارة الثقافة.
8) عمر أبو ريشة والفنون الجميلة، تأليف: أحمد زياد محبك.
9) المرأة في شعر عمر أبو ريشة، تأليف: سامي أبو شاهين.
10) النشوة السماوية: قصة معابد كاجوراو، تأليف: شوبيتا بونجا، ترجمة: مجمد جميل القصاص.
11) الحب والغرب، تأليف: دينيس دي رجمون، ترجمة: د.عمر شخاشيرو.
12) معجم الأساطير اليونانية والرومانية، إعداد: سهيل عثمان، عبد الرزاق الأصفر.
13) من الجنس إلى أعلى مراحل الوعي، تأليف: أوشو، ترجمة: أيمن أبو ترابي.
14) قوة الأسطورة، تأليف: جوزيف كامبل، ترجمة: حسن صقر، ميساء صقر.
15) موقع إلكتروني.

دوريات


1) الموقف الأدبي، العدد 97 أيار 1979، مقالة: عمر أبو ريشة: قمة الكلاسيكية الجديدة وآخر روادها، تأليف: جلال فاروق الشريف.
2) الموقف الأدبي، العددان 138-139- تشرين الأول – تشرين الثاني 1982، مقالة: عمر أبو ريشة: فارس الشعر الرومانسي، تأليف: محمود منقذ الهاشمي.
3) الآداب، أيلول 1955، مقالة: عمر أبو ريشة والحب المجزأ، تأليف: توفيق صايغ.


نبيل سلامة

اكتشف سورية

Share/Bookmark

صور الخبر

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق

هزارراغب:

جزاك الله كل خير وقد كتبت مقالة منذ حوالي تسع سنوات في ذكرى مرور عشر سنوات على وفاته. في مجلة عرب الكويتية. وقد لاقت استحسانًا ولكن أعترف بأن مقالتك موسعة وشاملة. مشكور.

كويت ولكني حلبية

ثابت الكعبي:

جزاكم الله كل شي مشكورين الله يعطيك العافيه

الإمارات