في زاروب ثقافي قرب مقهى ناي باللاذقية
علي فرزات يعرض لوحاته للمارة ورواد المقاهي!

23/تشرين الأول/2008

ثمة زقاق في نهاية سوق الصفن يطلق عليه زقاق جرير، يتفرع عن السوق باتجاه سينما الكندي في مدينة اللاذقية، وعند نقطة التفرع هذه يقع مقهى «ناي آرت كافيه» اختار صاحبه ـ أنس اسماعيل ـ أن يكون مقهى ثقافياً، مؤكداً وبعد ثمانية معارض تشكيلية، وأماس موسيقية وورشات قصة وسيناريو وتصوير على تجسيد معنى المصطلح على أرض الواقع.
زاروب ثقافي
فعلى جدران هذا الزقاق الأقرب إلى الزاروب اختار فنان الكاريكاتير الشهير علي فرزات، أن تكون أعماله على تماس مباشر مع المارة في الشارع ومع الذاهبين لأعمالهم وقضاء حوائجهم أو المرتادين مقهى ناي، زبائن، أو قاصدي راحة ما. اختار فرزات هذه المرة إذاً أن يأتي بلوحاته للناس، بدل أن يذهبوا إلى الصالة ليروها في معرض تشكيلي، وهم الذين اعتادوا متابعتها في الصحف المحلية والعربية، قبل أن«تغير»منابرها باتجاه الصحف اللندنية «الغارديان والأوبزرفر».

يقول صاحب المبادرة أنس اسماعيل: «كان خيارنا الكاريكاتير اليوم باعتباره الفن الذي يلامس تفاصيل الحياة اليومية للناس وهو الأكثر انتشاراً بين الفنون التشكيلية، فلماذا لا يشاهدونه بطريقة أكثر حميمية ومغايرة عن الطريقة التي اعتادوا فيها مشاهدته، كإحدى عروض الشارع التي أسعى إليها. لاسيما بعد منع مرور السيارات في الزقاق ومن ثم تزيينه بأحواض الزهر والمقاعد الخشبية ليكون بذلك زاروباً ثقافياً دائماً هذا إذا ما استجاب مجلس مدينة اللاذقية لطلبنا!».
معرض استعادي
في هذا المعرض الاستعادي لفرزات سينثر اللوحات خارج وداخل المقهى، لوحات طالما أثارت انتباه الرأي العام من خلال تكثيف المشهد البصري، وهو الذي أخذ فن الكاريكاتير باتجاه التعبير بالرمز الكاريكاتوري البعيد عن ثرثرة الكلام، فكان أن قدم لوحات «بدون تعليق» شكلت فيما بعد مدرسة سورية حاول الكثيرون مقاربة عتباته من خلالها!.
لوحات تحمل شفرة ما، بين المشهد البصري والمتلقي إذ ثمة حبل سري يصل بين الطرفين لمنولوج طويل، بتلك المبالغة التي اعتبرها فرزات المقياس الأساسي لفن الكاريكاتير، كأحد اشتقاقات المدرسة التعبيرية، في هذا المعرض سيقوم علي فرزات بتلوين اللوحة، بتلك الألوان التي تحمل قيماً تعبيرية تخدم فكرة المبالغة التي هي أساس الفن، وليس التلوين التزييني الذي لا يخدم شيئاً وإن قدم قيماً جمالية هنا اللوحة ستصير بعكس لوحة الكاريكاتير المتعارف عليها المقاربة للعارض السياسي الزائل بسرعة والمؤقتة بزمن. هنا اللوحة ستتكامل بكل عناصرها: ألوان، خطوط، وأفكار ورموز لتشكل اللوحة التي لها صفة الخلود، ومن ثم بالإمكان تعليقها في صالون المنزل أو المقهى، وغير ذلك من الأمكنة.
هي لوحات قرأ المتلقي رموزها، وفك شفرتها. وحفظها تماماً كما يحفظ الناس قصائد وأشعار نزار قباني. رموز: الشرطي، الحذاء، الكرسي، رموز خبرها المتلقي على مدى عقود من اشتغال علي فرزات بالكاريكاتير، مؤكداً على أن الواقع العربي الذي ينهل منه هذه الأعمال هو بذاته يفوق في حالته الكاريكاتورية أي عمل كاريكاتوري مهما بالغ في تعبيراته.
حالات كاريكاتورية قدمها فرزات من خلال خطوط ومسطحات قدم فيها هذه المفارقات النقدية الحادة مستفيداً من معطيات التعبيرية لأقصى مدى. والتي هي ومنذ استخدامها في التشكيل لأول مرة عام1905 كانت تحمل في مضامينها وشكلها العام مظهراً احتجاجياً على الواقع السياسي والاجتماعي محاولاً جهده التعبير عن الصورة النفسية (الداخلية) إضافة لاهتمامه بالصورة الخارجية والتي كان الإنسان العربي محوراً أساسياً في اتجاهات لوحات فرزات وكذلك في رسومات الكارتون، التي عرضها على شاشة داخل مقهى ناي، فيما سماه«كاريكاتير» وذلك بتمثيل عدد من اللوحات التي على الحوائط والجدران من خلال مجموعة أفلام قصيرة.
كاريكاتون!!
في أعمال فرزات بنوعيها اللوحات والأفلام القصيرة يؤكد على المضمون أولاً وإن كان ليس على حساب المشهد البصري، وذلك بتركيزه على اللون والخط عندما تحولا إلى وظيفة تعبيرية صرفة، فتلوى الخط ـ كما في كل الحالات التعبيرية ـ تحت تأثير المشاعر الذاتية والعاطفية للفنان مشوهاً ومحوراً في الشكل ومستفيداً من تفجيرات اللون في اللوحات التي سعى إلى تلوينها بعد تجارب عديدة وبأقصى طاقات اللون الكامنة.
علي فرزات الذي جعل لفن الكاريكاتير عائلة، وهو الفن الذي بقي لعقود لقيطاً ومتأرجحاً بين الصحافة والفن التشكيلي هنا استفاد الكاريكاتير من الأنواع التشكيلية كلها. من الحركة التعبيرية بالكشف عن أزمات الإنسان الروحية فصار لديه القبح والبشاعة أكثر إثارة مخفياً السخرية المريرة في التشويه والتحوير والمفارقة والتناقض.
ذلك ما سعى إليه فرزات في اشتغاله على تناقض الشكل ونفخه وبعثه في خطوط، وبالتقاطه المبدع للشوائب والجوانب السلبية في محيطه، ثم المشاكسة عليها في صياغتها والإعلان عنها بكامل النزق والهزل، والتهكم!!.



تشرين

المشاركة في التعليق

اسمك
بريدك الإلكتروني
الدولة
مشاركتك