كوليت الخوري في كتابها دمشق بيتي الكبير

27 02

كل ما حلمت به وتمنيته لدمشق في الستينيات تحقق اليوم

تتميز شخصياتها النسوية المنبثقة عن نتاجها الروائي والقصصي بمواقف حاسمة في مسألة الحب. فمن وجهة نظرها يتوجب على الإنسان أن يبدأ بالحب، وينتهي به، وكل ما بقي من تفاصيل الحياة يقبع بين هاتين المفردتين، وبناءً على ذلك خرج جُلُّ عطاءاتها ترجمة لهذا الحب.
في المركز الثقافي بـ«أبو رمانة» أقيمت في السابع والعشرين من شباط 2008 ندوة «كاتب وموقف» للأديبة كوليت الخوري بمناسبة إعادة إصدار كتاب طُبعَ سابقاً عام 1969، وحمل اسم «دمشق بيتي الكبير».
منذ نعومة أظفارها كانت تشعر الكاتبة أن دمشق هي بيتها الكبير وجميع أصدقائها من داخل المدينة أو خارجها لهم غرفة في هذا البيت الكبير، وقد عاشت سنين طفولتها وصباها على هذا النحو والشعور، وعندما بدأت مرحلة الانقلابات في سورية كانت تشعر أن دمشق هي بيتها والحكام يأتون ويذهبون، أما هي فباقية في بيتها دمشق، وقد ترجمت شعورها هذا في إجابتها عن سؤال لزائر عربي من العراق الشقيق عندما سألها في ذلك الزمن «هل أنت مع الحكم الحالي؟» فقالت له «أنا مع دمشق التي أشبهها، أما الحكم الحالي فهو يشبهك؟» وطلب التوضيح فقالت «أنا أُشبه دمشق، جبيني مثل سمائها، عيناي خضراوتان مثل أشجارها، أما الحكم فيشبهك لأنه لا يحب أن يقيم معنا طويلاً».
«دمشق بيتي الكبير» حمل بين دفتيه حوارات كثيرة عنوانها العشق والحب والعمل على التفصيلة الوصفية، وفيه تراءى للكاتبة الكثير من الأحلام والرؤى الزمردية لدمشق فلم تكن دمشق الصغيرة الململمة والجميلة كما هي عليه اليوم من بعثرة وضخامة، وتجد الكاتبة أن كل ما تضمنه كتابها من أمنيات قد تحقق في الزمن الراهن، سيما أن دمشق بقيت بيتها الكبير الذي وسمته بالفوضوي اليوم.
  ومع أن معظم نتاجها الأدبي ينطوي على الحب كعنوان عريض، إلا أنه بمعزل عن أقلام النقاد لعجزهم عن وسم هذا الإنتاج بالأدب المكشوف أو الخوض في المسكوت أو ما اصطلحوا على تسميته بالكتابة الجريئة التي شاعت أسلوباً بين أوساط الكُتاب والكاتبات، وبقي أدبها بمنأى عن خدش إحساس أكثر الناس محافظة وتقليدية، فقد جاء هذا الحب بمواقف حاسمة في مفرداته وتعابيره عندما قالت «الرجل الذي لا يفهم في الحب لا يمكنه أن يفهم في السياسة، والرجل الذي لا يستطيع أن يحب امرأة لن يستطيع حب الوطن». فقد وجدت الأديبة كوليت في الحب التكافؤ الإنساني بين كائنين عاقلين ذكر وأنثى، وفعلاً إنسانياً راقٍ يسمو بأفعالنا وأعمالنا، والجنس يأتي تتويجاً لهذا الحب الذي لم تخجل مطلقاً من أن توسم به ولكنها تخجل من أن توسم بكاتبة الأدب المكشوف أو الأدب الجريء، وهي تقول في ذلك «أنا أديبة عاطفية وبطبعي خجولة رُبّيت على هذا على أن لا أتحدث بالأمور الجنسية، وقد أحمر خجلاً عندما أسمع أحداً يتحدث بها، والحب بالنسبة لي شيء سامٍ رفيع، والجنس ارتقاء طبيعي لهذا الحب وثمرة من ثمراته».
لا تجد كوليت أن هناك أدباً مكشوفاً وأدباً غير مكشوف، بل هناك أدب أو لا أدب، وهي تعتبر أن الأدب المكشوف لا أدب، ومع ذلك تقول «أنا لست مع الأدب المكشوف، ولا أؤمن به ولكني في الوقت ذاته لست ضده، وأنا مع الأدب الذي يشبهني».
كوليت خوري دمشق بيتي الكبير في مركز أبورمانة الثقافيلم تميز الأديبة كوليت طوال حياتها بين الذكريات والتاريخ، وكانت تنظر إلى الذكريات الشخصية على أنها التاريخ وهي أشد ما تكرهه لإحساسها بأن تلك الذكريات تُبقي الإنسان أسيرها، وهذا يتعارض مع كوليت التي تحب الحرية والانطلاق نحو المستقبل دون النظر نحو الماضي أو الوقوف على أطلاله، لتكتشف في مراحل لاحقة متأخرة أن الماضي ليس ذكرياتها، بل هو تاريخ أمة وشعب وقصة وطن وهو امتداد للمستقبل حيث تقول «الآن اكتشفت أنني بدأت أحب التاريخ».
يذكر أن الكاتبة كوليت عضو جمعية القصة والرؤية، ومن أعمالها «عشرون عاماً»، و«أيام معه»، و«رعشة شعر بالفرنسية»، و«ليلة واحدة»، و«دمشق بيتي الكبير»، و«المرحلة المرة»، و«الكلمة الأنثى»، و«أغلى جوهرة في العالم»، و«دعوة إلى القنيطرة»، و«أيام مع الأيام»، و«أوراق فارس الخوري»، ورواية قيد الإصدار الأسبوع المقبل.


رياض أحمد

اكتشف سورية

Share/Bookmark

صور الخبر

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق