أدونيس الشاعر التشكيلي والتشكيلي الشاعر

01 03

تحتاج الحركة الإبداعية العربية إلى وعي مؤسساتي حضاري

العرب من وجهة نظره ينحدرون ويتراجعون منذ انهيار بغداد عام 1258 حتى يومنا هذا، وما سموه عصر النهضة لم يكن في الحقيقة إلا انحداراً آخر لكونه عودة إلى نماذج انتهت وماتت، فأحيينا الميت والميت لا يولِدُ نهضة.

ثقافياً يجد الثقافة في بلادنا العربية مجرد وظيفة لم تكن مستقلةً في أي مرحلة تاريخية في بحثها عن الحقيقة والمعرفة، إنما كانت دائماً موظّفة، لذلك إذا لم تتحول الثقافة العربية وفنونها إلى بحث مستقل حرّ عن المعرفة والحقيقة لن يكون هناك مستقبل للعرب على الإطلاق.

  في غاليري أتاسي عقد مؤتمرٌ صحفي جمع كلاً من الشاعر السوري أدونيس والتشكيلي سمير الصايغ في الأول من آذار على خلفية معرض لبعض الأعمال الورقية تظهر العلاقة الوطيدة بين الكلمات والأشكال تحت عنوان «شعراء تشكيليون، تشكيليون شعراء».
عن المعرض قال الصايغ «هذا الزمن لم يعد زمن الشعر، وكلمة الشعر مُلِصت، ولم تعد تُلتقط، وبدأت أشعر أنه بتوقف الشعر يأتي الخط ممثلاً للشعر ولجوهره، فالشعر لا ينبغي أن يأخذ معنى الكلمة المباشر، إنما أن يغير مفهوم وتركيبة الكلمة، ويضيف عليها عدة معان، وهنا يتطابق الخط العربي مع الشعر من حيث تغيير معاني ورمزية الحرف، لأنني أذهب بالحرف إلى أبعد من قصة تعليق لمعنى واحد».
في اللوحات قُدمت لغةٌ جديدة وبحثٌ جديد من حيث كتابة الحرف داخل اللوحة، إذاً ما هي هذه اللغة وكيف يقام الحوار بين ما هو خطي وما هو تمثيلي؟ يقول أدونيس «في الواقع تقنياً لا علاقة للنص بالتشكيل، النص من عالم آخر، وعامة النصوص التي أكتبها ضمن اللوحة هي بمثابة تحية للشعر العربي وتوكيد على حضور الشعر، وفي النهاية كل شيء شعر، الحب شعر، الصداقة شعر، الحياة شعر، والفن التشكيلي ذاته شعر، أعتقد أن أي عمل فني إذا ما انطوى على هذا البعد الشعري فهو عمل يطرح حوله تساؤلات عديدة، وأنا ضد القول إن زمن الشعر انتهى، وإذا كان للشعر من زمن حقيقي فهو زماننا هذا، زمن الفقر والشح وعدم الحب وطغيان الكراهية هذا هو زمن الشعر، ولا يقارن زمنه بكم القراءة وكم النشر أو بعدد القراء، لا يقاس الشعر إلا بشعريته وبحضور النص بوصفه مقاربة جديدة للعالم وبوصفه مجموعة من العلاقات الجديدة بين الكلمات والأشياء وبين الكلمات والكلمات وبين الأشياء والأشياء، وكل إبداع يجب أن يقيم مثل هذه العلاقة، لذلك أسمي كل أنواع الإبداع شعراً. أيضاً دائماً أقول وأكرر إن كان هناك من حداثة شعرية عربية أو حداثة فنية عربية فيجب ألا تُقام على تغيير الشكل فقط، إنما على تغيير معنى الفن، تغيير معنى الشعر، ولا معنى للحداثة الشعرية العربية إذا لم يتغير مفهوم الشعر ذاته، والأمر ينطبق على الفنون الأخرى».

لوحة من المعرض توضح صوراً للمشاركين فيه. من اليمين: فاتح المدرس، وسمير الصايغ، واتيل عدنان، وأدونيس

يضيف أدونيس «ذات يوم استيقظ في نفسي نوعٌ من التساؤل، لماذا لا أحاول أن أملأ الفراغ في الصفحة بعمل آخر يكون امتداداً لشعر، أن أَكتب قصيدة أخرى مختلفة بلغة أخرى لم آلفها، وبوصفي ميالاً إلى التغيير والمناورات ومليئاً بالتناقضات حاولت أن أقوم بكتابة قصيدة أخرى، ومرت فترة طويلة فشلت فيها في كتابة مثل هذه القصيدة فوجدت نفسي مضطرباً ودخيلاً على هذا العالم".
ويتابع الصايغ الفكرة فيقول «الخط عنصر أساسي من عناصر الفن الإسلامي، وهذا الفن اعتمد على التجريد حيث كان تجسيداً للذي لا يُرى، عكس تجريد الفن الحديث الذي ذهب إلى اختصار الذي يُرى، بمعنى آخر، أخذ عنصراً وخفف عنه التفاصيل أو دخل التجريد في الفن الإسلامي فكان تجسيداً للنظم الخفية للعالم، فالخط هو في حسن الشكل وحسن الوضع شيء حسي ولكن هذا الحسي هو المجرد، وعندما يكتمل هذا النظام يكون السحر، ومن هنا سحر الخط، ليس لاحتوائه على القواعد، إنما في نظامه الخفي الذي خرج عن العناصر الشكلية التي سميتها "الطويل والقصير والخفيف" فالخط يحتاج إلى وحدة ثانية أكبر بكثير من هذه التي نراها، هي وحدة بين اليد والعين وبين العين والمخيلة، والمخيلة والنفس، جميعهم يتوحدون ليعبروا عن المضمون الذي تضج به الروح على بياض الورق».
عن غياب العلاقة بين الفنون في المجتمع العربي يجد أدونيس أنه «نعم وللأسف لا علاقة بين الفنون في الحياة العربية، وفي تقديري الأمر عائد إلى أسباب تاريخية لا مجال للخوض فيها، إنما يمكن القول إن فقدان هذه العلاقة هو فقرٌ آخر في الحركة الفنية الإبداعية العربية، وأعتقد أن كل مبدع يجب أن يكون على صلة معرفية وعلى مستوى من الخبرة في جميع الفنون، وهذا يعود إلى المدرسة العربية الثقافية والسياسية والاجتماعية والدينية، وهنا يجب أن نعترف بأن مجتمعاً بدون مؤسسات خلاقة لا يمكن أن تكون فيه ثقافة خلاقة، والمجتمع العربي يعيش من دون مؤسسات بهذا المعنى، وينحصر دورها بالوظيفية لا الثقافية».

في علاقتنا مع الغرب يقول أدونيس «تخيل المجتمع العربي قد خلا من الأثر الغربي، ماذا يبقى فيه؟ إذاً الغرب ليس آخراً غريباً عنا، إنما الغرب يسكننا حتى على مائدتنا التي نتناول طعامنا عليها، ولا يجوز إنكارُ ذلك وإنما وعيُه حتى نتعلم كيف نصنع مسافة بيننا وبينه بحيث نتخلص مما نستطيع التخلص منه، ونبتكر نحن حياتنا وأدواتها».

«مما تجدر الإشارة إليه أن دمشق العمق التاريخي والفني والهندسي ليست موجودة في الحياة الدمشقية اليومية إطلاقاً، ومدينة إيطالية متوسطية مثل نابولي تعاني ما تعانيه أي مدينة متوسطية تحتوي على أكثر من 75 متحفاً وجزءاً من متحف، هذا هو الوعي المؤسسي الحضاري، بينما في دمشق بالكاد نرى متحفاً، وهو متخلف عن دوره كمتحف».


رياض أحمد

اكتشف سورية

Share/Bookmark

صور الخبر

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق